تستعد القاهرة مطلع ديسمبر لاستقبال وفد صندوق النقد الدولي لإجراء المراجعة الخامسة والسادسة من برنامج الـ8 مليارات دولار. توقعات المسؤولين والمحللين تميل إلى الاعتماد، لكن "الاختبار الحقيقي" يبدأ بعدها: سعر صرف مرن مستدام، وتسريع التخارج الحكومي، وتقليص مخاطر الدين—وهي ملفات لا تزال شائكة.
المشهد الآن
قال مصدر مطلع على سير المفاوضات: "إن فرص إتمام المراجعتين كبيرة للغاية غير أن القاهرة تواجهها تحديات عديدة بشأن الالتزام بباقي المراجعات في مقدمته ملف الديون الذي يأخذ في التزايد وليس هناك تأكد من قدرة القاهرة سداد التزاماتها الخارجية في حال توقف الدعم الدولاري من الصندوق، كما أن مصر لم تحقق طفرة على مستوى جذب الاستثمارات الأجنبية التي بمقتضاها يمكن توفير الدولار والاستغناء عن إدارة الصندوق لملف الاقتصاد."
وأوضح المصدر ذاته: "أن القاهرة اتجهت إلى بيع الأصول وليس جذب الاستثمارات لسد الفجوات التمويلية والحفاظ على سعر صرف مرن للجنيه، بعد أن وصلت فاتورة الدين الخارجي لما يقرب من 162 مليار دولار، وأن صفقات بيع الأراضي مع دول الخليج تمكنها من استقطاب عشرات المليارات من الدولارات على فترات متباعدة خلال الثلاث أعوام القادمة وهو ما يجعلها ليست بحاجة لقرض جديد، لكن ستبقى الأزمة في الالتزام باشتراطات الصندوق بشأن القرض الحالي ومن المتوقع أن يتم تحديد فترة زمنية مرنة لاستكمال مراحله الأخيرة تصل لنهاية العام المقبل أو منتصف عام 2027."
وشدد المصدر: "على أن مصر اتجهت نحو رفع أسعار الوقود للمرة الثانية خلال عام واحد واتخذت بعض الخطوات في ملف التخارج الحكومي وضاعفت من حضور القطاع الخاص في الاقتصاد ووصل الآن إلى ما يقرب من 60% بعد أن كان قبل ثلاث سنوات 30% كما أنها راجعت كثيراً من المشروعات القومية العملاقة التي توقفت عنها بخاصة بناء المدن الجديدة والطرق والكباري، وهي مؤشرات إيجابية تدعم تمرير المرحلتين الخامسة والسادسة، لكن ذلك لا يُرضي الصندوق بشكل كامل إذ يطالب بتسريع وتيرة التخارج ورفع الدعم بشكل شبه كامل، ولديه انتقادات عديدة لمناخ الاستثمارات الحالي في مصر، في حين إن الحكومة المصرية تقدم ردوداً بشأن وجود معوقات لجذب الاستثمارات بينها اضطراب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط."
وبحسب المصدر أيضًا: "فإن الأزمة تتمثل في مرحلة ما بعد المراجعتين الخامسة والسادسة لأن صندوق النقد سيطالب بسعر مرن للجنيه وتخارج أسرع وأكثر شمولاً للحكومة من المشروعات الكبرى وهو أمر قد لا تجد القاهرة نفسها قادرة على تنفيذه، وسيكون الحل عدم اللجوء إلى قرض جديد أو ربما عدم استكمال هذا القرض، ما يجعل هناك حالة من عدم الثقة وسيدفع الصندوق نحو الحصول على مزيد من الضمانات لتنفيذ شروطه بشكل كامل حتى نهاية عام 2026 ومن الممكن أن يقبل بزيادة فترة تنفيذه لنصف عام أو ربما عامل كامل إضافي."
لماذا يهم؟
- تمويل فوري محتمل: في حال اعتماد المراجعتين المؤجلتين، تحصل مصر على 2.4 مليار دولار بعد موافقة المجلس التنفيذي.
- اشتراطات ممتدة: الصندوق يضغط تجاه مرونة صرف مستدامة، وتخارج أعمق من أصول ومشروعات الدولة، وتحسين مناخ الاستثمار، مع الحفاظ على شبكات حماية اجتماعية أكثر استهدافًا.
خط زمني مختصر للبرنامج
- مارس 2024: اعتماد المراجعتين الأولى والثانية معًا—سحب 1.64 مليار دولار، وتعزيز البرنامج بـ5 مليارات إضافية.
- يوليو 2024: إتمام المراجعة الثالثة—سحب 820 مليون دولار.
- مارس 2025: إتمام المراجعة الرابعة—سحب 1.2 مليار دولار.
- أوائل ديسمبر 2025 (مقرر): المراجعتان الخامسة والسادسة—مستحق محتمل 2.4 مليار دولار.
ما تقوله الحكومة والصندوق (وفق نص التقرير)
- رئاسة الوزراء: بعثة الصندوق تزور مصر أول ديسمبر لإجراء المراجعتين الخامسة والسادسة.
- الصندوق (إدارة الاتصال – جولي كوزاك): الأداء تحسّن لكنه ما زال يواجه تحديات: مستويات الدين، والحضور القوي للدولة في الاقتصاد.
- سياسات مُنجزة بحسب الصندوق: خطوات في تحرير دعم الوقود، واتباع سعر صرف مرن، وكبح التضخم—لكن تبقى إصلاحات هيكلية: التخارج، الضرائب، وضبط الدين العام.
ما وراء الاعتماد: أين تكمن العقدة؟
قال مصدر مطلع آخر: "إن إقدام الصندوق على دمج المراجعين الخامسة والسادسة كان مؤشر على بطء تنفيذ مصر التزاماتها بخاصة ما يتعلق برفع الدعم والتخارج الحكومي وتحسين مناخ الاستثمار والاعتماد بشكل مستمر على سعر صرف مرن للجنيه، غير أن القاهرة قدمت وعوداً بإنجاز هذه الملفات لكن على فترات متباعدة وأنجزت رفع الدعم بشكل شبه نهائي عن الوقود وحركت ملف التخارج وبرهن تراجع الجنيه أمام الدولار على أن لديها وضعية مالية جيدة تدعم."
وشدد المصدر: "على أن الصندوق يرى أن القاهرة حققت التزاماً بنسبة 70% من المطلوب منها وبالتالي فإنه لا مجال لتعثر القرض ولكن الاتجاه نحو الضغط لإنجاز ملف التخارج على وجه التحديد بما يساهم في مرونة الاقتصاد ودون أن تضطر الحكومة للتدخل مرة أخرى، كما أن ذلك يساهم في تحقيق أهداف أخرى يضعها الصندوق نصب عينيه بينها تحقيق فائض أولي وخفض الدين العام مع الحفاظ على مستويات احتياطات نقدية أجنبية بالوقت ذاته."
ولفت: "إلى أن برنامج الصندوق يتضمن أيضاً أن يصل الاقتصاد المصري مع نهاية مدة القرض لأن لا يكون بحاجة للاقتراض من الخارج وهو أمر غير واضح حتى الآن، كما أن برنامج الصندوق يركز أيضاً على ضمان استمرار خفض معدلات التضخم التي تزايدت بوتيرة بسيطة خلال هذا الشهر مع رفع أسعار الوقود، وسيكون عليه التأكد من عدم وجود تمييز بين الحكومة والقطاع الخاص حال الدخول في المشروعات وهو أمر يبقى صعب للغاية، وبالتالي فإن مصر ستكون أمام تطور مرحلي في القرض يساعدها الحصول على مليارات تدعم بها الاقتصاد لكن دون أن تكون قد حلت مشكلتها الاقتصادية بشكل كام."
وأوضح: "أن صندوق النقد يطالب القاهرة في المقابل بأن يكون لديها شبكة ضمان اجتماعي لحماية الطبقات الفقيرة وترى بأن ما تقدمه الآن سواء على مستوى مبادرة تكافل وكرامة أو مبادرة حياة كريمة ليس كافياً، ويطالب بأن يكون هناك حضور فاعل للجمعيات الأهلية وأن توجه جزء من الموازنة لتقديم الدعم المادي وليس العيني وهو أمر لم يتم الاستقرار عليه بعد في ظل مخاوف حكومية من ردة فعل داخلية، مشيراً إلى هناك أزمة أخرى يمكن أن تعرقل الاستكمال بقناعة الحكومة المصرية بالتحول من الاقتصاد القائم على هيمنتها على الاقتصاد لصالح اقتصاد حر بشكل تام يكون فيه العنصر البارز هو القطاع الخاص."
التخارج، الدين، والاستثمارات: أين تقف القاهرة؟
- تخارج محدود ثم تباطؤ: خلال 2022–2023 باعت الحكومة حصصًا بقيمة 5.6 مليار دولار، لكن الخطة تأجلت بفعل الحرب الروسية الأوكرانية واضطرابات الإقليم.
- التزامات صندوق النقد: التنفيذ الكامل لقائمة 32 شركة للتخارج، ووقف مزاحمة القطاع الخاص وفق سياسة ملكية الدولة.
- نهج السيولة الدولارية: المصادر تشير إلى اعتماد أكبر على بيع الأصول/الأراضي بدل تدفقات استثمار أجنبي مباشر مُولِّدة للإنتاج والتشغيل—وهو ما لا يفضّله الصندوق على المدى الطويل.
- صفقات ضخمة أخيرًا: رأس الحكمة (35 مليار دولار)، واتفاق الديار القطرية لتطوير سملا/علم الروم (نحو 29.7 مليار دولار)—تعدّها الحكومة محورية لتخفيف أزمة النقد الأجنبي.
- الدين العام (تصريحات حكومية): تراجع من 98% من الناتج في يونيو 2023 إلى 87% في يونيو 2024 ثم 85% في يونيو الماضي؛ مع استراتيجية "السداد أكثر من الاقتراض" وتنويع مصادر الدين.
يتوقع مصدر حكومي: "أن تحصل مصر على 2.4 مليار دولار بعد إتمام المراجعتين الخامسة والسادسة، إلى جانب شريحة من صندوق الصلابة والاستدامة بقيمة 274 مليون دولار، كاشفا عن أن إتمام المراجعتين يعود لالتزام الحكومة بسعر صرف مرن منذ مارس 2024 وكذلك صعود الجنيه أمام الدولار والاستجابة لمطالب رفع الدعم إلى جانب الاستجابة لدعم حضور القطاع الخاص في الناتج الكلي للاقتصاد."
لكن المصدر ذاته أكد: "على أن الشركات الحكومية التي مازالت تتواجد بشكل كبير في مشروعات قومية كبرى ويطالب الصندوق بأن تتخارج منها يبقى أبرز الملفات الخلافية، بخاصة مع تأخير طرحها أمام المستثمرين في البورصة المصرية وبالتالي فإن معدلات نمو القطاع الخاص لا تُرضي الصندوق حتى مع إتمام المراجعتين الخامسة والسادسة، كما أن الصندوق لديه رغبة في أن يكون توفير السيولة الدولارية نتيجة لجذب الاستثمارات المباشرة وليس بيع الأصول بما يؤكد على ثقة المستثمرين في الاقتصاد، وبما يساعد في زيادة الإنتاج وتوليد فرص عمل جديدة."
ما الذي سيتابعه الصندوق "عن كثب" بعد الاعتماد؟
- سعر الصرف المرن: ليس كحدث واحد، بل سلوك مستدام مع انحسار التدخلات المباشرة.
- التخارج الحكومي: توقيتات مُلزمة، وطرح أصول عبر البورصة، وتكافؤ الفرص مع القطاع الخاص.
- الدين/الفائض الأولي: تثبيت مسار فائض أولي وخفض الدين العام مع حماية الاحتياطيات.
- شبكة الأمان الاجتماعي: توسعة الدعم النقدي واستهداف أدقّ، ودور منظمات المجتمع المدني.
- الطاقة/التسعير: تتبّع إصلاحات الطاقة و"إشارات أسعار" منطقية مع رفع تدريجي للدعم.
- الاستثمار والإنتاج: تفضيل الاستثمار الأجنبي المباشر على بيع الأصول، وزيادة الصادرات، وتسريع توطين الصناعة.
وذكر المصدر: "أن وفد الصندوق سوف يحدد أثناء زيارته الخطوط العريضة لمرحلة ما بعد المراجعتين، ومن المتوقع أن يكون هناك اتفاق على حزمة تيسيرات ضريبية للقطاع الخاص مع الاتفاق على إعادة هيكلة قطاع الطاقة بشكل كامل إلى التوقيع على وثيقة تمكين القطاع الخاص مع تسريع وتيرة التخارج الحكومي."
وأضاف: "أن برنامج الصندوق يتضمن أيضاً زيادة حجم الصادرات السلعية… وملف توطين الصناعات… مع زيادة معدلات النمو الذي وصل إلى 4.4% وهي نفس توقعات صندوق النقد تقريباً لهذا العام."
الحاصل
- المرجّح: اعتماد المراجعتين وصرف 2.4 مليار دولار (+ 274 مليون من "الصلابة والاستدامة").
- التحدي: ما بعد الصرف—حيث مرونة الصرف والتخارج العميق والاستثمار المنتج ستكون محددات الثقة.
- الخطر الكامن: الاعتماد على مبيعات أصول متقطّعة لتغطية الفجوات الدولارية قد يخفف الأزمة اللحظية، لكنه لا يغني عن إصلاحات هيكلية تُحسّن جاذبية الاستثمار وتدعم النمو القابل للاستمرار.