في خضم الجدل القانوني والسياسي حول وضع هضبة الجولان السورية المحتلة، جاء تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل أيام، الذي قال فيه إنه "منح إسرائيل الجولان مجانًا"، وإن قيمتها "تصل إلى تريليونات الدولارات"، ليعيد طرح القضية من زاوية غير مألوفة. فكيف يمكن لأرض محتلة، لا تُتداول في الأسواق المالية ولا تُدرج في دفاتر الحسابات، أن تُقدَّر بهذه الأرقام الضخمة؟ وهل كان ترامب يتحدث عن مشاريع اقتصادية قائمة فعلًا، أم عن معنى أوسع للقيمة، يتجاوز العوائد المباشرة إلى حسابات النفوذ والأمن والموارد على المدى الطويل؟
هذا التصريح، الذي بدا للبعض مجرد مبالغة سياسية أو خطاب دعائي، يكشف في جوهره عن طريقة تفكير قائمة على منطق "الصفقة"، وهو منطق يتعامل مع الجغرافيا بوصفها أصلًا استراتيجيًا مركبًا، تُقاس قيمته بتراكم ما يتيحه من موارد ومكاسب، وبما يمنع خسائر مستقبلية، لا بما يدرّه فورًا من عوائد نقدية. ومن هذه الزاوية، لا يعود الجولان مجرد هضبة متنازع عليها وفق قرارات الشرعية الدولية، بل يتحول، في الخطاب الأمريكي–الإسرائيلي، إلى "أصل طويل الأمد".
في هذا التقرير، نرصد القيمة الاقتصادية لهضبة الجولان في ضوء تصريحات دونالد ترامب، ونحلل مستقبلها في سياق القرار الأمريكي بمنح الهضبة لإسرائيل بصورة نهائية.
كيف تنظر إسرائيل إلى هضبة الجولان؟
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطاب ألقاه خلال أحد الأعياد اليهودية، إنه وقّع قرار منح إسرائيل حقوق هضبة الجولان، مضيفًا: "عملوا على ذلك سبعين عامًا ولم ينجح أحد، لكنني أنجزتها بسرعة، ثم اكتشفت قيمتها… تريليونات الدولارات. عندها قلت: ربما كان يجب أن أطلب منهم شيئًا بالمقابل". وبهذا التصريح، نقل ترامب الجولان من خانة النزاع السياسي والقانوني إلى لغة "الصفقة" والقيمة الاقتصادية، مطلقًا توصيفًا أثار جدلًا واسعًا حول الأسس التي استند إليها في هذا التقدير.
وبالنظر إلى موقع هضبة الجولان، فهي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من سوريا، وتحدّها من الغرب فلسطين المحتلة عبر نهر الأردن وبحيرة طبريا، ومن الشمال الغربي لبنان، ومن الجنوب المملكة الأردنية الهاشمية. ويبلغ طول حدودها مع فلسطين نحو 80 كيلومترًا، وهو ما يمنح الطرف المسيطر عليها تفوقًا واضحًا في ملفات المياه والزراعة، فضلًا عن احتمالات وجود احتياطات نفطية وغازية لم يُكشف عنها بشكل نهائي حتى الآن.
وتحتل الجولان المرتبة الأولى بين المحافظات السورية من حيث خصوبة التربة وغناها الطبيعي، فضلًا عن توافر المراعي على مدار العام. كما تتميز بوفرة الموارد المائية الناتجة عن الأمطار والأنهار، مثل نهر الأردن، ونهر بنياس الذي يُعد ثاني أهم روافد نهر الأردن، ونهر اليرموك الذي يبلغ طوله 57 كيلومترًا، يمر منها 47 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، معظمها في الجولان، إضافة إلى نهري زاكية ومسعدية اللذين يصبّان في بحيرة طبريا. وإلى جانب هذه الأنهار، تنتشر في الجولان عشرات الينابيع والعيون المائية، فيما تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 1850 كيلومترًا مربعًا.
وفي هذا السياق، تقول وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني: "تنبع الأهمية الاستراتيجية للمنطقة من موقعها المطل على منطقة الجليل الإسرائيلية، ومن كونها تزوّد بحيرة طبريا (بحر الجليل)، المصدر الرئيسي للمياه في إسرائيل، بنحو ثلث مياهها".
وفي دراسة نشرها معهد القدس للاستراتيجية والأمن، وهو مركز أبحاث إسرائيلي غير حكومي، عام 2019، جاء أن "الهضبة الاستراتيجية توفر مزايا دفاعية لا تُقدّر بثمن، وتعزز قوة الردع الإسرائيلية". وأضافت الدراسة أن "مرتفعات الجولان عبارة عن هضبة صخرية يتراوح ارتفاعها في الغالب بين 1000 و1200 متر، وتبلغ مساحتها الإجمالية نحو 1800 كيلومتر مربع إلى الشمال الشرقي من إسرائيل، ويمثل نهر الأردن وبحر الجليل حدودها الغربية، ونهر اليرموك نهايتها الجنوبية، فيما يحدها خط مستجمعات المياه من الشرق".
وأوضح المعهد أن "جبل الشيخ، الذي يقع جزئيًا داخل إسرائيل، يشكّل الطرف الشمالي للمرتفعات، ويوفر وسيلة ممتازة لمراقبة المنطقة بأكملها، وصولًا إلى دمشق التي تبعد نحو 60 كيلومترًا شرقًا، وحتى خليج حيفا على البحر الأبيض المتوسط غربًا". وأضاف أن "مرتفعات الجولان تسيطر على وادي نهر الأردن والجليل الإسرائيلي غربًا، وعلى المداخل المؤدية إلى دمشق شرقًا".
واعتبر المعهد أن "سيطرة إسرائيل على إحدى قمم جبل الشيخ في شمال الجولان توفر لها قدرات متقدمة في جمع المعلومات الاستخبارية، إذ تمكّنها من استخدام وسائل المراقبة الإلكترونية في عمق الأراضي السورية، بما يوفّر قدرة عالية على الإنذار المبكر في حال وقوع هجوم وشيك". كما رأى أن "قرب الجولان من دمشق يمنحه قيمة ردع هائلة، لأنه يضع العاصمة السورية، بوصفها المركز العصبي للنظام، في متناول القوة العسكرية الإسرائيلية بسهولة".
استثمارات إسرائيل في الجولان
أولًا: قطاع السياحة
منذ تثبيت الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان عقب حرب يونيو/حزيران 1967، ثم فرض ما يُعرف بـ"قانون الجولان" عام 1981، شرعت تل أبيب تدريجيًا في تحويل الهضبة من منطقة عسكرية مغلقة إلى فضاء مفتوح للسياحة الداخلية، قبل أن تتوسع لاحقًا في استهداف السياحة الوافدة. وتشير تقديرات متداولة في الإعلام الإسرائيلي إلى أن الجولان يستقبل سنويًا ما بين مليون ومليون ونصف مليون زائر، معظمهم من الإسرائيليين، إلى جانب أعداد أقل من السياح الأجانب، لا سيما خلال فصلي الربيع والصيف.
ولم يكن هذا التدفق السياحي عفويًا، بل جاء نتيجة استثمارات متراكمة في البنية التحتية، شملت شق طرق حديثة، وإنشاء فنادق وبيوت ضيافة، وتطوير محميات طبيعية، إلى جانب حملات ترويجية مكثفة تُسوّق الجولان باعتباره "الشمال الأخضر" لإسرائيل وملاذًا طبيعيًا بعيدًا عن ازدحام المدن الكبرى.
وتعتمد السياحة في الجولان على تنوع واضح في المسارات والأنشطة، تتصدره السياحة البيئية والطبيعية، حيث تشكّل الينابيع والأنهار والشلالات عامل الجذب الرئيسي. وقد تحولت مناطق مثل وديان دالييوت، ومحمية يهودية، وبحيرة رام، إلى محطات ثابتة في البرامج السياحية، مع تجهيز مسارات للمشي والتخييم وركوب الدراجات، بما يتماشى مع أنماط السياحة الحديثة التي تستهدف فئات الشباب والعائلات.
إلى جانب ذلك، تلعب السياحة الجبلية دورًا محوريًا، لا سيما في منطقة جبل الشيخ (حرمون)، حيث أنشأت إسرائيل منتجع التزلج شبه الوحيد ضمن نطاق سيطرتها، مستثمرة تساقط الثلوج شتاءً لجذب آلاف الزوار، وتحويل الجبل إلى نقطة جذب موسمية ذات مردود اقتصادي مرتفع.
ولا تقل السياحة التاريخية أهمية، إذ تضم الجولان عشرات المواقع الأثرية الممتدة من العصور الكنعانية والرومانية وصولًا إلى الفترات الإسلامية، وفي مقدمتها قلعة نمرود. وتُدرج هذه المواقع ضمن سردية سياحية إسرائيلية غالبًا ما تتجاهل هويتها السورية، أو تعيد تفسيرها بما يخدم الرواية الإسرائيلية عن المكان وتاريخه.
وخلال السنوات الأخيرة، برز نمط جديد يُعرف بـ"سياحة الحرب"، حيث تُنظم جولات في مناطق قريبة من خطوط التماس مع سوريا، تشمل مواقع عسكرية سابقة أو نقاط مراقبة مطلة على الأراضي السورية. وتُقدَّم هذه الجولات، التي تُنظَّم أحيانًا بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، بوصفها تجربة تعليمية وتاريخية، بينما تؤدي عمليًا وظيفة سياسية تتمثل في تطبيع واقع الاحتلال وتحويل الجبهة العسكرية إلى مشهد سياحي مألوف.
ولا تنفصل السياسة السياحية الإسرائيلية في الجولان عن مشروع الاستيطان الأوسع، إذ تشكّل المستوطنات العمود الفقري للنشاط السياحي، سواء عبر الفنادق، أو مصانع النبيذ، أو المزارع السياحية، أو القرى الريفية المخصصة للضيافة. ومن خلال حوافز حكومية مباشرة، تُشجَّع الاستثمارات الخاصة على التوسع، بما يعزز بقاء المستوطنين ويجعل السياحة مصدر دخل أساسيًا للاقتصاد المحلي في الجولان المحتل.
وعلى مدى العقود الماضية، انتقلت هضبة الجولان من منطقة حدودية عسكرية شديدة الحساسية إلى فضاء اقتصادي–سياحي متكامل، تعمل إسرائيل على إعادة تشكيله ودمجه تدريجيًا في بنيتها الداخلية، مستخدمة السياحة كأداة ناعمة لترسيخ السيطرة السياسية والديمغرافية. ولم يكن هذا التحول نتيجة تطور طبيعي، بل ثمرة سياسات حكومية طويلة الأمد هدفت إلى تحويل الجولان من أرض محتلة متنازع عليها إلى "وجهة إسرائيلية" قائمة بذاتها في الوعي الاقتصادي والثقافي الإسرائيلي.
وتعتمد السياحة في الجولان بالدرجة الأولى على الزائر الإسرائيلي، من العائلات ومجموعات الشباب والجنود خلال فترات الإجازات، فيما تظل السياحة الأجنبية محدودة مقارنة بوجهات مثل القدس أو تل أبيب أو إيلات. ومع ذلك، فإن حجم البنية السياحية المقامة، ولا سيما داخل المستوطنات، يجعل هذا القطاع من بين الأكثر تطورًا داخل الأراضي السورية المحتلة.
وتشير بيانات منصات الحجز السياحي إلى وجود أكثر من 300 منشأة إقامة سياحية في الجولان، تشمل فنادق صغيرة ومتوسطة، وبيوت ضيافة ريفية، وشاليهات، واستراحات سياحية، إضافة إلى نمط "التخييم الفاخر" الذي شهد توسعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة. وتعتمد هذه المنشآت على نموذج الإقامة الريفية الموزعة داخل المستوطنات أو على أطرافها، بما ينسجم مع الطابع الزراعي–الاستيطاني الذي تسعى إسرائيل إلى ترسيخه.
وتتركز أبرز الفنادق والمنتجعات في مستوطنات مثل راموت، وميروم غولان، وعين زيفان، فيما يشكّل العمود الفقري للسياحة مئات الوحدات الصغيرة المعروفة باسم "تسيمرات"، وهي أكواخ يديرها مستوطنون وتوفر مصدر دخل مباشرًا للعائلات الاستيطانية. وتشير التقديرات إلى أن عدد الغرف السياحية المتاحة يتجاوز ألف غرفة، مع نسب إشغال مرتفعة خلال مواسم الأعياد والعطل الرسمية، وصلت في بعض الفترات إلى نحو 95%.
وترتكز البنية السياحية كذلك على استغلال الطبيعة الجغرافية للهضبة، من تلال بركانية وغابات وينابيع وشلالات، وقد طُوّرت عشرات المسارات للمشي وركوب الدراجات والتنزه، إضافة إلى محميات طبيعية تُدار من قبل "سلطة الطبيعة والمتنزهات" الإسرائيلية، أبرزها محميتا يهودية وغاملا.
وإلى جانب السياحة الطبيعية، طوّرت إسرائيل نموذج "السياحة الزراعية" عبر فتح مزارع التفاح والكرز والكروم أمام الزوار، وتنظيم جولات تذوق في مصانع النبيذ المقامة داخل المستوطنات، في محاولة لربط المنتج الزراعي بالهوية السياحية الجديدة للجولان.
ويحظى هذا القطاع بدعم حكومي مباشر، إذ قررت وزارة السياحة الإسرائيلية ضخ 14 مليون شيكل إضافية في مشاريع تطوير السياحة، فيما بلغ متوسط الاستثمار الحكومي السنوي نحو خمسة ملايين شيكل منذ عام 1998. ويأتي ذلك ضمن خطط أوسع لمضاعفة عدد المستوطنين وتحويل السياحة إلى أداة جذب سكاني واقتصادي في آن واحد، مدعومة بحملات ترويج تُقدّم الجولان بوصفه منطقة "آمنة ومستقرة"، بمعزل عن وضعه القانوني كأرض محتلة.
وشهد القطاع السياحي تراجعًا حادًا خلال فترات التصعيد الأمني، لا سيما منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وتأثر الجولان بشكل خاص خلال فترات التوتر مع سوريا وحزب الله، حيث أُغلقت منشآت سياحية عدة واستُخدمت بعض الفنادق لأغراض أمنية. ومع مطلع عام 2025، بدأت السياحة تعود تدريجيًا، مدفوعة بتحسن نسبي في الأوضاع الأمنية وتكثيف الحملات الترويجية، وبرز في هذا السياق التوسع في "التخييم الفاخر" كنمط جديد يستهدف شرائح مختلفة من الزوار.
ورغم محاولات تقديم صورة عن "نهضة سياحية"، لم يكن هذا المسار خاليًا من المآسي، إذ شهدت المنطقة هجمات صاروخية أودت بحياة مدنيين، من بينها هجوم مجدل شمس في يوليو/تموز 2024. ومع ذلك، جرى توظيف هذه الأحداث في خطاب "الصمود" و"إعادة البناء" لتبرير تسريع مشاريع السياحة والاستيطان.
وفي المحصلة، لم تعد السياحة في الجولان نشاطًا ترفيهيًا محضًا، بل تحولت إلى ركيزة أساسية في المشروع الإسرائيلي لتثبيت السيطرة على الأرض، وتحويل المستوطنات إلى مراكز حياة واقتصاد نشطة، مع تآكل أي حضور سوري مادي أو رمزي. إذ إن معظم المنشآت السياحية أُقيمت على أنقاض قرى سورية مدمّرة أو فوق أراضٍ جرى الاستيلاء عليها بعد عام 1967، في تجاهل كامل للوضع القانوني الدولي للهضبة.
ثانيًا: قطاع التكنولوجيا الناشئة
في السنوات الأخيرة، لم تعد هضبة الجولان بالنسبة لإسرائيل مجرد مساحة ذات قيمة عسكرية أو زراعية أو مائية، بل تحولت تدريجيًا إلى مجال استثماري واعد في قطاع التكنولوجيا الناشئة، ضمن رؤية أوسع تسعى من خلالها تل أبيب إلى ترسيخ سيطرتها الاقتصادية طويلة الأمد على الجولان، ودمجه فعليًا في المنظومة الإسرائيلية، ليس فقط إداريًا، بل تنمويًا وتقنيًا.
وتقوم الاستراتيجية الإسرائيلية في هذا السياق على نقل نموذج "أمة الشركات الناشئة" إلى الأطراف الجغرافية، وفي مقدمتها الجولان، بهدف كسر مركزية تل أبيب وحيفا، وفي الوقت نفسه استغلال الخصوصية الجغرافية والبيئية للهضبة لتطوير أنواع محددة من التكنولوجيا. ولهذا، شرعت الحكومة الإسرائيلية، عبر "هيئة الابتكار الإسرائيلية" ووزارات الاقتصاد والزراعة والتنمية الإقليمية، في ضخ استثمارات مباشرة وغير مباشرة لإنشاء مراكز ابتكار وحاضنات أعمال مخصصة للشركات الناشئة، لا سيما في مجالات الزراعة الذكية، وتكنولوجيا المناخ، وإدارة الموارد الطبيعية.
وتركّز هذه المشاريع على استغلال الجولان بوصفه "مختبرًا مفتوحًا" للتكنولوجيا الزراعية (AgriTech)، مستفيدة من الأراضي الزراعية الواسعة، والموارد المائية، والتنوع المناخي. وتدعم إسرائيل شركات ناشئة تعمل في مجالات الري الذكي، والاستشعار عن بُعد، وتحليل البيانات الزراعية باستخدام الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تطوير سلالات محسّنة من المحاصيل. ويجري تسويق هذه المشاريع باعتبارها حلولًا لمواجهة التغير المناخي وتعزيز الأمن الغذائي، بينما تخدم عمليًا ترسيخ الاستيطان الاقتصادي في الهضبة.
ولا يقتصر هذا الاستثمار على القطاع الزراعي، إذ تسعى إسرائيل إلى جذب شركات تكنولوجيا المعلومات والبحث والتطوير لافتتاح فروع لها في الجولان، عبر حوافز مالية تشمل إعفاءات ضريبية، ودعم الأجور، وتمويل البنية التحتية. وتروّج الحكومة لهذه الخطوات باعتبارها وسيلة لخلق فرص عمل في "المناطق الطرفية"، بينما تهدف فعليًا إلى تحويل الجولان إلى امتداد تكنولوجي للاقتصاد الإسرائيلي وربطه بسلاسل الابتكار الوطنية والدولية.
وتلعب المستوطنات الإسرائيلية في الجولان دورًا محوريًا في هذه الخطة، إذ تُقام مراكز الابتكار غالبًا داخلها أو في محيطها، ما يعزز جاذبيتها السكانية والاقتصادية، ويشجّع انتقال مستوطنين جدد، خصوصًا من فئة الشباب ورواد الأعمال. كما تعمل إسرائيل على دمج هذه المشاريع التكنولوجية بالقطاعين السياحي والتعليمي، عبر برامج تدريبية، ومسارات دراسية تطبيقية، وشراكات مع جامعات ومراكز أبحاث داخل إسرائيل.
وفي البعد السياسي الأعمق، لا يمكن فصل هذا التوجه التكنولوجي عن محاولة فرض "وقائع اقتصادية" يصعب التراجع عنها مستقبلًا. فالشركات الناشئة، والبنية التحتية الرقمية، والاستثمارات طويلة الأجل، تُستخدم كأدوات لترسيخ السيطرة، وتحويل الجولان من أرض محتلة إلى مساحة إنتاج واستثمار ضمن الرواية الإسرائيلية الرسمية، بما يفتح الباب أمام شراكات مع مستثمرين أجانب وشركات متعددة الجنسيات، تُغلَّف بطابع الابتكار، مع تجاهل الوضع القانوني للجولان وفق القانون الدولي.
وهكذا، يتحول قطاع التكنولوجيا الناشئة في الجولان إلى أداة مزدوجة: رافعة اقتصادية لإسرائيل في مجالات المستقبل، مثل الذكاء الاصطناعي والزراعة الذكية، وأداة سياسية ناعمة لتكريس الضم وتعميق الاستيطان تحت شعار التنمية والابتكار.
ثالثًا: قطاع الزراعة المتخصصة
تعتمد إسرائيل في استثمارها بقطاع الزراعة المتخصصة في هضبة الجولان على مقاربة مركّبة تجمع بين الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا، إذ تتعامل مع الهضبة بوصفها مساحة استراتيجية لإنتاج زراعي عالي القيمة، لا مجرد منطقة زراعية تقليدية. فمنذ احتلال الجولان عام 1967، جرى توجيه الاستيطان ليكون قائمًا في جوهره على الزراعة، غير أن هذا القطاع تطوّر خلال العقدين الأخيرين إلى نموذج زراعة متخصصة موجّهة للأسواق العالمية، ومدعومة بالبحث العلمي ورأس المال والتقنيات المتقدمة.
وتركّز إسرائيل على استغلال الخصائص الطبيعية للجولان، مثل الارتفاعات، والمناخ البارد نسبيًا، والتربة البركانية الغنية، لتطوير زراعات لا تتوافر بسهولة في بقية المناطق الخاضعة لسيطرتها. ويبرز في هذا السياق الاستثمار في زراعة التفاح والكرز والعنب المخصص لصناعة النبيذ، والأفوكادو، إضافة إلى بعض الأعشاب الطبية والعطرية، وهي محاصيل تُصنّف ضمن الزراعة المتخصصة ذات العائد المرتفع. وتدعم الدولة هذه الزراعات عبر توفير البنية التحتية، وشبكات الري، ومنشآت التخزين المبرد، وربطها مباشرة بسلاسل التصدير.
وتلعب مراكز البحث الزراعي دورًا محوريًا في هذا النموذج، حيث تُجرى في الجولان تجارب لتحسين السلالات الزراعية، ورفع الإنتاجية، وإطالة مواسم الحصاد. وتُقدَّم هذه الأبحاث في الخطاب الرسمي باعتبارها "ابتكارًا زراعيًا"، لكنها عمليًا تخدم هدف تحويل الجولان إلى مختبر زراعي دائم يخضع للإدارة الإسرائيلية. وتُدمَج المستوطنات الزراعية في هذه العملية، لتكون جزءًا من منظومة البحث والتجريب والتطبيق التجاري.
كما تستثمر إسرائيل بكثافة في الزراعة الذكية المرتبطة بالزراعة المتخصصة، من خلال أنظمة الري الدقيقة، والاستشعار عن بُعد، وتحليل البيانات المناخية، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتوقع الإنتاج والأمراض الزراعية. ويُسوَّق هذا التوجه باعتباره حلًا لمواجهة شح المياه والتغير المناخي، بينما يضمن في الوقت نفسه تعظيم الاستفادة من الموارد المائية التي تسيطر عليها إسرائيل في الجولان وتحويلها إلى عنصر إنتاج يخدم المستوطنات والاقتصاد الإسرائيلي.
وفي موازاة ذلك، تحفّز الحكومة الإسرائيلية الاستثمار الخاص في هذا القطاع عبر منح وقروض مدعومة، وإعفاءات ضريبية، وتشجيع الشراكات بين المزارعين والمستثمرين وشركات التصدير. وقد أدى ذلك إلى نشوء نمط من الزراعة شبه الصناعية، تُدار فيه الحقول والبساتين بعقلية الشركات، ما يرفع العائد الاقتصادي ويُرسّخ الجولان كمصدر للمنتجات الزراعية عالية الجودة في الأسواق الخارجية.
سياسيًا، لا يمكن فصل هذا الاستثمار الزراعي عن مشروع ترسيخ السيطرة طويلة الأمد على الجولان، إذ تتطلب الزراعة المتخصصة استقرارًا طويل الأجل واستثمارات كبيرة وبنية قانونية وتسويقية، تُستخدم لتكريس فكرة أن الجولان "جزء لا يتجزأ" من الاقتصاد الإسرائيلي. كما تُستخدم المنتجات الزراعية القادمة من الجولان في حملات تسويق دولية غالبًا دون الإشارة إلى كونها منتجات من أرض محتلة، بما يمنحها شرعية اقتصادية غير مباشرة.
رابعًا: قطاع طاقة الرياح
نظرًا لما توليه إسرائيل من أهمية لهضبة الجولان السورية المحتلة، ركّزت خلال السنوات الماضية على استغلال المرتفعات الجبلية لإقامة مشروعات ضخمة في مجال طاقة الرياح. وفي هذا السياق، دشّنت تل أبيب مشروع "رياح بيريشيت" (Genesis Wind)، المصنَّف كأكبر محطة لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح في المنطقة، بقدرة تصل إلى 207 ميغاوات، وباستثمارات تهدف إلى تغطية احتياجات نحو 70 ألف منزل.
ولا تقتصر الرؤية الاقتصادية الإسرائيلية على طاقة الرياح فحسب، بل تمتد لتشمل استثمارات واسعة في الطاقة الشمسية الهجينة (Agro-voltaic)، التي تجمع بين الإنتاج الزراعي وتوليد الكهرباء فوق المساحات الخضراء، بدعم حكومي لإنتاج نحو 250 ميغاوات إضافية في جنوب الهضبة، وفق مواقع متخصصة في قطاع الطاقة.
وتتكامل هذه المشروعات مع خطة إسرائيلية لتطوير شبكة نقل الكهرباء، بتكلفة تقديرية تبلغ نحو 7.2 مليارات دولار بحلول عام 2030، بهدف ربط فائض الإنتاج القادم من الجولان بالمراكز الصناعية داخل إسرائيل.
خامسًا: قطاع مضاعفة عدد المستوطنين
سعت حكومة نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، ومن بعدها حكومة بنيامين نتنياهو، إلى مضاعفة عدد المستوطنين في الجولان ضمن مشروع استيطاني واسع النطاق. ففي عام 2021، أعلن بينيت، خلال اجتماع وزاري عُقد في تجمع "ميفو حماة" بالجولان، عن خطط لبناء حيين جديدين في بلدة كتسرين، كبرى المستوطنات الإسرائيلية في الهضبة، يضمان 3300 وحدة سكنية، إضافة إلى إنشاء بلدتين جديدتين تحملان اسمي "آسيف" و"مطر"، يضم كل منهما نحو 2000 وحدة سكنية.
وقال بينيت في مستهل الجلسة آنذاك: "هذه هي لحظتنا، هذه هي لحظة الجولان. بعد سنوات طويلة من الجمود في وتيرة الاستيطان، هدفنا اليوم هو مضاعفة الاستيطان في الهضبة". وتضمنت الخطة تخصيص 576 مليون شيكل (نحو 183 مليون دولار) لبناء 7300 وحدة سكنية جديدة خلال خمس سنوات، و160 مليون شيكل (51 مليون دولار) لتحسين البنية التحتية وتطوير قطاعي الصحة والتعليم، إضافة إلى 162 مليون شيكل (51 مليون دولار) لتطوير البنية التحتية السياحية والمراكز الصناعية والتجارية.
كما صادقت الحكومة الإسرائيلية آنذاك على حزمة مساعدات شملت، للمرة الأولى منذ اندلاع أزمة كورونا، تخصيص 25 مليون شيكل (نحو 8 ملايين دولار) لدعم المرشدين السياحيين في الجولان، و60 مليون شيكل (19 مليون دولار) لمنظمي السياحة الوافدة، فضلًا عن 150 مليون شيكل (48 مليون دولار) إضافية لدعم الفنادق السياحية.
ولم تقتصر خطة بينيت المثيرة للجدل على التوسع السكني وتحديث البنية التحتية، بل شملت أيضًا خلق نحو 2000 فرصة عمل جديدة عبر تحويل الجولان إلى ما وصفه بـ"عاصمة تكنولوجيات الطاقة المتجددة في إسرائيل"، من خلال إقامة مشاريع في مجالات التكنولوجيا الزراعية والطاقة الشمسية. وتهدف هذه السياسات إلى رفع عدد المستوطنين في الجولان إلى نحو 100 ألف مستوطن خلال عشر سنوات.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الأمن الإسرائيلية عزمها نصب 41 عنفة رياح ضخمة لتوليد الكهرباء في الأراضي الواقعة بين قرى مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا وعين قنية، يصل ارتفاع الواحدة منها إلى نحو 200 متر، ووصفتها بأنها "الأكبر والأكثر تقدمًا" في إسرائيل.
وتبع ذلك قرار الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو عام 2024، إقرار خطة جديدة لتوسيع المستوطنات في الجولان، مبررة ذلك بـ"الحرب والجبهة الجديدة مع سوريا" والرغبة في مضاعفة عدد السكان الإسرائيليين في الهضبة. وقال نتنياهو في بيان رسمي إن "تقوية الجولان هي تقوية لدولة إسرائيل، وهي مهمة على نحو خاص في هذا التوقيت. سنواصل التمسك بها، وسنجعلها تزدهر ونستقر فيها".
وأوضح مكتب نتنياهو أن الحكومة وافقت بالإجماع على خطة تتجاوز قيمتها 40 مليون شيكل (نحو 11 مليون دولار) لتشجيع النمو السكاني في هضبة الجولان.
مرتفعات ترامب: مستوطنة إسرائيلية في هضبة الجولان السورية المحتلة
في المقابل، قدّمت الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، عام 2019 ما يشبه المكافأة الرمزية للرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، وذلك على خلفية اعترافه بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان في العام نفسه. وفي هذا السياق، قامت الحكومة الإسرائيلية بتسمية مستوطنة إسرائيلية في شمال غرب الجولان باسم ترامب، تحت عنوان "مرتفعات ترامب"، وفيما يلي أبرز تفاصيلها:
أُقيمت المستوطنة على أراضي مستوطنة قديمة فاشلة تُدعى "بروخيم" (Bruchim أو Beruchim)، أُسست عام 1991، ولم تستقطب سوى عدد محدود من السكان، إذ لم يتجاوز عددهم نحو عشرة أشخاص حتى عام 2019.
وفي مارس/آذار 2019، أعلن دونالد ترامب اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان.
وفي 16 يونيو/حزيران 2019، عقدت الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، جلسة احتفالية في موقع المستوطنة، أعلنت خلالها إنشاء المستوطنة الجديدة، بوصفها خطوة شكر لترامب على اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
وفي يونيو/حزيران 2020، خصّصت الحكومة الإسرائيلية نحو 8 ملايين شيكل (ما يقارب 2.3 مليون دولار) للشروع في أعمال البناء.
سادسًا: قطاع المياه في الجولان
يُعدّ ملف المياه أحد أهم الملفات الاقتصادية في هضبة الجولان السورية المحتلة. فبعد حرب حزيران/يونيو 1967، بدأت إسرائيل بتغيير الجغرافيا السورية للجولان، وإعادة رسم مساحات واسعة منه بوصفها مناطق ذات أولوية أمنية عليا. وشمل ذلك السيطرة على التلال والجبال والمراكز والمعسكرات السورية الاستراتيجية، والاستيلاء على مصادر المياه من ينابيع وأنهار وآبار ارتوازية، إلى جانب تسوية مساحات شاسعة من الأراضي وتدمير قرى سورية كانت مأهولة بالسكان، بهدف إقامة مستوطنات يهودية وتسخير الموارد الطبيعية التي استولت عليها لخدمة أطماعها، ولا سيما الموارد المائية التي تُعدّ من الأكثر غزارة ومخزونًا في سوريا.
وتُقدَّر الكميات السنوية للأمطار والثلوج في الجولان بنحو 1.2 مليار متر مكعب، لا يبقى منها بعد التبخر سوى نحو 120 مليون متر مكعب.
ومع احتلال الجولان، وفّرت إسرائيل مخزونًا مائيًا يُقدّر بنحو 250 مليون متر مكعب سنويًا، يُستخدم لتأمين احتياجات المستوطنات الإسرائيلية في شمال الجليل. ويُشكّل جبل الشيخ مصدرًا أساسيًا للمياه الجوفية والسطحية في منطقة تمتد لعشرات الكيلومترات، نظرًا لغزارة الأمطار وكثافة الثلوج التي تهطل عليه، إذ يبلغ معدل الهطول السنوي نحو 1000 ملم. كما تنبع من سفوحه مجموعة من الأنهار والينابيع دائمة الجريان التي تصب في بحيرة طبريا.
مجمعات المياه في الجولان
أقامت إسرائيل في الجولان 19 خزانًا لتجميع المياه، بحجمٍ إجمالي يقارب 37 مليون متر مكعب حتى عام 2020، أحدثها مجمع المياه "بار أون" المقام على قرية المنصورة المدمَّرة، وتصل سعته الإجمالية إلى مليوني متر مكعب. إضافة إلى ذلك، توجد خمسة خزانات لمياه الصرف الصحي التي تُنقل إلى محطات التنقية والتطهير، وتُستعمل المياه المُعالجة في الري الزراعي وريّ الحدائق وقطاع الصناعة، ويُقدَّر حجمها بنحو 2.5 مليون متر مكعب.
كما توجد سبعة آبار للمياه الجوفية تتقاسمها شركتا "مكوروت" و"مي غولان"، وتوفّر شركة مكوروت منها خمسة ملايين متر مكعب من مياه الشرب للسكان القاطنين في الجولان، بما يشمل السكان في القرى السورية الخمس المتبقية. أمّا مستوطنة كتسرين فتحصل وحدها على مليوني متر مكعب للزراعة، ويقطنها نحو 8 آلاف نسمة. أمّا شركة "مي غولان" فتستخدم الآبار الارتوازية فقط في سنوات الجفاف التي لا تسقط فيها كميات كافية من الأمطار والثلوج.
أقامت إسرائيل، خلال أربعة عقود من الاحتلال، مشروعات مائية كثيرة، وبنت مجمّعات ضخمة للاستحواذ على مياه الجولان، من أبرزها:
– بركة رام: وهي حوض بركاني طبيعي مساحته كيلومتر مربع واحد، بسعة 6.8 ملايين متر مكعب من المياه. تستغل شركة مكوروت الإسرائيلية مياهها كاملةً للزراعة في المستوطنات، وتضخ الفائض إلى بحيرة طبرية. تتجمّع في البركة مياه الأمطار والينابيع بشكل طبيعي، وهي بمنزلة حفرة تكوّنت نتيجة تحلّل الصخور الكلسية في الأعماق، ما شكّل فراغًا تحت أرضي على هيئة كهوف ومغاور. تتغذّى البركة من مياه الأمطار والمياه الجوفية، وتُعد إحدى كبرى المجمعات المائية والرئيسية في الجولان.
– مجمع عورفيم (مجمع واسط): أُقيم عام 1999 بسعة إجمالية تبلغ 2.5 مليون متر مكعب، وتُضخ إليه مياه حارة من آبار مستوطنة شمير في الجليل الفلسطيني.
– مجمع باب الهوى (مروم غولان): وهو أول مجمع أُقيم في الجولان المحتل بسعة 4.2 ملايين متر مكعب من المياه.
– مجمع الشعبانية (على مفرق داليوت): أُقيم عام 1984.
– مجمع أورتال (الدلوة): يقع شمال الجولان، أُنشئ عام 1971 بسعة نصف مليون متر مكعب، وتُستخدم مياهه للزراعة، ويُضخ الفائض منها إلى بحيرة طبرية.
– مجمع قطيف (جنوب قرية السنديانة): أُقيم عام 1998 بسعة 600 ألف متر مكعب.
– مجمع ري-فايا (مجمع راوية): يقع شرق أم القناطر جنوب الجولان، قرب مستوطنتي كناف وراموت، ويزوّدهما بالمياه. أُقيم عام 1983 بسعة 4.5 ملايين متر مكعب.
– مجمع العسل (دفاش): يقع شرق وادي جملا وغرب رجم الحيرى جنوب الجولان، أُقيم عام 1983 بسعة 3.6 ملايين متر مكعب، وتُضخ مياهه إلى بحيرة طبرية.
– مجمع بني إسرائيل: من أكبر مجمعات المياه في جنوب الجولان، بسعة 7 ملايين متر مكعب، أُقيم عام 1984 بالقرب من مستوطنة خسفين.
– مجمع يوسيفون (تل يوسف): يقع شرق قرية القادرية على خط التابلاين، بسعة 300 ألف متر مكعب، أُنشئ عام 1993، وتُستغل مياهه لضخها إلى بحيرة طبرية.
– مجمع الرمثانية (مجمع أبناء صفد): يقع وسط الجولان، بسعة 1.2 مليون متر مكعب، وأُقيم عام 1979 بتمويل من شركتي "مي غولان" و"مكوروت" الإسرائيليتين.
– مجمع كيشت: بالقرب من مستوطنة كيشت جنوب الجولان، أُقيم عام 1978 بسعة 700 ألف متر مكعب، ويغذّي بحيرة طبرية.
– مجمع حد نيس: جنوب الجولان، أُقيم عام 1990 بسعة 350 ألف متر مكعب، ويُستخدم لريّ الأراضي الزراعية الجنوبية.
– مجمع حيتال (قرية حيتيل): تبلغ سعته 5 ملايين متر مكعب.
– مجمع القنيطرة المائي: بُني على بُعد أمتار قليلة من خط وقف إطلاق النار غرب مدينة القنيطرة، ويهدف إلى تحويل مياه الأمطار عن الأراضي السورية وتجميعها لمصلحة المستوطنات.
– مجمع المنصورة (بار أون): تبلغ سعته الإجمالية مليوني متر مكعب. دُشّن عام 2020 على أنقاض حي "الأبزاخ"، وهو الجزء الثاني من قرية المنصورة التي سُوِّيت بالأرض، وأُقيم مجمع المياه على أنقاضها، وكانت المنطقة سابقًا مراعي لأبقار مستوطنة "مروم غولان".
– مجمع الياقوصة لتنقية مياه الصرف الصحي في مستوطنة ميتسر: أُقيم عام 2010. تتّسع المحطة يوميًا لنحو 180 ألف طن من النفايات، منها 6 آلاف متر مكعب ناتجة من الاستخدام البشري و6 آلاف متر مكعب ناتجة من تربية الأبقار.
– مجمع دينور (بالقرب من قرية أم الدنانير): لتنقية مياه الصرف الصحي غرب مستوطنة يوناتان، أُقيم عام 2010.
– مجمع تسور لتنقية مياه الصرف الصحي: أُقيم عام 2000 شمال مستوطنة حد نيس.
– مجمع بيكع لتنقية مياه الصرف الصحي في شمال الجولان (مجمع عين الحمرا): يُخصَّص لتجميع مياه المجاري الناتجة عن قرى مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا وإعادة تكريرها، وتستفيد منها المستوطنات الإسرائيلية فقط.
– مجمع حمدة (الحميدية): لتنقية مياه الصرف الصحي بالقرب من مستوطنة مروم غولان، شرق قرية الثليجة.
الاستثمار الأمريكي في هضبة الجولان
في المقابل، كان للولايات المتحدة بصمة في الهضبة السورية المحتلة، إذ سبق أن حاولت شركة أمريكية العمل على استكشاف النفط في الجولان. وتُعد شركة "جيني إنرجي المحدودة" (Genie Energy Ltd.) واحدة من أبرز شركات الطاقة الأمريكية التي ارتبط اسمها بهضبة الجولان السورية المحتلة، سواء عبر استثمارات مباشرة في الاستكشاف النفطي أو من خلال شبكة علاقات سياسية واقتصادية أثارت جدلًا دوليًا واسعًا. يقع المقر الرئيسي للشركة في مدينة نيوارك بولاية نيوجيرسي، وهي شركة قابضة تعمل في مجالي توريد الطاقة بالتجزئة واستكشاف النفط والغاز.
تضم جيني إنرجي عدة شركات تابعة، من بينها جيني ريتيل إنرجي، وجيني ريتيل إنرجي إنترناشيونال، وجيني إنرجي سيرفيسز، إضافة إلى جيني أويل أند غاز (GOGAS)، وهي الذراع المسؤولة عن أنشطة الاستكشاف النفطي، بما في ذلك المشاريع المثيرة للجدل في هضبة الجولان.
أسّس الشركة هوارد جوناس، مؤسس شركة IDT Telecom، والذي شغل أيضًا منصب رئيس مجلس الإدارة. وفي عام 2004، اتجه جوناس إلى تنويع استثماراته في قطاع الطاقة، فأطلق أول مزوّد طاقة تجزئة تابع للمجموعة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2011، جرى فصل جيني إنرجي عن شركة IDT Corporation لتصبح شركة عامة مستقلة، وبدأ تداول أسهمها في بورصة نيويورك تحت الرمز (GNE). يتولى مايكل شتاين منصب الرئيس التنفيذي لجيني إنرجي ورئيس جيني ريتيل إنرجي، بينما يشغل آفي غولدين منصب المدير المالي. أمّا رئاسة الشركة الفرعية الإسرائيلية فتولاها إفي إيتام، وهو شخصية سياسية وعسكرية إسرائيلية سابقة.
ويضم مجلس الاستشارات الاستراتيجية للشركة شخصيات أمريكية وإسرائيلية نافذة، من بينها نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني (منذ عام 2009)، وقطب الإعلام روبرت مردوخ، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق جيمس وولزي، ووزير الخزانة الأمريكي الأسبق لاري سمرز، إضافة إلى جاكوب روتشيلد ومايكل شتاينهاردت والسيناتورة الأمريكية السابقة ماري لاندريو، وهو ما منح الشركة ثقلًا سياسيًا أثار تساؤلات حول طبيعة الدعم الذي حظيت به مشاريعها الحساسة.
تمثّل هضبة الجولان السورية المحتلة جوهر العلاقة الإشكالية بين جيني إنرجي والقانون الدولي. فمن خلال شركتها الفرعية "أفيك أويل أند غاز" (Afek Oil and Gas)، دخلت جيني إنرجي في واحدة من أكثر محاولات استكشاف الموارد الطبيعية إثارةً للجدل في الأراضي المحتلة.
في فبراير/شباط 2013، منحت السلطات الإسرائيلية شركة أفيك ترخيصًا حصريًا لمدة 36 شهرًا لاستكشاف النفط والغاز في مساحة تبلغ نحو 400 كيلومتر مربع (153 ميلًا مربعًا) جنوب الجولان المحتل، وهي منطقة تعترف الأمم المتحدة بأنها أرض سورية محتلة منذ عام 1967. باشرت أفيك أعمالها بإجراء مسوحات جيوفيزيائية فوق الأرض، قبل التقدّم بطلب برنامج حفر استكشافي شمل عشر آبار. وخلال الفترة بين عامي 2014 و2016 حفرت الشركة عدة آبار، من بينها:
Ness-5 شمال غرب أفني إيتان.
Ness-3 قرب المنطقة الصناعية بني يهودا.
Ness-6 قرب موشاف كاناف جنوب شرق غاملا.
Ness-10 شمال خط صدع الشيخ علي.
وفي عام 2015 أعلنت أفيك أنها اكتشفت طبقة نفطية بسمك يصل إلى 350 مترًا، وهو رقم يفوق المتوسط العالمي بأكثر من عشرة أضعاف، ما أدى إلى تكهّنات واسعة حول إمكانية تحقيق اكتفاء ذاتي إسرائيلي من الطاقة في حال ثبوت الجدوى التجارية.
غير أنّ هذه التوقعات لم تدم طويلًا. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أعلنت الشركة تعليق برنامج الحفر الاستكشافي، مؤكدةً أن الطبقات المكتشفة لا تحتوي على كميات نفط أو غاز قابلة للإنتاج التجاري المربح، لتنتهي فعليًا مرحلة الاستكشاف النفطي في الجولان دون تحقيق نتائج اقتصادية مباشرة.
وبعد تعليق المشروع، لجأت أفيك إلى توظيف خبرتها التقنية في مشاريع حفر المياه داخل الجولان لمساعدة المزارعين الإسرائيليين في مواجهة موجات الجفاف، كما أسست شركة خدمات حفر باسم Atid Drilling.
الموقف السوري من الجولان ومن قرار ترامب:
لم يصدر عن الحكومة السورية أي تعليق حتى تاريخ نشر التقرير بشأن تصريح دونالد ترامب الخاص بـ"تريليونات الجولان"، لكن الحكومة السورية كانت قد ردّت على ترامب قبل أسابيع، عقب تجديده اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل.
ونشرت وزارة الخارجية السورية، في بيان لها، قرار مجلس الأمن رقم 497 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 1981، ردًا على القرار الإسرائيلي الصادر في 14 ديسمبر من العام ذاته بفرض قوانين الاحتلال وسلطاته وإدارته على مرتفعات الجولان السورية. واعتبر مجلس الأمن القرار الإسرائيلي "ملغى وباطلًا" وليس له أي أثر قانوني دولي، وطالب إسرائيل بإلغائه فورًا. كما أكد القرار أن أحكام اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب سارية المفعول على الأراضي السورية المحتلة. وعُدّ نشر القرار ردًا على تجديد اعتراف ترامب، خلال لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967.
وفي سياقٍ موازٍ، وبحسب مصدر مطّلع في الجيش السوري، فإن النقاشات التي جرت عبر وسطاء دوليين، وعلى رأسهم الجانب الأمريكي، اصطدمت بموقف سوري حاسم يعتبر الجولان قضية سيادية غير قابلة للمساومة، ما أدى إلى تحوّل هذا الملف من بند تفاوضي إلى خط أحمر سياسي وعسكري.
وأوضح المصدر أن الطرح الإسرائيلي–الأمريكي يتمحور حول اتفاق أمني يضمن ما يُسمّى "تحييد الجبهة الجنوبية" ومنع أي وجود أو نشاط تعتبره إسرائيل تهديدًا لأمنها، في مقابل ترتيبات ميدانية تتعلق بالحدود والانتشار العسكري. إلا أن دمشق، وفق المصدر، ربطت أي حديث عن ترتيبات أمنية بضرورة الحفاظ الكامل على الحقوق السورية، ورفضت بشكل قاطع أي صيغة يمكن أن تُفهم على أنها اعتراف بالأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل منذ احتلال الجولان عام 1967.
وفي هذا السياق، أبلغت سوريا الإدارة الأمريكية بشكل مباشر وواضح أنه لا يوجد لديها أي خيار سياسي أو تفاوضي يتعلق بالتفريط في هضبة الجولان، باعتبارها أرضًا سورية محتلة لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن إدراجها ضمن صفقات مرحلية أو تفاهمات أمنية مؤقتة. ووفق المصدر، فإن الموقف السوري يستند إلى مرجعية قانونية وسياسية ثابتة، ترى أن الحل المرحلي الوحيد الممكن في الوقت الراهن يتمثل في العودة إلى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، بوصفه الإطار الوحيد المعترف به دوليًا، والذي يحدّد بدقة طبيعة العلاقة العسكرية والأمنية بين الجانبين، ويمنع الانزلاق نحو مواجهات مفتوحة.
وبحسب المصدر، ازداد التوتر عقب التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تحدث فيها عن أن قيمة الجولان تصل إلى "تريليونات الدولارات". وقد دفعت هذه التصريحات الإدارة السورية إلى التحرك دبلوماسيًا، حيث تواصلت مع المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، وأبلغته رفضها القاطع لهذا الخطاب، معتبرة أنه لا يعبّر فقط عن تجاهل للقانون الدولي، بل يشكّل استفزازًا مباشرًا للشعب السوري، ويمس قضية وطنية جامعة لا تقبل المزايدة أو التسليع الاقتصادي.
وشددت دمشق، بحسب المصدر، في تواصلها مع الجانب الأمريكي، على أن مثل هذه التصريحات لا يمكن فصلها عن محاولات شرعنة الاحتلال، وأنها تعمّق فجوة انعدام الثقة، لا سيما في ظل وضوح الموقف الرسمي السوري الذي يرفض أي اعتراف بضم الجولان أو التعامل معه كأرض قابلة للاستثمار أو المقايضة. وأكدت سوريا، وفق ما نُقل، أن أي مقاربة واقعية تتطلب من واشنطن فهم حساسية الملف، والتعامل معه باعتباره جوهر الصراع، لا تفصيلًا ثانويًا في ترتيبات أمنية أوسع.
وفي حين شدد المصدر على أن أي استثمارات اقتصادية، سواء كانت إسرائيلية أو أمريكية، تُقام في هضبة الجولان المحتلة تُعد غير قانونية من منظور القانون الدولي، ولن تحظى بأي اعتراف سوري في الحاضر أو المستقبل، أضاف أن دمشق تعتبر هذه المشاريع جزءًا من سياسة فرض الأمر الواقع، وخرقًا صريحًا لقرارات الأمم المتحدة، مؤكدًا أن الموقف السوري سيبقى ثابتًا في رفض الاحتلال، وعدم الاعتراف بأي نتائج سياسية أو اقتصادية تترتب عليه، مهما طال الزمن أو تبدّلت موازين القوى.