قال مسؤولون إسرائيليون، الجمعة 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إن مساعداً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو واحد من بين عدد من المشتبه بهم الذين تم اعتقالهم بتهمة خرق أمني مزعوم تضمن تسريب وثيقة نشرتها وسائل إعلام غربية، واشتملت معلومات استخباراتية سرية للغاية أضرت بأهداف الحرب الإسرائيلية على غزة.
ويدور التحقيق حول تسريب وثائق منسوبة لحماس حصل عليها الجيش الإسرائيلي في غزة، تم التلاعب بها لتلائم وجهة نظر نتنياهو الذي كان يهدف لتعزيز موقفه الداعي لبقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا الواقع على الحدود بين قطاع غزة ومصر، ودعم موقفه المتشدد بشأن صفقة إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس وإرساء وقف إطلاق النار في غزة.
فيما اتهمت المعارضة الإسرائيلية نتنياهو، الذي نفى مكتبه وجود أي صلة بين مساعدين لرئيس الوزراء والتسريب المزعوم، بالتنصل من المسؤولية وتحميل الآخرين مسؤولية ما حدث.
ماذا حدث؟
كشف قاض إسرائيلي يوم الجمعة عن أن جهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي قد بدأوا "المرحلة المفتوحة" من تحقيقهم المشترك في "انتهاك مشتبه به للأمن القومي ناجم عن تقديم معلومات سرية بشكل غير قانوني".
وقال القاضي مناحيم مزراحي من محكمة الصلح في مدينة ريشون لتسيون، إنه رفع جزئياً أمر حظر النشر بشأن الحادث الذي أُطلق عليه "قضية أمنية"، بعد مطالبات من وسائل إعلام عبرية.
وقالت القناة 13 الإسرائيلية أيضاً إنه من المقرر نشر تفاصيل إضافية حول القضية يوم الأحد القادم في محكمة الصلح. فيما لا تزال الرقابة العسكرية تفرض مزيداً من الرقابة على الكثير من تفاصيل هذه القضية.
وقال مسؤولون إسرائيليون إن الجيش الإسرائيلي طلب قبل بضعة أسابيع من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) فتح تحقيق بعد تسريب تقرير استخباراتي سري للغاية إلى صحيفة بيلد الألمانية وصحيفة جويش كرونيكل اليهودية البريطانية.
ما الذي تضمنته الوثيقة؟
نشرت صحيفة بيلد الألمانية في أوائل سبتمبر/أيلول تقريراً أشار إلى وثيقة يُزعم أن زعيم حماس يحيى السنوار صاغها، وتحتوي على استراتيجية حماس بشأن مفاوضات الأسرى ووقف إطلاق النار.
وعن تفاصيل هذه الوثيقة، أشار تقرير لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية إلى أن صحيفة بيلد قالت في تقرير حصري لها في سبتمبر/أيلول الماضي إن وثيقة عُثر عليها على حاسوب يحيى السنوار تسلط الضوء على استراتيجية حماس التفاوضية، بما في ذلك التعذيب النفسي لعائلات الرهائن.
وبحسب ما ورد، فإن الوثيقة التي حصلت عليها صحيفة بيلد تعود إلى ربيع عام 2024، وقيل إنها حصلت على موافقة يحيى السنوار شخصياً. وفي حين قالت صحيفة بيلد لصحيفة واشنطن بوست إنها لا تستطيع تقديم تفاصيل عن المصدر، إلا أنها قالت إن محتويات الملف تم التحقق منه من قبل مصدرين مستقلين.
وقالت بيلد أيضاً إنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024، كان لديها دائماً مراسلون على الأرض، بعضهم أجرى مقابلات رفيعة المستوى ولديهم إمكانية الوصول إلى مصادر رفيعة المستوى.
وبحسب صحيفة بيلد، فإن الوثيقة تتضمن عدة عوامل أرادت حماس أخذها في الاعتبار عند التفاوض على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
وتشمل هذه الأهداف "استنزاف" المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وزيادة الضغوط الدولية على إسرائيل، والحفاظ على قدراتها المسلحة.
وأشارت الوثيقة إلى أن حماس تتعمد إساءة معاملة الرهائن من أجل تعزيز موقفها التفاوضي.
وتنص على "الاستمرار في ممارسة الضغط النفسي على عائلات الرهائن، سواء الآن أو خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار حتى يزداد الضغط الشعبي على حكومة العدو".
وبحسب قراءة صحيفة بيلد للوثيقة، فإن التكتيكات النفسية ضد عائلات الرهائن هي استراتيجية تم تطويرها لزيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية للموافقة على شروط الصفقة.
كما أفادت وسائل إعلام عبرية إلى أنه قبل أيام من نشر صحيفة بيلد للوثيقة، فقد نُشر تقرير آخر في صحيفة جويش كرونيكل زُعم أنه نقل عن وثيقة أخرى للسنوار تتحدث عن خطة "لتهريب رهائن من محور فيلادلفيا ومن هناك إلى إيران أو اليمن".
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت إنه وفيما يتعلق بالوثيقة التي استند إليها تقرير صحيفة جويش كرونيكل، فقد تبين أن هذه الوثيقة غير موجودة وقد نشرت الصحيفة اعتذاراً، وتم حذف المقال.
وقال موقع تايمز أوف إسرائيل إن تقريري بيلد وجويش كرونيكل كانا متطابقين تقريباً مع النقاط التي طرحها نتنياهو في المقابلات والمؤتمرات الصحفية قبل ذلك بفترة وجيزة، بما في ذلك الادعاء بأن حماس سعت إلى تهريب الرهائن الإسرائيليين من غزة عبر محور فيلادلفيا.
هل كان نتنياهو على علم بالتسريبات؟
نفى نتنياهو تورط مكتبه في الأمر. وقال بيان صادر عن مكتبه: "لم يتم استجواب أو اعتقال أي شخص من مكتب رئيس الوزراء"، بحسب تقارير عبرية.
وأضاف البيان: "ليس من قبيل الصدفة أن يدعو رئيس الوزراء نتنياهو إلى الرفع الفوري لحظر النشر على هذا التحقيق الذي يهدف إلى تشويه سمعة مكتبه. وبينما لم ترد أي تسريبات من رئيس الوزراء، فقد ظهرت عشرات التسريبات، نشرت في وسائل إعلام إسرائيلية ودولية، وكشفت تفاصيل المفاوضات من أجل إطلاق سراح الرهائن واجتماعات مجلس الوزراء السرية وغيرها من الهيئات الحساسة – دون إجراء أي تحقيق"
وتابع البيان:"يمكننا أن نتساءل بشكل مشروع عن هذا التفاوت في المعاملة".
كما أفادت قناة كان العبرية بأن اثنين من موظفي مكتب نتنياهو وهما رئيس المكتب تساحي برافرمان والمستشار المقرب لرئيس الوزراء يوناتان أوريش حضرا إلى مكتب المحامي أميت حداد، الذي يترافع عن نتنياهو في ملفات الفساد، للتشاور.
ومع ذلك، قال مسؤولون إسرائيليون إن أحد المشتبه بهم هو أقرب مساعدي نتنياهو.
من هو المشتبه به الرئيسي؟
الحديث يدور هنا عن أحد مساعدي نتنياهو، والذي عمل ناطقاً باسم مكتب رئيس الوزراء.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن المساعد، الذي عمل عن كثب مع نتنياهو منذ بداية الحرب على غزة، شارك في اجتماعات أمنية حساسة واطلع على معلومات سرية للغاية رغم فشله في اجتياز الفحص الأمني الذي يقوم به الشاباك عادة قبل التعيين.
وأضافت الصحيفة أنه ونتيجة لذلك، لم يكن لديه التصريح الأمني اللازم للعمل في مكتب رئيس الوزراء، ولم يتم تعيينه رسمياً في المكتب. وفي الوقت نفسه، فقد قدم المشورة لنتنياهو بشكل نشط.
وأفاد إعلام عبري أن الرجل استمر في مرافقة رئيس الوزراء حتى بعد فشله في اجتياز الفحص الأمني. بل ودافع بحماس عن نتنياهو.
وبحسب مصادر مطلعة على التفاصيل نقلت عنها القناة 12 الإسرائيلية، كان رئيس الوزراء أيضاً راضياً عن عمله.
وقالت القناة 12 إن نتنياهو تلقى تحذيراً بشأن قضية التصريح الأمني لمساعده، لكنه لم يفعل شيئاً حيال ذلك.
وأظهرت صور نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت المساعد المشتبه به خلال جولات سابقة وزيارات لوحدات سرية بالجيش برفقة نتنياهو، كما تم إيفاده في مهمات إلى الخارج في إطار الجهود الإعلامية للدائرة المحيطة بنتنياهو، مما يدحض ظاهرياً ادعاء رئيس الوزراء بأنه لم يعمل معه، بحسب اعلام عبري.
وقال مصدر مقرب من أحد المعتقلين، والذي ذكرت القناة 12 أنه لا يزال محتجزاً، للقناة إن رئيس الوزراء "تخلى عنه".
ماذا قالت المعارضة؟
حمّل زعيم المعارضة، يائير لابيد، ورئيس معسكر الدولة، بيني غانتس، المسؤولية على عاتق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وقال لابيد:"إن هذه القضية تدخل في صميم العلاقة الحاسمة بين الأجهزة الأمنية ورئيس الوزراء وكذلك الوفد المرافق له. وكالعادة، يحاول رئيس الوزراء بالفعل أن ينأى بنفسه عن هذه القضية ويلقي المسؤولية على الآخرين، ولكن الحقائق موجودة: إنه مسؤول شخصياً عن كل وثيقة أو كلمة أو معلومة تخرج من مكتبه".
فيما قال غانتس: "بدون الخوض في التفاصيل حول هذه القضية المستمرة فيما يتعلق بأنشطة مكتب رئيس الوزراء، يجب التأكيد على نقطة أساسية واحدة: رئيس الوزراء مسؤول عن كل ما يحدث في مكتبه، للأفضل أو للأسوأ".
ما هو تأثير هذه القضية؟
تأتي هذه الاعتقالات في قلب ما يقدر بأنه سيكون أكبر فضيحة داخل الحكومة الإسرائيلية منذ بداية الحرب على غزة، وفق ما ذكر موقع أكسيوس الأمريكي.
ومن المرجح أن تؤدي الفضيحة إلى تعميق انعدام الثقة والتوتر بين نتنياهو والجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات، والذي تزايد منذ الإخفاقات الأمنية الناجمة عن هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل، بحسب ما ذكره موقع أكسيوس.
كما يأتي ذلك في الوقت الذي يخوض فيه نتنياهو معركة ضد النظام القانوني الإسرائيلي والمدعي العام. ومن المتوقع أن يدلي رئيس الوزراء بشهادته لأول مرة في محاكمته بتهمة الفساد خلال أسابيع قليلة.