على مدى أكثر من عام، فشل الاحتلال الإسرائيلي بمساعدة أمريكية في الوصول إلى قائد حركة حماس يحيى السنوار، وسط سيناريوهات نسجها القادة الإسرائيليون بشأنه كان أبرزها أنه مختبئ في شبكة أنفاق ضخمة، متحصناً بالأسرى الإسرائيليين، ليتبين بعدها أنهم اغتالوا السنوار بالصدفة حيث كان في الخطوط الأمامية للقتال.
ومنذ معركة "سيف القدس" عام 2021، أصبح يحيى السنوار هدفاً رئيسياً للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، رغم تشكيل فرق خاصة لتعقبه وتسخير أدوات تكنولوجية متطورة بمعونة أمريكية، فشل الاحتلال في الوصول إليه.
الاحتلال يقر بأنهم اغتالوا السنوار بالصدفة
وانتهت عملية المطاردة الطويلة بمواجهة عشوائية في تل السلطان برفح، بعد أسابيع من إعلان الجيش الإسرائيلي القضاء على اللواء التابع لحركة حماس.
ومساء أمس، أقر جيش الاحتلال على لسان المتحدث باسمه دانيال هاغاري، بأن قتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار كان بمحض الصدفة، حيث أشار، "لم نكن نعرف أنه موجود هناك، في البداية تعرفنا عليه بوصفه مسلحاً داخل أحد المباني، وشوهد وهو ملثم يلقي لوحاً خشبياً نحو الدرون (الطائرة المسيرة) قبل ثوان من مقتله".
المنزل يبعد 300 متر عن قاعدة عمليات عسكرية
ونقلت شبكة "سي أن أن" الأمريكية عن مصادر أمريكية، أن المنزل الذي كان فيه السنوار يبعد نحو 1000 قدم (300 متر) عن قاعدة عمليات إسرائيلية.
حيث أظهرت صور أقمار اصطناعية، من شركة بلانيت لابز المتلقطة في وقت سابق هذا الشهر، عدداً من المركبات العسكرية، وحتى جرافة، متوقفة بين سواتر ترابية تم بناؤها حديثاً في نفس الأماكن على مدار أيام وأسابيع ماضية.
موارد هائلة وأكوام معلومات استخباراتية فشلت في ملاحقة السنوار
فيما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، عن أربعة مسؤولين إسرائيليين أنه على مدى أكثر من عام، خصصت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بدعم من الولايات المتحدة موارد هائلة وجمعت أكواماً من المعلومات الاستخباراتية في مطاردتها ليحيى السنوار، الذي كان مهندس هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولكن في النهاية، وجدته وحدة من الفرق المتدربة في الجيش الإسرائيلي بشكل غير متوقع أثناء عملية في جنوب غزة.
المسؤولون الإسرائيليون قالوا إن الوحدة كانت في دورية جنوب قطاع غزة يوم الأربعاء، حينها صادف الجنود مجموعة صغيرة من المقاتلين، واشتبكوا معها بدعم من طائرات بدون طيار.
وفي تبادل لإطلاق النار، قتل المسلحون الفلسطينيون الثلاثة، بعد إطلاق قذيفة مدفعية على المبنى الذي احتمى فيه المسلحون، وبعد ذلك وخلال عملية تفتيش، لاحظ الجنود أن إحدى الجثث تشبه زعيم حماس بشكل كبير.
محاولات إسرائيلية خلال عام للوصول إلى السنوار فشلت
صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أشارت إلى أنه رغم تشكيل فريق متخصص لاغتيال قائد حركة حماس عام 2021، إلا أن الإجراء لم يتم تنفيذه، وفي مايو/أيار 2022 أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينت، مسألة اغتياله، لكن الجيش أبدى خشيته من أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.
ومنذ بدء العملية البرية على قطاع غزة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نشر الجيش الإسرائيلي تسجيلات تظهر قائد حركة حماس داخل أحد الأنفاق، فيما تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023، خلال اجتياح خان يونس، بوصول الجيش إلى منزل السنوار ومحاصرته، لكن لم يتم الوصول إليه.
رادار أمريكي يخترق الأرض، وفرق مختصة
في مقال نشرته صحيفة " نيويورك تايمز" في أغسطس/آب الماضي، تم الكشف لأول مرة من مصادر أمريكية، بما في ذلك تصريحات لمستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، أن الولايات المتحدة تدير فرقاً خاصة لمساعدة إسرائيل، للوصول إلى السنوار.
وتشمل المساعدة الأمريكية بحسب ما كشفته الصحيفة الأمريكية، معدات متطورة أحضرها الفريق الأمريكي، بما فيها رادار تخترق موجاته الأرض، للمساعدة في ملاحقته.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، أن الجيش الإسرائيلي نفذ غارات في 31 يناير/كانون الثاني الماضي على نفق بخان يونس جنوبي القطاع، بعد ورود معلومات استخباراتية تفيد بأن السنوار كان موجوداً فيه، وأمام هذا الفشل زعم الإسرائيليون أنه غادر المنطقة قبل أيام قليلة فقط.
وكان السنوار يعتمد على موارد بشرية للتواصل مع قيادة حركة حماس، وأشار المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون أنه تخلى عن الاتصالات الإلكترونية منذ فترة طويلة، وهو ما جعله يتجنب الإيقاع في ظل شبكة الاستخبارات المتطورة، بما جعل من ملاحقته أمراً محبطاً.
الصحيفة الأمريكية ذكرت أيضاً أن وحدات الاستخبارات الإسرائيلية "أمان" و"الشاباك" أنشأوا وحدة خاصة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في مقر الشاباك كانت مهمتها الوحيدة هي تحديد مكان السنوار.
كما تولت وكالات الاستخبارات الأمريكية مسؤولية مراقبة وسائل الاتصال الخاصة به، وأنشأ "CIA" قوة خاصة لذلك، بينما أرسل البنتاغون قوات خاصة إلى إسرائيل لتقديم المشورة للجيش الإسرائيلي.
غالانت أراد إدخال الوقود من أجل الوصول إلى السنوار
ومن التفاصيل المثيرة للاهتمام، أن التحقيقات كشفت أن التنصت على محادثات السنوار هو السبب وراء مطالبة وزير الجيش يوآف غالانت في المراحل الأولى من الحرب بإدخال شحنات الوقود إلى قطاع غزة.
حيث أنه مع بدء احتياطي الوقود في القطاع بالنفاذ في ذلك الوقت، دفع غالانت للسماح بإدخال كميات حتى تستمر المولدات اللازمة لتشغيل الشبكة الخلوية بالأنفاق في العمل، وبالتالي الوصول إلى السنوار عبر استخدامه الهاتف.
وبحسب رواية الصحيفة الأمريكية، فإن شبكة الأنفاق أتاحت لمسلحي حماس جمع معلومات استخباراتية جيدة عن أماكن تمركز القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، لدرجة أن السنوار تمكن من النزول إلى الأنفاق مرات عدة دون أن يتم اكتشافه.
من ضمن التقديرات الأمريكية والإسرائيلية، التي بنيت على مدار عام كامل، أن السنوار انتقل إلى خان يونس من مدينة غزة، وقام بجولات في رفح عبر شبكة الأنفاق.
السنوار أبقى مطارديه خلفه بخطوة واحدة
واستمرت مطاردة السنوار، وعجزت الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية عن الحصول على أدلة حقيقية تتعلق بموقعه، وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن "السنوار تمكن من إبقاء مطارديه خلفه بخطوة واحدة، حتى عندما كانوا يتفاخرون أحياناً بمدى قربهم من العثور عليه".
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، خلال عمليات الجيش الإسرائيلي في خان يونس، تفاخر غالانت بالقول: "السنوار يسمع الآن قنابل سلاح الجو، قريباً سيلتقي بفوهات بنادقنا".
وفي سبتمبر/أيلول 2024، بأعقاب غارة جوية لجيش الاحتلال، بدأت الشائعات عن قطع الاتصال بقائد حركة حماس، مما أدى إلى إجراء تقييم إسرائيلي حول ما إذا كان قد قتل، ليتردد أنه ما زال على قيد الحياة بعد تجديد الاتصال به.