نظرة أعمق: كيف يُهدد اعتراف إسرائيل بـ”أرض الصومال” مصر، وما هي تحركات القاهرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/31 الساعة 18:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/31 الساعة 18:57 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اجتماع مع رئيس وزراء إسرائيل بنتيامين نتنياهو عام 2017 - رويترز

لم يكن اعتراف إسرائيل بإقليم "أرض الصومال" خطوة بروتوكولية معزولة، ولا مجرد كسر لقاعدة دبلوماسية صمدت منذ 1991، بل مثّل تحوّلًا نوعيًا في خريطة الصراع الجيوسياسي في القرن الأفريقي والبحر الأحمر. فبمجرد إعلان بنيامين نتنياهو الاعتراف بالإقليم الانفصالي، انتقل الملف من هامش النزاعات الأفريقية المنسية إلى قلب معادلات الأمن الإقليمي.

الخطوة الإسرائيلية فجّرت رد فعل مصريًا سريعًا وحادًا، عكس إدراك القاهرة أن ما يجري لا يتوقف عند حدود الصومال، بل يمتد مباشرة إلى الأمن القومي المصري، من قناة السويس إلى باب المندب. فإسرائيل، وفق القراءة المصرية، لا تبحث عن اعتراف رمزي، بل عن موطئ قدم استراتيجي على سواحل خليج عدن، بما يتيح لها التأثير في حركة الملاحة والتحكم في أحد أكثر الممرات البحرية حساسية في العالم.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: إلى أين يمكن أن تمضي هذه المواجهة الدبلوماسية؟ وهل ينجح التحرك المصري والإقليمي في كبح الطموحات الإسرائيلية قبل أن تتحول إلى وجود عسكري فعلي جنوب البحر الأحمر؟ أم أن الاعتراف بـ"أرض الصومال" ليس سوى الحلقة الأولى في سلسلة خطوات ستعيد تشكيل معادلات النفوذ في القرن الأفريقي؟

تحركات مصرية للرد على الاعتراف الإسرائيلي

قال مصدر مصري مطّلع إن التحركات المصرية تسير عبر اتجاهات مختلفة، أبرزها اتصالات تقوم بها حاليًا على مستوى مجلس "الدول المشاطئة للبحر الأحمر"، وتفعيل أدواته الأمنية والإستراتيجية وفقًا لميثاقه التأسيسي، إذ تستهدف حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر، ومكافحة الإرهاب والقرصنة، وتعزيز الأمن الإقليمي، والردع ضد أي تهديدات.

وتنطلق القاهرة، وفق ما أضافه مصدر "عربي بوست"، مفضلًا عدم ذكر اسمه، من النقطة الأخيرة، إذ تعتبر خطوة إسرائيل تهديدًا لأمن المنطقة، التي من المتوقع أن تشهد مزيدًا من التوترات نتيجة أطماع توسعية لإسرائيل وإثيوبيا، التي تبحث أيضًا عن موطئ قدم على ساحل البحر الأحمر.

وأوضح المصدر ذاته أن مصر تسعى لمواجهة جماعية وفق أسس القانون الدولي في مواجهة الخطوة الإسرائيلية، وتنسق تحديدًا مع السعودية وتركيا من أجل تقديم كافة سبل الدعم إلى مقديشو، وضمان عدم تحوّل الخطوة الإسرائيلية إلى فعل على أرض الواقع.

وهو ما يعني عدم إتاحة الفرصة لدولة الاحتلال لإقامة قواعد عسكرية لها تكون بمثابة مهدد للاستقرار في البحر الأحمر، بخاصة في ظل التوترات القائمة في اليمن، ومع حالة الفوضى التي يشهدها السودان.

كما أن مصر، يقول المصدر، لن تسمح لإسرائيل بالتحكم في مدخل البحر الأحمر وتهديد الملاحة في قناة السويس، ولديها العديد من الأدوات التي تتحرك من خلالها، وتفضل أن تكون هناك آليات جماعية متفق عليها بما يساهم في الضغط المقابل على الإدارة الأميركية لعدم اتخاذ موقف مؤيد لما ذهبت إليه إسرائيل، موضحًا أن الخطوة الإسرائيلية تشكّل تهديدًا للأمن القومي المصري.

وتدرك القاهرة أن توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال، إلى جانب إرسال دعم عسكري إلى مقديشو، ساهم في عدم تحويل مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال إلى اتفاق يترتب عليه إيجاد موطئ قدم لأديس أبابا على البحر الأحمر، وتسعى إلى تكرار الأمر ذاته مع إسرائيل مع تنسيق إقليمي أوسع، كما يقول المصدر.

وشدد على أن مصر تركز تعاونها مع الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، كون أن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال يشكّل تهديدًا لجميع الدول المطلة عليه، لما تحمله الخطوة الأخيرة من طموحات عسكرية إسرائيلية في جنوب البحر الأحمر.

وفي تلك الحالة سيكون هناك كماشة إسرائيلية، إذ من الممكن أن تتواجد في الجنوب من خلال أرض الصومال، إلى جانب تواجدها في الشمال بإيلات، وكأنها تتحكم في البحر بقوات وقواعد عسكرية. كما أن الخطوة ستؤثر اقتصاديًا على مصر، وكذلك الدول الأخرى، لارتباط حركة الملاحة في البحر الأحمر بحالة الاستقرار في المنطقة.

تنسيق مصري مع دول القرن الأفريقي وتركيا

أكد مصدر "عربي بوست" أن هناك تنسيقًا مصريًا تركيًا خاصًا في ما يتعلق بمواجهة الأطماع الإسرائيلية في البحر الأحمر، إذ لتركيا مصالح سياسية واقتصادية مهمة في الصومال، وتتواجد بقاعدة عسكرية، وتمتلك علاقات سياسية على درجة عالية من التشاور والتنسيق مع مقديشو.

كما أن لها استثمارات ضخمة جدًا هناك، كما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتفق مع القاهرة في موقفها بشأن عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إلى أرض الصومال، ويعدّ ذلك هدفًا إسرائيليًا غير مباشر وراء الاعتراف بالإقليم.

والدول المنضمة إلى مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، الذي تأسس عام 2020، هي السعودية، ومصر، واليمن، والصومال، وإريتريا، وجيبوتي، والسودان، والأردن، بهدف تعزيز الأمن والاستقرار وحماية الملاحة والتجارة في هذه الممرات البحرية الحيوية.

وأصبحت إسرائيل أول دولة تعترف رسميًا بـ"جمهورية أرض الصومال" (صومالي لاند)، المعلنة من جانب واحد "دولة مستقلة ذات سيادة". وقال نتنياهو إن إسرائيل ستسعى إلى تعاون فوري مع "أرض الصومال"، وفي بيان له هنأ نتنياهو رئيس "أرض الصومال" عبد الرحمن محمد عبد الله، وأشاد بقيادته ودعاه إلى زيارة إسرائيل.

وفي رد فعل سريع، أعلنت الخارجية المصرية في اليوم ذاته عن تحركات دبلوماسية في مواجهة الخطوة الإسرائيلية "الخطيرة"، شملت، إلى جانب القاهرة، الصومال وجارتها جيبوتي، بالإضافة إلى تركيا، الحليفة القوية لمقديشو، والتي لعبت كذلك دورًا مهمًا في تهدئة التوترات المتعلقة بذات الإقليم "أرض الصومال"، عندما سعت إثيوبيا للاعتراف به دولة مستقلة مقابل الحصول على منفذ بحري وقاعدة عسكرية.

وقالت الخارجية المصرية إن الوزير بدر عبد العاطي أجرى مباحثات هاتفية مع نظرائه في تركيا والصومال وجيبوتي، وأكدوا "الرفض التام والإدانة" لهذه الخطوة، مشددين على أن "الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول سابقة خطيرة وتهديد للسلم والأمن الدوليين".

هل تتطور الأزمة إلى صدام مع إسرائيل؟

قال مصدر دبلوماسي مصري لـ"عربي بوست" إن مصر ستكون حريصة على تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك أيضًا مع الصومال لتأمين الجبهة الأفريقية، تزامنًا مع خطوات دولية قد تتخذها مصر في مجلس الأمن.

لكن المصدر ذاته يستبعد أن تتحول الأزمة إلى صدام مع إسرائيل، على الأقل في الوقت الحالي، مع توسيع التحرك المصري عبر المؤسسات الدولية والأفريقية، وعبر مجلس الدول المشاطئة للبحر الأحمر، لتوحيد المواقف وتعظيم الضغوط الرافضة، إلى جانب إجراءات اتصالات مع القوى الصومالية لتدشين حوار داخلي يحدد أطر التعامل مع إقليم أرض الصومال ورئيسه المزعوم، واحتمال ملاحقته قانونيًا ودوليًا.

وذكر المصدر أن الضغوط المصرية الراهنة، التي ظهرت من خلال البيانات والمواقف المتعددة والسريعة عقب الخطوة الإسرائيلية، تحاول إيجاد مخرج للقضية يحفظ الأمن القومي للبلاد وأمن دول البحر الأحمر، على أساس أن استقرار الصومال من دواعي الأمن القومي العربي.

وفي المقابل، هناك ترقب إسرائيلي للمواقف العربية، لا سيما المصرية، للبناء عليها بالتجميد أو التصعيد، مشيرًا إلى أن قوة الضغط تهدف إلى إرغام إسرائيل على التراجع عن تحقيق بعض أهدافها من خطوة الاعتراف، وفي مقدمتها تهجير الفلسطينيين إلى الإقليم الانفصالي.

وأوضح المصدر أن مصر لا تستهدف فقط حماية الملاحة في قناة السويس، غير أن كثافة التحركات هدفها مواجهة ضغوط إسرائيلية لا تتوقف على القاهرة في ملفات عديدة أخرى، بينها ملف التهجير، وكذلك الصراع مع الحوثيين الذي يهدد حركة الملاحة في قناة السويس.

وهو يرجع أيضًا إلى مساعي إسرائيل لإشعال المنطقة مرة أخرى بالتلكؤ في تنفيذ بنود وقف إطلاق النار في غزة، والتهديد المستمر بضرب إيران، إلى جانب وجود تناغم بين دولة الاحتلال وإثيوبيا، التي تعمل على مناكفة القاهرة في ملف المياه وتهديد الأمن في القرن الأفريقي. ويبقى هناك ارتباط غير مباشر بين ما يحدث من توترات في القارة، وبين الدعم القوي الذي تحظى به قوات الدعم السريع في السودان من محور يناغم مع مشروع إسرائيل التوسعي.

وسبق أن رفضت مصر بقوة أي وجود إثيوبي في أرض الصومال عقب توقيع الجانبين اتفاقية في مطلع 2024 تسمح لأديس أبابا بالوجود عبر البحر الأحمر، وأبرمت في أغسطس/ آب من العام نفسه اتفاقًا عسكريًا مع الصومال، وأمدّتها بمعدات وأسلحة في الشهر الذي يليه.

قال حمزة عبدي بري، رئيس وزراء الصومال، إنه يثمّن الدور الثابت والداعم الذي تقوم به جمهورية مصر العربية في مساندة القضية الصومالية، خاصة في ما يتعلق بالحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي الصومالية.

وأوضح بري، خلال مداخلة على قناة القاهرة الإخبارية، أن الاعتراف الإسرائيلي بما يُسمى بـ"أرض الصومال" يأتي في إطار تنفيذ خطة إسرائيلية يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تُعرف بـ"خطة إسرائيل الكبرى"، وتهدف إلى إيجاد موطئ قدم لإسرائيل في منطقة القرن الأفريقي، ولا سيما في الصومال.

مصر تنتظر رد فعل ترامب من اعتراف نتنياهو بأرض الصومال
مصر تنتظر رد فعل ترامب من اعتراف نتنياهو بأرض الصومال

ماذا عن تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال؟

منذ محاولة الإقليم، الذي تمتد سواحله نحو 850 كيلومترًا على خليج عدن، الانفصال عن الصومال عام 1991، لم تعترف باستقلاله أي دولة، لذا فإن الاعتراف الإسرائيلي يعد سابقة "خطيرة"، بحسب محللين وسياسيين تحدثوا لـ"النهار".

وبحسب محلل سياسي مصري، فإن القاهرة كانت تتوقع أن يكون الصومال بؤرة لإثارة التوتر ضدها ناحية البحر الأحمر لتهديد حركة الملاحة، وهو ما جعلها تدفع نحو توقيع اتفاقيات الدفاع المشترك، وهي بمثابة خطوة إستراتيجية بالغة الأهمية، إذ لا يقتصر دورها على تدريب القوات الصومالية فحسب، بل يمتد إلى تأمين الحدود ومواجهة أي محاولات لزعزعة استقرار الصومال أو دعم الانفصال.

وتستند تلك الاتفاقية إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس الفردي والجماعي، وإلى الفصل الثامن من الميثاق الذي يشجع الترتيبات والوكالات الإقليمية لحفظ السلم والأمن الدوليين، ويعدّ ذلك أحد أبرز العوائق التي يمكن أن تصطدم بها إسرائيل حال قررت إنشاء قواعد عسكرية لها في أرض الصومال.

وأكد أن مصر عززت العلاقات الإستراتيجية مع الصومال من خلال اتفاقيات دفاعية وأمنية واقتصادية شاملة، مما جعل مصر الحليف الأقوى والأكثر حضورًا في مقديشو، وهو ما يقلق إسرائيل التي كانت تراهن على فراغ إستراتيجي تملؤه من خلال صومالي لاند.

كما أن التنسيق المصري التركي السعودي في الملف الصومالي يمثل نموذجًا مثاليًا للتعاون الإقليمي المطلوب، حيث تتكامل الأدوار بين القوة العسكرية المصرية، والدعم السياسي التركي، والإمكانات الاقتصادية السعودية، مما يخلق جبهة موحدة قادرة على حماية الصومال من التفتيت ومنع إسرائيل من اختراق المنطقة.

وشدد على أن مصر تسعى لإحداث اختراق على المستوى الأفريقي الذي توغلت فيه إسرائيل كثيرًا خلال السنوات الماضية عبر المشاريع الاقتصادية، وتعمل على تصعيد مبدأ "قدسية الحدود الموروثة"، الذي يعدّ من أبرز أسس ميثاق الاتحاد الأفريقي، وأن القاهرة تضع في اعتبارها أثناء تلك التحركات أن هناك مخاطر تتزايد في القارة السمراء.

فهناك حرب شرسة في السودان منذ إبريل/ نيسان 2023، وخلافات مصرية – سودانية مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، وتوترات إقليمية بين إثيوبيا وإريتريا والصومال مرتبطة بالوصول إلى البحر الأحمر وأسواق العالم، حيث تسعى إثيوبيا إلى كسر عزلتها الجغرافية والحصول على منفذ بحري سيادي.

تحميل المزيد