عادت منطقة جنوب لبنان التي تتميز بموقع استراتيجي بحدودها التي تشكل مثلثاً مع الحدود السورية والفلسطينية، لتصبح مجدداً بؤرة صراع بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ يتوغل في بعض قراها بمحاولة منه لإبعاد المنظمة اللبنانية حتى ما بعد نهر الليطاني كما أعلن ظاهرياً وذلك لإعادة سكان المستوطنات بالجبهة الشمالية إلى منازلهم.
ولم تتولد شرارة التصعيد بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بل سبق هذا التاريخ حراك دبلوماسي دولي لمنع تفاقم التوترات بينهما بسبب الحدود.
ما هي قطاعات الجنوب اللبناني؟
يقع في الجهة الجنوبية من لبنان، وهي مساحة جغرافية تشمل محافظتي الجنوب والنبطية، حدوده الغربية عبارة عن لسان ساحلي يمتد من مدينة صيدا شمالاً حتى مدينة الناقورة جنوباً.
أما حدودها الشرقية فهي سفوح جبل الشيخ على مثلث الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة.
ويقسم الجنوب اللبناني نهر الليطاني إلى ما يشبه جزيرتين، تتصل ضفتاه عبر جسور رئيسة وفرعية، أهمها جسور القاسمية وطيرفلسيه والقاعقعية والخردلي.
ويتوزع جنوب لبنان إلى ثلاثة قطاعات رئيسية تمتد على طول "الخط الأزرق" المؤقت وطوله 120 كيلومتراً.
أولا: القطاع الغربي: ويشمل المناطق على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويمتد من مدينة الناقورة جنوباً حتى نهر الليطاني شمالاً، وتبعد عن الحدود 3 كيلومترات.
وهي المنطقة التي تتمركز فيها قوات حفظ السلام "اليونيفيل" والجيش اللبناني، فيما تشكل مناطق التماس فيها (الناقورة وعلما الشعب والضهيرة ويارين والبستان ومروحين، ورامية)، ومن أبرز مدنه صور والقليلة والناقورة.
ثانياً: القطاع الأوسط: وهو يتوسط المنطقة الجنوبية، ويمتد من نهر الليطاني إلى الداخل باتجاه إقليم التفاح والزهراني والنبطية.
ومن أبرز مناطقه التي تقع على خطوط التماس، وتعد منطقة ساخنة كونها تعتبر معاقل لحزب الله (عيتا الشعب، دبل، رميش، عين إبل، يارون، بنت جبيل، ومارون الراس، عيترون).
ثالثا: القطاع الشرقي: ويشكل القطاع الأكبر والأقرب إلى الحدود، ويمتد على طول الحدود الشرقية مع فلسطين المحتلة وسوريا (الجولان المحتل).
ومن أبرز نقاط التماس فيه (ميس الجبل، حولا، مركبا، العديسة، الخيام، كفر كلا، مرجعيون، كفر شوبا، وشبعا).
كما يضم القطاع الشرقي جزءاً من بلدة الغجر المحتلة، وتحديداً الشطر الشمالي للبلدة الذي يقع ضمن الأراضي اللبنانية في منطقة ماري، وشكلت محط صراع قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
كم عدد مدن وقرى جنوب لبنان وما هي محافظاته؟
كما ذكرنا سابقاً، فإن الجنوب اللبناني يشمل جميع القرى والبلدات داخل محافظتي الجنوب والنبطية.
أما محافظة الجنوب، فتضم 178 مدينة وقرية منها 133 فيها مجالس بلدية، جلها تقع في القطاع الغربي، وعاصمتها مدينة صيدا.
وتضم محافظة الجنوب ثلاثة أقضية، وهي:
- قضاء جزين: ويضم ما يزيد على 73 بلدة وقرية، ويتميز بموقعه على منطقة جبلية، ويشترك في حدوده مع قضاء حاصبيا، قضاء النبطية، وقضاء مرجعيون من محافظة النبطية.
- قضاء صيدا: ويقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويحده قضاء جزين وقضاء النبطية من الشرق، بينما يحده قضاء صور من الجبهة الجنوبية، وقضاء الشوف من الجهة الشمالية.
- قضاء صور: ويقع في أقصى الجنوب الغربي من الأراضي اللبنانية، ويضم بلدة صور بالإضافة إلى عديد من البلدات مثل بلدة برج الشمالي، وبلدة الناقورة.
أما محافظة النبطية، فتقع في القطاعين الأوسط والشرقي من جنوب لبنان، وتنتشر قراها ومدنها الـ129، في أربع أقضية وهي:
- قضاء مرجعيون: وتتوزع قراه إلى الجهة الشرقية والجنوبية الشرقية من نهر الليطاني.
- قضاء حاصبيا: ويقع في الجزء الشمالي الشرقي من محافظة النبطية.
- قضاء النبطية: ويقع إلى الشمال والغرب من نهر الليطاني.
- قضاء بنت جبيل: ويقع في الجزء الجنوبي من المحافظة، ويحده من الغرب قضاء صور، ومن الشمال الغربي قضاء مرجعيون.
الثقل الديني في قطاعات الجنوب اللبناني
يوجد في لبنان 19 طائفة، تتنوع ما بين مسلمة سنية وشيعية ودروز، ومسيحية مارونية، وروم أرثوذكسية، وكاثوليكية ملكية، وغيرها.
أما معظم الشيعة فإنهم يعيشون في المناطق الشمالية والغربية من سهل البقاع، بالإضافة إلى جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت.
ورغم انتشار الشيعة في الجنوب اللبناني، إلا أنه يضم العديد من القرى التي يسكنها المسيحيون والسنة، جزء كبير منها على الحدود.
ويُعتبر القطاع الأوسط خزان "حزب الله" البشري ومركز ثقله العسكري، لكونه يحوي أعلى كثافة سكانية شيعية حدودية موالية له.
ويضم هذا القطاع مدينة بنت جبيل وشريطاً من القرى الشيعية الصافية، مثل: عيناتا وعيترون وعيتا ويارون ومارون الراس.
ويضم الأوسط أيضًا، شريطًا حدوديًا من القرى المسيحية المارونية، المنفصلة سياسيًا وثقافيًا عن المحيط الحزبي الشيعي، وموالية في غالبيتها لحزب "القوات اللبنانية"، مثل رميش ودبل وعين إبل والقوزح.
وكانت دولة الاحتلال قد أطلقت عليها زمن الاحتلال تسمية "الجدار الطيب"، وهي سياسة احتواء إسرائيلية، استهدفت القرى المسيحية في الجنوب اللبناني، مع توسع باتجاه القرى الشيعية والسنية.
أما القرى الأمامية التي يتشكل منها القطاع الشرقي، والتي تبدأ من بليدا، صعودًا باتجاه ميس الجبل، وحولا، ومركبا، وعديسة، وهبوطًا باتجاه كفر كلا، فإنها تعتبر قرى شيعية خالصة.
ويحوي القطاع الغربي تنوعًا طائفيًا شيعيًا، سنيًا، مسيحيًا، والبلدات المتاخمة للحدود هي في غالبيتها ذات طابع سني، مثل: الظهيرة والبستان ومروحين ويارين.
كما أن "علما الشعب" هي القرية المسيحية الوحيدة في القطاع الغربي بمحافظة الجنوب.
كما يحوي القطاع الغربي مخيمات فلسطينية، أكبرها وأكثرها كثافة مخيم الرشيدية قرب صور، وهو أقرب نقطة فلسطينية على الحدود، ثم مخيما البص، وبرج الشمالي، إضافة إلى تجمعات فلسطينية صغيرة منتشرة على حواف بساتين الموز والحمضيات.
ما أهمية نهر الليطاني لإسرائيل؟.. أطماع إسرائيلية لم تتحقق
هو النهر الأطول والأكبر في لبنان، إذ يبلغ طوله 170 كيلومتراً، وتبلغ سعته تقريباً 750 مليون متر مكعب سنوياً، ويبدأ منبعه في قرية العليق الواقعة على مسافة عشرة كيلومترات إلى الغرب من مدينة بعلبك، ويجري جنوباً حتى يملأ بحيرة القرعون الاصطناعية، ثم ينعطف غرباً ليصب في البحر الأبيض المتوسط قرب بلدة القاسمية في الجنوب اللبناني.
أما العمق الذي يفصل مجرى النهر عن الخط الأزرق فيبلغ في حده الأقصى 28 كيلومتراً في القطاع الأوسط، فيما يبلغ في حده الأدنى 6 كيلومترات في أقصى القطاع الشرقي.
والخط الأزرق هو خط رسمته الأمم المتحدة عام 2000 بعد انسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان، ويفصل لبنان عن إسرائيل وهضبة الجولان التي تحتلها.
فيما تبلغ المساحة الكلية لجنوب الليطاني حوالي 850 كيلومتراً مربعاً، ويقطنه نحو 200 ألف نسمة، 75 بالمئة منهم من الطائفة الشيعية، في حين يتوزع الـ25 بالمئة المتبقية على السنّة والدروز والمسيحيين.
ويكتسب نهر الليطاني أهمية بسبب بعده الجغرافي لقربه من الحدود مع فلسطين المحتلة، مما يجعله مركز اهتمام إسرائيلي حيث حاولت تل أبيب إبعاد المقاتلين إلى ما وراءه.
وفي العام 1978، شن الاحتلال الإسرائيلي "عملية الليطاني"، وهي حملة عسكرية كان هدفها إبعاد قوات منظمة التحرير الفلسطينية إلى شماله.
واحتلت إسرائيل المناطق حتى نهر الليطاني لمدة ثلاثة أشهر، لتنسحب بعدها إلى الحدود الدولية، بعد إصدار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارات تضمنت تكوين قوة حفظ السلام في جنوب لبنان، التي تتكون من قوات "اليونيفيل".
وفي عام 2006، كان حزب الله قد عزز من وجوده في المناطق المحيطة بالنهر، واستطاع في هجوم عبر الحدود أن يقتل ثمانية جنود إسرائيليين ويحتجز اثنين وطالب بتبادل للرهائن مع إسرائيل، ما أدى إلى اندلاع حرب شاملة بين الجانبين عُرفت بـ "حرب تموز".
وانتهت الحرب التي استمرت 33 يوماً بصدور قرار مجلس الأمن 1701، الذي نص على وقفٍ كامل للعمليات القتالية في لبنان، وسحب إسرائيل كل قواتها من جنوب لبنان، ووقف حزب الله لهجماته ضد إسرائيل.
كما دعا القرار كذلك إلى إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، تكون خالية من أي عتاد حربي أو مسلحين، باستثناء ما هو تابع للقوات المسلحة اللبنانية وقوات اليونيفيل.
ورغم ذلك، لم يلتزم الطرفان بتطبيق كامل للقرار، فبقي حزب الله بالمنطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، وشهدت السنوات التالية انتهاكات من كلا الطرفين، تصاعدت في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويعود سبب التركيز الإسرائيلي على نهر الليطاني إلى عاملين:
- المسافة بين النهر والحدود مع فلسطين المحتلة، والتي تتراوح بين 25 و30 كيلومتراً، فيما تبعد زاويته الجنوبية الشرقية نحو 5 كيلومترات عن مستوطنة المطلة في إصبع الجليل.
- العامل الثاني يرتبط بالمدى الفعلي للصواريخ التي تطلق على مستوطنات الشمال.
لكن الأطماع الإسرائيلية في نهر الليطاني، غير متعلقة بهذين العاملين بالدرجة الأولى، وهذا ما كشفه الباحث الأمريكي المختص بشؤون الشرق الأوسط أندرو كيلغور، حيث أوضح أنه في مؤتمر السلام الذي عقد في باريس عام 1919، والذي أنهى الحرب العالمية الأولى، قدم قادة الحركة الصهيونية حاييم وايزمان، وديفيد بن غوريون، وهما أول رئيس ورئيس وزراء لإسرائيل، خريطة مقترحة للدولة، تضم نهر الليطاني داخلها، وهذا لم يحدث بسبب معاهدة سايكس بيكو السرية لعام 1915، والتي بموجبها حددت بريطانيا وفرنسا بالفعل الحدود بين لبنان وفلسطين، وبسبب إصرار فرنسا ذهب الليطاني إلى لبنان.
وأشار كيلغور إلى أن الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978، كان هدفه المعلن هو إجبار مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، للانسحاب إلى شمال النهر، من أجل تأمين شمال إسرائيل.
كما أن الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، كان يهدف إلى الحصول على إمكانية الوصول إلى مياه الليطاني، حيث استولت إسرائيل على نهر الوزاني، ثم وضعت يدها على 12 قرية لبنانية وربطت مياهها بمستعمرة إسرائيلية، قبل أن تُجبر على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000.
ولكن حتى بعد انسحابها، ظلت إسرائيل مصممة على الاستيلاء في نهاية المطاف على نهر الليطاني، وتشهد على ذلك محاولاتها الأخيرة لتطهير الأراضي الواقعة بين الليطاني والحدود الشمالية لها عرقياً، بحسب الكاتب الأمريكي.
وعكست تصريحات سابقة لمسؤولين إسرائيليين نية الاستيلاء على جنوب لبنان لتأمين كميات المياه التي تحتاج إليها إسرائيل، فقد نُسب إلى بن غوريون أنه قال "إن أمنيتي في المستقبل جعل الليطاني حدود إسرائيل الشمالية".
وتبدى الطمع في استغلال مياه الجنوب أيضاً في تصريح رئيس الوزراء الأسبق ليفي أشكول، حيث قال "لا يسع إسرائيل الظامئة أن تقف مكتوفة اليدين، وهي ترى مياه الليطاني تتدفق إلى البحر، إن القنوات باتت جاهزة في إسرائيل لاستقبال مياه نهر الليطاني".