بعد ضربتهم الناجحة في العمق الإسرائيلي٬ يقول الحوثيون إن تل أبيب ستكون من الآن هدفاً رئيسياً لهجماتهم، وهي صفقة ممتازة لإيران، حيث أصبحت الحرب متعددة الجبهات أكثر صعوبة على إسرائيل٬ كما تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية٬ وذلك على الرغم من أن أسوأ تهديد للطائرات بدون طيار يظل لدى حزب الله في الشمال.
وتشير غارة الطائرة بدون طيار -التي أطلق عليها الحوثيون اسم يافا- على تل أبيب في وقت مبكر من يوم الجمعة 19 يوليو/تموز 2024 إلى مرحلة جديدة في الحرب، التي تتحول إلى صراع متعدد الجبهات أمام إسرائيل. حيث أدى الانفجار الذي وقع بالقرب من فرع السفارة الأمريكية في تل أبيب إلى مقتل إسرائيلي وإصابة 10 آخرين بشظايا.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصبحت تل أبيب هدفاً للعديد من صواريخ حماس، لكن التهديد الذي يواجه وسط البلاد تراجع بشكل كبير منذ العملية البرية للجيش الإسرائيلي في غزة. ولم يطلق حزب الله، الذي تجنب حرباً شاملة حتى الآن على تل أبيب، وظلت هجماته محصورة في الجليل الأعلى٬ في حين كان الحوثيون يستهدفون منطقة إيلات في أقصى الجنوب فقط.
الحرب تدخل مرحلة جديدة بعد هجوم الحوثيين على تل أبيب
تقول صحيفة هآرتس٬ إن دماء سكان تل أبيب ليست أكثر احمراراً من دماء الجنود والإسرائيليين الذين يعيشون بالقرب من الحدود الشمالية، والذين يتعرضون لهجمات الصواريخ وطائرات بدون طيار يومياً.
لكن الهجوم الدراماتيكي الذي وقع في وسط إسرائيل دفع وسائل الإعلام إلى التحرك وتسليط الضوء عليه٬ ويطالب بعض المراقبين في الاستوديوهات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بإعلان الحرب ضد القوات التي تقف وراء الهجوم٬ وتقليل دهشة الإسرائيليين من مسألة فشل نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي في كشف أو اعتراض هذه المسيّرة اليمنية التي قطعت أكثر من 2000 كيلومتراً وسلكت مسارات جديدة لتضليل أنظمة الرصد التابعة للجيش الإسرائيلي.
وتبنى الحوثيون الهجوم، معلنين أنهم أطلقوا طائرة مسيرة جديدة تسمى "يافا". وقال المتحدث باسم "القوات المسلحة اليمنية" يحيى سريع إن "الطائرة بدون طيار تجاوزت بطاريات الدفاع الجوي الإسرائيلية وأن تل أبيب ستكون الآن الهدف الرئيسي للهجمات".
وتقول هآرتس٬ إنه خلال الحرب تعلمت إسرائيل تدريجياً ما تعلمه السعوديون والإماراتيون خلال حربهم الطويلة ضد الحوثيين. وهذه المجموعة هي "عدو راديكالي حازم يصعب ردعه". حيث يستثمر الحوثيون الكثير من الجهد في الحرب النفسية وهم مسلحون بأسلحة طويلة المدى متطورة بشكل متزايد توفرها لهم إيران. وهذه صفقة ممتازة بالنسبة للإيرانيين: فالحوثيون يساعدونهم على تحقيق أهدافهم لكنهم يزودونهم بقدرة معقولة على الإنكار.
وعندما بدأت الحرب، بدأ الحوثيون بمهاجمة السفن في المحيط الهندي والبحر الأحمر تضامناً مع غزة التي كانت تتعرض للقصف، ولمعاقبة إسرائيل وتعطيل ميناء إيلات. وقد تمكن الحوثيين من قمع معظم حركة المرور عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وإغلاق ميناء إيلات بالكامل بالفعل.
لقد حصد الحوثيين ثمناً باهظاً من الغرب وصناعة الشحن الدولية، مع ارتفاع تكاليف رحلة السفن الجديدة من الشرق الأقصى إلى أوروبا وحول أفريقيا. ورداً على ذلك، هاجمت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى مجموعة من الأهداف في اليمن، لكنها لم تُخضع الحوثيين لإرادتها أو تُنهي الأزمة.
ما خيارات الإسرائيليين الآن؟
تقول هآرتس٬ من حيث المبدأ، تستطيع إسرائيل ضرب أهداف الحوثيين من الجو. والسؤال هو ما القيمة المضافة لمثل هذه الخطوات بعد هجمات القوات الغربية على اليمن؟ ويتعين على إسرائيل أيضاً أن تتعامل مع جبهات متعددة، بعضها يبدو أكثر إلحاحاً: الحرب على حماس، والأكثر من ذلك احتمال نشوب حرب شاملة مع حزب الله المدعوم من إيران ومجموعة من الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الأمريكيين تنسيق التحركات بعناية في جميع أنحاء المنطقة. حيث يدخل السباق الرئاسي الأمريكي مرحلة حرجة على خلفية مؤتمرات الحزبين الرئيسيين، ومحاولة الاغتيال الفاشلة ضد دونالد ترامب، والأهم من ذلك احتمال انسحاب جو بايدن قريباً من السباق.
وقد يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يصر على الذهاب إلى واشنطن الأسبوع المقبل لإلقاء كلمة أمام الكونجرس، رئيساً لا يزال في عزلة بعد إصابته بفيروس كورونا ويفكر في الانسحاب من السباق. ومن غير الواضح إلى أي مدى يمكن لإسرائيل تنسيق التحركات مع إدارة بايدن، التي تضغط على إسرائيل للتوصل إلى صفقة رهائن مع حماس ووقف إطلاق النار في غزة ولبنان.
هجوم الحوثيين أشعر الإسرائيليين بفقدان الأمان
وبالعودة لهجوم الحوثيين٬ فإن الفشل في تشغيل نظام الدفاع الجوي، كما اعترفت القوات الجوية الإسرائيلي، هو الذي يقف وراء نجاح الهجوم الذي وقع صباح الجمعة. ويظهر التحقيق الأولي أنه تم رصد الطائرة بدون طيار وهي متجهة نحو إسرائيل ولكن لسبب ما لم تعتبر تهديداً ولم يحاول الجيش اعتراضها!
وخلال تلك الساعات، اعترض سلاح الجو هدفا جويا آخر كان متجها من الشرق باتجاه إسرائيل. وفي صباح الخميس، أسقط الأمريكيون ثلاث طائرات بدون طيار وصاروخ كروز تم إطلاقها من اليمن إلى الشمال، ربما باتجاه إسرائيل.
ولا يزال مسار الطائرة اليمنية بدون طيار إلى تل أبيب غير واضح تماماً. ومن المحتمل أنها وصلت من الجنوب، وربما من الشرق، مع احتمال قيام الحوثيين بالتنسيق مع الميليشيات العراقية. ولا يزال المسؤولون الإسرائيليون يفحصون نوع الطائرة بدون طيار والقدرة على تشغيلها عن بعد، لذلك من الصعب معرفة ما إذا كانت تستهدف السفارة الأمريكية القريبة من موقع الانفجار.
التفسير الأول للقوات الجوية هو "خطأ بشري"، وهو ما سيتم التحقيق فيه. وفقاً للإرشادات، عندما يتم رصد طائرة بدون طيار، فإن الهدف هو إسقاطها. لكن ذلك لم يحدث، وهو خطأ جسيم واضح كلف شخصاً حياته، بينما أصيب آخرون، ناهيك عن الضرر الذي لحق بشعور الإسرائيليين بفقدان الأمان بسبب هذا الهجوم.
وكانت محاولة القوات الجوية الإسرائيلية حتى الآن جيدة في إسقاط الطائرات بدون طيار بعيدة المدى كالتي أطلقها الحوثييون٬ باستخدام الطائرات والمروحيات وبطاريات الدفاع الجوي. فيما كانت الخسائر التي وقعت في إسرائيل إلى حد كبير بسبب هجمات الطائرات بدون طيار قصيرة المدى أطلقها حزب الله من لبنان. وتتحرك هذه الأسلحة ببطء على ارتفاعات منخفضة وتترك أثراً ضعيفاً على شاشات الرادار. ومع ذلك، لا يوجد أي عذر لما حدث في وقت مبكر من يوم الجمعة٬ كما تقول هآرتس.
في النهاية٬ يجب أن تنتبه إسرائيل إلى أن التهديد الأكثر خطورة في الوقت الحالي يكمن في الشمال. حيث هاجمت إسرائيل لبنان قبل ساعات وقتلت خمسة من أعضاء حزب الله، من بينهم قائدان محليان لقوة الرضوان الخاصة. وهذا يضمن يوماً صعباً آخر للجليل، فيما سيتعين على السكان والجنود التعامل مع عدد أكبر بكثير من الصواريخ والطائرات بدون طيار التي يتم إطلاقها على تل أبيب في أي وقت ممكن.