- ما الذي تكشفه تفاصيل "الحوار المهيكل" المعلنة؟
- معايير الاختيار: ما الذي سقطت فيه البعثة الأممية؟
- انتقادات من داخل المؤسسة الانتخابية
- "مدونة السلوك" بين ضمانات النزاهة وأسئلة التطبيق
- تمثيل المرأة: من العدد إلى الجاهزية ومواقع التأثير
- المقارنة الدولية: 2020 كمرجعية للوضوح
- الخلاصة: أين يقف الحوار المهيكل؟
مع انطلاق جلسات "الحوار المهيكل" في طرابلس يومي 14 و15 ديسمبر/كانون الأول 2025، عاد الجدل في ليبيا حول شرعية التمثيل، وحدود الشفافية، وطبيعة الأدوار الأممية، إلى صدارة النقاش العام. ففي بلد مثقل بتجارب حوارية سابقة، لم يكن السؤال هذه المرة متعلقاً فقط بمضامين النقاش أو مآلاته، بل بكيفية تشكيله منذ اللحظة الأولى: من اختير؟ ولماذا؟ وعلى أي أساس؟ ومن بقي خارج القاعة؟
بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قدّمت "الحوار المهيكل" بوصفه منصة تشاورية ليبية-ليبية تهدف إلى إنتاج توصيات في ملفات الحوكمة والاقتصاد والأمن والمصالحة الوطنية وحقوق الإنسان، ضمن خارطة طريق أوسع، تقول البعثة إنها تسعى إلى تحسين البيئة السياسية والمؤسسية وتهيئة ظروف الاستحقاقات المقبلة، بما في ذلك الانتخابات وتوحيد المؤسسات.
ووفق هذا الطرح، لا يُقدَّم الحوار كجسم قرار ولا كبديل عن المؤسسات القائمة، بل كفضاء لتوسيع المشاركة وتجميع مقترحات سياسات عامة. غير أن التجربة الليبية تُظهر أن التفاصيل الإجرائية، من عدد المشاركين، إلى معايير الاختيار، إلى آليات التواصل، لا تُقرأ بوصفها شؤوناً تنظيمية محضة، بل كمؤشرات سياسية تحدد مسبقاً مستوى الثقة في أي مسار.
ومن هنا، تحوّل "الحوار المهيكل" منذ جلسته الأولى إلى اختبار مبكر: ليس فقط لقدرته على إنتاج توصيات، بل لقدرته على إدارة الشفافية والتمثيل بوصفهما شرطين للشرعية.
ما الذي تكشفه تفاصيل "الحوار المهيكل" المعلنة؟
بحسب ما أُعلن في تغطية الافتتاح، شارك في الجلسات الأولى لـ"الحوار المهيكل" 124 شخصية ليبية، بينهم 81 رجلاً و43 امرأة و13 ممثلاً عن فئة الشباب، إضافة إلى ممثلين عن المكونات الثقافية واللغوية وأشخاص من ذوي الإعاقة، مع نسبة تمثيل نسائي تقارب 35%. هذه الأرقام تمنح البعثة أساساً للدفاع عن مفهوم "الشمول" وتوسيع القاعدة خارج الاصطفافات التقليدية.
في الوقت نفسه، يظهر هامش اختلاف بين رقم "العضوية المستهدفة" الذي جرى تداوله سابقاً باعتباره 120 عضواً وبين رقم المشاركة الافتتاحية 124، وهو تفصيل تنظيمي يحتاج دائماً إلى تفسير واضح، لأنه يتحول سريعاً إلى مادة سجال في بيئة سياسية حساسة.
وخلال الأيام التي أعقبت الافتتاح، اتخذت البعثة خطوات إضافية للرد على جزء من فجوة الشفافية، أبرزها نشر قائمة المشاركين في الجلسات الافتتاحية مصنفة بحسب المحاور، ونشر "مدونة قواعد السلوك" التي تنظّم التزامات المشاركين. هذه الخطوات لا تُنهي الجدل تلقائياً، لكنها تُظهر أن البعثة حاولت نقل جزء من معلومات القاعة إلى المجال العام بدل تركه رهين التسريبات والتأويلات.
وفق ما ورد في خطاب الافتتاح وما نُشر لاحقاً، قُسّم الحوار إلى محاور: الحوكمة، الاقتصاد، الأمن، المصالحة الوطنية وحقوق الإنسان. ومن المقرر أن تسير الجلسات بصورة متتابعة على مدى يتراوح بين أربعة وستة أشهر بدءاً من يناير/كانون الثاني 2026.
بجانب قاعة الحوار، أكدت البعثة وجود قنوات مشاركة موازية، من بينها منصة رقمية للشباب بين 18 و35 عاماً لتقديم الآراء وإيصالها إلى ممثلي الشباب داخل المسار، إضافة إلى ترتيبات مرافقة للنساء عبر تجمع نسائي يتيح التشاور، إلى جانب جلسات حوار رقمية واستطلاعات رأي عبر الإنترنت تهدف إلى توسيع المشاركة خارج القاعة.
وتضيف هذه النقاط عنصراً مهماً في تقييم مسار "الحوار المهيكل": فالحوار لا يُقاس فقط بعدد الجالسين داخل القاعة، بل بمدى انتظام القنوات الموازية وقدرتها على تحويل "المشاركة" إلى مضمون يؤثر فعلياً في التوصيات.
معايير الاختيار: ما الذي سقطت فيه البعثة الأممية؟
قدّمت بعثة الأمم المتحدة خطوطاً عامة عن آلية الاختيار مفادها أن الترشيحات جاءت من مؤسسات ليبية متعددة، بينها البلديات والأحزاب والجامعات وكيانات مهنية وثقافية، إضافة إلى تلقي عدد كبير من الترشيحات الطوعية من أفراد راغبين في المشاركة.
كما رُبطت عملية الاختيار بمعايير نزاهة وسلوك عام، تشمل عدم وجود سجل في انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد أو التحريض وخطاب الكراهية أو سلوك غير أخلاقي، إلى جانب امتلاك معرفة أو خبرة في واحد على الأقل من مجالات الحوار، والقدرة على العمل التوافقي وتقديم توصيات عملية، فضلاً عن التفرغ والقدرة على الالتزام بالحضور طوال فترة المسار.
وأواخر هذا المسار، وتزامناً مع بدء توجيه الدعوات، نُشر توضيح رسمي يشرح آلية الاختيار وسياقها، ضمن محاولة لتقليل الالتباس الذي رافق مرحلة الترشيحات.
هذا التوضيح يرفع مستوى الإحاطة العامة، لكنه لا يلغي تلقائياً حساسية التطبيق، لأن السؤال العملي لدى الجمهور لا يتوقف عند عنوان المعيار، بل عند كيفية التحقق، ومن يقيّم، وكيف تُدار المراجعة أو الاستدراك عندما تقع فجوات تواصل أو سوء فهم. ورغم نشر قائمة المشاركين ومعايير الاختيار ومدونة السلوك، بقيت في المجال العام روايات تتعلق بمرحلة الدعوات والإخطار.
السياسي الليبي سامي الرخصي، رئيس حزب المستقلين الديمقراطي، قال إن أول تواصل معه بخصوص الحوار المهيكل جاء بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول 2025 عبر البريد الإلكتروني من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بصيغة دعوة للمشاركة، دون الإشارة إلى أنها مجرد تنسيق أولي.
وأضاف الرخصي في تصريح لـ"عربي بوست" أنه لم يتلق لاحقاً إخطاراً نهائياً بالقبول أو بعدم الإشراك، ولم تصله رسالة تشرح الموقف أو الأسباب الإجرائية، مؤكداً أن لديه توثيقاً بالمراسلات متوفراً للاطلاع عند الحاجة. ويضيف الرخصي أن آلية الحوار وأهدافه لم تُشرح له، ولم يتسلم أي ملخص يوضح الهيكل أو المحاور أو الجدول الزمني أو مسار المخرجات.
بحسب قوله، كان اسمه ضمن قوائم أولية قبل أن يكتشف لاحقاً أنه لم يعد ضمن القائمة النهائية دون إخطار رسمي. كما تحدث عن محاولات مراسلة لاحقة للحصول على توضيح لم تلق ردّاً، وعن غياب توضيح بشأن ما إذا كان الاختيار قد تم عبر ائتلافات حزبية أم بصفة فردية، ولا عن كيفية التعامل مع الترشيحات التي قدمتها الجهة التي يمثلها.
تواصل "عربي بوست" مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للتعليق على ما أورده السياسي الليبي سامي الرخصي بشأن آلية الإخطار والاختيار، لكننا لم نتلق أي رد حتى وقت نشر هذا التقرير.
هذه الشهادة لا تُحسم بها صحة المسار أو خطؤه، لكنها تُبرز نقطة مفصلية: أي فجوة في الإخطار والتواصل قد تنسف أثر الشفافية اللاحقة، لأن الجمهور يُقيّم العدالة الإجرائية عبر طريقة التعامل مع الأشخاص والمؤسسات عند القبول والرفض، لا عبر البيانات العامة وحدها.
انتقادات من داخل المؤسسة الانتخابية
عبد الحكيم بالخير، عضو مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، قدم موقفاً نقدياً تجاه مسار الحوار المهيكل، معتبراً أن المشكلة الأساسية تتعلق بضعف الشفافية والتمثيل والوضوح التنظيمي، وأن الأهداف والرسائل والنتائج المتوقعة والإطار الزمني لا تظهر للجمهور بصورة كافية.
في المقابل، قدّم بالخير قراءة تنفيذية ترى أن الانتخابات ممكنة إذا انحصرت في أولويات مباشرة تشمل تعديل القوانين الانتخابية وإقرار الميزانية وتأمين العملية الانتخابية في ليبيا، مستنداً إلى تجربة تنظيم الانتخابات البلدية في أكثر من 115 بلدية وفق ما قال.
هذا التفريق بين "الجاهزية التشغيلية" و"الشرعية السياسية" يلخص جانباً من تعقيد المشهد، إذ يظل الحوار، لو قُدّم رسمياً بوصفه مساراً تشاورياً غير انتخابي، مؤثراً في المناخ العام للثقة الذي تحتاجه أي عملية انتخابية لاحقة كي لا تولد مطعوناً فيها قبل أن تبدأ.
ويرى الدكتور خليفة حواس، عميد كلية القانون بجامعة سرت سابقاً، أن الحديث عن معايير قانونية للحوار يظل ملتبساً لأن البعثة لم تعلن إطاراً معيارياً قابلاً للاحتكام إليه وقياسه بصورة معلنة.
ويضيف المتحدث لـ"عربي بوست" أن غياب الآليات المحددة يجعل المسار أقرب إلى إجراءات أحادية ترتبط بمنطق القانون الدولي أكثر من قواعد القانون الوطني، ما يضعف فرص الاعتراض أو التظلّم في ظل عدم وجود مدونة قانونية واضحة تحكم الحوار.
ويرى حواس أن الإشارة إلى مدونة سلوك تتعلق بالسرية والانضباط لا تعوّض غياب إطار تنظيمي مُعلن يحدد آليات القرار والتقييم. وبهذا المعنى، يتحول النقاش من سجال سياسي إلى معيار إجرائي: كلما كانت قواعد الاحتكام أوضح، تقلصت مساحة الطعن، وكلما اتسعت المساحات الرمادية في المعايير والإجراءات، زادت قدرة الأطراف على قراءة المسار كأداة فرز سياسي لا كمنصة تشاور.
"مدونة السلوك" بين ضمانات النزاهة وأسئلة التطبيق
ضمن التحديثات المنشورة، ظهرت "مدونة/مذكرة قواعد السلوك" بوصفها وثيقة تنظّم التزامات المشاركين. في مضمونها العام، تركز المدونة على قواعد النزاهة والانضباط والسلوك المسؤول، بما في ذلك تجنب التحريض وخطاب الكراهية والالتزام ببيئة احترام وشمول، وتفادي أي منافع مادية أو ضغوط غير مبررة قد تؤثر في استقلالية الرأي.
كما تتضمن المدونة بنداً صريحاً بشأن سرية المداولات المغلقة وعدم التسريب أو الكشف المسبق عن مخرجات قبل اكتمالها، مع الإشارة إلى أن مخالفة القواعد أو الغياب غير المبرر قد يفتح الباب أمام الاستبدال أو الاستبعاد. ومن زاوية تنظيمية، يُعد وجود مدونة سلوك مكتوبة عنصراً إيجابياً لأنه يضع قواعد عامة ويمنح المسار أداة ضبط داخلية.
لكن القيمة العملية لمدونة السلوك تُقاس بدرجة وضوح تعريفاتها وإجراءات تطبيقها، لأن أي غموض في مفاهيم مثل "الغياب غير المبرر" أو حدود السرية يمكن أن يتحول، في السياق الليبي، إلى رواية مضادة عن "إقصاء" أو "تسييس" بدل أن يكون أداة ضبط سلوكي.
نشر مدونة السلوك وإعلان قائمة المشاركين يمثلان خطوة باتجاه الإفصاح، لكنهما لا يعوضان وحدهما الحاجة إلى سياسة تواصل عامة منتظمة. ففي الحالة الليبية، كلما اتسعت فجوة المعلومات ارتفعت فرص التسريب وتأويل النوايا، وأصبح الحديث عن الحوار يُدار خارج قاعته أكثر ما يُدار داخلها.
الحد الأدنى الذي يحافظ على الثقة لا يحتاج تحويل النقاش إلى بث دائم، لكنه يحتاج انتظاماً في الإحاطة العامة، ونشر ملخصات مرحلية عامة، وتحديد جهة ناطقة توضّح ما يمكن إعلانه وما يبقى ضمن المداولات، بما يوازن بين النقاش الآمن وحق الجمهور في المعلومة. لأن الفراغ في ليبيا ليس مجرد فراغ، بل مساحة تُملأ سريعاً بروايات متناقضة غالباً قبل وصول المعلومة الرسمية إلى الجمهور.
وقال محمد الناجم ديرة، مواطن مهتم بالشأن الشبابي والمجتمع المدني، إن بناء الثقة يتطلب نشر تفاصيل البرامج والأجندات وملخصات محاضر الاجتماعات، بما يجعل الحوار المهيكل عملياً ويركّز على المسارات الوطنية الجامعة بدل تكرار النقاط البديهية.
ديرة أضاف في تصريح لـ"عربي بوست" أن غياب الإعلام والتواصل المنتظم يضعف شرعية العملية لدى المواطنين، وقد يزيد تعقيد المشهد وينعكس سلباً على النظرة إلى المساعي الدولية لحل الأزمة وفق تعبيره.
تمثيل المرأة: من العدد إلى الجاهزية ومواقع التأثير
يمثل وجود 43 امرأة من أصل 124 مشاركاً في "الحوار المهيكل" قرابة النسبة التي تكرر البعثة الالتزام بها. غير أن تحويل هذا التمثيل إلى أثر سياسي فعلي يتوقف على مواقع التأثير داخل المسار: رئاسة الجلسات، قيادة الصياغة، حضور الأولويات في المخرجات، والقدرة على تثبيت هذه الأولويات في مسار المتابعة.
في هذا السياق، قالت الأستاذة غالية ساسي، حقوقية، إن التمثيل النسائي داخل الحوار المهيكل جاء ثمرة عمل وضغط نسوي سابق، موضحة أن الهدف كان ضمان حضور نسائي متنوع يشمل المكونات والأحزاب والشابات. واعتبرت أن التمثيل الحالي لا بأس به من حيث التنوع العام، مشيرة إلى حضور مهندسات وسيدات أعمال وشابات ووجوه حزبية، بما في ذلك تمثيل مرتبط بأحزاب قائمة منذ 2012 وأخرى أحدث.
وفي المقابل، سجّلت ساسي ملاحظة تتعلق بالتوازن داخل المكونات، قائلة إن تمثيل النساء الأمازيغيات شمل أمازيغ الجبل دون تمثيل مقابل لنساء أمازيغ طرابلس.
كما شددت على أن نجاح المشاركة لا يكتمل بالعدد وحده، بل يتطلب أن تكون جميع المشاركات مسلحات بمهارات التفاوض والوساطة والحوار، أو أن تُوفَّر لهن ترتيبات دعم وتدريب قبل انطلاق الجلسات، معتبرة أن هذا الجانب يؤثر مباشرة في جودة النقاش وقدرة النساء على تحويل الحضور إلى تأثير.
المقارنة الدولية: 2020 كمرجعية للوضوح
من زاوية دولية، قالت كلوديا غزيني، كبيرة محللي الشأن الليبي في مجموعة الأزمات الدولية، إن حوار 2020 الذي قادته المستشارة السابقة الخاصة للأمين العام المعنية بالشأن الليبي، ستيفاني ويليامز، اتسم بقدر أعلى من الوضوح في التشكيل، سواء من حيث عدد المشاركين أو آلية توزيع المقاعد بين مؤسسات بعينها.
وأضافت أن المسار الحالي يبدو أقل تحديداً من حيث تعريف المؤسسات التي طُلب منها تقديم ترشيحاتها وحدود استكمال البعثة للتمثيل، مشيرة إلى أن الصورة لم تتضح بالكامل للرأي العام حول ماهية هذه المؤسسات، ولا حول ما إذا كانت الأمم المتحدة ستختار أيضاً جزءاً من المشاركين بصورة منفردة كما حدث في السابق. كما أشارت إلى أن الالتباس يمتد إلى الهدف السياسي العملي للحوار وحدوده.
إعادة استحضار 2020 في النقاش العام ليست مقارنة تاريخية فقط، بل معيار توقعات؛ فالجمهور الليبي يطالب اليوم بذات درجة التفصيل، أو أكثر، لأن الثقة تتآكل حين يتراجع مستوى الشرح حتى لو توسعت قوائم المشاركين.
وتأكيد أن مخرجات الحوار المهيكل توصيات غير ملزمة يمنح المسار مرونة سياسية ويقلل احتمالات الصدام المباشر مع المؤسسات. لكنه في المقابل يخلق اختباراً عملياً يتعلق بترجمة التوصيات إلى أثر. فعندما تُنتج منصة سياسية نصوصاً بلا مسار تبنٍّ أو متابعة، تتحول الوثائق إلى مرجعيات محترمة لا تغيّر الواقع.
لذلك تصبح قيمة الحوار مرتبطة بوجود قناة إحالة واضحة للتوصيات إلى المؤسسات المعنية، وتوقيت معلوم للتعامل معها، وآلية متابعة تقيس الاستجابة أو أسباب التعثر. من دون ذلك، يظل احتمال تحوّل المخرجات إلى "رصيد ورقي" مرتفعاً، بينما تتآكل الثقة العامة سريعاً.
الخلاصة: أين يقف الحوار المهيكل؟
الحوار المهيكل يحمل عناصر قوة تتمثل في توسيع قاعدة المشاركة نسبياً، والإعلان عن معايير نزاهة، وإطلاق قنوات موازية لمشاركة الشباب والنساء، والأهم أنه بعد الافتتاح شهد نشر مدونة السلوك وقائمة المشاركين بحسب المحاور وتوضيحات حول الاختيار. هذه التحديثات تمثل محاولة لتحويل المسار من "معلومات داخل القاعة" إلى "معلومات متاحة للجمهور".
في المقابل، تُظهر شهادات بعض المتواصلين مع البعثة، إلى جانب انتقادات من داخل المؤسسة الانتخابية ومقاربات قانونية ودولية، أن الثغرة الأكثر حساسية تقع في إدارة التواصل والوضوح التنظيمي وتطبيق المعايير على الأرض، وفي قدرة العملية على تحويل "الشفافية عند الافتتاح" إلى شفافية دورية ومقاسة، ثم تحويل التوصيات إلى أثر عبر حلقة متابعة واضحة.
في ليبيا، التفاصيل الإجرائية ليست هوامش، بل عنوان الشرعية. وكل خطوة نحو تواصل منتظم، وإخطار واضح، وإحاطات مرحلية، وربط للتوصيات بآليات متابعة عملية، تزيد فرص انتقال الحوار من نقاش داخل القاعة إلى أثر ملموس خارجها، بدل أن يتحول إلى مسار يبدأ بشرعية متعثرة قبل أن يصل إلى مخرجاته.