طرطوس و”حميميم” و”تيفور”.. ماذا نعرف عن القواعد الروسية في سوريا؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/12/17 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/12/17 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
قوات روسية في قاعدة حميم السورية - أرشيفية - تاس

دخلت القوات الروسية إلى سوريا أول مرة في خريف عام 2015 عندما طلب نظام بشار الأسد مساعدتها العسكرية ضد قوات المعارضة التي كانت توشك في تلك الأيام على إسقاط النظام لولا التدخل الروسي والإيراني لتثبيته. واليوم بعدما نجحت فصائل المعارضة المسلحة في إسقاط الأسد الذي فر إلى موسكو، أصبح الوجود العسكري الروسي في سوريا موضع تساؤل مع تولي جماعات المعارضة المسلحة التي لطالما وصفها الروس بـ"الجماعات الإرهابية" مقاليد السلطة في البلاد.

وأعلن الكرملين في 16 ديسمبر 2024 عن محادثات مستمرة مع الإدارة الجديدة للبلاد، مشيراً إلى أن مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا لا يزال قيد النقاش. فيما نقلت وكالة "رويترز" عن 4 مسؤولين سوريين أن روسيا بدأت بسحب قواتها من خطوط المواجهة في شمال سوريا ومن مواقع في جبال العلويين، لكنها لم تنسحب من قاعدتيها الأساسيتين، قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وطرطوس البحرية. وتعد القاعدتان ركيزتين أساسيتين للوجود العسكري الروسي في البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.

ووفقا لمصادر عسكرية سورية لـ"رويترز"، نقلت روسيا بعض المعدات الثقيلة وعدداً من الضباط السوريين الكبار إلى مواقع أخرى بعد سيطرة المعارضة على كامل البلاد. ورغم ذلك، لم تظهر أي مؤشرات على نية روسيا التخلي عن هاتين القاعدتين في الوقت الراهن.

مقاتلون سوريون يراقبون مركبات مدرعة روسية تمر بالقرب من قاعدة حميميم الجوية – رويترز

متى بدأ التواجد العسكري الروسي في سوريا؟

  • بدأ التدخل العسكري الروسي في سوريا بشكل علني ورسمي في 30 سبتمبر 2015، عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء العمليات العسكرية الجوية لدعم النظام السوري بقيادة المخلوع بشار الأسد. جاء هذا التدخل بناءً على طلب رسمي من الحكومة السورية، التي كانت تواجه آنذاك خطر السقوط بعد سيطرة فصائل المعارضة والجماعات المسلحة على مساحات واسعة من الأراضي السورية وتهديدها للعاصمة دمشق.
  • ومع اشتداد الصراع الداخلي في سوريا منذ عام 2011، اعتبرت موسكو أن مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية مهددة بسبب احتمال تغيير النظام السوري، الذي يعد أحد الحلفاء الرئيسيين لروسيا في الشرق الأوسط. ولعلّ السبب الأهم وراء التدخل هو الحفاظ على القاعدة البحرية في طرطوس، التي تُعدّ الميناء البحري الوحيد لروسيا على البحر الأبيض المتوسط.
  • قبل عام 2015، كان الدور الروسي مقتصراً على دعم سياسي ولوجستي محدود لنظام الأسد، حيث تم توريد الأسلحة والمعدات العسكرية، إضافة إلى وجود مستشارين عسكريين روس في سوريا. ومع تصاعد الصراع، رأت روسيا ضرورة للتدخل العسكري المباشر لحماية مصالحها الاستراتيجية، تماماً كما فعلت إيران.
  • اعتمدت روسيا في تدخلها العسكري على شنّ غارات جوية مكثفة بواسطة طائرات حربية متطورة، مثل سوخوي 24 وسوخوي 34، على المناطق التي كانت تخضع لقوى المعارضة، إضافة إلى نشر منظومات دفاع جوي متقدمة، كما أرسلت قوات خاصة ومستشارين عسكريين لدعم العمليات الميدانية للجيش السوري السابق. فيما شرعت بتوسيع تواجدها العسكري في البلاد بالاتفاق مع النظام السابق.

أين تتوزع قوات وقواعد الجيش الروسي في سوريا؟

اعتبر التواجد العسكري الروسي في سوريا واحد من أكبر العمليات العسكرية التي نفذتها روسيا خارج حدودها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. وقبل غزو أوكرانيا، كانت تشير التقديرات إلى أن عدد القوات الروسية المنتشرة في سوريا يتراوح بين 3,000 إلى 5,000 جندي، إضافة إلى آلاف المستشارين العسكريين والفنيين.

وفي قواعد عدة، كانت روسيا تمتلك طائرات مقاتلة وقاذفات حديثة، إضافة إلى منظومات صاروخية متقدمة مثل S-300 وغيرها، وكانت تعتمد روسيا أيضاً على المئات من عناصر قوات فاغنر الخاصة، وهي مجموعة مرتزقة تُستخدم في العمليات البرية. وشمل هذا الوجود إقامة قواعد عسكرية لتأمين مصالح موسكو:

1- قاعدة حميميم الجوية

  • تُعتبر حميميم القاعدة العسكرية في محافظة اللاذقية الأهم لروسيا في سوريا، وتستخدم كمنطلق للعمليات الجوية الروسية. تم توسيع القاعدة لتستوعب مختلف أنواع الطائرات الحربية، إضافة إلى وجود دفاعات جوية متقدمة.
  • وقعت روسيا اتفاقاً مع سوريا في أغسطس/آب 2015 يمنح الحق للقوات العسكرية الروسية باستخدام قاعدة حميميم في كل وقت من دون مقابل ولأجل غير مسمى. واستخدمت روسيا القاعدة لتنفيذ مهام قتالية ضد فصائل المعارضة السورية. بعد مرور سنة على التواجد الروسي أعلنت روسيا عزمها توسيع قاعدة حميميم بغرض تحويلها إلى قاعدة جوية عسكرية مجهزة بشكل متكامل ودائم.

2- قاعدة طرطوس البحرية

  • تعد قاعدة طرطوس البحرية مركزاً حيويا لعمليات الإصلاح والإمداد لأسطول البحر المتوسط الروسي. أنشئت القاعدة في عام 1971 بدعم سوفييتي. ومع تدخل روسيا العسكري لدعم النظام السوري خلال الحرب، حصلت موسكو من النظام السوري على عقد إيجار مجاني للقاعدة لمدة 49 عاماً في عام 2017. يشمل التمتع بالولاية القضائية السيادية على القاعدة.
  • تسمح المعاهدة لروسيا بالاحتفاظ بـ 11 سفينة حربية في طرطوس، بما في ذلك السفن النووية؛ ونصت تلك المعاهدة على امتيازات وحصانة كاملة من الولاية القضائية السورية لموظفي روسيا وعتادها في المنشأة. 
  • تُعدّ القاعدة البحرية الروسية في طرطوس المنشأة البحرية الوحيدة لروسيا في البحر المتوسط وتستخدم لإجراء التدريبات البحرية، وتمركز السفن الحربية، وحتى استضافة الغواصات النووية، والدعم الفني للسفن، مما يجنب السفن الحربية الروسية رحلة العودة إلى قواعدها في البحر الأسود عبر المضائق التركية.
  • أنشأ الاتحاد السوفيتي منشأة له في ميناء طرطوس خلال الحرب الباردة وفقاً لاتفاق سوفييتي سوري أبرم في عام 1971، بهدف دعم السرب العملياتي الخامس للبحرية السوفيتية في البحر الأبيض المتوسط، والذي اعتبره السوفييت بمثابة توازن مع الأسطول السادس الأمريكي يقع مقره في إيطاليا. وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي تراجع الوجود الروسي في طرطوس إلى أن عاد بقوة بعد عامي 2012 و2015.

3- قاعدة تيفور العسكرية أو (مطار الطياس)

  • أقامت روسيا نقطة عسكرية في مطار "التيفور" في ريف حمص الشرقي قرب قرية التياس على بعد حوالي 60 كيلومتر شرق مدينة تدمر، وذلك بعد تحريرها من تنظيم "داعش" عام 2018، بهدف "تأمين المنطقة وحماية مصالحها الاستراتيجية"، حيث احتفظت موسكو بأرتال عسكرية وطائرات في تلك القاعدة.
  • خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، أتيحت للاتحاد السوفيتي إمكانية الوصول إلى قاعدة تياس الجوية التي تعد هي أكبر قاعدة جوية في البلاد، للنشر الدوري للطائرات البحرية. 
  • منذ عام 2022 خففت روسيا من تواجدها في قاعدة "تيفور" بسبب خلافات مع الإيرانيين، وتزعم "إسرائيل" أن القاعدة استخدمها "فيلق القدس" الإيراني لسنوات، لنقل أسلحة متطورة إلى سوريا وحزب الله والميليشيات الشيعية في المنطقة.
  • بعد سقوط نظام الأسد أشارت تقارير غربية إلى سحب الجيش الروسي آخر أرتال له من مطار "تيفور" ونقلها إلى قاعدتي طرطوس وحميميم.
صور أقمار صناعية تظهر الأسطول الروسي في البحر المتوسط بعدما غادر قاعدة طرطوس إثر سقوط نظام بشار الأسد (رويترز)

ما مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا بعد سقوط الأسد؟

  • تقول مجلة "الإيكونومست" البريطانية إنه في الأيام الأخيرة، سحب الكرملين مئات القوات والمركبات العسكرية من مناطق وقواعد مختلفة في سوريا إلى قاعدة حميميم لتعزيز التواجد الروسي فيها.
  • بحسب المجلة، فقد دخلت الإدارة الجديدة لسوريا بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام "أحمد الشرع" مع الروس في مفاوضات. ويقول مصدر مطلع على المحادثات إن "هيئة تحرير الشام" تتعامل "ببراجماتية" بشأن علاقات سوريا المستقبلية مع روسيا. وبحسب مصادر المجلة البريطانية، فإن "هيئة تحرير الشام" ستسمح لروسيا على الأرجح بالاحتفاظ ببعض أو كل قواعدها. ومن المرجح أن تحترم عقد إيجار روسيا لميناء طرطوس. وهذا يعني أن روسيا احتفظت بالوصول إلى منشأتها البحرية الوحيدة في المياه العميقة على البحر الأبيض المتوسط. 
  • في الأسبوع الذي تلا سقوط النظام السوري، واصلت طائرات النقل الروسية نقل المسؤولين السابقين في النظام، بما في ذلك الوزراء السابقون، فضلاً عن أفراد مقربين من عائلة الأسد وعائلة مخلوف (أقارب الأسد الذين ساعدوا في تمويل الدكتاتور السابق وإدارة البلاد) مقابل أموال باهظة.
  • في الأيام الأخيرة، اضطرت القوات الروسية على الأرض في سوريا إلى التنسيق مع "هيئة تحرير الشام"، بعدما حاصرت قوات المعارضة قواعد الكرملين في اللاذقية وطرطوس. ويقول أحد مسؤولي "هيئة تحرير الشام" إن بعض هذه القواعد كان يعاني من نقص الغذاء والماء. وتتراكم القمامة ومياه الصرف الصحي. وتوفر هيئة تحرير الشام الأمن للقوافل الروسية التي تخلي قاعدة "تيفور"  الجوية للذهاب إلى حميميم، بحسب "الإيكونومست" البريطانية.
  • في المقابل، أعلنت روسيا أنها ستقدم لسوريا الدعم الإنساني في مقابل استمرار الوصول إلى ميناء طرطوس وقاعدة حميميم الجوية. ولكن قادة سوريا الجدد يقولون إن هذا لن يكون كافياً. فهم يريدون علاقات دبلوماسية واقتصادية مع روسيا من شأنها أن توفر على الأقل بعض الاتصال بالعالم الخارجي.
  • يواجه زعماء سوريا الجدد قرارات صعبة، يقول مسؤول في "هيئة تحرير الشام" إن الجماعة حريصة على تحقيق التوازن مع القوى الخارجية التي تتنافس على النفوذ. وهي لا تريد أن تتحالف بشكل نهائي مع أي قوة واحدة. ولكنها تريد الاعتراف الدولي. ويشير أعضاء "هيئة تحرير الشام" مراراً وتكراراً إلى عزلة طالبان في أفغانستان باعتبارها قصة تحذيرية لهم يجب التعلم منها.
  • حتى الآن، وعلى الرغم من الكراهية الواسعة النطاق لروسيا بين العديد من السوريين، لا يبدو أن "هيئة تحرير الشام" عازمة على الانتقام وطرد الروس. ويبدو خروج روسيا الكامل من البلاد غير مرجح.
  • في السياق، قال مسؤول في هيئة تحرير الشام لصحيفة "الغارديان" البريطانية إن الحكومة السورية الجديدة ستسعى إلى المطابة بتسليم الأسد لها، أو تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأضاف "أنهم غير متفائلين بأن روسيا ستوافق على أي من الطلبين".
  • وبحسب "الغارديان" يبدو أن الهدف الأساسي لهيئة تحرير الشام هو إقامة علاقات اقتصادية وسياسية جيدة مع روسيا وغيرها من القوى الدولية، وهو ما قاله مسؤول في الهيئة، حيث أن ذلك "سيضفي الشرعية على الحكومة الجديدة".
  • وأصبحت قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس الآن القاعدتين الروسيتين النشطتين الوحيدتين في سوريا، وهو ما يعني تقلص الوجود العسكري الروسي الواسع الذي حافظت عليه موسكو في البلاد خلال عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد.
تحميل المزيد