مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية 2024، بدأت الأنظار تتجه نحو أصوات الكتلة المسلمة، والتي ستكون أصواتها مهمة ولها تأثير على نتائج الانتخابات في ظل تسابق غير مسبوق للمرشحين دونالد ترامب وكامالا هاريس للحصول على دعم هذه الفئة.
بحسب آخر تعداد سكاني أمريكي أجري عام 2018، فإن عدد السكان المسلمين في أمريكا يزيد عن أربعة ملايين و953 ألف شخص، يتواجد أغلبهم في ولايات الساحل الشرقي والغربي لأمريكا.
ويقدر عدد المسلمين المسجلين للتصويت في الانتخابات الأمريكية بـ3 ملايين ونصف مليون مواطن في جميع أنحاء البلاد، حسب أرقام أعلن عنها مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير).
ويتركز وجود المسلمين في أمريكا بعدد أكبر في كل من ولاية كاليفورنيا، ونيويورك، وفيرجينيا، وميريلاند، وإلينوي، بالإضافة إلى ثلاث ولايات تعتبر من الولايات المتأرجحة القادرة القادرة على حسم السباق وهي ولاية ميشيغان، وجورجيا، وبنسلفانيا.
وتعتبر ميشيغان وجورجيا وبنسلفانيا ولايات متأرجحة غير محسومة، لا تخضع لسيطرة الجمهوريين أو الديمقراطيين، ويكون الفوز فيها دائماً بفارق ضئيل، لهذا يعتمد عليها المرشحون على مر التاريخ لتحسم نسبة الفوز.
وستُجرى الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، وتُظهر استطلاعات الرأي أن المنافسة بين هاريس ودونالد ترامب متقاربة، إلا أن هاريس تتقدم بفارق عدة نقاط مئوية، بينما يتقدم ترامب في ولايات رئيسية مثل ميشيغان وويسكونسن.
خريطة انتشار المسلمين في الولايات الأميركية
يحتل الإسلام المرتبة الثالثة من حيث عدد السكان في الولايات المتحدة، بعد المسيحية واليهودية، ووفقًا لأحدث الدراسات، يوجد حوالي 4.45 مليون مسلم في البلاد، وهو ما يمثل حوالي 1% من إجمالي السكان.
ويرتكز وجود المسلمين بشكل كبير في كل من ولاية فرجينيا وولاية أريزونا، وبدرجة ثانية في ولايات نيويورك، ونيوجيرسي، وكاليفورنيا، وإلينوي، وفلوريدا، وميشيغان، بالإضافة إلى ألاباما، تكساس، تينيسي.
وبفضل حضورهم الكبير في الولايات المتأرجحة الرئيسية، فإن الناخبين المسلمين لديهم القدرة على التأثير ليس فقط على الانتخابات الرئاسية، بل وأيضاً على انتخابات الكونجرس والولايات والانتخابات المحلية.
لمن سيصوت المسلمون في الانتخابات الأمريكية؟
كشف استطلاع رأي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) أن الكتلة المسلمة الناخبة في أمريكا لا زالت تدعم الديمقراطيين على حساب الجمهوريين، رغم تراجع هذا الدعم بسبب موقف الحكومة الحالية من الحرب الإسرائيلية على غزة.
وجاء في استطلاع الرأي نفسه، الذي شمل 40 ألف ناخب مسلم في ست ولايات رئيسية، أن هاريس تتقدم على ترامب بنسبة 29.4 في المائة من الأصوات بينما حصل ترامب على 11.2 في المائة، رغم استياء الجالية المسلمة الأمريكية من الديمقراطيين.
وفي نفس الاستطلاع، الذي تم في نهاية أغسطس/آب 2024 حصلت جيل ألين ستاين، وهي المرشحة المتكررة للحزب الأخضر على 29.1 في المائة من أصوات المسلمين، وهو ما وصفه مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية بأنه شكل من أشكال الاحتجاج على سياسة الديمقراطيين تجاه حرب غزة.
من جهته قال معهد دراسة السياسات الاجتماعية والتقارب، الذي يقع في ولاية ميشيغان، في أحدث تقرير له، إن المجتمع الإسلامي في هذه الانتخابات يبدو أكثر توحدًا من أي وقت مضى بشأن قضية سياسية؛ وهو موقف الحكومة الأميركية من حرب غزة.
وبحسب تقرير معهد دراسة السياسات الاجتماعية والتقارب، فإن أي مرشح يأمل في الحصول على دعم قطاعات كبيرة من الناخبين المسلمين يجب أن يستجيب لمطالب الناخبين المسلمين بإنهاء الحرب في غزة.
وأضاف التقرير نفسه أن الدعم السياسي والعسكري الواسع الذي قدمته إدارة بايدن لإسرائيل في حرب غزة أدى إلى دفع بعض المجتمعات المسلمة إلى الابتعاد عن الديمقراطيين.
ولكن الحرب في غزة ليست القضية الوحيدة بالنسبة للناخبين المسلمين، فالحرب ضد الإسلاموفوبيا، وسياسة دعم الأسر التقليدية وبرامج التأمين الصحي هي من بين الأمور التي سيأخذها المسلمون الأميركيون في الاعتبار في اختيارهم.
وعلى الرغم من أن المسلمين لا يشكلون سوى حوالي واحد في المائة من سكان الولايات المتحدة، فإنهم يشكلون كتلة تصويتية مهمة، وفي انتخابات 2020 تمكن بايدن من الفوز على ترامب بحصوله على 65% من أصوات المسلمين في الولايات المتأرجحة.
وتمكن جو بايدن من الفوز بولاية جورجيا بفارق 12 ألف صوت فقط، وهي الولاية التي يعيش فيها أكثر من 61 ألف ناخب مسلم، كما فاز بايدن في انتخابات ولاية بنسلفانيا 2020 بفارق 81 ألف صوت، ويبلغ عدد الناخبين المسلمين في هذه الولاية 125 ألف شخص.
وكان دعم المسلمين في انتخابات 2020 حاسماً في فوز بايدن، حيث فاز في ولايات رئيسية بهامش ضيق، ووفقاً لنتائج مركز بيو للأبحاث، فإن 62% من السكان المسلمين يميلون إلى الحزب الديمقراطي، و17% ينتمون إلى الحزب الجمهوري.
السباق على المسلمين
ومع بدء حملة الانتخابات الأمريكية، أظهر المرشحون تسابقهم على أصوات المسلمين، لما ستلعبه من دور في حسم السباق نحو البيت الأبيض، وذلك من خلال خطاباتهم ولقاءاتهم بالجالية المسلمة في عدد من الولايات الأمريكية المتأرجحة.
وظهر دونالد ترامب في مشهد غير عادي مع عدد من القيادات الإسلامية في ولاية ميشيغان، التي يرتكز فيها أكبر عدد من المسلمين، بالإضافة إلى أنها ولاية متأرجحة غير محسومة يُعول الديمقراطيون والجمهوريون على أصواتها.
ويحاول ترامب التقرب من المجتمع المسلم بعد الدعم الذي حصل عليه من طرف أمير غالب، رئيس بلدية هامترامك بولاية ميشيغان، وهو من أصل يمني أعلن دعمه لترامب ووصفه بـ"رجل السلام".
ومن خلال حصوله على دعم أمير غالب، يحاول ترامب التواصل مع المجتمع المسلم والعربي الأمريكي في ولاية ميشيغان الحاسمة، ويسعى إلى استقطاب عدد كبير من الناخبين المسلمين في ولايات أخرى من خلال هذا الدعم.
من جهتهم حاول الديمقراطيون استغلال مواقف ترامب القديمة للترويج لفكرة التصويت لـكامالا هاريس، لما يُشكله ترامب من خطر على وجود المسلمين بسبب رغبته في إعادة العمل بالقانون الذي يحظر هجرة المسلمين إلى أمريكا.
وطلب باراك أوباما، الرئيس الأمريكي الأسبق، خلال الكلمة التي ألقاها في حملة هاريس في بنسلفانيا، عدم التصويت لترامب لما له من سياسات صارمة ضد المسلمين في الماضي ولا تزال قائمة.
وقال باراك أوباما: "إذا كنت مسلمًا أمريكيًا وتشعر بالانزعاج إزاء ما يحدث في الشرق الأوسط، فلماذا تصوت لشخص وافق على حظر المسلمين؟ هل يعني هذا أنك لست جزءًا من مجتمعنا الأمريكي؟".
وقال باراك أوباما في خطابه إن دور المسلمين في الانتخابات الأمريكية 2024 سيكون بالتأكيد حاسماً، رغم أن النتيجة لم تتضح بعد على أي كفة ترجح، بسبب التغييرات التي يشهدها الشرق الأوسط.
حملات المسلمين على "سوشيال ميديا"
أظهرت أبرز استطلاعات الرأي والتقارير المؤسساتية أن الكتلة الناخبة المسلمة في أمريكا تتجه إلى التصويت لـمرشح ثالث غير مرشح الجمهوريين دونالد ترامب، ومرشحة الديمقراطيين كامالا هاريس.
وكشف موقع ميدل إيست أن المنظمين المسلمون الأميركيون للحملة الرئاسية لكامالا هاريس يجدون صعوبة في إقناع المجتمع المسلم بالتصويت لها، وأشار الموقع إلى أن الحزب الديمقراطي خسر جزءًا كبيرًا ومهمًا من أصوات المسلمين.
ويقود المنظمون المسلمون الأمريكيون لحملة هاريس الرئاسية حملات على مجموعات واتساب، والذين أكدوا أن ترامب لا يحصل على زخم لكن المسلمين مصرون على محاسبة الديمقراطيين على الحرب الإسرائيلية التي ترعاها الولايات المتحدة على غزة.
ويقود مجموعة من المتطوعين المسلمين حملة لصالح الديمقراطية هاريس داخل إحدى مجموعات WhatsApp التي تم إنشاؤها للمساعدة في حشد المجتمع المسلم للتصويت لصالح نائبة الرئيس الحالية.
وقال موقع ميدل إيست إسناداً لأحد المتطوعين المسلمين في حملة هاريس إن مهمة التأثير في المجتمع المسلم حالياً صعبة إذا لم يكن مستحية، ووصف الوضع بالقاتم رغم محاولات الإقناع، إلا أن الكتلة الناخبة عازمة على معاقبة هاريس على دعم الديمقراطيين للاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة.
ويقول نفس المصدر إن بعض الديمقراطيين تحولوا إلى جمهوريين، وأصبحوا يدعمون ترامب ويرون أنه على الأقل واضح في مواقفه على عكس الديمقراطيين الذين يروجون للسلام، ويدعمون منذ سنة واحدة من أبشع جرائم الإبادة التي عرفها التاريخ.
ويظهر كل من حساب "المسلمون من أجل هاريس" الذي أنشأه المتطوعون المسلمون في حملة هاريس على تويتر وحساب المسلمين من أجل هاريس على الأنستغرام الصعوبة التي يجدونها في إقناع المسلمين عبر مجموعات الواتساب التي يديرونها.
ويحاول المتطوعون في حملة هاريس إقناع الناخبين المسلمين بأن التصويت للمرشحة الديمقراطية هو الأفضل حالياً، وبشأن الحرب على غزة فهي لا تتمتع بسلطة اتخاذ القرار لإحداث التغيير في غزة حاليًا، ويجب أن يقع اللوم على بايدن.
في المقابل قام داعمون لترامب بإنشاء حساب على دعم على الأنستغرام وأطلقوا عليه حساب "المسلمون من أجل ترامب"، والذي حشد عدداً كبيراً من المتطوعين خلال فترة قصيرة، ويحاول الترويج لفكرة اختيار ترامب في الانتخابات الأمريكية 2024.
وفي نفس السياق استطاع ترامب أن يحظى بدعم لجنة العمل السياسي الباكستانية، والتي اعتبرت أن التصويت لترامب هو الخيار الأفضل في القضايا الرئيسية بين الناخبين الباكستانيين في الولايات المتحدة.
We are proud to endorse @realDonaldTrump in the 2024 Presidential election
— PakistaniAmericanPAC (@PAKPAC) October 18, 2024
After extensive meetings with the Trump & Harris campaigns, we believe the former President is the candidate who will improve 🇺🇸🇵🇰 relations and promote true democracy in 🇵🇰
Read our statement below: pic.twitter.com/tb36i4eHCC
وقالت لجنة الشؤون العامة الباكستانية الأميركية: "بينما نحن بالتأكيد لا نتفق مع الرئيس السابق في كل القضايا، إلا أننا بعد اجتماعات مكثفة مع حملته الانتخابية ومع حملة هاريس، نعتقد أن الرئيس السابق هو المرشح الذي سيحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان".
وقالت المنظمة إن من بين القضايا الرئيسية التي تعمل على تحقيقها هو "الإفراج عن جميع السجناء السياسيين المسجونين ظلماً في باكستان من بينهم عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني السابق".
من جهتها أصدرت مجموعة تضم حوالي 50 من زعماء المسلمين السود بيانًا يحث الناخبين السود والمسلمين الأمريكيين على تجنب التصويت لنائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس في مساعيها للوصول إلى البيت الأبيض.
وطالبت المجموعة في بيان لها دعم المرشحين الذين يدعمون وقف إطلاق النار في غزة وحظر الأسلحة على إسرائيل بدلاً من ذلك، واعتبروا أن هاريس ليس لديها رغبة في تحميل إسرائيل المسؤولية عن حربها المستمرة على غزة والآن لبنان.
وقالت المجموعة في بيانها: "الإبادة الجماعية في غزة خط أحمر، لا نستطيع أن ندعم مرشحًا شارك في الإبادة الجماعية ويرفض الآن طرح أي خطة لإنهاء تلك الإبادة الجماعية".
دعم مرشح ثالث
في نفس سياق توجه أصوات المسلمين في الانتخابات الأمريكية 2024 أظهر استطلاع رأي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) أن 41% من الناخبين المسلمين في الولايات المتحدة يفضلون مرشحة الحزب الأخضر جيل شتاين كمرشحة رئاسية في عام 2024.
وأُجري الاستطلاع في الفترة من 30 إلى 31 أكتوبر/تشرين الأول، وشمل 1449 ناخبًا مسلمًا تم التحقق منهم في جميع أنحاء البلاد، ويقدم مؤشرًا واضحًا على التوجهات السياسية داخل هذا المجتمع.
وبحسب نتائج الاستطلاع، فإن 42% من الناخبين المسلمين يؤيدون مرشحة الحزب الأخضر جيل شتاين في الترشح للرئاسة، تليها عن كثب نائبة الرئيس كامالا هاريس التي حصلت على 41% من الأصوات.
ويمثل الدعم الذي يحظى به شتاين تفضيلاً ملحوظاً بين الناخبين المسلمين، مما يشير إلى تحول في المشهد السياسي حيث يعبر هؤلاء الناخبون عن آرائهم بشأن المرشحين.
ولم يحصل المرشحون الآخرون إلا على دعم ضئيل، حيث صرح 5% فقط من المستجوبين بأنهم لا يخططون للتصويت، بينما أيد 1% تشيس أوليفر من الحزب الليبرالي. وتشير الاستطلاعات إلى عدم وجود أي ناخب متردد تقريبا، حيث لم يتبق سوى 0.9% دون تفضيل.