منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعرضت غزة لقصف مكثف أسفر عن تدمير واسع النطاق، حيث دمرت إسرائيل 206 مواقع أثرية وتراثية من أصل 325 موقعًا مسجلًا في القطاع، وفقًا لآخر إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي. ويُعزى هذا التدمير المتعمد إلى محاولة طمس الهوية الثقافية والتاريخية الفلسطينية، وتهدف هذه الهجمات إلى القضاء على الشواهد التاريخية التي توثق العمق الحضاري للفلسطينيين في غزة.
مثلما أشار المؤرخ البلجيكي لوكاس كاترين في مقالته إلى أن هذه الممارسات لا تقتصر على الإبادة الجماعية المحتملة للشعب الفلسطيني، كما صنفتها محكمة العدل الدولية، بل تمتد إلى تدمير تراثهم التاريخي والثقافي على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
يستعرض هذا التقرير أبرز المعالم التاريخية والأثرية التي تعرضت للدمار نتيجة الحرب، محاولًا توثيق هذا الجانب المظلم من الهجمات التي تستهدف ليس فقط الحاضر بل الماضي العريق للشعب الفلسطيني.
المواقع الأثرية المدمرة في غزة
صرّح إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، لوكالة الأناضول، بأن العديد من المواقع الأثرية والتراثية في القطاع تعرضت لتدمير جزئي أو كلي نتيجة الهجمات الإسرائيلية المستمرة. وتشمل هذه المواقع مساجد، كنائس، مدارس، ومبانٍ أخرى ذات أهمية تاريخية.
فغزة، التي تُعد واحدة من أقدم مدن العالم، شهدت تعاقب حضارات متعددة مثل الفراعنة، والإغريق، والرومان، والبيزنطيين، وصولاً إلى الحقبة الإسلامية، مما أضفى على القطاع قيمة تاريخية وثقافية عظيمة، وجسد عراقة الشعب الفلسطيني وتجذره في هذه الأرض.
وقد أوضح الثوابتة أن أكثر المواقع الأثرية تضرراً كانت في مدينة غزة القديمة، المعروفة بـ"البلدة القديمة"، وهي مدينة تاريخية تعود إلى الحضارة الفينيقية التي ترجع إلى نحو 1500 عام قبل الميلاد. وقد تعرضت البلدة القديمة للقصف الإسرائيلي، مما أدى إلى أضرار جسيمة في العديد من مبانيها الأثرية، بما في ذلك الأسوار، البوابات، وعدة مبانٍ بارزة.
مسجد السيد هاشم
تعرض مسجد السيد هاشم، أحد المعالم التاريخية البارزة في مدينة غزة لتدمير كبير جراء قصف شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2023.
و يقع المسجد في حي الدرج وتبلغ مساحته حوالي 2400 متر مربع. يُعد المسجد من الأماكن ذات القيمة الدينية والتاريخية الكبيرة، حيث يُعتقد أن الضريح الواقع تحت قبته يحتوي على قبر السيد هاشم بن عبد مناف، الجد الأكبر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
تم بناء المسجد خلال العصر العثماني، على الطراز المعماري المملوكي الذي يتميز ببساطته وجماله المعماري. يحتوي المسجد على محراب يتجه نحو القبلة، كما شهد المنبر تجديداً في عام 1850 بمبادرة من السلطان العثماني عبد المجيد.
يعتبر مسجد السيد هاشم جزءاً لا يتجزأ من التراث الديني والثقافي في المنطقة، إذ يرتبط بتاريخ غزة وتنوعها الحضاري. التدمير الكبير الذي تعرض له يُمثل خسارة كبيرة للإرث التاريخي الفلسطيني.
المسجد العمري الكبير
يعتبر المسجد العمري الكبير واحداً من أبرز المعالم التاريخية في فلسطين، حيث يتمتع بتاريخ طويل وبنية معمارية رائعة. يقع هذا المسجد الكبير في قلب البلدة القديمة في حي الدرج بمدينة غزة، وقد شهد لحظات تاريخية مهمة.
تمتد مساحة المسجد على مساحة تبلغ 4100 متر مربع، ما يجعله أحد أكبر المساجد في المنطقة. يتميز بتصميمه المعماري الفريد الذي يعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، والذي يعكس الأسلوب البازيليكي. هذا الأسلوب يبرز التفاصيل الجمالية والتناغم في الهندسة المعمارية.
للأسف، عانى المسجد العمري الكبير من دمار شامل، ما أسفر عن فقدان هذه التحفة التاريخية. و يرتبط المسجد بذكريات البلاد وشعبها، ويجسد قيماً تاريخية ودينية عميقة، ويظل واحداً من الأماكن التي شهدت على تطور الحضارة في هذه المنطقة، ومع الأسف، تاريخه العريق اليوم أصبح مجرد ذكرى للأجيال.
مسجد عثمان قشقار
يقع مسجد عثمان قشقار على بُعد بضعة أمتار من المسجد العمري الكبير في غزة، ويُعد من أقدم المساجد في القطاع، إذ تأسس في 27 رجب 620 هـ. يُنسب المسجد إلى الشيخ عثمان قشقار، الذي اشتهر بأنه من الأتراك العجم، وقد دُفن جثمانه داخل المسجد بعد وفاته، وتم فصل قبره عن المسجد بالبناء حوله. بُني المسجد على الطراز العثماني التركي التقليدي، وشهد عملية ترميم وتوسعة في عام 1990.
في 7 ديسمبر/كانون الثاني 2023، استهدفته قوات الاحتلال الجوية، مما أدى إلى تدمير المسجد بالكامل، وأسفر الهجوم عن سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى، كما ألحق أضراراً جسيمة بالمنازل المجاورة.
كنيسة القديس برفيريوس
تُعد كنيسة القديس برفيريوس واحدة من أقدم الكنائس الأثرية في العالم، وليس فقط في غزة. هذه الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، التي تقع في قلب مدينة غزة، كانت تعتبر ثالث أقدم كنيسة على مستوى العالم، ما يجعلها جزءًا مهمًا من التراث الديني والتاريخي العالمي.
وقد تم بناء الكنيسة في عام 425م على يد القديس برفيريوس، الذي سميت الكنيسة باسمه، وتحتضن اليوم ضريحه داخل أسوارها. الكنيسة ليست فقط مكانًا للعبادة، لكنها أيضًا شاهد على تاريخ طويل من التعايش الديني والتنوع الحضاري في غزة. عبر القرون، ظلت الكنيسة رمزًا للاستمرارية والتجذر الثقافي في المنطقة.
لكن في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعرضت الكنيسة لقصف جوي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية، مما أسفر عن مجزرة مروعة بحق المدنيين الفلسطينيين.
حيث استهدفت الغارة الجوية مبنى وكلاء الكنيسة، الذي انهار بالكامل جراء القصف. في ذلك الوقت، كان مجمع الكنيسة يؤوي مئات النازحين، الذين لجأوا إليها ظنًا منهم أن الأماكن المقدسة ستكون ملاذًا آمنًا من العنف المستمر.
مسجد كاتب ولاية
يقع المسجد الأثري بجوار كنيسة القديس برفيريوس، وكان المسجد يشترك بجدار واحد مع الكنيسة. ويعد من المعالم التاريخية المهمة في غزة. تبلغ مساحته حوالي 377 مترًا مربعًا، وتم بناؤه خلال فترة حكم الناصر محمد بن قلاوون، أحد سلاطين الدولة المملوكية، في ولايته الثالثة بين عامي 1309 و1341 ميلادية.
و في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعرض المسجد لقصف مدفعي إسرائيلي، مما أدى إلى إلحاق أضرار به.
المستشفى الأهلي العربي المعمداني
تُعتبر من مستشفيات القطاع القديمة، وتتبع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس حيث تم تأسيسها عام 1882 ميلادية، على يد البعثة التبشيرية التي كانت تابعة لإنجلترا.
وتعد واحدة من ثلاث كنائس للمسيحين بغزة، بجانب كنيسة القديس برفيريوس والكنيسة اللاتينية.
تعرض مباني المستشفى الداخلية وكنيسته للاستهداف المباشر من قبل الاحتلال، مما أدى إلى دمار واسع فيها. إذ ارتبط اسم المستشفى بمجزرة مروعة وقعت في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما استهدفت غارة إسرائيلية ساحته، ما أسفر عن استشهاد حوالي 500 فلسطيني من المرضى والنازحين الذين كانوا يلجأون إليه بحثًا عن الأمان.
وتسببت مجزرة المعمداني آنذاك، في صدمة إنسانية كبيرة وزادت من معاناة المدنيين في غزة خلال الحرب.
قصر الباشا أو دار السعادة
يعد هذا المعلم جزءاً من تراث العمارة الإسلامية، تم تحويل هذا المعلم الثقافي إلى متحف حكومي بواسطة وزارة السياحة في بداية عام 2010، وهذه الخطوة قد تعكس التزام الحكومة بالحفاظ على التراث الثقافي وتوفير مكان يعكس الثقافة والتاريخ الغني للمدينة.
يقع في حي الدرج في الجهة الشرقية من البلدة القديمة، ويشكل هذا الحي جزءاً من أغنى المباني التاريخية في المنطقة. يسلط الضوء على تاريخ غزة الغني عبر العصور.
في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، كشفت بلدية غزة عن دمار واسع طال أجزاء من مبانيه جراء قصف إسرائيلي.
بيت الغصين الأثري
مبنى تاريخي يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي خلال الحقبة العثمانية، ويقع في البلدة القديمة شمالي المسجد العمري في غزة.
وكان يتميز البيت بطابعه المعماري العثماني، ويمثل واحدًا من القصور الفلسطينية التاريخية التي تشكل جزءًا من النسيج الحضري القديم في المدينة. و خلال فترة الانتداب البريطاني (1920-1948)، كان بيت الغصين مقرًا للقنصل الإنجليزي.
على مر الزمن، تعرض البيت لتأثيرات الرطوبة والتشققات بفعل عوامل التعرية الطبيعية. وفي إطار جهود الحفاظ على التراث، تم ترميم البيت تحت إشراف وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، وأعيد افتتاحه في عام 2021 كمعلم ثقافي، ليصبح موقعًا يقصده المهتمون بالتاريخ والتراث الفلسطيني. احتضن بيت الغصين فعاليات ثقافية متنوعة مثل عروض الأفلام، الأمسيات الشعرية، الورش الموسيقية، والمعارض التراثية الخاصة بتاريخ غزة.
لكن في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة إلى اليوم، تعرض بيت الغصين الأثري للقصف والتدمير بطائرات الاحتلال، مما أدى إلى ضياع هذا المعلم التاريخي.
بيت سباط العلمي
يعود بناء هذا البيت إلى القرن السابع عشر الميلادي، وقد تم تشييده في بدايات الدولة العثمانية، أي قبل حوالي 450 عامًا. كان البيت مملوكاً في البداية لعائلة بشناق، ثم اشتراه آل العلمي، وما زال ملكًا لهم حتى اليوم. وقد تمت المحافظة عليه عبر العصور المختلفة،
وقد تم تحويله إلى مركز ثقافي يحمل رسالة سامية تهدف إلى تعريف المجتمع بأهمية التراث الفلسطيني وكيفية الحفاظ عليه، فضلاً عن تعزيز الهوية الفلسطينية وجذورها العميقة.
لكنه قد تعرض للتدمير من قبل الاحتلال، في ضربة موجعة للتراث الفلسطيني.
سوق القيسارية الأثري
يقع سوق القيسارية في حي الدرج بالبلدة القديمة وهو أقدم أسواق مدينة غزة الأثرية، وأُنشئ عند افتتاح المدخل الجنوبي لمصلى الجامع العمري، في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون بواسطة الأمير تنكز الناصري، وذلك في عام 1329.
وقد يكون آخر الآثار الباقية من العصر المملوكي. وتعد المباني المحيطة بالسوق تاريخية أيضا، فهي دلالة على أصالة المكان وانتماء الناس إليها.
دمرت إحدى الغارات الإسرائيلية السوق، وحولته إلى ركام وألحقت مزيدًا من الخراب بالمسجد العمري الكبير الذي قصف من قبل في بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع.
سوق الزاوية الشعبي
هو امتداد تاريخي لسوق "القيسارية"، وكان يُعد أحد أهم الأسواق الأثرية في غزة. فقد كان يقع السوق في منطقة مركزية ويجاور الجامع العمري الكبير، الذي يُعتبر واحدًا من مداخل السوق الرئيسية.
لكن تعرض السوق لقصف جوي إسرائيلي أدى إلى دمار واسع أصاب العديد من المحال والمباني الأثرية التي كانت تحمل طابعًا تاريخيًا.
دير القديس هيلاريون (تل أم عامر)
دير القديس هيلاريون هو واحد من أقدم المواقع الأثرية في الشرق الأوسط، أسسه القديس هيلاريون، وكان يضم أول مجتمع رهباني في الأرض المقدسة. يقع الدير في منطقة تُعرف بـ"أم التوت"، التي كانت تمثل تقاطع طرق رئيسي للتجارة والتبادل بين آسيا وأفريقيا. لعب الدير دورًا مهمًا كمركز للتبادل الديني، الثقافي، والاقتصادي، ويُعد مثالًا بارزًا على الأديرة الصحراوية التي انتشرت خلال العصر البيزنطي.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تعرض الدير للتدمير إثر غارة جوية نفذتها القوات الإسرائيلية جنوب مدينة غزة. وقد أدرج دير القديس هيلاريون على قائمة اليونسكو للتراث العالمي المعرض للخطر، نظرًا لأهميته التاريخية والثقافية الكبيرة، وما يمثله من جزء هام من التراث الإنساني في المنطقة.
مقام الخضر في دير البلح
يُعد أول دير مسيحي يُبنى في فلسطين خلال العهد البيزنطي، ويقع في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة. يحمل هذا الدير أهمية دينية وتاريخية كبيرة كأحد أقدم المعالم المسيحية في المنطقة. وخلال الحرب المستمرة، تعرض الدير لقصف إسرائيلي، مما أسفر عن أضرار جزئية في هيكله.
مقبرة دير البلح
تُعد مقبرة دير البلح من أهم المقابر التاريخية والأثرية في غزة، وتُعبر عن تاريخ طويل للشعب الفلسطيني يمتد عبر عدة عصور. تعرضت المقبرة للدمار الكامل على يد الاحتلال، ما شكل خسارة كبيرة لتراث غزة الأثري.
حيث قد أجريت تنقيبات أثرية مكثفة على ساحل دير البلح بين عامي 1972 و1982، وكشفت هذه التنقيبات عن مقبرة ذات أهمية استثنائية، يعود تاريخها إلى العصر البرونزي المتأخر، ما بين 1550 و 1200 قبل الميلاد. فكانت المقبرة توثق جوانب من الحياة والتاريخ القديم في غزة.
حمام السمرة
كان يُعتبر آخر الحمامات الأثرية الباقية في غزة من العهد العثماني، تعرض للتدمير الكامل جراء قصف مباشر استهدفه في حي الزيتون. هذا الحمام كان رمزًا لتاريخ المدينة وتراثها الثقافي، حيث كان يعكس تقاليد وأسلوب حياة السكان خلال الحقبة العثمانية.
في يناير/كانون الثاني 2024، تم توثيق الدمار الذي حل بهذا المعلم الأثري على يد الاحتلال، و قد اختفت معالمه كلها تحت الأنقاض.
مركز رشاد الشوا الثقافي
كان مركز رشاد الشوا الثقافي في مدينة غزة أول مركز ثقافي يتم بناؤه في فلسطين، وقد اكتمل بناء المركز في عام 1988، رغم العرقلة التي واجهها المشروع من إدارة الاحتلال الإسرائيلي. وكان يقع المركز في حي الرمال شمال قطاع غزة، وسُمي باسم رشاد الشوا، الذي كان رئيسًا لبلدية غزة بين عامي 1972 و1975، وكان صاحب الفكرة في إنشاء المركز ليكون واجهة حضارية تعبر عن الثقافة الفلسطينية.
تم ترشيح المبنى في عام 1992 لجائزة "الآغا خان للإبداع في هندسة العمارة"، وذلك بفضل تصميمه المميز الذي يعكس الروح المعمارية الفلسطينية. لعب المركز دورًا بارزًا في احتضان مختلف الأنشطة والفعاليات الفنية والثقافية المحلية، وكان يُعد الساحة الثقافية الأبرز في مدينة غزة.
لكن في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تعرض المبنى لتدمير كامل جراء غارة إسرائيلية، مما حوله إلى كومة من الركام.
مخزن آثار غزة
هو مخزن يحتوي على آلاف القطع الأثرية في غزة و يُعتبر أحد أهم المواقع التي جمعت آثاراً تاريخية على مدار سنوات طويلة، وتمتد هذه القطع عبر حقب زمنية مختلفة، بدءاً من 3 آلاف سنة قبل الميلاد وحتى القرنين السابع والثامن الميلادي، وصولاً إلى بداية العهد الإسلامي المبكر. هذه الآثار الحقيقية تم اكتشافها خلال عمليات التنقيب، وتم توثيقها وفرزها وتنظيفها وفقاً للقواعد العلمية الأثرية.
في 21 يناير/كانون الثاني 2024، سيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي على المخزن الذي يحتوي على هذه الآثار، وظهر مقطع فيديو نشره مدير هيئة الآثار الإسرائيلية، إيلي إسكوسيدو، على حسابه في إنستغرام، يُظهر فريقًا من الهيئة بقيادة نائبه وهم يفحصون الآثار في المخزن الواقع في شمال مدينة غزة. تم حذف المقطع بعد ساعات، وأعقب ذلك تصريح من إسكوسيدو يوضح فيه أنه طلب من جيش الاحتلال الحفاظ على القطع الأثرية في مكانها وعدم المساس بها.
هذا الحدث أثار مخاوف كبيرة بشأن مصير هذه الآثار القيمة، إذ يمثل المخزن جزءًا من الإرث التاريخي الفلسطيني الذي يوثق العصور القديمة في المنطقة.
لماذا يستهدف الاحتلال "الإسرائيلي" المواقع الأثرية في غزة؟
أوضح المؤرخ البلجيكي البارز لوكاس كاترين في مقال لافت نشره خلال الحرب على غزة، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يكتفي بالسعي لإبادة سكان غزة فقط، بل يسعى أيضًا إلى "محو" و"طمس" تاريخهم الأثري والثقافي بالكامل. في مقاله، أشار كاترين إلى أن هذه الإبادة ليست موجهة ضد الأفراد فحسب، بل تستهدف أيضًا التراث الحضاري الفلسطيني في غزة، مؤكداً على أهمية إدراك حجم هذا التدمير.
وفقًا للكاتب، عندما اجتاحت إسرائيل قطاع غزة قبل عدة أشهر، كان لا يزال هناك عدد من علماء الآثار الفرنسيين والأوروبيين يعملون في المنطقة. من بين هؤلاء العلماء رينيه إلتر وجان بابتيست همبرت، وكلاهما من المدرسة الكتابية والأثرية في القدس، إضافة إلى عالم الآثار السويسري مارك أندريه هالديمان. هؤلاء العلماء أدلوا بشهاداتهم في وسائل الإعلام المختلفة حول نهب وتدمير الآثار التاريخية في غزة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقارن كاترين بين التغطية الإعلامية الدولية الضخمة التي حظي بها تدمير تنظيم الدولة الإسلامية لمدينة تدمر السورية بين عامي 2015 و2016، وبين الصمت الإعلامي الحالي تجاه الدمار الذي ألحقه جيش الاحتلال الإسرائيلي بالمعالم التاريخية والأثرية في غزة منذ أكتوبر الماضي. ولفت الانتباه إلى التناقض الصارخ في التعامل مع مثل هذه الجرائم الثقافية.رغم هذا الصمت الإعلامي الغربي، إلا أن مجلة "صمود"، التي تصدرها اللجنة الهولندية الفلسطينية، قدمت توثيقًا دقيقًا لهذه الإبادة الثقافية. منذ اجتياح غزة بريًا، رصدت المجلة في عدة إصداراتها الانتهاكات التي طالت المواقع الأثرية في القطاع.