- شواهد متزايدة على قدرة واشنطن على "تكبيل تل أبيب"
- الخضوع لرغبات ترامب "على حساب" مصالح إسرائيل
- التمييز بين الضغط الدبلوماسي والدعم الأمريكي العسكري
- الانتقال من حليفين موثوقين إلى "الراعي والتابع"
- دعم سياسي وعسكري يستلزم رضوخاً إسرائيلياً
- خضوع نتنياهو عزّز الشعور بالحياة تحت "رحمة" الأمريكيين
- العسكر الإسرائيليون يشكون الانتقاص من صلاحياتهم
في الوقت الذي دوّت فيه تصفيقات نواب الكنيست الإسرائيلي ترحيباً بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما زار إسرائيل قبيل التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، كان بعض السياسيين في إسرائيل يحذّرون من التدخلات "الفجّة" في شؤون إسرائيل الداخلية وإجبارها على اتخاذ قرارات تهم السياسة الخارجية.
تقارير إسرائيلية كشفت أن قطاعات واسعة من السياسيين الإسرائيليين، من المعارضة والائتلاف على حد سواء، لا يُخفون خيبة أملهم من السلوك غير التقليدي الذي ينتهجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، إلى درجة أن البعض حذّر من أن تتحول إسرائيل إلى "الولاية الأمريكية الـ51".
إذ لم يجرؤ رئيس أمريكي سابق على القيام بما يقوم به دونالد ترامب تجاه إسرائيل، ما زاد من الانتقادات الموجّهة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لأنه المتسبب في انحدار الدولة إلى هذا المستوى من فقدانها ما يصفونها بـ"السيادة"، وتحولها إلى "محمية" أمريكية، خاضعة لوصايتها.
شواهد متزايدة على قدرة واشنطن على "تكبيل تل أبيب"
يزعم سياسيون إسرائيليون وفق ما رصده موقع "عربي بوست" في تقارير إسرائيلية نقلت عن سياسيين ومحللين ما وصفته بـ"المسلكيات اللافتة" في التعامل الأمريكي الجديد مع إسرائيل، ومنها على سبيل المثال:
- إجبار ترامب لنتنياهو على القبول باتفاق وقف إطلاق النار مع حماس في غزة، والقبول المبدئي بتواجدها الميداني في القطاع، بعكس الهدف الإسرائيلي المعلن من الحرب بالقضاء عليها، وإزاحتها من المشهد السياسي.
- اضطرار نتنياهو للاستجابة لطلب ترامب بالاعتذار من قطر عقب محاولة الاغتيال الفاشلة لقيادة حماس على أراضيها، وتعمّد الأخير أن يظهر هذا الاعتذار موثّقاً بالصورة، ما أحرج إسرائيل كدولة تزعم أنها "ذات سيادة".
- أمر ترامب لنتنياهو بإعادة الطائرات التي كانت في أجواء طهران وهي تستعد لإلقاء قنابلها على مواقع جديدة فيها، بعد انتهاء الحرب بينهما.
- طلب ترامب من الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ العفو عن نتنياهو من قضايا الفساد التي تلاحقه، ما اعتُبر تدخلاً فظّاً في شؤون السلطة القضائية التي يُفترض أن تكون "مستقلة".
- إعلان ترامب أنه سيدرس إطلاق سراح القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي من السجون الإسرائيلية، رغم رفض حكومة نتنياهو إدراج اسمه ضمن قائمة الأسرى المُفرج عنهم في صفقة التبادل مع حماس.
- رفض نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، خلال زيارته لإسرائيل، تصويت الكنيست على مشروع قانون بالقراءة التمهيدية لضمّ الضفة الغربية، وإعلانه أن ذلك لن يتم، واضطرار نتنياهو للاعتذار منه، والتوضيح أن هذا التصويت ذو طبيعة رمزية ليس أكثر، وهو الذي كان يروّج لإعلان الضم صباح مساء.
- تجاوز المبعوثين الأمريكيين لنتنياهو ومركزيته السياسية والإدارية في الجلوس مع قادته العسكريين، خاصة آيال زامير رئيس الأركان، والتباحث معهم حول تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والاستماع لشكاواهم من تدخلات الحكومة الهادفة لإفشال الاتفاق.
- عقب مقتل جنود إسرائيليين في رفح بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار، أمر نتنياهو بوقف دخول المساعدات إلى غزة، لكنه تراجع عن قراره في غضون ساعة تحت ضغط أمريكي.
كانت هذه عينة فقط من السياسات الأمريكية "الترامبية" تجاه إسرائيل التي تسببت بردود فعل غاضبة داخل المشهد السياسي الإسرائيلي، والتي أجمعت على أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بات خاضعاً لإملاءات دونالد ترامب.
الخضوع لرغبات ترامب "على حساب" مصالح إسرائيل
زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، قال إن ترامب أكد في خطابه أمام الكنيست مؤخراً أن "نتنياهو أراد مواصلة الحرب في غزة، لكني قلتُ له توقّف، فاضطر للتوقّف"، وبذلك تحولت إسرائيل إلى "محمية"، لأن الرئيس الأمريكي أعلن أمام جميع أعضاء الكنيست، وفي خطاب سمعه كل العالم قائلاً: "لقد ثنيتُ نتنياهو، وأجبرته، وأجبرته".
مع العلم أنه لم ينسَ أحد بعد حجم الترحيب اليميني الإسرائيلي بفوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية قبل أقل من عام، حتى إن نتنياهو شخصياً اعتبره "المسيح المخلّص" الذي سيلبّي رغباته السياسية، ويوقّع له على شيكات مفتوحة للمضي قدماً في سياساته الداخلية والخارجية، بعكس ما كانت العلاقة مع إدارة جو بايدن التي لم تكن في أحسن أحوالها، رغم ما قدّمته من دعم وإسناد كبيرين خلال حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل على غزة.
الأسابيع والشهور الأخيرة تحديداً شهدت جملة من الإجراءات الأمريكية غير المسبوقة في ممارسة ضغوط على إسرائيل، لم تأخذ شكلها الدبلوماسي المتعارف عليه، ما أحرج الأخيرة كثيراً، سواء بين جمهورها الداخلي والرأي العام لديها، أو أمام العالم أجمع، الذي يشاهد دولة تمتلك جيشاً قد يكون الأقوى في المنطقة، وإمكانات اقتصادية كبيرة، وقدرات استخبارية فائقة، لكنها تبدو خاضعة أمام مبعوث سياسي لترامب.
إذ إن مبعوث ترامب يتدخل في أدق تفاصيل إسرائيل الداخلية، ويجبر رئيس حكومتها على ما قد لا يقبله أي زعيم آخر، رغم إعلان نتنياهو أن "إسرائيل تحافظ على سيادتها الأمنية، وليست محمية من أي دولة، ولا حتى الولايات المتحدة، التي نشكرها على دعمها، لكن إسرائيل وحدها من يحدّد مسارها الأمني"، وفقاً لما ذكره موقع القناة السابعة التابع للمستوطنين.
يهودا شاروني، الكاتب في موقع "ويللا"، أكد أن نتنياهو "باع" إسرائيل لدونالد ترامب، وهكذا أصبحنا محمية أمريكية، من خلال استعداد الحكومة للاستسلام أمام الأمريكيين، وتحت ستار كثير من الشعارات قدّمت سلسلة من التنازلات التي تُفرغ مفهوم الاستقلال من محتواه، لأن الضغط الأمريكي يُلقي بظلاله.
وزعم شاروني أن نتنياهو خضع بصورة غير متوقعة أمام صاحب "الشعر الأحمر"، الذي لا يتردّد في "إذلاله"، وهكذا ضاعت الخطوط الحمراء التي ما فتئ يكرّرها، ويزعم أنه لا يجب تجاوزها، حتى عندما يتعلّق الأمر بأصدقائنا الأمريكيين، لكنها تبخّرت أمام ترامب ومبعوثيه.
من جهته، توقّف إيتمار آيخنر، محرر الشؤون السياسية بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، عند ما أسماها "قاطرة" المبعوثين الأمريكيين القادمين إلى إسرائيل على مدار الساعة، وهم مبعوثا ترامب المباشران ستيف ويتكوف وجيراد كوشنر، نائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، وقبلهم جميعاً حين أتى ترامب في زيارة تاريخية، وكلهم أتوا لهدف واحد وحيد، وهو مراقبة أداء حكومة نتنياهو عن كثب لتطبيق اتفاق وقف الحرب مع حماس في غزة.
وصحيح أن نتنياهو يدّعي أننا لسنا "دولة محمية"، لكن الواقع يقول إن نفوذنا يتقلّص، حيث يصل التدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية إلى مستوى جديد، وكأن وجود كبار المسؤولين الأمريكيين، وإنشاء مقر دولي على حدود غزة، وفي مواجهة حكومة يمينية متطرفة، يعني أنهم يضعون قواعد واضحة في غزة، خلاصتها أنهم لن يدَعوا الاتفاق ينهار، الأمر الذي دفع غادي آيزنكوت، قائد الجيش الأسبق، للقول إن "إدارة اتفاق وقف إطلاق النار من جهة خارجية، يعدّ أمراً إشكالياً".
التمييز بين الضغط الدبلوماسي والدعم الأمريكي العسكري
هذه الشواهد تجعل من الصعب أن ننفي فرضية باتت سائدة في إسرائيل مفادها أنها أصبحت دولة محمية أمريكية، أو ربما الولاية الحادية والخمسين، رغم نفي نتنياهو لذلك.
لكن الواقع يقول إن السياسة الأمريكية الجديدة تجاه إسرائيل تشبه "مراقبة أطفال أو بيبي سيتر"، ولعله دقيقاً استلهام صورة من عالم كرة السلة حين تحوّل الأمريكيون إلى حراسة شخصية مشددة، ولن يسمحوا لنتنياهو بخرق وقف إطلاق النار.
لهذا السبب قرروا الحفاظ على وجود ثابت لكبار المسؤولين هنا، ولا يغادروا إسرائيل لحظة واحدة، وهو ما أكده دانيئيل أديلسون مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الذي أكد أن التدخل الأمريكي فيما يحدث في المنطقة يُحطّم كل الأرقام القياسية، وسط إقرار إسرائيلي بمحدودية قدرتها على إيقاف القاطرة الأمريكية.
وشكّلت زيارة فانس للمقر الرئيسي للقوات الأمريكية على حدود غزة، في مستوطنة "كريات غات"، رسالة لنتنياهو لتذكيره بهوية القائد الحقيقي داخل إسرائيل ذاتها، حين عقد مؤتمراً صحفياً داخل القاعدة العسكرية، محاطاً بجنود أمريكيين، وجنرالات بارزين.
بل إنه وجّه "صفعة" للأخير حين أكد أن بعض القتلى الإسرائيليين مدفونون في غزة على عمق كبير تحت الأرض، وسيستغرق تحديد مكانهم جميعاً وقتاً، لذلك علينا التحلي بالصبر، بعكس موقف نتنياهو الذي يطالب حماس صباح مساء باستعادتهم، وفوراً.
هذا يعني أن الأمريكيين هم أصحاب القرار، حتى لو حاولوا إقامة إدارة مشتركة ومتساوية مع إسرائيل، لكنهم هم من يحددون وتيرة العمل، ما يثير تساؤلات حول كيفية تعامل حكومة اليمين الفاشي في إسرائيل مع هذا النفوذ الأمريكي الخانق عليها.
يوسي بيلين، نائب وزير الخارجية الأسبق، اعتبر في مقاله بصحيفة "إسرائيل اليوم"، أن نتنياهو الذي أقنع جمهوره بأنه وحده القادر على الوقوف في وجه الضغوط الأمريكية، وتفاخر لاحقاً بقربه من ترامب، يبدو اليوم وكأنه "ابن أفضل صديق له"، والأخير يعلم أنه يتمتع بشعبية في إسرائيل أكثر بكثير من نتنياهو، ويشعر بالمرح عندما يجبره على وقف الحرب.
مع العلم أن إسرائيل لم تكن يوماً معتمدة على واشنطن إلى هذا الحد، ما يؤكد أن الحديث لا يدور عن تحالف بين دولتين، بل اعتماد من نتنياهو على شخص دونالد ترامب، الذي يطالب بـ"الولاء مقابل الحماية"، لأن هذا العناق الدافئ بينهما والتصريحات الحميمية من كليهما يكمن خلفه حقيقة مُقلقة مفادها أن إسرائيل فقدت استقلالها الاستراتيجي.
وأصبحت إسرائيل تدريجياً دولة تابعة لأمريكا، ليس لأمريكا كلها، بل لأمريكا واحدة، أمريكا ترامب، لأن كل قرار سياسي أو أمني أو مدني تتخذه يُفحص الآن من منظور أمريكي بالدرجة الأولى، وفقاً لما ذكره إيتان كابل العضو في حزب العمل، في مقاله على موقع القناة 12 الإخبارية.
وأضاف أن ما أسماه الحلم الإسرائيلي بأن تكون "النجمة الحادية والخمسين على العلم الأمريكي"، لم تكن أقرب من أي وقت مضى، لكنه يتحقق اليوم ليس من باب الاحترام المتبادل، بل من باب التبعية التي تتسبب بشلل الدولة، إلى درجة أن ترامب يتدخل مرتين أسبوعياً في دعوى جنائية تُقام ضد نتنياهو، ليس كمتفرج، بل كشخص يمارس ضغطاً سياسياً وقانونياً مباشراً على دولة يُفترض أنها ذات سيادة.
حسب إيتان كابل، فإن هذا لم يعد تصريحاً متعاطفاً، بل تدخلاً فظّاً، ولا يُشبه علاقة بين دول عادية، إنه يُذكرنا أكثر بنمط تحصيل رسوم الرعاية، فترامب لا يُقدّم الدعم لإسرائيل، بل يُطالبها بالولاء الكامل، ويستبدل لغة الدبلوماسية بلغة المساومة، الأخذ والعطاء، الدعم مقابل الاستسلام، الضغط مقابل الصمت.
الانتقال من حليفين موثوقين إلى "الراعي والتابع"
كشف السلوك الأمريكي الجاري تجاه إسرائيل على أن الحديث لا يدور عن حوار بين حلفاء، بل إن إسرائيليين وصفوه بأنه "مونولوج" يوجهه "الراعي إلى التابع"، ويكشف حقيقة أن "إسرائيل مُتعاقدة، وليست ذات سيادة"، وباتت مصابة بالتبعية لأمريكا حتى في المجالات الاستراتيجية.
ولأن أمريكا نفسها تتغير، فلم تعد الأمة الموحدة والمستقرة التي عرفتها إسرائيل، بل دولة مستقطبة، قبلية، متضاربة، وجمهورها الأصغر سناً، الليبرالي، والأكاديمي، ينأى بنفسه عن إسرائيل، كل هذه مؤشرات تُنذر بالخطر، وبالتالي فبمجرد انتهاء ولاية ترامب، قد تُترك إسرائيل عُرضة للخطر، يتيمة، ومنبوذة.
حتى إن وزير الزراعة السابق أوري أريئيل انتقد نتنياهو في مرحلة سابقة حين قرر تأجيل مناقشة قانون ضم الضفة الغربية، خشية تعكير العلاقات مع واشنطن، زاعماً أننا "لسنا النجمة الحادية والخمسين على العلم الأمريكي".
وقد تكررت الصعوبات في البناء الاستيطاني في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، حيث لم يُسمح لنا إلا في حالات ضيقة، ووقعنا تحت قيود صارمة غير مسبوقة، والصحيح أنه لا يجب أن توجد دولة واحدة في العالم تُملي علينا ما يجب فعله.
وحين انتقد الرئيس السابق جو بايدن الانقلاب القانوني في بداية عهد الحكومة الحالية، زعم عدد من وزرائها أنه لا يستطيع التدخل في الشؤون الداخلية لإسرائيل، حتى إن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير استشاط غضباً قائلاً إن "إسرائيل دولة مستقلة، وليست نجمةً أخرى على العلم الأمريكي".
وذكر وزير التعليم يوآف كيش أننا "نحترم الرئيس الأمريكي، ويستطيع التعبير عن موقفه في أي قضية تتعلق بإسرائيل، لكنها دولة ذات سيادة، والقرارات تُتخذ هنا"، وفقاً لما ذكره موقع "ويللا" الإخباري.
إفرايم غانور، الكاتب بصحيفة "معاريف"، أكد أن هناك شعوراً متزايداً مفاده أن الرئيس الأمريكي هو أيضاً القائم بأعمال رئيس وزراء إسرائيل، لأن البيت الأبيض بات له التأثير الكبير والهام والمصيري على حاضرها ومستقبلها، وفي جميع الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولولا ترامب، لما عشنا حالة النشوة التي غمرتنا عقب إطلاق سراح المختطفين من غزة.
وأضاف أن ذلك زاد الانطباع السائد الذي يرى أن ترامب هو في الواقع رئيس وزراء إسرائيل الفعلي، وأن نتنياهو ينفذ أوامره فقط، مع أن ترامب يدرك أن ضغطه للوفاء الكامل بالاتفاق مع حماس، وإنهاء الحرب، قد يؤدي لإسقاط حكومة اليمين في تل أبيب.
إذ إن حكومة نتنياهو تمر حالياً بأزمة بقاء في ظل معاناتها من مشاكل جوهرية مثل قانون تهرب الحريديم من الخدمة العسكرية، وإقرار ميزانية الدولة، وتعيين لجنة تحقيق حكومية في إخفاق السابع من أكتوبر. ورغم ذلك، فسيكون من الصعب جداً على نتنياهو التحرر من قبضة ترامب، الذي يرى ما يرفض نتنياهو عادةً رؤيته، ناهيك عن تنفيذه.
دعم سياسي وعسكري يستلزم رضوخاً إسرائيلياً
موقع "ميداد" لقياس استطلاعات الرأي رصد العديد من الشواهد التاريخية والحالية التي تكشف حجم الاعتماد الإسرائيلي على الدعم الأمريكي:
- احتاجت إسرائيل إلى قطار إمداد جوي أمريكي في حرب 1973.
- واعتمدت عليها في الدفاع الصاروخي في حرب الخليج الأولى 1991، لمواجهة صواريخ العراق.
- تعتمد عليها كلما طُرح اقتراح في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفرض عقوبات على إسرائيل.
- في حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ردعت الولايات المتحدة، ولو لفترة، إيران التي لم تنضم لهجوم حماس.
تحليل سياسي نشره موقع "عتسوما"، ذكر أنه بالتوازي مع الخدمات الكبيرة التي تقدمها أمريكا لإسرائيل، فهناك طلبات ومطالب، وأحياناً إملاءات، وشروط وتطلعات، أي أننا أمام دولة تعيش حالة مفضوحة من "التبعية"، وهنا لا يبدو أن لإسرائيل كثيراً من الخيارات.
فهي تعاني من قلة الأصدقاء، وكثرة الأعداء، وبالتالي فلا مفر أمامها من دعم قوة عظمى، وفي الوقت ذاته يجب مراعاة رغباتها، لأنه ليس لديها طريقة لتخفيف مآزقها مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، إلا بالتعاون مع الولايات المتحدة، التي تزوّد إسرائيل بكميات هائلة من الأسلحة، وتقف بجانبها في كل تصويت في المؤسسات الدولية والأممية.
دودو كوغان، الكاتب في صحيفة "إسرائيل اليوم"، كشف أنه منذ بدء الحرب على غزة، وقفت الولايات المتحدة بجانب إسرائيل بشكل لا مثيل له: جسر جوي للذخيرة، والمشاركة في الهجوم على إيران، وعرقلة مستمرة للقرارات الدولية ضدها.
لكن هذا الدعم خلق واقعاً جديداً يتمثل باعتماد إسرائيلي غير مسبوق على واشنطن، وأصبح حاسماً في ظل العزلة السياسية المشددة، صحيح أن إسرائيل اختارت عدة مرات طوال الحرب عدم قبول الإملاءات الأمريكية، لكن هجومها على الدوحة شكّل نقطة التحول، و"رفع أوتار الركبة الأمريكية بالضغط"، فيما ظهر الموقف الإسرائيلي ضعيفاً بصورة غير مسبوقة، وشهد الوضع سيطرة أمريكية كاملة.
ويتساءل الإسرائيليون عن إمكانية أن تصبح إسرائيل الولاية الحادية والخمسين من الولايات المتحدة، لأنها تتحول مع مرور الوقت إلى "دولة محمية"، رغم خلافاتهما في العديد من المسائل.
لكن حجم الارتباط الإسرائيلي بأمريكا قد يعطي هذا التساؤل مشروعية، في ضوء علاقاتهما التجارية، والدعم الاقتصادي والعسكري غير المشروط وغير المحدود الذي تحصل عليه إسرائيل من الولايات المتحدة، كما ذكر المحامي حاييم ستينغر، الذي نشر مقالاً في موقع "نيوز ون".
خضوع نتنياهو عزّز الشعور بالحياة تحت "رحمة" الأمريكيين
في المقابل، ظهر التدخل الأمريكي لافتاً في موضوع قضايا الفساد التي يُحاكم نتنياهو بشأنها، فقد مارس السفير الأمريكي في تل أبيب مايك هاكابي، اليميني الإنجيلي، ضغوطاً على الائتلاف الحاكم لتثبيت حكومة نتنياهو، أكثر من أي وقت مضى، والتقى بكبار السياسيين اليهود المتشددين، وضغط عليهم لعدم تفكيك الحكومة.
ونقل خلال اجتماعه بالوزير مئير بوروش رسالة حازمة من واشنطن مفادها أنه "لا لحلّ الحكومة"، كما التقى بكبار الحاخامات، بمن فيهم موشيه هيلل هيرش، زعيم الطائفة اليهودية المتشددة الليتوانية، ونقل إليهم رسائل مماثلة، وزعم أن حلّ الكنيست، وإجراء انتخابات في هذا الوقت، خطأ لا ينبغي ارتكابه.
تامير موراغ، الكاتب في القناة 14 التابعة للمستوطنين، أشار إلى أن الخطاب العام في إسرائيل يميل مؤخراً إلى تبنّي روايات تتعلق بالعلاقة المُعقّدة مع الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب، والتصور بأن إسرائيل ليست سوى النجمة الحادية والخمسين على العلم الأمريكي، ما يجسد الانطباع المنتشر بأن إسرائيل محمية أمريكية.
وقال موراغ: "صحيح أن ترامب هو بالفعل الرئيس الأكثر تعاطفاً مع إسرائيل الذي جلس في البيت الأبيض على الإطلاق، لكنه رئيس الولايات المتحدة، وليس رئيس إسرائيل؛ فهو يرى المصالح الأمريكية أولاً وقبل كل شيء. وصحيح أنهما حليفتان وثيقتان للغاية في علاقة غير متكافئة، لكن من المستحيل التصرف دون مراعاة ذلك، لأنه لا وجود لعلاقة أحادية الجانب، حيث يُعطي طرف فقط، ويأخذ الطرف الآخر فقط".
وصحيح أن التدخل الأمريكي العميق في الشؤون الداخلية لإسرائيل ليس ظاهرة جديدة، ففي العديد من المجالات، خاصة السياسية الخارجية والأمنية، خضعت لإملاءات من واشنطن، لكن يبدو أن هذا التدخل الصارخ والعلني في السياسة الإسرائيلية يمثل قمة جديدة من الإذلال، حيث يدوس ترامب على آخر مظاهر السيادة الإسرائيلية.
تشاك فرايليخ، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي، والباحث في معهد دراسات الأمن القومي، أكد في مقاله بمجلة "غلوبس" الاقتصادية، أن التطورات الجارية تؤكد أن إسرائيل لا تستطيع البقاء بدون الولايات المتحدة، لأن الاعتماد عليها بات وجودياً، لا أقل من ذلك، لأنه بدون أسلحتها سيكون جيش الاحتلال الإسرائيلي بلا قيمة.
أما البروفيسور آفي بارئيلي، فذكر في مقاله بصحيفة "إسرائيل اليوم"، أن الإسرائيليين عموماً موالون لأمريكا، لأسباب تاريخية وأيديولوجية عميقة، وهذه الحقيقة عززت شعوراً بأنهم يعيشون تحت رحمتها. صحيح أن الولايات المتحدة قادرة على الإطاحة بقوة إقليمية معادية لإسرائيل.
بينما وصف إيلي ليئون، مراسل صحيفة "معاريف"، قطار المسؤولين الأمريكيين الذين وصلوا إسرائيل جزءاً من دبلوماسية "رعاية الأطفال" المصمّمة لمنع نتنياهو من تخريب وقف إطلاق النار الهش مع حماس في غزة. صحيح أنه لقب غير مُرضٍ، ويُشير إلى الإشراف الوثيق عليه، لكنه يعكس انقلاباً في الأدوار.
حيث تُدير الولايات المتحدة الوضع في إسرائيل بنشاط. ونقل إيلي ليئون عن البروفيسور تشارلز فريليتش من جامعة كولومبيا، أن هذا الشكل من الإشراف الأمريكي تقليد عريق في العلاقات مع إسرائيل، لأن الزيارات الأمريكية رفيعة المستوى إليها تُعدّ في أوقات الأزمات أمراً شائعاً.
العسكر الإسرائيليون يشكون الانتقاص من صلاحياتهم
يوسي شاين، الكاتب في القناة 12، استعاد كلاماً سابقاً لترامب خلال حملته الانتخابية في 2024، في إحدى مناظراته التلفزيونية مع المرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس، حين أكد أن "إسرائيل بدونه لن تكون موجودة في غضون عامين، وستختفي إذا انتُخبت هاريس! إذا لم أُنتخب، ستموت إسرائيل"، التي التزمت الصمت المطبق، بل إنها ابتهجت فرحاً بانتخابه، واختارت تبنّي نهج "الاستسلام للراعي"، فلم تعد هناك سياسة أو دبلوماسية مستقلة، بل تنتظر حديث ترامب، أو تعليمات مبعوثه، ويتكوف.
وبات شعار نتنياهو وشركائه أننا "محميّون من ترامب"، الذي لا يعامل حلفاءه الآخرين كشركاء، بل ملزمون بالتعبير عن الامتنان له. ونتنياهو يبني نموذج الخضوع أمام ترامب: تنفيذ أوامر الملك، وتلقّي التسهيلات وفقاً لذلك، والأهم من ذلك، الحفاظ على الائتلاف الحكومي.
يتوافق الإسرائيليون على أن جوهر العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة غير متكافئ، لأنها نوع من "الدولة العميلة"، وقد لعب نتنياهو دوراً أساسياً في تغيير الموقف الأمريكي تجاه الدولة، وتجاوزت إسرائيل الحدود في مسألة "الحامي والمحمي"، وقد سئم ترامب من ألاعيب نتنياهو، وقرّر أن يوضح لإسرائيل من هي القوة العظمى، ومن ليست كذلك.
وهذا أمر "غير سار بالنسبة لنا"، مع العلم أن الأخير مارس هذه الألاعيب مع الرؤساء بايدن وأوباما وكلينتون، تشاجر معهم، ثم لجأ إلى أصدقائه الجمهوريين، أما الآن، وبوجود إدارة جمهورية في البيت الأبيض، فلم تعد هذه الممارسات ذات جدوى، على حد توصيف ألون بينكاس، القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك، الذي اعتبر في مقابلة مع صحيفة "معاريف".
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر عسكرية إسرائيلية أن واشنطن أبلغت تل أبيب أنها تتوقع إحاطة قبل تنفيذ أي عملية استثنائية في غزة، لأنها لن تتهاون مع أي مفاجأة من شأنها أن تُعرّض اتفاق وقف إطلاق النار للخطر.
وبالتالي، فإن الولايات المتحدة تسلب من إسرائيل صلاحيات أمنية، لأن الجيش لن يستطيع تنفيذ أي عمليات جديدة في مناطق قطاع غزة دون موافقة ترامب، ما يجعل واشنطن صاحبة القرار الأعلى في إدارة الوضع الميداني، وهي تفرض انضباطاً ميدانياً صارماً على إسرائيل في محاولة للحفاظ على الهدوء، ومنع انهيار الاتفاق.
دفع ذلك بالمؤسسة العسكرية للإعراب عن استيائها الواسع من قرار الحكومة استئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة، بناء على طلب مباشر من واشنطن.
وهي تشعر بـ"إحباط عميق" من حجم التدخل الأمريكي في القرارات السيادية لتل أبيب، التي لم تعد قادرة على التحرك ميدانياً داخل غزة دون إذن مسبق من الإدارة الأمريكية، وبات أي قرار يتعارض مع رغباتها يُلغى فوراً، وهذا ما تأكد خلال الأيام الأخيرة، أي أنها فقدت القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة بشأن غزة، وهذا وضع مقلق للغاية.