شخصية يمينية تؤمن بـ"أرض إسرائيل الكبرى"، وتعارض فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وكان من أشد المعارضين لخطة فك الارتباط والانسحاب الأحادي من قطاع غزة عام 2005.
انضم السياسي والإعلامي المعروف جدعون ساعر، مؤخراً إلى الائتلاف اليميني الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، حاملاً حقيبة وزارة الخارجية خلفاً ليسرائيل كاتس الذي أصبح وزيراً للجيش بعد إزاحة رئيس الوزراء الإسرائيلي يوآف غالانت عن المشهد.
والمثير للاهتمام، أن ينضم جدعون ساعر الليكودي السابق، المعروف بتقلباته، وشكّل في يوم من الأيام تهديداً لنتنياهو، إلى الائتلاف الحاكم الذي يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي.
فقد كان يُعَد أحد أكبر التهديدات لقبضة نتنياهو على حزب الليكود التي استمرت لعقود من الزمان، لكن انشقاقه وتشكيل الحزب اليميني "الأمل الجديد" شكّل فشلاً له بالارتقاء إلى مستوى التوقعات، ويبدو أنه الآن قد عاد إلى حظيرة نتنياهو من جديد، رغم الارتياب من شخصيته والخوف منها والتي وصلت إلى تحذير سارة زوجة نتنياهو من خطورته
فقد تحدثت تقارير إسرائيلية سابقة، أن سارة نتنياهو كانت من أشد المعارضين لانضمام ساعر إلى ائتلاف زوجها، معللة ذلك بأنها تخشى من "خيانته مجدداً، كما خان في الماضي"، وكما خان نتنياهو فقد خان أيضاً بيني غانتس بعد انفصاله عن "المعسكر الوطني".
لكن نتنياهو، فضّل كسب جدعون ساعر وضمه لائتلافه، لقطع الطريق أمام غالانت بالتسبب في إحداث شرخ حكومي بسبب قضايا عدة أبرزها، تجنيد الحريديم ومناقشات "اليوم التالي للحرب على غزة"، والتحقيقات المتعلقة بهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي نفذته حركة حماس.
كما قرر نتنياهو طي صفحة الخلافات مع ساعر الذي كان عضواً أيضاً في "مجلس الحرب" الذي تشكّل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي تصريح سابق له يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي، إنه "خلال مناقشات مجلس الحرب، أعجبت بشدة برؤية ساعر وقدرته على تقديم حلول إبداعية لمشاكل معقدة، وفي أكثر من مناسبة، اتفقنا على الإجراءات اللازمة، وليس سراً أننا كانت لدينا خلافات بالماضي، ولكن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وضعنا كل مظالم الماضي وراءنا".
ويؤدي ضم جدعون ساعر إلى الائتلاف الحكومي إلى زيادة دعمه في الكنيست المؤلف من 120 مقعداً من 64 إلى 68، مما يضعف سلطة "الفيتو" الذي يتمتع به بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير.
فمن هو جدعون ساعر؟
ولد جدعون ساعر البالغ من العمر 57 عاماً، في مدينة تل أبيب، من أب مهاجر من الأرجنتين وأم تعود أصولها إلى بخارى في أوزبكستان، وحصل على درجة اللقب الأول بالعلوم السياسية، وكذلك درجة أولى بالحقوق والمحاماة من جامعة تل أبيب.
وزوجته هي المذيعة والصحفية الإسرائيلية المعروفة غيولا إيفن، التي تنتمي بفكرها وأيديولوجياتها إلى معسكر اليسار الصهيوني.
عندما كان عمره 15 عاماً التحق جدعون ساعر بحركة "هتحياه" التي أُسست عام 1979، من خلال تحالف بين أعضاء سابقين في حركة "حيروت" الحركة من أجل "أرض إسرائيل الكبرى"- و"غوش إيمونيم"، الحركة الدينية القومية غير البرلمانية التي شكلت الرافعة للمشروع الاستيطاني بالضفة الغربية وقطاع غزة.
وانخرط بالخدمة العسكرية عام 1984، كجندي في لواء جولاني، وبسبب إصابته خلال تدريبات لعناصر اللواء انتقل لدورة تعليمية في الاستخبارات العسكرية، ليعود ثانية إلى لواء "جولاني" جندياً وضابط احتياط حتى الانتهاء من الخدمة العسكرية عندما كان في الـ 36 من عمره.
خاض تجربة العمل في الصحافة، بمختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية، وإلى جانب تخرجه من قسم العلوم السياسية في تل أبيب، تخرّج أيضاً من كلية القانون، وعمل مساعداً للمدعي العام للدولة، كما كان مساعداً للمستشار القانوني للحكومة، وسكرتيراً للحكومة.
في العام 2003، انتُخب عضواً في الكنيست ممثلاً عن منطقة تل أبيب في قائمة حزب الليكود، حيث أصبح رئيساً لكتلة الليكود، ورئيساً لائتلاف حكومة أرئيل شارون الثانية.
تقلّد مناصب حكومية عدة طوال حياته السياسية، أبرزها منصب نائب رئيس الوزراء، ووزير العدل، ووزير التعليم، ووزير الداخلية.
تهديد سابق لنتنياهو بحزب الليكود
وكان نتنياهو نفسه من رعى جدعون ساعر وساعده في الارتقاء في صفوف الحزب قبل عشرين عامًا وعينه مستشارًا له في مكتبه.
تسبب جدعون ساعر بما وصفته الصحافة الإسرائيلية بـ"زلزال سياسي"، عندما قدم استقالته من الحكومة الائتلافية بقيادة نتنياهو عام 2014، لـ"أسباب شخصية"، لكنها جاءت عقب العملية العسكرية على قطاع غزة، التي ألقت بثقل كبير على ميزانية الحكومة، ما أسفر عن نشوب خلافات كبيرة بالائتلاف الحكومي.
لكن ساعر رغم إعلانه الاعتزال السياسي في ذلك الوقت، أعلن بقاءه في حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو، وفي العام 2017 قرر العودة مترشحًا بالانتخابات التمهيدية للحزب، وقد اعتبر مرشحًا محتملاً لقيادة الحزب ورئاسة الوزراء بدلاً من نتنياهو.
حوّل تزايد ملفات الفساد ضد نتنياهو الأنظار باتجاه جدعون ساعر الذي بات يُنظر إليه على أنه الشخصية المحتملة التي قد تتزعم حزب الليكود، لكن نتنياهو وجه إليه التهمة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بأنه يدير "مؤامرة" مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين للإطاحة به من رئاسة الحكومة، بعد الفوز في الانتخابات في ذلك الوقت، من خلال تكليفه بمهمة تشكيل الحكومة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، أشار نتنياهو إلى أنه يفكر بإجراء انتخابات مبكرة لقيادة حزب الليكود، ليسارع ساعر بكتابة تغريدة مقتضبة "أنا مستعد".
واتهم المقربون من نتنياهو، جدعون ساعر بأنه تحالف مع اليسار من أجل إبعاد رئيس الوزراء عن قيادة الحكومة.
رغم أنه لم ينجح في هزيمة نتنياهو، لكنه كرس نفسه على أنه خصمه ومنافسه من داخل الليكود ووريثه المستقبلي.
ولذلك رغم "انتصار نتنياهو السهل" على ساعر، وحصوله على دعم 75.5% من أصوات الليكود، تجاهله في تشكيلة الحكومة التي أقامها مع بيني غانتس.
بعد فشله في محاربة نتنياهو من داخل الليكود، قرر مجابهته من الخارج، معلنًا استقالته في ديسمبر/كانون الأول 2020، وتأسيس حزبه "الأمل الجديد" الذي قدمه على أنه حزب يمين الوسط الليبرالي، متعهدًا بعدم المشاركة في الحكومة التي يرأسها نتنياهو في ذلك الوقت.
جذب حزبه العديد من المنشقين عن الليكود، ووعد بإعادة "النزاهة" إلى المعسكر اليميني، واتهم نتنياهو بوضع "مصالحه الشخصية السياسية فوق مصالح البلاد".
في انتخابات الكنيست عام 2021، حصل حزب جدعون ساعر على ستة مقاعد، وفضل عدم التوصية بأي مرشح لتشكيل الحكومة للرئيس ريفلين الذي أعطى التفويض أولاً لنتنياهو الذي لم يتمكن من تشكيلها وأعاده.
سارع ساعر بعد فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة، بتقديم التوصية بمنح يائير لابيد التفويض لتشكيل الحكومة الائتلافية مع نفتالي بينيت، وحمل حقيبة وزارة العدل ونائبًا لرئيس الوزراء.
في أغسطس/آب 2022، أعلن ساعر وبيني غانتس عن اندماج حزبي بينهما، وأطلقا على تحالفهم الجديد اسم "معسكر الدولة"، وحصلا على 12 مقعدًا بالكنيست 4 منهم لحزب "الأمل الجديد".
بعد تفجر الحرب على غزة، أدى جدعون ساعر اليمين الدستورية كوزير بلا حقيبة في الائتلاف اليميني الذي يقوده بنيامين نتنياهو، عقب موافقة "معسكر الدولة" بقيادة غانتس على الانضمام إليها، تمهيدًا لتشكيل مجلس الحرب.
وفي مارس/آذار 2024، أُعلن عن الانفصال عن "معسكر الدولة"، مطالبًا بإدراجه في مجلس الوزراء الحربي، والذي قال إنه لا يعكس آراءه، ولكن بسبب عدم قبول طلبه قرر الاستقالة من الحكومة بنهاية الشهر ذاته.
ما موقفه من الفلسطينيين وحرب غزة و"حل الدولتين"؟
على مر السنين، قدم جدعون ساعر مواقف متشددة ضد الفلسطينيين، ويشتهر بأنه يعارض حل الدولتين، إذ يعتبر أنه "من الخطأ العودة إلى فكرة إقامة دولة فلسطينية". كما أكد في أحد تصريحاته عام 2020 أنه "لن تكون هناك دولة مستقلة أخرى بين نهر الأردن والبحر".
ويؤيد ساعر ضم مستوطنات الضفة الغربية إلى إسرائيل، وقال في تصريحات عام 2018، نقلتها "تايمز أوف إسرائيل": "لا يوجد حل للدولتين، هناك على الأكثر شعار لدولتين".
وكبديل لدولة فلسطينية، اقترح ساعر أن تكون أراضي السلطة الفلسطينية "مرتبطة بشكل ما بالمملكة الأردنية، في نوع من الاتحاد أو الكونفدرالية"، وهو طرح طالما رفضته السلطة الفلسطينية والأردن.
وفي 2016 نشر مقالًا قصيرًا تحت عنوان "نظرة لإسرائيل، الغرب وتحدي الهجرة"، أعرب فيه عن دعمه لمنع لم شمل العائلات بين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية والداخل المحتل.
عقب العدوان على قطاع غزة ما بين 2 ديسمبر/كانون الأول 2008، ويناير/كانون الثاني 2009، انتقد جدعون ساعر اتفاق التهدئة مع حركة حماس، وادعى أنه "من المشكوك فيه للغاية ما إذا كانت الترتيبات التي يتم تشكيلها في محادثات القاهرة ستكون قادرة على إغلاق قطاع غزة، ومنع استمرار التهريب".
كما انتقد ساعر الطريقة التي تمت بها إدارة العملية على القطاع في صيف 2014، ووصف الحملة بأنها "فاشلة".
وفي العام 2019، حرّض على شن عملية عسكرية بقطاع غزة، وكتب على حسابه في منصة (إكس): "يجب أن يكون هدف إسرائيل هو تفكيك البنية التحتية العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي في غزة"، ورفض استقدام العمال من غزة للعمل بالداخل المحتل عام 2022.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قال ساعر إن الأهداف التي تريد إسرائيل تحقيقها في نهاية الحرب هي "تدمير القدرات العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي، وتدمير القدرات السلطوية لحماس، وإزالة التهديد، وإعادة المختطفين ونظام أمني مختلف على حدودنا مع قطاع غزة".
كما دعا إلى إقامة منطقة أمنية عازلة بقطاع غزة تمنع وصول الفلسطينيين إلى الخط الحدودي، وفق صحيفة "ماكور ريشون" العبرية.
وفيما يتعلق بوقف إطلاق النار المؤقت كجزء من صفقة لإطلاق سراح الأسرى قال ساعر حينها: "لا نستبعد أي وسيلة كوسيلة لإعادة المختطفين إلى إسرائيل".
لكنه أوضح: "لن يكون هناك أي وقف إطلاق نار ذو طبيعة مؤقتة، لأننا لم نحقق أهداف الحرب ولن نحافظ على وقف دائم لإطلاق النار".
وخلال الشهر الماضي، أدلى ساعر بشهادته كجزء من لجنة التحقيق المدنية في أحداث السابع من أكتوبر.
وقال ساعر وقتها: "7 أكتوبر هو نتيجة 30 عامًا من السياسة الخاطئة (..) الانسحاب الأحادي الجانب من لبنان وغزة تسبب في فقدان السيطرة وسمح للجيوش الإرهابية بالسيطرة على حدود البلاد شمالاً وجنوباً مع التهديد المستمر على دولة إسرائيل".
أما حول فكرة الاستيطان بغزة، فقد زعم ساعر قبل أشهر بمقابلة مع صحيفة "معاريف"، رفضها له، رغم معارضته سابقاً خطة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005.