تطبيق “نموذج غزة” في لبنان.. رئيس المخابرات المصرية ينقل رسائل إسرائيلية إلى بيروت، وهذه تفاصيلها

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/28 الساعة 17:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/28 الساعة 17:18 بتوقيت غرينتش
اجتماع سابق للحكومة اللبنانية/ رويترز

تشهد العاصمة اللبنانية بيروت خلال الأيام الأخيرة حراكاً دبلوماسياً يعكس حجم القلق من أن تتسبب التوترات في الانزلاق نحو حرب أخرى شاملة بين لبنان وإسرائيل، إذ استقبلت بيروت وفوداً أمريكية وفرنسية ومن دول عربية مثل مصر والسعودية في محاولة لتجنب التصعيد، خاصةً في الجنوب اللبناني الذي يشهد توترات شبه متواصلة.

واستقبل لبنان كلاً من مدير المخابرات المصرية حسن رشاد، والمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي وصلت لحضور اجتماع اللجنة المعنية بمراقبة وقف إطلاق النار، إضافة إلى المبعوث السعودي الخاص بلبنان الأمير يزيد بن فرحان، على أن يصل في الساعات المقبلة السفير الأميركي والمبعوث الخاص توماس باراك، ورئيس المخابرات الفرنسية نيكولا ليرنر.

وفق مصادر حكومية لبنانية، فإن التحرك الأبرز جاء هذه المرة من القاهرة، مع وصول رئيس المخابرات العامة اللواء حسن رشاد إلى بيروت قادماً من زيارة أجراها تل أبيب، بعد لقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين في مجلس الأمن القومي والموساد الإسرائيلي. فما الذي حمله المسؤول المصري للبنانيين؟

"رسائل تحذير" إسرائيلية إلى لبنان

تقول مصادر حكومية لبنانية لـ"عربي بوست"، التي فضلت عدم ذكر اسمها، إن رشاد يحمل إلى المسؤولين اللبنانيين خلاصة مفاوضاته مع الجانب الإسرائيلي، متضمنة رسائل تحذير مباشرة من أن إسرائيل "أنهت استعداداتها لعملية عسكرية برية محتملة" إذا لم يتحقق تقدم ملموس في مسار حصر السلاح.

الموفد المصري أكد للمسؤولين اللبنانيين أن المناورات الإسرائيلية الأخيرة، التي استمرت أسبوعين وشاركت فيها وحدات من الدبابات والمدفعية والبحرية، بلغت كلفتها نحو 150 مليون دولار، وجرت في إطار التحضير الميداني لسيناريو اجتياح بري محدود في مناطق الجنوب اللبناني، تشمل أياماً قتالية مكثفة بهدف إنهاء القوة العسكرية لحزب الله.

وبحسب ما نقلته المصادر لـ"عربي بوست"، فإن الموفد المصري تحدث بصراحة خلال لقائه الرئيس جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث أكد أن الدول المعنية بالملف اللبناني، وخصوصاً أعضاء اللجنة الخماسية المعنية بمراقبة وقف الأعمال القتالية (الولايات المتحدة، فرنسا، الأمم المتحدة، إسرائيل، ولبنان)، تنتظر من بيروت إرسال ممثل مدني رسمي، مستشار رئاسي أو دبلوماسي، للمشاركة في اجتماع اللجنة المقبل الذي سيُعقد لمتابعة مسار المفاوضات ومراقبة التطورات الميدانية.

كما أوضح المصدر الحكومي اللبناني في حديثه لـ"عربي بوست" أن مشاركة بيروت بهذا المستوى "ستُعتبر إشارة إيجابية إلى استعداد الدولة للانخراط في الجهود الدبلوماسية الجارية"، خصوصاً أن الاجتماع المرتقب سيبحث آليات تثبيت وقف النار في الجنوب وتقييم التزامات الأطراف.

اللواء رشاد شدد أيضاً خلال لقائه المسؤولين اللبنانيين في بيروت على أن القاهرة لا تنقل إنذارات، لكنها "تبلغ الواقع كما هو"، وأن التحركات الإسرائيلية العسكرية والسياسية دخلت مرحلة حساسة. وقد دعا الدولة اللبنانية إلى "الاستفادة من الوقت المتاح لإثبات قدرتها على إدارة الوضع الداخلي ومنع الانفجار".

الرئيس اللبناني مع رئيس المخابرات المصرية
الرئيس اللبناني مع رئيس المخابرات المصرية

تعميم "نموذج غزة" في لبنان

توضح المصادر الحكومية اللبنانية لـ"عربي بوست" أن الفكرة التي تستند إليها بعض المقترحات المصرية بشأن الأزمة بين لبنان وإسرائيل، تنطلق من "تعميم نموذج غزة"، انطلاقاً من التجربة التي جرى تطبيقها مع حركة حماس بعد الحرب الأخيرة.

فالحركة، التي كانت مصنفة لسنوات طويلة كـ"منظمة إرهابية" وخضعت لحرب شاملة بإشراف دولي لإنهاء نفوذها، عادت لتصبح طرفاً مباشراً في المفاوضات التي يجريها الوسطاء مع ممثلي الإدارة الأميركية، وتحديداً مع ويتكوف وكوشنر، مبديةً إمكانية رعاية القاهرة للقاءات أميركية مع حزب الله.

وبحسب المصادر، فإن الآلية التي يجري اعتمادها حالياً في غزة، والتي تقوم على إشراك حماس في اللجنة المدنية السياسية التي يجري العمل على تشكيلها لإدارة القطاع مع باقي الفصائل، تحت إشراف عربي ودولي، هو الطرح ذاته فيما يتعلق بحزب الله في لبنان، على قاعدة الواقعية السياسية التي تقول إن أي حل نهائي لا يمكن أن يقوم على إلغاء الحزب وعزله، ما سيظهر أن المستهدف هو "المكون الشيعي".

لذا، فالطرح الذي قدمه رشاد، يوضح مصدر "عربي بوست"، هو إدماج حزب الله في المعادلة الرسمية من خلال اتفاقات أمنية وسياسية داخلية بإشراف دولي، لتحويل الحزب فقط إلى مكون سياسي فاعل داخل الدولة اللبنانية، من دون جناح عسكري، وبآلية تضمن الحفاظ على الاستقرار الداخلي وتوازن القوى القائم.

لماذا تتحرك القاهرة في الملف اللبناني؟

في إطار متصل، تؤكد مصادر دبلوماسية عربية مطلعة لـ"عربي بوست" أن القاهرة تتحرك ضمن سياق أوسع من التنسيق الدولي، محاولةً الاستفادة من المناخ الذي أعقب وقف الحرب في غزة لإعادة تثبيت حضورها الإقليمي. ويؤكد المصدر أن مصر، عبر مدير مخابراتها حسن رشاد، تسعى لتعويض غياب أطراف عربية عن المشهد اللبناني، وإعادة وصل الخطوط المقطوعة بين إسرائيل ولبنان عبر قنوات أمنية ودبلوماسية موثوقة، وخاصةً في ظل تطور العلاقة الإيرانية – المصرية مؤخراً.

ووفق المعلومات، فإن رشاد استمع إلى ملاحظات لبنانية واضحة بشأن عجز الدولة عن اتخاذ خطوات سريعة في ملف السلاح، في ظل الانقسام الداخلي الحاد، والخشية من أي مواجهة داخلية قد تنتج عن ضغوط خارجية متزايدة. وتشير المصادر إلى أن الجانب المصري أبدى تفهماً لهذه المخاوف، مؤكداً أن بلاده تدعم أي صيغة تهدئة متدرّجة، تُبقي القرار بيد الدولة اللبنانية وتمنع الانزلاق إلى صدام داخلي.

ويشير المصدر إلى أن رشاد أبلغ المسؤولين اللبنانيين أن زيارته هي جزء من حركة دبلوماسية متناسقة ومنسقة مع السعودية وقطر والولايات المتحدة، وهدفها الأساس تجنّب الحرب، موضحاً أن القاهرة أبلغت اللبنانيين بأن "المرحلة المقبلة ستشهد اجتماعات متتالية لمجموعة الخماسية، وأن على لبنان أن يكون ممثلاً فيها بشكل مباشر كي لا يبقى موضوعه مطروحاً من دون حضور رسمي".

الموفدة الأمريكية واللهجة الحازمة

في السياق نفسه، تابعت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس جولتها في بيروت بلقاءات سياسية وإنسانية. ووفق معلومات مؤكدة لـ"عربي بوست"، فقد عقدت اجتماعاً خاصاً مع وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد، تناولت خلاله التحضيرات الاجتماعية والإغاثية التي يجري إعدادها تحسباً لاحتمال اندلاع مواجهة عسكرية.

وأبلغت أورتاغوس الوزيرة أن الولايات المتحدة والمنظمات الدولية تتابع "خطة الطوارئ اللبنانية"، وأن منظمة الغذاء العالمية (WFP) أبقت لبنان ضمن برامجها الأساسية حتى نهاية عام 2026، بما يشمل المساعدات الغذائية والطوارئ السكانية في حال حصول نزوح داخلي أو تصعيد عسكري.

وبحسب المصادر، فإن الموفدة الأميركية شددت خلال لقاءاتها مع المسؤولين اللبنانيين على ضرورة تسريع الإجراءات اللوجستية والاجتماعية لمواجهة أي سيناريو محتمل، مؤكدة أن "التصعيد في الجنوب لا يزال وارداً، وأن واشنطن تراقب التطورات بدقة وتسعى لاحتوائها عبر التنسيق مع القاهرة وباريس".

كما حملت أورتاغوس للبنان رسائل حاسمة فيما يتعلق بمسار نزع سلاح حزب الله، فقد أبلغت الرئيس عون موقفاً إسرائيلياً متشدداً يعتبر أن المسار الحالي الذي تعتمده الدولة في ملف حصر السلاح غير مطابق للتفاهمات التي التزمت بها الدولة اللبنانية للمجتمع الدولي، وأن استمرار الوضع الراهن سيدفع حكومة نتنياهو إلى توسيع نطاق عملياتها العسكرية في المرحلة المقبلة.

وتضيف المصادر أن الموفدة الأميركية شددت لرئيس مجلس النواب نبيه بري، بكونه المفاوض عن حزب الله، أن الجانب الإسرائيلي، وخلال لقاءاتها معه في الساعات الماضية، وضعها في إحاطة ميدانية تشير إلى أن حزب الله لا يزال يسعى لترميم بنيته العسكرية والحربية، وأنه يُحضّر لهجمات على مستوطنات إسرائيلية في الشمال، وتحديداً المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة للحدود.

كما أن المسؤولين الإسرائيليين حرصوا على تقديم هذه المعلومات ضمن سردية تهدف إلى تبرير أي تصعيد محتمل مستقبلاً، مع الإيحاء بأنّ إسرائيل باتت "مضطرة للتحرك" في حال لم تلمس تغييراً جذرياً في المشهد اللبناني، وفق ما ذكرته مصادر "عربي بوست".

وأكدت أن أورتاغوس أوصلت رسائل من الجانب الإسرائيلي للبنان، تتضمن شروطاً محددة تتعلق بضرورة وضع جدول زمني لحصر السلاح ومنع "حزب الله" من تطوير قدراته، محددين مهلة زمنية قصيرة أقصاها 31 ديسمبر/كانون الأول 2025، قبل أن تتحرك إسرائيل من تلقاء نفسها. وأكدت أن الجيش الإسرائيلي رفع جاهزيته الميدانية وعزّز وحداته في المناطق الشمالية تحسباً لأي دخول بري.

في المقابل، تؤكد المصادر الحكومية اللبنانية أن رئيس الجمهورية جوزيف عون يجري مشاورات مع رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، وقائد الجيش، وسيدعو إلى اجتماعات مكثفة مع قادة القوى السياسية لصياغة مقاربة موحدة تجاه المطالب الدولية.

ويؤكد المصدر أن رئيس الجمهورية جوزيف عون يقوم بجهود مكثفة مع القيادة السياسية في حزب الله لإقناعهم بخفض سقف خطاباته حول الجهوزية العسكرية، والقبول بخطة تدريجية تنقل مسار السلاح إلى يد الدولة، من دون ضرب التوازن الداخلي أو جر البلاد إلى صدام داخلي جديد.

قصف مستمر للاحتلال على لبنان رغم اتفاق وقف إطلاق النار/ رويترز
قصف مستمر للاحتلال على لبنان رغم اتفاق وقف إطلاق النار/ رويترز

ماذا عن موقف إسرائيل وحزب الله؟

فيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، تشير تقارير دبلوماسية وصلت إلى بيروت إلى أن إسرائيل رفعت منسوب الجهوزية العسكرية على الجبهة الشمالية، فيما تستمر الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حول توقيت وأسلوب التعامل مع الملف اللبناني، بين من يدعو إلى "ضربة خاطفة واسعة"، ومن يفضّل "الاستمرار بالضغط الجوي والاستخباري لتفكيك البنى العسكرية للحزب تدريجياً".

في المقابل، لم يصدر عن حزب الله أي تعليق على الزيارة المصرية، بينما تشير أوساط قريبة من الحزب إلى أن أي نقاش في ملف السلاح يجب أن يتم في إطار الاستراتيجية الدفاعية الوطنية، لا عبر الضغوط الدولية. وأن الحزب يدرك أهمية الحركة الدبلوماسية القائمة، لكنه يتعامل معها على أساس أنها إدارة أزمة، لا مشروع حلّ نهائي.

من هنا، يظهر أن الرسائل التي نقلها الموفد المصري، والأميركية أورتاغوس، والمنتظرة أيضاً من الموفد السعودي، تدل على أن المنطقة دخلت مرحلة دقيقة، تجمع بين تصعيد الاستعدادات العسكرية ومحاولات تثبيت المسار السياسي في آن واحد، وأن لبنان أمام سباق مزدوج بين ضغط الوقت الذي تفرضه التهديدات الإسرائيلية المتسارعة، ومسار دبلوماسي يزداد زخماً بمشاركة مصرية وعربية ودولية.

وبين الاحتمالين، تحاول الدولة اللبنانية أن تثبت حضورها في الاجتماعات الدولية المقبلة، لتبقى جزءاً من القرار، لا موضوعاً له.

تحميل المزيد