منذ بداية معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023 ظهر تشكيل عسكري يحمل اسم "المقاومة الإسلامية في العراق" ينضوي تحته العديد من الفصائل والجماعات الشيعية العراقية المسلحة المدعومة من إيران، وبدأت في شن هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ ضد قواعد عسكرية تضم قوات أمريكية في العراق وسوريا٬ مثل استهداف "قاعدة البرج 22" في 28 يناير 2024 مما أدى لمقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة 34 آخرين.
ومن ثم توسعت تلك الهجمات لتشمل أهدافاً إسرائيلية معظمها قواعد عسكرية في إيلات أو الأغوار أو شمال فلسطين المحتلة٬ كان آخرها هجوم مسيرة انتحارية على قاعدة عسكرية إسرائيلية في الجولان٬ ما أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين من كتيبة غولاني وإصابة 25 آخرين.
وأصبح استخدام الطائرات المسيرة الهجومية أداة فعالة في العمليات العسكرية والهجومية التي تنفذها الفصائل العراقية المدعومة من إيران٬ رغم أن جبهة العراق كانت الأقل انخراطاً في المعركة بين مكونات "محور المقاومة"٬ مقارنة مع حزب الله اللبناني أو جماعة "أنصار الله" الحوثيين في اليمن٬ أو حتى الحرس الثوري الإيراني الذي وجه ضربات صاروخية باليستية غير مسبوقة لدولة الاحتلال في منتصف أبريل/نيسان الماضي ومطلع أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وفي هذا التقرير نستعرض ما نعرفه عن قدرات الطائرات المسيرة التي تملكها "المقاومة الإسلامية في العراق" وقدراتها، والعمليات التي نُفذت بها.
ماذا نعرف عن الطائرات المسيرة لدى "المقاومة الإسلامية في العراق"؟
- تتكون ترسانة الطائرات المسيّرة التي تستخدمها الفصائل الشيعية العراقية، مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"الحشد الشعبي"، من نماذج متنوعة، بعضها مصنوع محلياً ومعظمها مستوردة من إيران.
- يعتمد تطوير هذه الطائرات على الدعم اللوجستي والعسكري الإيراني بشكل كبير، حيث تشتهر إيران بتطوير طائرات مسيرة متقدمة ذات قدرات هجومية واستطلاعية مختلفة٬ يمتلك حزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله في اليمن العديد من نماذجها المختلفة.
- تُستخدم هذه الطائرات المسيرة في جمع المعلومات الاستخباراتية، المراقبة، والهجمات المباشرة الانقضاضية على الأهداف العسكرية. ووفقاً لتقارير استخباراتية أمريكية متعددة، تمكنت هذه الفصائل من تكييف التكنولوجيا لتلبية احتياجاتها القتالية، وذلك بمساعدة إيرانية كبيرة قادها "فيلق القدس" الذي كان يقوده الجنرال الإيراني قاسم سليماني٬ والذي اغتيل في غارة أمريكية عام 2019، مما ساهم في تحسين كفاءتها.
أنواع الطائرات المسيرة المستخدمة لدى الفصائل العراقية:
- مسيرة شاهد 129
- المنشأ: إيران
- صنعها الحرس الثوري الإيراني٬ وكشف عنها النقاب عام 2012 يمكنها تنفیذ مهامّها على مسافة 1700 إلى 2000 کیلومتر من القاعدة التي تنطلق منها وقادرة علی حمل الصواريخ الذکية والتحليق لمدة 24 ساعة متواصلة.
- هاجمت الفصائل العراقية المسلحة المدعومة من إيران مواقع عسكرية أمريكية وإسرائيلية بها.
- مسيرة مهاجر-6 (Mohajer-6)
- المنشأ: إيران.
- تمتلك القدرة على القيام بمهام الاستطلاع والهجوم. يمكن تجهيزها لاستهداف الأهداف الثابتة والمتحركة.
- يمكنها الطيران نحو 2000 كيلومتر، وهي قادرة على حمل 40 كيلوغراماً من القنابل الذكية، وتبلغ سرعتها نحو 200 كيلومتر في الساعة، ويمكنها التحليق 12 ساعة متواصلة على ارتفاع 18 ألف قدم.
- استخدمها الفصائل الشيعية في العراق لتنفيذ هجمات ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية.
- مسيرة أبابيل-3 (3 Ababil)
- المنشأ: إيران.
- يمكن استخدام هذه الطائرة للقيام بمهام انتحارية أو هجومية مباشرة٬ – لديها القدرة على حمل متفجرات عالية القوة واستخدامها في هجمات دقيقة.
- يمكنها التحليق حتى ارتفاع 15 ألف قدم، ولمسافة 250 كيلومتر، وبوسعها إرسال الصور الملتقطة إلى محطات التحكم الأرضية أو أي نوع نظام إستقبال آخر، وتعمل بمحرك بوقود البنزين قادر على العمل 8 ساعات متواصلة.
- استخدمتها الفصائل الشيعية العراقية في شن هجمات على منشآت وقواعد أمريكية في العراق.
- مهاجر 4-B أو "بهباد صادق" 1
- المنشأ: إيران.
- القدرات: تُستخدم لأغراض الاستطلاع والمراقبة الجوية. قادرة على البقاء في الجو لفترات طويلة، مما يجعلها مفيدة في جمع المعلومات الاستخباراتية.
- تستخدمها الفصائل لجمع معلومات عن تحركات القوات الأمريكية والتحالف في العراق.
هل تتسع هجمات الطائرات المسيرة العراقية ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية؟
- بينما تمتلك بعض الفصائل الشيعية القدرة على إنتاج نماذج بدائية من الطائرات المسيرة محليًا، فإن أغلب الطائرات المتقدمة التي تستخدمها هذه الفصائل تأتي من إيران.
- وتقوم الفصائل في العراق بتجميع بعض الطائرات أو إجراء تعديلات على النماذج الإيرانية لتلائم احتياجاتها المحلية. وتشير تقارير إلى أن هذه الفصائل قد تكون قادرة على إنتاج نماذج طائرات مسيرة صغيرة للاستطلاع والهجمات المحدودة، إلا أن النماذج الكبيرة والمتقدمة ما تزال تأتي بشكل أساسي من إيران.
- وشهدت الفترة بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2024 عدداً من العمليات التي أطلقت فيها الفصائل الشيعية في العراق طائرات مسيرة لاستهداف قواعد ومصالح أمريكية وإسرائيلية في المنطقة٬ أبرزها في قاعدة "عين الأسد" الأمريكية في العراق٬ وكذلك قواعد عسكرية أمريكية في قاعدة "التنف" بسوريا٬ وكذلك قاعدة عسكرية أمريكية شمال شرق الأردن على الحدود مع سوريا.
- وبعد نجاح هجوم "الجولان" مؤخراً وقبله هجوم "قاعدة البرج 22″٬ تشكل الطائرات المسيرة التي تستخدمها الفصائل الشيعية العراقية تهديدًا متزايدًا على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة٬ ويتوقع أن تصبح هذه التكنولوجيا جزءًا أساسيًا من استراتيجيات الفصائل المسلحة في العراق وسوريا٬ حيث قد تتضاعف هجماتها خلال الفترة القادمة خصيصاً إذا اندلعت حرب أوسع بين "إسرائيل" وإيران.
لماذا تفشل المنظومات الدفاعية في اعتراض الطائرات المسيرة؟
فشل الأنظمة الدفاعية الأمريكية أو الإسرائيلية -الذي تكرر في معركة طوفان الأقصى- في اعتراض الطائرات المسيرة العراقية أو الإيرانية أو اليمنية أو تلك التي يطلقها حزب الله من جنوب لبنان٬ يعود إلى عدة عوامل تقنية وتكتيكية تتعلق بخصائص هذه الطائرات٬ أبرزها:
1- حجم الطائرات المسيرة الصغير قد يقلل من المقطع العرضي الراداري، مما يصعب على الرادارات التقليدية التمييز بينها وبين الأجسام غير الهامة كالأطيار أو الشظايا.
2- الارتفاعات المنخفضة التي تسير بها هذه الطائرات٬ وحتى السرعة المنخفضة التي تنطلق بها -مقارنة مع الصواريخ- يجعلها أقل عرضة لاكتشاف الأنظمة الدفاعية. بعض الرادارات مصممة لرصد الطائرات والصواريخ الأسرع والأكبر على ارتفاعات أعلى، وبالتالي يمكن للطائرات المسيرة الصغيرة أن تتجنب الكشف.
3- الطائرات المسيرة الرخيصة والمبنية باستخدام مواد بسيطة غالباً ما تكون مصنوعة من مواد غير معدنية أو خفيفة الوزن مثل البلاستيك وغيره٬ مما يقلل من قدرة الأنظمة الرادارية التقليدية على اكتشافها.
4- الهجمات المتعددة والمشتركة (هجمات الموجة) سبب آخر في فشل اعتراض الطائرات المسيرة٬ حيث يمكن استخدام عدد كبير من الطائرات المسيرة في هجوم واحد٬ وتعقد أسراب الطائرات المسيرة من مهمة الأنظمة الدفاعية التي قد تفرط في اعتراضها أو تكون غير قادرة على التعامل مع هذا العدد من الأهداف بشكل فعال.
5- تمتلك بعض طرازات الطائرات المسيرة٬ قدرة على المرونة والمناورة العالية، حيث يمكنها تغيير مسارها بسرعة كبيرة أو التحرك في اتجاهات غير متوقعة، مما يصعب عملية الاستهداف بواسطة الأنظمة الدفاعية التي تعتمد على مسارات طيران ثابتة لأهدافها. كما أن بعض الطائرات المسيرة يمكن التحكم بها عن بعد أو برمجتها مسبقاً لتنفيذ مهام محددة بدون الحاجة لتوجيه مستمر، ما يجعلها أكثر صعوبة في الاستهداف بمجرد إطلاقها.