في خطوة وُصفت بأنها الأكثر حسماً منذ عقود، عبّر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الجمعة 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025، عن دعمه لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لحل قضية الصحراء الغربية، معتبراً إياها "الحل الأكثر واقعية" للنزاع القائم حول الإقليم، رغم معارضة جبهة "البوليساريو" والجزائر.
القرار الجديد، الذي جاء بمبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية، حظي بتأييد 11 عضواً من أصل 15، من دون أي اعتراض، مع تسجيل امتناع ثلاث دول عن التصويت، وهي: روسيا، والصين، وباكستان، فيما ارتأت الجزائر، في شخص سفيرها في الأمم المتحدة، عدم المشاركة في التصويت.
هذا القرار، الذي مدّد عمل بعثة الأمم المتحدة في الصحراء "المينورسو" إلى غاية 31 أكتوبر/تشرين الأول 2026، لا يكرر الصياغات التقليدية التي دأب عليها المجلس منذ الثمانينيات، بل يتبنى للمرة الأولى موقفاً صريحاً يعتبر الخطة المغربية للحكم الذاتي "الحل الأكثر قابلية للتطبيق" في الإقليم المتنازع عليه.
ومنذ صدور القرار الأممي، توالت ردود أفعال الأطراف المعنية، حيث بادر العاهل المغربي الملك محمد السادس لإلقاء خطاب دقائق بعد القرار، رحب فيه بالقرار كما وجه رسائل مباشرة إلى الجزائر، هذه الأخيرة التي انتقد سفيرها في الأمم المتحدة، فيما جددت "البوليساريو" رفضها للمقترح المغربي.
ما الذي تغير في ملف الصحراء الغربية؟
تخضع الصحراء الغربية، التي كانت مستعمرة إسبانية حتى عام 1975، في معظمها لسيطرة المغرب، غير أن الأمم المتحدة لا تزال تصنفها ضمن "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، ويحتدم النزاع فيها بين الرباط وجبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر، والتي تطالب بتنظيم استفتاء لتقرير مصير تلك الأقاليم.
ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى، وبالضبط عام 2020، دعمه للمبادرة المغربية مقابل تطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب، حصد المغرب اعترافات متتالية من دول مؤثرة في الملف مثل: إسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، ما عزز موقعه الدولي في هذا الملف.
قبل القرار الجديد، كان مجلس الأمن يحث المغرب و"البوليساريو" والجزائر وموريتانيا على استئناف المفاوضات المتوقفة منذ عام 2019، للتوصل إلى "حل سياسي واقعي، دائم، ومقبول من الأطراف كافة"، إلا أن كل المساعي باءت بالفشل في ظل تشبث كل طرف بمواقفه ونظرته للحل المناسب للأزمة.
غير أن مشروع القرار، الذي قادته الولايات المتحدة، صاحبة اليد الطولى في هذا الملف داخل المجلس، اتخذ هذه المرة موقفاً واضحاً لصالح الخطة المغربية التي قُدمت عام 2007، والقاضية بمنح الإقليم حكماً ذاتياً تحت سيادة الرباط، على اعتبار أنه الأنسب لحل هذا النزاع المستمر منذ 50 عاماً.
يتضمن القرار ثلاث نقاط أساسية تُبيّن حجم التحول في الموقف الأممي، أولها: الاعتراف بالخطة المغربية كأساس للتفاوض، إذ يصفها النص بأنها "حل واقعي ومستدام"، وهو ما يُعد خطوة تتجاوز الحياد التقليدي للمجلس.
إلى جانب ذلك، كلّف المجلس الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومبعوثه الشخصي إلى المنطقة ستافان دي ميستورا، بإطلاق مفاوضات "على أساس هذه الخطة"، في إشارة واضحة إلى أن المؤسسة الأممية لم تعد ترى في مشروع الاستفتاء خياراً واقعياً.
من جهة أخرى، صوّت المجلس على تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية (المينورسو) لعام إضافي، مع مطالبة الأمين العام بتقديم "تقييم استراتيجي" لعملها خلال ستة أشهر، ما يُنذر بإعادة تحديد دورها لتواكب المسار الجديد للحل.
هذا التغيير في اللغة يعكس ما اعتبره دبلوماسيون في نيويورك "تحولاً هادئاً من منطق تقرير المصير في الصحراء الغربية إلى منطق الحكم الذاتي"، أي الانتقال من إطار تصفية الاستعمار الكلاسيكي إلى إطار تسوية سياسية داخل سيادة قائمة.
الرباط ترحب بـ"تحول تاريخي"
في الرباط، استُقبل القرار بوصفه "تحولاً تاريخياً" يؤسس لمرحلة جديدة من "ترسيخ مغربية الصحراء". إذ تحدث الملك محمد السادس في خطاب استثنائي بالمناسبة عن "مرحلة جديدة تؤكد مغربية الصحراء وتفتح الطريق نحو تسوية نهائية للنزاع المفتعل، على أساس مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية".
في المقابل، عبّرت الجزائر، التي قاطعت جلسة التصويت، عن رفضها القاطع للنص، معتبرةً أنه لا يعكس مبادئ الأمم المتحدة في تصفية الاستعمار، ولا يوفر الظروف الملائمة لإنجاح المسار الدبلوماسي، وهو الموقف الذي ظلت تعبّر عنه الجزائر منذ أن طرح المغرب مقترح الحكم الذاتي لأول مرة عام 2007.
إذ صرح السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، بأن النص "لا يعكس بدقة، ولا بشكل كاف، العقيدة الأممية فيما يتعلق بتصفية الاستعمار"، مضيفاً أن القرار "لا يخلق بعدُ الدينامية ولا الظروف الضرورية" لنجاح الجهود الدبلوماسية الأمريكية.
من جانبها، أكدت جبهة "البوليساريو" "تمسك الشعب الصحراوي القوي بحقه غير القابل للمساومة في تقرير المصير والاستقلال"، وفق بيان أصدرته الجبهة المدعومة من الجزائر في ساعة متأخرة ليلة الجمعة على موقعها الإلكتروني عقب تبني مجلس الأمن القرار 2797 لعام 2025.
وحسب البيان، فإن "البوليساريو" لن تكون طرفاً في أي عملية سياسية أو مفاوضات تقوم على أي مقترحات "تهدف إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال العسكري المغربي غير الشرعي للصحراء الغربية، وحرمان الشعب الصحراوي من حقه غير القابل للتصرف، وغير القابل للمساومة أو التقادم، في تقرير المصير والسيادة على وطنه".
عقب الإعلان، وصف السفير الأمريكي مايك وولتز التصويت بـ"التاريخي"، وقال إنه يشكل "زخماً نحو السلام"، مؤكداً تصميم الرئيس دونالد ترامب على المضي قدماً في هذا الملف. وقال: "نعتقد أن السلام الإقليمي ممكن خلال هذا العام"، داعياً جميع الأطراف إلى "استثمار الأسابيع المقبلة" في مفاوضات جدية.
بينما قال السفير الفرنسي في الأمم المتحدة، جيروم بونافون، إن "الزخم السياسي قائم، وأن الوقت حان لإحراز تقدم"، مرحباً بـ"النهج الجديد" الذي اعتمده المجلس لإحياء جهود السلام. مع العلم أن باريس كانت خلال السنوات الأخيرة من الداعمين لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب.
رسائل ملك المغرب للرئيس الجزائري
خلال خطابه المفاجئ، دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس الرئيس عبد المجيد تبون إلى "فتح حوار أخوي وصادق لتجاوز الخلافات القائمة بين البلدين، والعمل على بناء علاقات جديدة قائمة على الثقة المتبادلة، والأخوة، وحسن الجوار". وهو ما اعتبره محللون رسائل مباشرة من المغرب إلى الجزائر ودعوة صريحة لطيّ صفحة الخلافات.
فريد حسني، المحامي ونائب عمدة مدينة بانيو ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، قال في تصريح لـ"العربي بوست" إن الجزائر "تجد نفسها اليوم في موقف جيوسياسي صعب يفرض عليها إعادة النظر في نهجها تجاه قضية الصحراء الغربية".
كما أضاف حسني أن الوضع الحالي "لا يعطّل فقط فرص التعاون الإقليمي، بل يعرقل أيضاً أي إقلاع اقتصادي حقيقي في المنطقة"، مؤكداً أن "الوقت حان لأن تتفاعل الجزائر بإيجابية، وأن تجعل من الانخراط في المسار التنموي المشترك بداية جديدة لتجاوز الجمود السياسي".
من جهته، استبعد محمد تورشين، الخبير السوداني في الشؤون الإفريقية، أن تستجيب الجزائر لدعوة العاهل المغربي "بالنظر إلى مواقفها المعروفة". وأوضح أن "الجزائر ما تزال متمسكة برؤيتها المنسجمة مع موقف جبهة البوليساريو، التي تدعو إلى إجراء استفتاء يخيّر السكان الصحراويين بين ثلاثة خيارات: البقاء تحت السيادة المغربية، أو القبول بمقترح الحكم الذاتي، أو إقامة دولة مستقلة. لذلك، من المرجّح أن تتجاهل الجزائر هذه الدعوة المغربية".
آثار قانونية وأبعاد استراتيجية للقرار
رغم أن القرار لا يحمل في طيّاته إعلاناً قانونياً نهائياً، فإنه يرسّخ واقعاً سياسياً جديداً على الأرض. فمن الآن فصاعداً، سيطالب مجلس الأمن الأطراف بإجراء مفاوضات "تُبنى على أساس الحكم الذاتي". بعبارة أخرى، فالمجلس حدد موضوع النقاش مسبقاً، ويتمثل في كيفية تفعيل الحكم، وليس مناقشة مبدأ وجوده من الأصل.
هذا التغيير الدلالي يحمل، وفقاً لمراقبين، أبعاداً استراتيجية كبرى، إذ يرون أن المجلس حسم، ضمنياً، مرجعية الحل، ما يضع المبعوث الأممي أمام مهمة واضحة تتمثل في صياغة تصور عملي لمؤسسات الحكم الذاتي، وتوزيع الصلاحيات، وضمانات المشاركة السياسية، مع إمكانية إشراف دولي محدود لضمان التطبيق.
في هذا الإطار، يرى فريد حسني أن القرار الأممي الأخير لا يُلغي القرارات السابقة، لكنه "يضعها في الزاوية ويمنح زخماً جديداً للرؤية المغربية"، موضحاً أنه "يدعو صراحة إلى مناقشة النزاع من زاوية الحكم الذاتي، وهو ما يشكل تحوّلاً قانونياً واضحاً في مسار الملف".
في المقابل، قال الصحفي الجزائري زكي بوعليلات إن "الجزائر تعتبر أن قرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن انحياز واضح للمغرب وإقصاء تام للبوليساريو"، مضيفاً في تصريح لـ"عربي بوست" أن "الجزائر باتت تنظر اليوم لهذا الملف من زاوية الأمن القومي، وما قد يترتب عليه من مآلات أمنية خطيرة في المنطقة".
بوعليلات قال: "من هذا المنطلق، ووفق معطيات سابقة، أعتقد أن القرار لا يمهّد لعودة محتملة في تطبيع العلاقات بين الجزائر والمغرب لسببين:
- الأول: لكون القطيعة بين البلدين لا تعود لملف الصحراء الغربية، بل لأسباب أخرى كان قد ذكرها وزير خارجية الجزائر السابق رمطان لعمامرة.
- الثاني يتعلق أساساً بكون الجزائر لا تعترف أساساً بهذا المقترح كحل واقعي وسياسي على أرض الواقع".
وبذلك، يضيف الصحفي الجزائري، فإن موضوع العلاقات وتطبيعها يتجاوز ملف الصحراء الغربية، فهو مرتبط بنقاط أخرى. ثم إن الجزائر تبقى متفتحة أمام مفاوضات جادة لإيجاد حلول سلمية في الصحراء الغربية.
مفاوضات موجهة وتقييم استراتيجي
عقب القرار الجديد، يُرتقب أن تشهد المرحلة المقبلة جولة جديدة من المحادثات بين الأطراف المعنية، غالباً في جنيف أو نيويورك، يقودها المبعوث الأممي للصحراء ستيفان دي ميستورا استناداً إلى المستجد الحاصل، وذلك بعد إقناع أطراف النزاع الأخرى، الجزائر و"البوليساريو"، بالانخراط في المحادثات.
وقبل ذلك، سيقوم المغرب، وفق ما كشفته مصادر دبلوماسية، بتقديم مشروعه للحكم الذاتي إلى الأمم المتحدة، وستقوم وزارة الخارجية المغربية بتقديم تفصيل لمشروع الحكم الذاتي الذي ستقترحه على جبهة "البوليساريو" قبل بدء أية مباحثات بين الأطراف المعنية بالنزاع.
بالتوازي، سيُنجز الأمين العام خلال ستة أشهر "تقييماً استراتيجياً" لبعثة "المينورسو"، وهو إجراء نادر الحدوث، يُفهم منه أن الأمم المتحدة تستعد لإعادة تحديد دور البعثة، من بعثة لتثبيت وقف إطلاق النار إلى بعثة مرافقة لمسار سياسي قيد التبلور.
وراء هذا التحول، يرى خبراء أن قراءة دولية جديدة تتبلور لمنطقة شمال إفريقيا والساحل. فالقوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة، باتت ترى أن استمرار النزاع لم يعد مسألة "تصفية استعمار"، بل تهديداً لاستقرار إقليمي هشّ في مواجهة الإرهاب والهجرة غير النظامية.
ومن هنا، يفسرون تنامي دعم الحكم الذاتي المغربي بوصفه "خياراً براغماتياً يضمن الأمن والتنمية الإقليمية أكثر من كونه اصطفافاً سياسياً". رغم ذلك، تؤكد جبهة "البوليساريو" أنها "مصمّمة على مواصلة كفاحها التحرّري ومقاومتها بكل الوسائل المشروعة".