في التقرير السابق رأينا كيف نجح اللوبي الصهيوني في فرنسا في التوغل داخل المجتمع سياسياً وثقافياً واقتصادياً، وكيف كانت البداية مع تحويل قضية الضابط اليهودي دريفوس لصالح يهود فرنسا الذين شعروا بأهمية التوحد في إطار تكتلات يهودية خدمةً لمصالحهم.
حضور اللوبي الصهيوني في فرنسا كان بارزاً في مختلف مناحي الحياة، انطلاقاً من وسائل الإعلام بما في ذلك الرسمية، ومروراً بقصر الإليزيه والتأثير في السياسة الخارجية الفرنسية ومواقفها من قضية الشرق الأوسط، وصولاً إلى التأثير في علاقات باريس مع دول المغرب العربي، وخاصة الجزائر والمغرب وتونس.
الإعلام الفرنسي والصهيونية
خلال شهر أغسطس/آب 2024، نشر موقع "Le Journal De Dimanche" تحقيقاً حول ما زعمت كاتبته أنه تنامي للخطاب المعادي للسامية وسط بعض صحفيي مؤسسة "فرانس ميديا موند" التي تضم قناة "فرانس 24" وإذاعة "مونت كارلو الدولية" وإذاعة فرنسا الدولية (RFI).
مقال الموقع الفرنسي المعروف بتوجهاته اليمينية، أورد أسماء مراسلين بعضهم طرد أو سبق أن تلقى إنذاراً من قبل إدارة المؤسسة الفرنسية، بسبب منشورات على حساباتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي اعتُبرت "معادية لليهود ولإسرائيل".
بينما اتُّهمت من جديد "فاطمة ب"، صحفية كانت تعمل ضمن فريق قسم "مراقبون" في قناة "فرانس 24″، بجمع تبرعات لصالح فلسطين ودعوة الفرنسيين للتنديد بالإبادة الجماعية في قطاع غزة، ما تسبب في فصلها من العمل استجابة للضغط المتواصل منذ أشهر.
عقب ذلك، اتخذت الإدارة قراراً مماثلاً بتوقيف كلودي سيار، أحد الوجوه الصحفية المعروفة بهيئة تحرير إذاعة فرنسا الدولية بسبب تدوينات له مناهضة للاحتلال الإسرائيلي وداعمة لحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة.
بالبحث في المسار المهني لكاتبة مقال "Le Journal De Dimanche" تبين أنها يهودية تعمل أيضاً ضمن هيئة تحرير إذاعة اليهود الفرنسية "Radio J" التي تعتبر من أهم الأذرع الإعلامية لجماعات الضغط اليهودية، ودأبت على الترويج للرواية الإسرائيلية ومهاجمة الأطروحة الفلسطينية.
من ضمن مظاهر خضوع المؤسسات الإعلامية الفرنسية للضغط اللوبي الصهيوني في فرنسا، دفع أحد نجوم شاشة "فرانس 24" قبل أشهر للاستقالة بعد استدعائه واستفساره مرات عن مداخلاته ضمن الفقرات الإخبارية، والتضييق على حريته في التحليل بصفته محللاً معتمداً للشؤون الدولية.
تعرض خالد الغرابلي للمضايقات جاء إثر مقالات متتالية نشرتها منظمة "كاميرا" المعروفة بدفاعها عن تلميع صورة إسرائيل في وسائل الإعلام وقمع كل الأصوات المدافعة عن القضية الفلسطينية أو المُدينة لجرائم الاحتلال.
هذه المنظمة هي نفسها التي استهدفت عشرات الصحفيين العرب، ومن بينهم ليلى عودة، مراسلة "فرانس 24" في القدس المحتلة.
وتم استدعاء المديرة العامة لمؤسسة "فرانس ميديا موند" إلى الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) حيث اعترفت بطرد صحفيين بسبب تغريدات أو مواقف مما يتعرض له الفلسطينيون، وفقط لأنها تدين الاحتلال الإسرائيلي.
تأثير اللوبي اليهودي المدافع عن الإيديولوجية الصهيونية في وسائل الإعلام الفرنسية ليس حديثًا، ولكنه ممتد لسنوات، حتى أن الجنرال شارل ديغول أقر بعد حرب 1967 بهذا النفوذ المسيطر على وسائل الإعلام الفرنسية، مما جعل اليهود يتهمونه بمعاداة السامية.
اليوم، يعكس زواج رأس المال والأيديولوجيا بجلاء هذا التغلغل الصارخ الذي حققه اللوبي الصهيوني في فرنسا، إذ باتت أسماء بعينها تحتكر امتلاك الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية، أبرزها فانسان بولوري الذي يعد على رأس إمبراطورية إعلامية فرنسية ضخمة.
وتضم الإمبراطورية الإعلامية لبولوري، "باري ماتش"، قبل أن يستحوذ عليها مؤخراً الملياردير الفرنسي برنار أرنو، و "Le journal de dimanche" و "هي ELLE" وقنوات Canal+, Europe1, C8, CNews المعروفة بعدائها للمسلمين ودفاعها القوي عن اللوبي الصهيوني.
ماكرون واللوبي الصهيوني في فرنسا
في 19 مارس/آذار 2024، استدعى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أعضاء من المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا "CRIF" إلى قصر الإليزيه بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس التنظيم، وألقى أمامهم كلمة توعّد فيها بمحاربة معاداة السامية.
حسب ماكرون، فإن الحكومة "كانت حازمة في مواجهة معاداة السامية أينما كانت، في الشوارع، خلف الشاشات، في جامعاتنا". بينما أعرب رئيس "CRIF"، يوناتان عرفي، عن أسفه لتضاعف الأعمال المعادية للسامية وحذّر من "تعرض النموذج الجمهوري لهجوم لم يسبق له مثيل منذ 80 عاماً".
هذا التقدير الكبير لتنظيم يهودي نافذ بفرنسا من قبل أعلى مسؤول في الدولة، يُمنح وفق مراقبين ضمانات للمدافعين عن الفكر الصهيوني ويضفي صبغة المشروعية عليه.
بعد ذلك بشهرين كان دور رئيس الحكومة المستقيل غابرييل أتال هذه المرة لتأكيد رعاية باريس لحلفاء إسرائيل ورعاة فكرها بفرنسا، إذ تعهد حين حضوره في 6 أيار/مايو العشاء السنوي للـ"CRIF" بإظهار أقصى درجات الحزم لحماية اليهود ومحاربة معاداة السامية.
أتال وفي محاولة منه للتأكيد على دعمه اللوبي الصهيوني في فرنسا، هاجم ما وصفه بـ"الإسلاموية"، وقال إنها "تشكل خطراً جسيماً على الجمهورية وتُعد أخطر وجوه معاداة السامية وأكثرها تدميراً"، ووعد المسؤول الفرنسي المستقيل بـ"محاربة الإسلاموية والانفصالية بقوة".
هذا التأثير الكبير في القرار السياسي داخل فرنسا لـ CRIF، كان باعتراف مسؤولين كبار، إذ أقر وزير الخارجية الفرنسي السابق، برنار كوشنار، بأن "تغيير الإليزيه سياسته تجاه إيران كان بدافع الرغبةِ في التقرب أكثر من إسرائيل".
حدث آخر يؤكد قدرة التنظيم على التدخل لاختيار مدبري الشأن العام والمسؤولين الحكوميين، هو اعتراض اللوبي الصهيوني في فرنسا على تعيين الدبلوماسي السابق أوبير فيدرين، وزيراً للخارجية عام 2007 ونجح في نهاية المطاف في إقصائه.
في قضايا استأثرت باهتمام كبير من لدن الرأي العام الفرنسي، لعب "CRIF" دوراً مهماً ومارس ضغطاً كبيراً أدى إلى اتخاذ قرارات سياسية وحتى تعديلات تشريعية.
وكأمثلة على ذلك تأسيس لجنة برلمانية ترأسها حبيب مايير، النائب البرلماني المقرب من بنيامين نتانياهو، للبحث في ظروف وملابسات مقتل اليهودية سارة حليمي ببيتها في باريس سنة 2017.
أعقب هذا الإجراء مظاهرات واحتجاجات واسعة رفضاً لقرار محكمة الاستئناف بعدم محاكمة المشتبه فيه لكونه كان تحت تأثير المخدرات حين ارتكابه الفعل الجُرمي ورفع المسؤولية الجنائية عنه.
أكثر من ذلك، تفاعلاً مع مطالب اللوبي الصهيوني في فرنسا، قدم وزير العدل إريك دوبون موريتي، في نهاية أيار/مايو سنة 2021 مشروع قانون إلى مجلس الوزراء قال إنه يهدف إلى "ملء فراغ قانوني" بعد إقرار محكمة النقض الحكم الاستئنافي في حق قاتل حليمي.
مثال آخر يبرز نفوذ الـ"CRIF"، هو قرارات ملاحقة الناشطين الذين يدعون إلى مقاطعة بعض المنتجات الإسرائيلية، والتي تم اتخاذ اثنين منها بناء على طلب الجماعة اليهودية.
آخر مظاهر هذا الدعم الدؤوب لإسرائيل تعبير "CRIF" في شهر سبتمبر/أيلول 2023، عن غضبه ورفضه لقرار إلغاء مهرجان "شالوم أوروبا" السينمائي الإسرائيلي الذي كان مقرراً في ستراسبورغ شرقي فرنسا.
إذ اتهم مجموعات مؤيدة للفلسطينيين بممارسة "إرهاب فكري" وقال إنه يرفض ما وصفها بـ"الأساليب الاستبدادية للشراذم التي تسعى لحرمان إسرائيل من الحقّ في الوجود، ومن حقّ مواطنيها وفنانيها في التعبير عن أنفسهم".
رضوخاً لهذا الضغط، قالت رئيسة بلدية ستراسبورغ والناشطة البيئية جان بارسيغيان إن "التهديدات والضغوط التي يتعرض لها المهرجان ودار السينما المستضيفة غير مقبولة"، بل وأكدت أنها "على اتصال مع منظمي مهرجان شالوم أوروبا لإعادة جدولة هذا المهرجان في أقرب وقت ممكن".
تأثير اللوبي الصهيوني في السياسة الخارجية
حول تأثير اللوبي الصهيوني في فرنسا في السياسة الخارجية لقصر الإليزيه، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، يرى سلام كواكبي، أن الدبلوماسية الفرنسية تميزت خلال عقود بموقف معتدل نسبياً ونادت بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في أكثر من مناسبة.
كواكبي أوضح لـ"عربي بوست" أن هذه الدبلوماسية المعتدلة "لعبت دوراً في التقريب بين وجهات النظر في حدود الممكن، خصوصاً خلال فترتي حكم جاك شيراك وفاليري جيسكار ديستان".
لكنه استدرك قائلاً: "إلا أنها مالت وبحدة نحو الموقف الإسرائيلي مع غياب الاستقلالية في القرار الفرنسي فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وارتباطه أكثر فأكثر بالسياسة الخارجية الأمريكية".
إذًا، فالتبعية الدبلوماسية الأطلسية فاقت في تأثيرها تأثير أي لوبي، وحتى الصهيوني منها. هذا الحضور القوي لا يقتصر على المجال السياسي، بل يعد متغلغلاً في عالم المال والأعمال.
وحسب كواكبي فإن رؤوس الأموال المقربة من المشروع الصهيوني أو المؤيدة له متواجدة وبقوة في المشهد الاقتصادي الفرنسي، ولكنها لا تتحكم فيه، بالمقابل، يوضح أن عديداً من الدول العربية التي تمتلك حصصًا أكبر في القطاع المذكور، من المفروض أن تكون ذات تأثير أكبر نظرياً، لكن هذا لم يحصل البتة.
واستطرد كواكبي قائلاً: "ليس دفاعاً عنه، ولكن هذا اللوبي أذكى من أن يتدخل بشكل مباشر سلباً في ملف سياسة الدولة الفرنسية تجاه المسلمين".
وأوضح كواكبي لـ"عربي بوست": "هو حتى ليس بحاجة للقيام بذلك لوجود عدد لا بأس به من "عرب الخدمة" و"كارهي الذات" الذين يزايدون على المشروع الصهيوني في تبعيتهم للسياسات اليمينية الإسرائيلية وفي استخدام ما تيسر لهم من حجج ووسائل للهجوم على المكون العربي والمسلم في البلاد.
كما يؤثر انعدام التنظّم لدى الجاليات عربية الأصل بشدة في إمكانياتهم لدرء السياسات السلبية تجاههم". من جهة أخرى، يؤكد الباحث وجود علاقة وطيدة بين اللوبي الصهيوني في فرنسا والدول العربية، إذ يوضح "أكاد أن أقول إنها علاقات أكثر من جيدة مع الأنظمة وعلاقات كراهية متبادلة مع الشعوب".
فيما سبق أن قال المحلل الاستراتيجي الفرنسي، باسكال بونيفاس، إن زعماء سياسيين وصحفيين وأساتذة جامعيين، اضطروا إلى دفع ثمن باهظ لانتقادهم الحكومة الإسرائيلية، "ومن المفارقات أن انتقاد السلطات الوطنية في فرنسا أقل خطورة على أي شخص من انتقاد السلطات في حكومة أجنبية معينة، هي إسرائيل".
كما أضاف في حوار نُشر عام 2014، قائلاً: "أنا أعرف العديد من الناس الذين يقولون لي إنهم يتفقون تماماً مع تحليلاتي، ولكنهم يفضلون عدم الإعلان عن ذلك علناً خوفاً من الانتقام. وأعتقد أن هذا يعكس استراتيجية خطيرة في الأمد البعيد، حتى وإن كانت تحمي الحكومة الإسرائيلية في الأمد القريب".
الصهيونية في المغرب العربي
برز دور اللوبي الصهيوني في فرنسا بالمغرب العربي خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وبالضبط مع الاحتلال الفرنسي للجزائر، وقال الكاتب والصحفي العراقي شاكر نوري في كتابه "اللوبي الصهيوني في فرنسا"، "كان لليهود الفرنسيين وخاصة الصهاينة منهم دور كبير في استعمار الجزائر، إذ قاموا بتنظيم أنفسهم منذ 1860 وتهيأوا لهذه المهمة".
حسب نوري: "كانت الصهيونية تستخدم سلاحاً ذا حدين، في التعامل مع يهود المغرب العربي، مستندة إلى كل الأوضاع غير الطبيعية التي كانت تسود آنذاك.. فقد دعمت الاستعمار من أجل تهجير يهود المغرب العربي إلى فلسطين وإنجاح قضية الاستيطان الصهيوني".
وعلى مر السنين تضاعفت هجرة اليهود من دول المغرب العربي، خاصةً من الجزائر والمغرب وتونس، وكانت وجهتهم الأولى فرنسا قبل أن يشدوا الرحال إلى فلسطين المحتلة كمرحلة ثانية، ووصلت ذروة التهجير في الفترة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وحرب 1948.
بعد تهجير اليهود المغاربيين ونهاية مرحلة المواجهة المباشرة بين إسرائيل والعرب التي انتهت بتوقيع اتفاق السلام مع مصر والأردن، توجه اللوبي الصهيوني مرة أخرى إلى دول المغرب العربي وكانت مهمته هذه المرة "التطبيع السياسي والاقتصادي".
اللوبي الصهيوني الفرنسي والمغرب
اختارت فرنسا نهجًا أكثر وضوحًا خلال الأسابيع القليلة الماضية في دعم موقف المغرب بشأن قضية الصحراء الغربية، إذ أكد رئيسها إيمانويل ماكرون عبر رسالة وجهها إلى عاهل المملكة، الملك محمد السادس، ضرورة معالجة النزاع المعمر عقودًا في إطار السيادة المغربية.
وفق معلومات خاصة، فإن اللوبي الصهيوني في فرنسا كان له دور مهم في انتزاع هذا الموقف من خلال أسماء بارزة طالما لعبت دورًا حيويًا لتحقيق التقارب بين البلدين، على رأسها مستشار ملك المغرب أندري أزولاي.
بالعودة إلى بضع سنوات خلت، نلفي أن تقارير عدة تحدثت عن دور اللوبي اليهودي خلال زيارة الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لباريس شهر فبراير/شباط 2020 في تعزيز العلاقات بين المغرب وإسرائيل كجزء من سلسلة التحالفات الإقليمية التي تهدف إلى دعم المغرب في قضيته حول الصحراء.
إذ يعتبر مراقبون أنّ هذه الزيارة مهّدت الأرضية لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل لاحقًا في عام 2020.
قبل ذلك، سنة 2017، أبرزت صحيفة "لوموند" الفرنسية من خلال تحقيق مطول تأثير بعض الشخصيات اليهودية الفرنسية مثل أندري أزولاي، في العلاقات الفرنسية-المغربية.
كما أشار تحقيق الصحيفة إلى أن اللوبي الصهيوني في فرنسا ساهم في تعزيز موقف المغرب بشأن قضية الصحراء الغربية من خلال الضغط على الدوائر السياسية الفرنسية لدعم مقترح المملكة، معتبرًا أن المصالح المشتركة بين المغرب وفرنسا، خاصةً في القضايا الأمنية والاقتصادية، تتعزز من خلال هذه الدوائر.
عقب استئناف الرباط علاقاتها مع تل أبيب، رحب اللوبي اليهودي الفرنسي بالخطوة وأثنى عليها، خاصةً وأنه لعب دورًا في التأثير على السياسة الخارجية الفرنسية لدعم هذا التقارب.
كثير من الشخصيات اليهودية الفرنسية البارزة، استقبلت حينها الأمر بكثير من التأييد، وهي التي دعمت توطيد العلاقات بين إسرائيل والمغرب، مما عزز النفوذ اليهودي في فرنسا على المستوى المغاربي.
من بين هذه الشخصيات نجد الفرنسي المغربي سيرج بيردغو، الرئيس السابق لمجلس اليهود المغاربة، وميري عمار، الناشطة في الجالية اليهودية في فرنسا والمغرب، والمعروفة بمواقفها المؤيدة للتطبيع، وأيضًا جاك أتال، الكاتب والمستشار السياسي الفرنسي من أصول يهودية.
في عام 2021، وتزامنًا مع احتجاج الآلاف في فرنسا تضامنًا مع فلسطين خلال الحرب على غزة، صوّرت كثير من وسائل الإعلام خاصة ذات التوجه اليميني تلك الاحتجاجات كأعمال شغب أو تهديد للأمن الداخلي.
كما شارك بعض المعلقين الفرنسيين المحسوبين على اللوبي اليهودي في تقديم هذه الاحتجاجات بشكل سلبي، تمامًا كما صنعوا خلال حرب غزة الأخيرة، وهو أمر يعكس رغبة حثيثة في توجيه الرأي العام الفرنسي وتمكين دوائر القرار من ذرائع للضغط على البلدان المغاربية حيث يتحدر هؤلاء.
دور اللوبي اليهودي بفرنسا في التأثير على علاقة المملكة بإسرائيل من جهة ومع باريس من جهة أخرى ليس وليد السنوات الأخيرة، ولكنه ممتد لعقود بحكم طبيعة الروابط التاريخية بين الجانبين.
في هذا الصدد، نستحضر اللقاء السري الذي نظم عام 1959، بين القنصل الإسرائيلي في باريس، مردخاي شنورسون، وسفير المغرب في باريس، عبد اللطيف بنجلون، بهدف مناقشة قضايا تتعلق بهجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل في ظل الضغوط السياسية والاقتصادية.
ومع ذلك، لم يسفر هذا الاجتماع عن نتائج ملموسة، مما دفع إسرائيل للبحث عن طرق بديلة لنقل اليهود المغاربة بشكل سري إلى فلسطين.
اللوبي الصهيوني والعلاقات الفرنسية الجزائرية
طالما تأرجحت العلاقة بين الجزائر وفرنسا بين الاستقرار والتوتر، اعتبارًا لأسباب تاريخية بالأساس، خاصة تلك المرتبطة بقضايا الذاكرة الاستعمارية.
في هذا الملف أيضًا يبدو تأثير اللوبي الصهيوني في فرنسا جلياً من خلال لعب دور سلبي يرمي إلى تضخيم هذه التوترات، والحيلولة دون رأب الصدع بين الطرفين. نستحضر في هذا السياق دعم بعض الشخصيات والمؤسسات اليهودية الفرنسية باستمرار مواقف متشددة تجاه الجزائر، وهو أمر يفسره مراقبون بموقف البلد المغاربي من القضية الفلسطينية وإسرائيل.
في عام 2021، خلال زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لفرنسا، انتقدت بعض الدوائر الموالية لإسرائيل مواقف الجزائر المعادية للتطبيع مع إسرائيل، والتي تتماشى مع سياستها التاريخية في دعم فلسطين.
قبل ذلك، كانت عدة صحف فرنسية قد نقلت كيف عارضت شخصيات يهودية فرنسية الاعتراف الكامل بجرائم فرنسا في الجزائر، خشية أن يفتح ذلك الباب أمام مطالب تعويضات مماثلة للجرائم المرتكبة ضد اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية.
في عام 2018، نشر موقع "ميديا بارت" الاستقصائي تحقيقًا كشف من خلاله كيف يمارس اللوبي الصهيوني في فرنسا ضغوطًا على الحكومة للحفاظ على موقف متشدد تجاه الجزائر بسبب مواقفها المعادية لإسرائيل. التحقيق أشار إلى أن الجزائر تُعد من أبرز الدول الداعمة للقضية الفلسطينية في شمال أفريقيا، وهو ما يثير توترًا في العلاقات بين الجزائر وفرنسا.
رغم تشدد الموقف الجزائري بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، عمل اللوبي اليهودي الداعم لإسرائيل بفرنسا لسنوات على إيجاد منفذ لإقناع صناع القرار بالعدول عن أفكارهم وفتح صفحة جديدة.
من بين ثمار تلك المحاولات، اجتماع الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة سنة 2016 مع مسؤولين إسرائيليين في إطار محاولة سياسية معقدة لإعادة بناء العلاقات بين الجزائر وإسرائيل خلال فترة حكمه.
وفد اليهود الفرنسيين كان يضم أعضاءً في لجان الحوار اليهودية. وقد شكل الاجتماع محاولة للبحث عن سبل لتحسين العلاقات.
مع ذلك، لم تترجم تلك المحاولات إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، حيث ظلت الجزائر حذرة بشأن العلاقات مع إسرائيل، نظرًا للتاريخ المعقد بين الدولتين، خصوصًا في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
محاولات التطبيع في تونس
على مدى سنوات طويلة، حاولت عدة شخصيات يهودية تونسية مقيمة في فرنسا لعب دور الوسيط بين تونس وتل أبيب تحقيقًا للتقارب وتقليصًا لفجوة الخلاف بين الطرفين، من بين هؤلاء الكاتب والإعلامي برنار هنري ليفي الذي يُعتبر من الأصوات اليهودية البارزة في فرنسا والتي تدافع عن فكرة التقارب بين إسرائيل والدول العربية، بما فيها دول المغرب العربي.
ورغم أن دوره لم يكن رسميًا، إلا أن تأثيره الفكري والسياسي، من خلال مقالاته وظهوره الإعلامي، ساهم في تعزيز فكرة ضرورة الانفتاح بين إسرائيل والدول العربية.
قبل ليفي، كان وزير السياحة التونسي الأسبق روني طرابلسي المعروف بمواقفه حول ضرورة الحفاظ على العلاقات الثقافية والدينية بين التونسيين اليهود والمسلمين، يسعى بشكل حثيث لترسيخ فكرة التقارب بين إسرائيل وتونس من خلال الدعوة إلى التعايش ونبذ الخلاف.
لاحقًا، سيواجه طرابلسي انتقادات من بعض الجهات السياسية في تونس التي اعتبرت أن وجوده في الحكومة قد يفتح الباب أمام ضغوطات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
أثار تعيين طرابلسي في منصب حكومي موجة من الجدل في تونس، خاصة بسبب خلفيته اليهودية. إذ انتقدته بعض الأحزاب والشخصيات السياسية، معتبرين أن تعيينه قد يمهد الطريق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ونفى طرابلسي تلك الاتهامات وأكد على أن تركيزه الأساسي هو تعزيز السياحة في تونس، وخاصة السياحة الدينية المرتبطة بالجالية اليهودية.
خلافًا لطرابلسي، سيشكل هذا التقارب بالنسبة لإيلي عازر هذه المرة هدفًا واضحًا ومباشرًا من خلال عقد اجتماعات سرية تم خلالها بحث سبل التعاون الاقتصادي والدبلوماسي بين البلدين.
بصفته رئيس اللجنة التونسية-الإسرائيلية، نظم عازر في الفترة بين عامي 2016 و2020، لقاءات سرية بين شخصيات يهودية فرنسية ومسؤولين إسرائيليين، بما في ذلك رجال أعمال ومؤسسات يهودية، وذلك لبحث استثمارات مشتركة.
هذه الاجتماعات ركزت على مجالات مثل السياحة والتجارة، حيث تم التأكيد على قدرة الجاليات اليهودية في فرنسا على تسهيل هذه الروابط.