تلعب شركات الأسلحة الإسرائيلية التي تمثل آلة للقتل على مدار عقود، دورًا كبيرًا في الصناعات العسكرية العالمية، ويعتمد الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير على هذه الصناعة، حيث تحتل دولة الاحتلال مكانة واضحة بين الدول المصدرة للأسلحة. وتستغل "إسرائيل" صناعاتها العسكرية في العلاقات الدبلوماسية مع دول العالم وبعض دول المنطقة. فيما يشكل تصدير الأسلحة جزءًا من العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل وحلفائها، خصوصًا الولايات المتحدة، التي تعتبر المستورد الأكبر للأسلحة والتكنولوجيا الإسرائيلية. كما تعزز العلاقات الاقتصادية مع دول آسيا وأوروبا من النفوذ السياسي لإسرائيل على الصعيد الدولي.
كانت "إسرائيل" تاسع أكبر مصدر للأسلحة في العالم في الفترة 2019-2023، حيث تمثل ما معدله 2.4% من صادرات الأسلحة العالمية، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وارتفعت صادرات "الدفاع" الإسرائيلية بنسبة 9.7% إلى مستوى قياسي بلغ 12.5 مليار دولار أميركي في عام 2022، وفقًا لأحدث الأرقام التي أعلنتها وزارة "الدفاع"، منها 3.67 مليار دولار لأوروبا. وشكلت الطائرات بدون طيار وأنظمة الطائرات بدون طيار ذات الصلة ربع صادرات الدفاع الإسرائيلية لعام 2022، حيث شكلت الصواريخ والقذائف وأنظمة الدفاع الجوي حوالي الخمس.
وتمتلك العديد من شركات الأسلحة الإسرائيلية مصانع لها خارج "إسرائيل"، خصيصاً في أوروبا وأمريكا، تقوم بصناعة مكونات وقطع أسياسية لأنظمة الأسلحة الإسرائيلية. وبعد حربها على غزة ولبنان، تخشى "إسرائيل" أن يؤدي حظر الأسلحة الذي تفرضه بعض الدول الغربية مثل المملكة المتحدة وألمانيا ودول أخرى إلى إضعاف قدرتها على توريد المعدات الحيوية إلى "إسرائيل" حتى من مصانعها التي في الخارج، كما يقول تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية.
ما أبرز شركات الأسلحة الإسرائيلية المملوكة لها في الخارج؟
1. شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI)
شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية أو (Israel Aerospace Industries) تعد واحدة من أكبر شركات الدفاع الإسرائيلية وأكثرها شهرة. تنتج مجموعة واسعة من الأنظمة العسكرية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار (الدرونز)، الصواريخ، وأنظمة الدفاع الجوي، وأجهزة الاستشعار المتقدمة.
تمتلك IAI عدة مصانع وشراكات في الخارج، لا سيما في الولايات المتحدة. من خلال فروعها مثل "إلتا" (Elta)، وهي متخصصة في الإلكترونيات والرادارات، تنشط الشركة في التعاون مع دول أخرى في مشاريع مشتركة تهدف إلى تطوير التكنولوجيا الدفاعية.
2. شركة "رافائيل" لأنظمة الدفاع المتقدمة (Rafael)
رافائيل هي الشركة المسؤولة عن تطوير نظام "القبة الحديدية" الشهير المضاد للصواريخ. تصنع أيضًا نظم صواريخ موجهة، ومعدات للحرب الإلكترونية، ومنصات دفاعية أخرى تعتمد على تقنيات متقدمة في الاستهداف والاتصالات. كما تعمل على تصنيع صواريخ جو-أرض وصواريخ مضادة للدروع.
تمتلك رافائيل شراكات عديدة في الخارج، بما في ذلك في الولايات المتحدة والهند، حيث تم توقيع اتفاقيات تعاون لتطوير صواريخ مضادة للدروع مثل "سبايك" (Spike). كما أن للشركة وجودًا قويًا في أوروبا عبر اتفاقيات ترخيص إنتاج أسلحة مع شركات محلية.
في مايو/أيار 2024 منعت فرنسا عشرات الشركات الإسرائيلية على رأسها "رافائيل" من المشاركة في معرض يوروساتوري، أكبر معرض دفاعي في أوروبا، قبل أسبوعين من انطلاق الحدث في باريس، حيث أشارت الحكومة إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
3. شركة "إلبيت سيستمز" (Elbit Systems)
تعد "إلبيت سيستمز" شركة إلكترونيات دفاعية تقدم منتجات تكنولوجية متقدمة تشمل طائرات بدون طيار، نظم تحكم عن بعد، أجهزة رصد واستشعار، وأجهزة محاكاة للطيران. كما تصنع نظمًا للاتصالات العسكرية وأنظمة ملاحة، مما يجعلها رائدة في تكنولوجيا المعارك المستقبلية.
تملك "إلبيت سيستمز" عدة مصانع حول العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة والبرازيل وأوروبا. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تمتلك "إلبيت" مصانع لتصنيع الإلكترونيات العسكرية بالتعاون مع وزارة الدفاع الأمريكية. كما قامت بفتح مصنع في الهند كمحطة استراتيجية لتلبية احتياجات السوق الآسيوية من الإلكترونيات الدفاعية.
4. شركة "بيت شيهمش" (Bet Shemesh Engines)
تختص هذه الشركة في إنتاج محركات الطائرات والأنظمة الجوية، وتعتبر من الموردين الرئيسيين لقطاع الطيران العسكري، سواء في "إسرائيل" أو في الخارج. تشمل منتجاتها محركات للطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى أجزاء معقدة لأنظمة الطيران.
لدى شركة "بيت شيهمش" مصانع في الولايات المتحدة، حيث تتعاون مع شركات أمريكية لصناعة محركات الطائرات، بما في ذلك محركات الطائرات العسكرية. وتعد الشركة جزءًا من شبكة توريد أوسع تضم شركات أمريكية وأوروبية.
5. شركة IMI Systems
شركة IMI Systems كانت تعرف سابقًا باسم "شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية"، وهي متخصصة في تصنيع الذخائر التقليدية والذخائر المتقدمة مثل القنابل الموجهة بالليزر والصواريخ الدقيقة. كما أنها تنتج أسلحة صغيرة ومتوسطة الحجم، ومدفعية، وأنظمة متقدمة للمشاة.
لدى IMI اتفاقيات تعاون مع شركات دفاعية في أمريكا الشمالية وأوروبا. في الولايات المتحدة، تنتج الشركة الذخائر والأنظمة الخاصة بالدفاع الجوي والبري بالتعاون مع شركات أمريكية. كما وقعت عدة اتفاقيات لتصنيع أسلحة بشكل مشترك في أوروبا، ما يعزز وجودها في الأسواق العالمية.
كيف ستتأثر هذه الشركات بالحظر الذي تفرضه بعض الدول على الأسلحة الإسرائيلية؟
تقول صحيفة "هآرتس" إن تدهور مكانة "إسرائيل" الدولية في خضم الحرب المستمرة، إلى جانب القيود التي تفرضها بلدان مختلفة على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، من الممكن أن يؤدي إلى وضع حيث تصبح شركات الدفاع الأجنبية المملوكة بالكامل لـ"إسرائيل" غير قادرة على تصدير الأسلحة إلى "إسرائيل".
وفي الأشهر الأخيرة، اتخذت عدة دول تدابير علنية وسرية لتجنب الظهور بمظهر من يساعد "إسرائيل"، التي تتهم بارتكاب إبادة جماعية في غزة أما المحاكم الدولية. فقد ألغت المملكة المتحدة ثلاثين ترخيصاً للتصدير ونفذت تغييرات من شأنها أن تعقد صادرات الدفاع المستقبلية إلى "إسرائيل". أما ألمانيا، وهي من كبار المصدرين إلى "إسرائيل" (وخاصة الغواصات والطرادات)، فقد قيدت فعلياً صادراتها الدفاعية.
وفي حين نفت برلين التقارير التي تحدثت عن وقف كامل للصادرات، أفادت وسائل إعلام محلية بانخفاض كبير في التراخيص الصادرة، مشيرة إلى تأخير لمدة عام في طلب إسرائيلي للحصول على 10 آلاف قذيفة دبابة. كما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع إلى تقييد صادرات الأسلحة إلى "إسرائيل".
وعلى مر السنين، أنشأت شركات الدفاع الإسرائيلية العديد من الشركات التابعة في جميع أنحاء أوروبا وآسيا وأمريكا. تخدم هذه الاستراتيجية تسويق منتجاتها وتلبية متطلبات عملاء الدولة لتوطين تطوير وإنتاج بعض أنظمة الأسلحة من خلال مشاريع مشتركة مع الشركات المصنعة المحلية. على سبيل المثال، أنشأت شركة Elbit Systems مصنعًا مشتركًا في الهند مع شركة Adani Defense لإنتاج طائرات بدون طيار من طراز Hermes 900 لكل من الهند و"إسرائيل"، حيث زادت احتياجات الأخيرة بعد إسقاط حزب الله لعدة طائرات بدون طيار.
وشكلت "شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية" مشروعاً مشتركاً في سنغافورة مع شركة إس تي إنجينيرينغ لإنتاج وتسويق أنظمة الصواريخ البحرية المتقدمة. وأعلنت الشركة الإسرائيلية قبل ستة أشهر: "إننا نتوسع.. خلال العام الماضي، تمت الموافقة على نحو 10 عمليات اندماج واستحواذ. وهذا من شأنه أن يعزز حضور دولة الاحتلال في الهند وألمانيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية وإسرائيل ويساعدنا في استكمال مجموعة المنتجات التي نقدمها لعملائنا"، على حد تعبير الشركة.
وأعلنت كندا تعليق صادرات الأسلحة إلى "إسرائيل". وقالت وزيرة الخارجية ميلاني جولي إن 30 ترخيصًا تم تجميدها. وقالت: "كانت سياستنا واضحة … لن نسمح بإرسال أي شكل من أشكال الأسلحة أو أجزاء من الأسلحة إلى غزة". في عام 2017، استحوذت شركة Elbit Systems على شركة GeoSpectrum Technologies الكندية، التي تطور أنظمة السونار البحرية المستخدمة في سفينة Seagull Unmanned Surface Vessel التابعة لشركة Elbit. مع تزويد البحرية الإسرائيلية بطائرة Seagull واحدة على الأقل، فمن غير المؤكد ما إذا كانت شركة GeoSpectrum المملوكة لـ"إسرائيل" ستتمكن من تصدير معدات دفاعية إلى إسرائيل في المستقبل.
ومن بين التغييرات الملحوظة، وإن لم تكن بالضرورة الأكثر تأثيراً، إعلان بريطانيا إلغاء وتشديد تراخيص تصدير الأسلحة في المستقبل. وتقول ناتالي ديفيدسون، الأستاذة المساعدة في كلية بوخمان للقانون بجامعة تل أبيب، إن القرار يستند إلى المعايير البريطانية لتقييم المخاطر الواضحة المتمثلة في الانتهاكات الكبرى لقوانين الحرب الدولية. وتقول ديفيدسون والدكتور صامويل بيرلو فريمان من الحملة ضد تجارة الأسلحة في المملكة المتحدة، إن هذا ليس حظراً شاملاً بل هو تغيير يعكس المخاوف بشأن استخدام الأسلحة والتكنولوجيا المرسلة إلى إسرائيل في غزة، وهو ما قد يشكل انتهاكاً لقوانين حقوق الإنسان.
وتمتلك شركات الدفاع الإسرائيلية العديد من الشركات البريطانية. فقبل عامين استحوذت شركة رافائيل على شركة بيرسون الهندسية، التي تصنع مكونات المركبات المدرعة ومعدات إزالة الألغام. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، مع اندلاع حرب غزة، سارعت شركة بيرسون إلى الإعلان عن أن "جيش الدفاع الإسرائيلي لا يستخدم حالياً أي معدات من إنتاج بيرسون الهندسية".
وتصنع شركة أخرى تابعة لشركة "إلبيت" في المملكة المتحدة، وهي شركة إنسترو بريسيجن المحدودة، أجهزة استشعار كهربائية بصرية للتحكم في النيران وأنظمة استهداف بالليزر. ويصف بيرلو فريمان "تدفقاً كبيراً ومنتظماً من تراخيص التصدير إلى إسرائيل، والتي تشتمل جميعها تقريباً على "مكونات لمعدات الاستهداف"… للعملاء النهائيين في إسرائيل". وهو يعتقد أن قدرة الشركة في المستقبل على البيع لـ"إسرائيل" سوف تتأثر بلا شك بسياسة التصدير البريطانية.