هدد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، مؤخراً باستعادة السيطرة الأمريكية على قناة بنما، متهماً الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى بفرض رسوم مفرطة على استخدام الممر المائي، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من جانب السلطات الرسمية والمعارضة في بنما، وفي مقدمتهم الرئيس خوسيه راؤول مولينو.
وفي كلمة أمام عدد من أنصاره في ولاية أريزونا هذا الأسبوع، قال ترامب أيضاً إنه لن يترك القناة تقع في "الأيدي الخاطئة"، محذراً من تأثير صيني محتمل على الممر المائي، حسبما نقلت وكالة رويترز.
وقال ترامب:"هل سمع أحدكم من قبل عن قناة بنما؟… لأننا نتعرض للخداع عند قناة بنما مثلما يجري خداعنا في كل مكان في العالم".
وجاءت تصريحات ترامب بعد ساعات من تهديد مشابه وجهه الرئيس الأمريكي المنتخب إلى بنما في منشور على منصة تروث سوشيال مساء السبت الماضي.
وقال ترامب: "الرسوم التي تفرضها بنما سخيفة، غير عادلة بالمرة".
وأضاف: "لقد قُدمت (القناة) إلى بنما وشعب بنما لكن بشروط. يتعين عليكم أن تُعَاملونا بإنصاف لكنهم لم يفعلوا ذلك".
وأضاف:"إذا لم يتم اتباع المبادئ الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة الكريمة، فإننا سنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بالكامل، وعلى وجه السرعة ودون أدنى شك".
ما هي قناة بنما؟
- قناة بنما هي ممر مائي صناعي طوله 82 كيلومتراً يربط بين المحيطين الهادي والأطلسي عبر بنما، ما يوفر للسفن آلاف الأميال والسفر لأسابيع حول الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية الذي يتعرض لأجواء عاصفة وجليدية.
- الرحلة التي تقطعها السفن المتجهة من لوس أنجلوس إلى نيويورك عبر القناة أقصر بنحو ثمانية آلاف ميل (أو ما يعادل 22 يوماً) مقارنة بالسفر عبر مضيق ماجلان قبالة تييرا ديل فويغو، وهو أرخبيل في أقصى جنوب أمريكا اللاتينية.
- تنقل القناة السفن عبر بحيرة جاتون، التي ترتفع نحو 26 متراً فوق مستوى سطح البحر، عبر سلسلة من الأهوسة المائية. ويتطلب عبور كل سفينة نحو 200 مليون لتر من المياه العذبة.
- يمثل الممر المائي الذي يسمح بعبور ما يصل إلى 14 ألف سفينة سنوياً 2.5% من التجارة العالمية المنقولة بحراً، وهو أمر بالغ الأهمية لواردات الولايات المتحدة من السيارات والسلع التجارية القادمة من آسيا ولصادرات الولايات المتحدة من السلع، ومنها الغاز الطبيعي المسال، وفقاً لوكالة رويترز.
متى بدأ إنشاء قناة بنما؟
- بدأ المستعمرون الإسبان دراسة إنشاء قناة بين المحيطين تقطع المضيق عند أضيق نقطة به في جنوب أمريكا الوسطى في وقت مبكر من ثلاثينيات القرن السادس عشر. ولكن لم يحدث ذلك إلا في عام 1878 عندما وقّعت كولومبيا، التي كانت تعتبر بنما مقاطعة تابعة لها آنذاك، اتفاقية امتياز مع مهندسين فرنسيين.
- لم تنجح الجهود الفرنسية في نهاية المطاف وأفلست الشركة التي تأسست لغرض إنشاء قناة عبر بنما في 1899، بعد أن فقد نحو 22 ألف عامل حياتهم في المشروع، وكثير منهم بسبب الأمراض والحوادث.
- سعت الولايات المتحدة في عام 1903 إلى الحصول من كولومبيا على امتياز دائم للقناة. غير أن كولومبيا رفضت الاقتراح. ورداً على ذلك، دعمت الولايات المتحدة استقلال بنما، الذي أُعلن في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
- وبعد ثلاثة أيام، وقّع سفير بنما في واشنطن اتفاقية تمنح الولايات المتحدة حقوق بناء القناة وإدارتها إلى أجل غير مسمى. ودفعت الولايات المتحدة لبنما 10 ملايين دولار ثم 250 ألف دولار سنوياً مقابل تلك الحقوق. وندد العديد من البنميين بالاتفاقية واعتبروها انتهاكاً للسيادة.
- شُيدت القناة إلى حد بعيد باستخدام عمال من منطقة الكاريبي وبنميين من أصل أفريقي، وافتُتحت القناة أخيراً في عام 1914 بعد أن لقي أكثر من خمسة آلاف عامل حتفهم في أعمال الإنشاءات.
كيف تسلمت بنما مسؤولية إدارة القناة من أمريكا؟
- خلال القرن العشرين، تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة وبنما وسط احتجاجات متزايدة على سيطرة واشنطن على القناة، ولا سيما بعد أزمة قناة السويس في 1956، حينما توقفت الخطط البريطانية والفرنسية لغزو مصر عقب تأميم القناة بعد ضغوط أمريكية.
- في عام 1977، وقع الرئيس جيمي كارتر معاهدة مع الزعيم العسكري البنمي عمر توريخوس منحت بنما سيطرة حرة على القناة وضمنت الحياد الدائم للممر المائي.
- دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 31 ديسمبر/كانون الأول 1999. ومنذ ذلك الحين، تدير القناة هيئة قناة بنما التابعة للحكومة، ولا تزال مصدر دخل رئيسياً لبنما.
هل تفرض بنما بالفعل رسوماً زائدة على السفن الأمريكية؟
- تقول السلطات في بنما إنها لا تفرض رسوماً زائدة على السفن الأمريكية كما ادعى ترامب. وقال مسؤولون في بنما إن جميع الدول تخضع لنفس الرسوم، وإن كانت تختلف وفقاً لحجم السفينة.
- وفقاً للرئيس مولينو، فإن هذه الرسوم يتم تحديدها في اجتماعات عامة من قبل هيئة قناة بنما، وتأخذ في الاعتبار ظروف السوق والمنافسة الدولية وتكاليف التشغيل والصيانة.
- ومع ذلك، ارتفعت الأسعار مؤخراً. وذلك لأن بنما شهدت جفافاً شديداً بدءاً من عام 2023، مدفوعاً بمزيج من ظاهرة النينيو وتغير المناخ. ومع انخفاض مستويات المياه في بحيرة جاتون، الاحتياطي الهيدرولوجي الرئيسي للقناة، إلى مستويات منخفضة تاريخياً، قللت السلطات من الشحن عبر القناة للحفاظ على المياه العذبة في البحيرة، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
هل تسيطر الصين على قناة بنما؟
- لا تمتلك الصين أي سلطة إدارية ولا تشغيلية على قناة بنما.
- وقال رئيس بنما مولينو في خطاب ألقاه، الخميس: "لا يوجد جنود صينيون في القناة…".
- ومع ذلك، فإن إحدى الشركات التابعة لشركة سي.كيه هاتشينسون هولدنجز ومقرها هونج كونج تدير ميناءين يقعان على مدخلي القناة من منطقتي البحر الكاريبي والمحيط الهادي.
- يقول بعض الخبراء إن هذا يثير مخاوف تنافسية وأمنية مشروعة بالنسبة للولايات المتحدة، لأن هونج كونج أصبحت الآن جزءاً من الصين.
- ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن ريان سي بيرج، مدير برنامج الأمريكتين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، أن الشركة من المرجح أن تمتلك بيانات عن جميع السفن القادمة عبر قناة بنما، مما يمنحها ميزة امتلاك هذه البيانات.
- وأضاف بيرج أن الصين تستخدم عمليات الشحن والبحرية لجمع المعلومات الاستخباراتية الأجنبية وإجراء عمليات التجسس. وقال بيرج: "إن الصين تمارس، أو قد تمارس، عنصراً معيناً من السيطرة حتى في غياب أي حرب عسكرية. وأعتقد أن هناك ما يدعو للقلق".
- فيما قالت ماو نينغ، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، الثلاثاء، إن الصين "ستحترم كما هو الحال دائماً سيادة بنما" على القناة.
- وتعد الصين ثاني أكبر مستخدم لقناة بنما بعد الولايات المتحدة. وفي عام 2017، قطعت بنما علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان واعترفت بها كجزء من الصين، وهو ما يمثل انتصاراً كبيراً لبكين.
هل تستطيع الولايات المتحدة استعادة السيطرة على قناة بنما؟
- لم يتضح حتى الآن كيف سيسعى ترامب لاستعادة السيطرة على القناة، ولكنه لن يكون لديه أي سبيل بموجب القانون الدولي إذا قرر المضي قدماً في مسعاه للسيطرة عليها.
- في رسالة مسجلة أصدرها رئيس بنما هذا الأسبوع، قال مولينو إن استقلال بلاده غير قابل للتفاوض، وإن الصين ليس لها أي تأثير على إدارة القناة. كما دافع عن رسوم المرور التي فرضتها بنما، قائلاً إنها لم تحدد على نحو مفاجئ.
وقال مولينو في البيان: "كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المحيطة بها يعود إلى بنما وسيظل ينتمي إليها (إلى بنما)". - كما لجأ العديد من السياسيين في بنما، منهم أعضاء المعارضة، إلى وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاد تصريحات ترامب.
- وأشار ميك مولفاني، كبير موظفي البيت الأبيض خلال ولاية ترامب الأولى، إلى أن تصريحات ترامب كانت مجرد جزء من تكتيك تفاوضي لخفض أسعار الرسوم التي يتم فرضها على السفن الأمريكية.
- وقال مولفاني في برنامج "ذا هيل" على قناة نيوز نيشن: "كما تعلمون، لا أتخيل أن القوات الأمريكية ستدخل لاستعادة القناة، لكن عليك أن تفكر في أن هناك شخصاً ما هناك يحك رأسه ويقول، هل دونالد ترامب مجنون بما يكفي ليفعل شيئاً كهذا؟"
- وقال بيرج، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن اتفاقية الحياد تجعل من غير المرجح أن تتمكن بنما حتى من منح أسعار خاصة للولايات المتحدة.
ماذا تعني تصريحات ترامب؟
- كانت تصريحات ترامب مثالاً نادراً للغاية لرئيس أمريكي يقول إنه يستطيع الضغط على أي دولة ذات سيادة لتسليم أراض. كما تؤكد هذه التصريحات التحول المتوقع في الدبلوماسية الأمريكية في عهد ترامب، الذي لم يتردد من قبل في تهديد الحلفاء واستخدام الخطاب العدواني عند التعامل مع النظراء، وفق تقرير وكالة رويترز.
- وليست هذه المرة الأولى التي يدرس فيها ترامب توسيع رقعة بلاده.
- ففي الأسابيع القليلة الماضية، أثار ترامب مراراً فكرة تحويل كندا إلى ولاية أمريكية، رغم أنه من غير الواضح مدى جديته في هذا الأمر. وخلال فترة ولايته الأولى، عبر ترامب عن اهتمامه بشراء جرينلاند، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي وتتبع الدنمارك. وقد رفضت السلطات الدنمركية ذلك علناً.