عادت مُجدَّدًا أزمة جزيرة الوراق المصرية لتتصدر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بعد انتشار مقاطع فيديو لاشتباكات بين قوات الأمن وأهالي الجزيرة على خلفية عدم استجابة الحكومة لمطالبات تعويض المواطنين عن منازلهم مقابل تركها، والتضييق عليهم.
المقاومة التي أبداها سكان جزيرة الوراق المصرية دفاعًا عن ممتلكاتهم انتهت بوعود قدمتها الشرطة المصرية للأهالي بعدم التعرض لهم أو الضغط عليهم لترك منازلهم، وسط توقعات برفع قيمة التعويضات لتسريع وتيرة إخلاء المنازل.
وسادت حالة من الهدوء الحذر في الجزيرة منذ الأحد 29 سبتمبر/أيلول 2024، بعد اشتباكات متفرقة اندلعت احتجاجًا على رفض قوات الأمن دخول مواد البناء إلى داخل الجزيرة تنفيذًا للقرار الحكومي الذي يحظر ذلك.
فيما يصر أهالي جزيرة الوراق المصرية على أنهم لديهم الحق في التصرف في منازلهم وسط مساعي الحكومة المصرية لإخلاء الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 100,000 نسمة وتحويل الجزيرة إلى منطقة استثمارية.
"لا ثقة" في الأجهزة الأمنية
قال أحد مواطني الجزيرة لـ"عربي بوست"، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، إن جزيرة الوراق شهدت يوم الخميس 26 سبتمبر/أيلول 2024، اشتباكات استمرت فترة طويلة.
وأوضح المتحدث أن الاشتباكات اندلعت بعد إصرار الأهالي على إدخال مواد البناء إلى جزيرة الوراق ومع رفض قوات الأمن دخولها اندلعت مناوشات تسببت في إصابة عدد من المواطنين، وهو ما دفعهم للتجمع بالقرب من نقاط الشرطة المسؤولة عن تأمين دخول وخروج الآلات والمعدات.
وأضاف أن أساس المشكلة تتمثل في توالي الضغوطات التي تمارسها قوات الأمن على المواطنين لدفعهم نحو بيع منازلهم والموافقة على التعويضات التي تمنحها الحكومة.
المتحدث قال إن هذه الضغوطات مرفوضة من جانب الجميع، "لأن وزارة الإسكان تُصر على أن تشتري متر الأرض مقابل 7,000 جنيه في حين أن أهالي الجزيرة تيقنوا من مصادر خاصة أن الحكومة سوف تبيع متر الأرض بحوالي 30,000 جنيه وهو ما يشكل خسارة فادحة لهم في حين أنهم يرفضون ترك أماكنهم".
وكشف مصدر أمني عن أن قيادات حزبية من "مستقبل وطن" تدخلت بعد أن استمرت الاشتباكات العنيفة إلى غاية يوم الجمعة 27 سبتمبر/أيلول 2024، وعقدت اجتماعًا بين عدد من الأهالي بحضور القيادات الأمنية العليا بمحافظة الجيزة.
وتم الاتفاق على أن قوات الأمن سوف توقف ضغطها على المواطنين لترك منازلهم مع وعود جرى تقديمها بإعادة النظر في قيمة شراء المنازل.
وأشار المصدر الأمني إلى أن بعض الأهالي أضحى لديهم قناعة بأن بيع منازلهم بالسعر المتداول حاليًا يمكن أن يدفعهم للتنازل بشرط أن يكون ذلك دون ضغوط من جانب قوات الأمن، وعبر خطوات محددة من خلال جهاز تنمية الوراق الجديدة.
لكن ما رصده "عربي بوست" من خلال التحدث مع الأهالي أن هناك انعدام ثقة في الوعود التي قدمتها أجهزة الأمن، لكنهم في الوقت ذاته على قناعة بأنهم أضحوا يشكلون قوة ضاربة تسعى الحكومة للتعامل معها خوفًا من توسع الاشتباكات.
كما أن هناك رغبة من جانب الحكومة في أن تظل جزيرة الوراق المصرية موقعًا جاذبًا للاستثمارات دون أن تكون المنطقة بؤرة للعنف، و"بالطبع سيؤثر ذلك على فرص الاستثمار المستقبلية"، حسب تأكيد المصدر الأمني.
مخطط استثماري إماراتي
كان رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي وجَّه، في يونيو/حزيران 2024، بالتصدي بحسمِ لأي محاولات للبناء المخالف في الجزيرة، ومنع عودة المظاهر العشوائية بها، مع ضرورة الالتزام بالبرامج الزمنية المقررة لتنفيذ أعمال الإخلاء للمنازل والأراضي، واستمرار صرف التعويضات للمستحقين.
وفي أواخر شهر يوليو/تموز 2023، نشرت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية صورًا قالت إنها لمدينة "حورس"، جزيرة الوراق "سابقًا"، وكشفت عن خطة تحويل الجزيرة إلى منطقة استثمارية، وعلقت الهيئة على الصور: "نعم. مدينة ومركز تجاري عالمي على أرض مصرية يضاهي أبرز مراكز التجارة حول العالم".
وتبلغ مساحة الجزيرة 1,516 فدانًا أي ما يعادل 6.36 كيلومترًا مربعًا، وتصل التكلفة التنفيذية للمشروع 17.5 مليار جنيه، وحسب الهيئة المصرية للاستعلامات، قدرت دراسة الجدوى الإيرادات الكلية بما يساوي 122.54 مليار جنيه مصري، فيما أوضحت أن الإيرادات السنوية تبلغ 20.422 مليار جنيه مصري لمدة 25 سنة.
وبحسب الهيئة المصرية يضم المشروع 8 مناطق استثمارية، ومنطقة تجارية ومنطقة إسكان متميز، كما سيتم إنشاء حديقة مركزية ومنطقة خضراء ومارينا 1 و2، وواجهة نهرية سياحية، كما سيشمل منطقة ثقافية وكورنيشًا سياحيًا، وإسكانًا استثماريًا.
وسبق وكشف مكتب (آر إس بيه) للهندسة العقارية في الإمارات، عن مخطط استثماري لمشروع جزيرة الوراق، يعود إلى عام 2013، اعتبر تطوير الجزيرة نموذجًا للتنمية المستقبلية في القاهرة، لما تملكه من موقع مذهل على نهر النيل، لِيَدمج تصميم المدينة الجديدة مع نظيرتها التاريخية في قلب العاصمة.
سنوات من الاشتباكات في جزيرة الوراق
يقول أحد كبار العائلات الموجودة في الوراق، إن الأجهزة الأمنية قدمت وعودًا عديدة بالاتجاه نحو التهدئة بدلاً من استخدام أساليب الضغط والترهيب في أعقاب الاشتباكات الأخيرة، وعرضت علاج المصابين في مستشفيات تابعة لها.
لكن هناك فقدان تام للثقة بين الأهالي وأجهزة الأمن بخاصة وأن الجهات الحكومية التي شاركت في التفاوض خلال السنوات الماضية لإقناع المواطنين بترك منازلهم اختفت تقريبًا من المشهد لصالح أجهزة الأمن.
هذا الوضع فَسَّره مواطنون بأنه استعداء مباشر من الحكومة تجاههم، وبالتالي فإن محاولات إقناع المواطنين ببيع منازلهم فشلت على مدار هذا العام وقاد ذلك لنشوب أزمات عديدة في ظل مساعي الحكومة لهدم البيوت والبدء في طرح الأراضي للاستثمار.
ويؤكد المصدر أن الاشتباكات المستمرة بين الأهالي والأمن فاقمت المشكلة ولم تساعد في حلها، لأن هناك العديد من الحلول التي طرحت مؤخرًا وكان من الممكن أن يتم القبول بها جَرَى رفضها على إثر حالة الغضب التي تنتاب المواطنين.
وأشار إلى أن الحكومة عرضت على المواطنين شراء منازل بنفس المساحات التي يتواجدون بها في مدينة "حدائق أكتوبر"، لكن تم رفض العرض من جانب غالبية المواطنين.
وشدد على أن المواطنين طالبوا الحكومة بحل مشكلات ضعف التعويضات من خلال تخصيص قطعة أرض تبلغ مساحتها 300 فدان مقام عليها منازل لا تقل مساحتها عن 150 مترًا بدلاً من المنازل القديمة، دون أن يتحمل المواطنون أي مبالغ مادية على أن يتم التوافق على مكان هذه المساحة، أو السماح لمن يرغب في البيع أن يكون على أساس سعر 20,000 جنيه إلى 25,000 جنيه للمتر الواحد بحسب المنطقة.
وأوضح أن المطالب التي جَرَى عرضها على القيادات الأمنية بمحافظة الجيزة تمثلت أيضًا في استفادة المواطنين من كافة التجهيزات الموجودة في منازلهم دون إرغامهم على ترك أي أغراض.
إضافة إلى تعويض المواطنين الذين تركوا منازلهم دون أن تعوضهم الحكومة بسكن بديل حتى الآن وهؤلاء يشكلون عشرات الأسر، كما طالب الأهالي بحساب الأدوار التي لم يكملوا بنائها بسبب رفض الحكومة دخول مواد البناء بنفس قيمة الأدوار التي جَرَى الانتهاء من بنائها بالفعل.
ويعتبر المصدر أن ما جَرَى تقديمه من مطالب تعد قابلة للتنفيذ، خاصة وأن الحكومة سبق وأن وافقت على مقترح تحديد قطعة أرض تبلغ 300 فدان قبل أربعِ سنوات دون أن تنفذ وعودها إلى الآن، وأن المواطنين أضحَوا لديهم قناعة بأن الحصول على مكان آمن للإقامة يبقى أفضل حالًا من الاستمرار في حالات الكر والفر.
ورغم أنه كان هناك توافق على أن تكون هذه الأراضي في مناطق جنوب الجزيرة لكن الآن هناك انفتاح على أن تكون في أي منطقة تحددها الحكومة شريطة تولي مهمة البناء عليها، يقول مصدر "عربي بوست".
وتقول الحكومة المصرية إنها استحوذت بالشراء الرضائي على مساحة 1,000 فدان، ويتبقى 315 فدانًا من إجمالي مساحة الجزيرة المستهدفة، فيما يشير الأهالي إلى أن مساحة الجزيرة تصل إلى 1,850 فدانًا.
وتعقدت العلاقة بين سكان الجزيرة والشرطة بدءًا من الاحتجاجات التي قُتل فيها أحد أهالي الجزيرة، في 2017، خلال محاولة الحكومة تنفيذ أعمال هدم لمنازل بالجزيرة، عقب إفصاحها عن مشروعاتها العقارية في الجزيرة ونيتها إخلاءها من السكان.
فيما تجدد التوتر بين الطرفين في 2022، مع ما شهدته الجزيرة من اشتباكات دامت لأيام مع الشرطة على خلفية محاولة حكومية لإتمام عمليات رفع قياسات المنازل، تمهيدًا لهدمها لاحقًا.
ويدور النزاع في جزيرة الوراق حول نسبة 24% من إجمالي مساحة المنطقة محل التطوير، بعد إعلان وزارة الإسكان إخلاء ما يعادل 76% من إجمالي مساحة التطوير.
وسبق أن رفضت محكمة القضاء الإداري دعوى قضائية مقامة من أهالي الجزيرة، طالبوا فيها بوقف قرار نزع ملكية الأراضي والمباني المملوكة لهم، دون منحهم تعويضات مناسبة، أو التفاوض معهم، ونزعها بالقوة الأمنية بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون.
لا مكان لأهالي المنطقة الأصليين
يقول قيادي بحزب "المحافظين" المعارض، إن الاشتباكات العنيفةَ التي اندلعت مع نهاية الأسبوع الماضي تستوجب التعقل من جانب الحكومة لكي لا تتسع دائرة الفوضى في الجزيرة.
وأضاف أنه لابد أن يكون هناك قناعة سياسية بأن دفع عشرات الآلاف من المواطنين لترك منازلهم بالقوة أمر من الصعب أن يتحققَ على أرض الواقع، وأن تغيير السياسةِ الحالية يعد أمرًا مطلوبًا وهو ما حدث مؤخرًا في أعقاب الاشتباكات وأن التعويل على استمرار الهدوء والاستجابة لمطالب المواطنين خلال الأيام المقبلة.
وأشار إلى أن التوسع في إقامة نقاط تفتيش داخل الجزيرة تسبب في تعدد المناوشات بين الطرفين، وفي النهاية لن يقود إلا لمزيد من الاحتقان وإن تمكنت الحكومة من تنفيذ مخططها.
وشدد المتحدث على أن نجاح الاستثمارات يتطلب أن يكون هناك رضًى تام بين أهالي الجزيرة، بل إنه يفتح الباب أمام مزيد من التعاطف مع مواطنين يدافعون عن أماكنهم. فيما تساءل عن الأسباب التي تجعل الحكومة ترفض تعويض الأهالي بعد تطوير هذه المناطق مثلما حصل مع مثلث ماسبيرو.
وقال إن الاتجاه نحو استبدال المواطنين الأصليين بآخرين، من الممكن أن يكونوا من جنسيات أخرى، أمر لم تشهده مصر إلا مؤخرًا، فالتعامل مع المناطق العشوائية جَرَى من خلال إتاحة الفرصة للراغبين في البقاء بها العودة عقب الانتهاء من تطويرها، وأن الوضع يختلف في جزيرة الوراق التي ستتحول إلى مشروع استثماري لا مكان فيه لأهالي المنطقة الأصليين.
وفي المقابل يؤكد مصدر حكومي لـ"عربي بوست"، أن الوزارات المتعاقبة حاولت بشتى الطرق الوصول إلى حلول وسط مع الأهالي لكي تتمكن الحكومة من تنفيذ القرارات الوزارية الصادرةِ لكن دون استجابة.
وأشار إلى أن الجهات التي تتفاوض مع المواطنين لمست موافقة منهم على التطوير لكنهم يطالبون بتعويضات من الصعب أن تقدمها الحكومة بخاصةٍ وأن سعر المتر الذي يطالبون به غير واقعيٍ ومن الممكن أن يكون هناك زيادة في التعويض دون الوصول إلى ما يسعون إليه.
وأوضح أن هناك مواطنين ليس لديهم رغبة في الحصول على مساكن أخرى داخل الجزيرة، وأن وزير النقل كامل الوزير عرض ذلك في أثناء الاحتجاجات التي اندلعت قبل خمسِ سنوات وكان الطلب بأن يحصلوا على إجمالي سعر الشقة كاملاً وهو ما اعتبرته الحكومة محاولات لَيِّ ذراعها.
كما أن الإصرار على إدخال مواد البناء، وفق المصدر الحكومي، يستهدف خلق أمر واقع جديد من خلال إيجاد بنايات جديدة ومن ثم المطالبة بالتعويض عليها، رغم أنها قد لا تكون مكتملة البناء من الأساس.
وذكر أن الحكومة حينما حاولت التعرف على طلبات المواطنين بشأن التعويض المناسب لهم لكي تتمكن من اتخاذ القرار السليم وجدت تهربًا من المواطنين الذين رفضوا التوقيع على الاستمارات التي قدمتها إليهم، واعتبروها بمثابة تنازل عن مساكنهم في حين أن الاستمارة توضح أن الرغبة لا تعني التنازل عن شيء.
وتعتبر جزيرة الوراق من أهم الجزر النيلية المصرية، إذ تقع في قلب النيل بمحافظة الجيزة، وهي واحدة من 255 جزيرة إلا أنها الأكبر في المساحة، وتحدها من الشمال محافظة القليوبية ومحافظة القاهرة من الشرق والجيزة من الجنوب، ويمارس أهلها مهناً بسيطة مثل الزراعة والصيد، وتعتمد على محاصيل البطاطس والذرة والخضراوات، ولا توجد وسيلة تصلها بالبر سوى المعديات.
ومؤخراً قالت وزارة الإسكان، إنها تهدفُ لتطوير جزيرة الوراق، وإنشاء مجتمع عمرانى حضاري حديث، مُوَجّهًا بالإسراع بمعدلات تنفيذ مشروع التطوير من أجل الارتقاء بالمستوى العمراني للجزيرة، وإظهارها بالمظهر الحضاري اللائق بها، والتصدي للمخالفات والتعديات، وسرعة إنهاء العقبات والمعوقات التي تُواجهُ أعمال التطوير.
وأشارت الوزارة إلى أن مدينة الوراق الجديدة، هِيَ إحدى مدن الجيل الرابع التي يتم تنفيذها على مستوى محافظات الجمهورية، وذلك في إطار جهود وزارة الإسكان لتنفيذ مخرجات المخطط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية بمصر 2052، وتتمثل أهم أهدافه في مضاعفة المساحةِ المزروعةِ من 7% إلى 14%.