تسود حالة من الترقب في المغرب والجزائر مع اقتراب موعد 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025، حيث يعقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جلسة مخصصة لقضية الصحراء الغربية، ومن المنتظر أن يمدد المجلس عمل بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية "المينورسو"، وسط توقعات بأن يحمل قرار التمديد بعض المستجدات بخصوص مستقبل النزاع المستمر منذ 50 عاماً.
وما زاد من حالة الترقب بشأن أزمة الصحراء الغربية تصريح المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف المفاجئ قبل أيام، عندما تحدث عن وساطة أمريكية جارية للتوصل إلى إقرار "اتفاق سلام" بين المغرب والجزائر خلال ستين يوماً، وهو ما أثار جدلاً واهتماماً واسعين في البلدين الجارين اللذين قطعا علاقاتهما الدبلوماسية منذ نحو 4 سنوات.
في ظل غياب أي تصريحات رسمية من البلدين، سنسعى من خلال هذا التقرير إلى البحث عن ملامح "اتفاق السلام" الذي تسعى واشنطن إلى فرضه على البلدين، والسيناريوهات المحتملة لحل قضية الصحراء الغربية، ومواقف كل دولة من المبادرة الأمريكية والتنازلات التي يُمكن أن تقدمها كل دولة من أجل حل مشاكلهما الثنائية التي تبقى قضية الصحراء محورها الرئيسي.
"مبادرة سلام" مشكوك في أهدافها
في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2025، كشف ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي الخاص للسلام في الشرق الأوسط، في مقابلة ببرنامج "60 دقيقة" على شبكة "CBS NEWS" أن واشنطن تتوسط في اتفاق سلام بين المغرب والجزائر، وقال: "نحن نعمل الآن على ملف المغرب والجزائر. يركز فريقنا على ذلك، وأعتقد أنه سيكون هناك اتفاق سلام في غضون الستين يوماً القادمة".
لم يكشف ويتكوف عن تفاصيل تتعلق بما وصفه بـ"اتفاق السلام" أو بالطريقة التي ستتعامل بها واشنطن مع ملف الصحراء، لكنه أشار خلال حديثه عن الأزمة بين المغرب والجزائر إلى أن ما وصفه بالنجاحات الأخيرة، مثل وقف إطلاق النار في غزة، يمكن أن تؤدي إلى "انتقال السلام".
قبل تصريحات ويتكوف بيومين فقط، وبالضبط في 17 أكتوبر/تشرين الأول، قال مسعد بولس، كبير مستشاري ترامب للشؤون الأفريقية، لصحيفة "الشرق" إن الجزائر تسعى إلى حل "أساسي ونهائي" للنزاع في الصحراء التي يسيطر عليها المغرب ويقترح حكماً ذاتياً لحلها، بينما تطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.
وذكر بولس، والد صهر ترامب، أنه التقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخراً ووجده "منفتحاً على إعادة بناء جسور الثقة مع الشعب المغربي والملك والحكومة"، بينما وصف خطاب الملك محمد السادس في 9 أكتوبر/تشرين الأول بأنه "تاريخي"، مشدداً على سعي الملك إلى حل مقبول من جميع الأطراف.
الصحفي الجزائري زكي بوعليلات أكد في تصريح لـ"عربي بوست" غياب أي تأكيد رسمي أو إعلامي جزائري حول وساطة أمريكية في هذا الملف، وأوضح أن الجزائر والمغرب "ليستا في حالة حرب حتى نتحدث عن اتفاق سلام"، مع العلم أن العلاقة بين البلدين تراوحت بين الاستقرار والتوتر منذ استقلال الجزائر عام 1962.
واستطرد المتحدث قائلاً: "المشكلة الأساسية، من وجهة نظر الجزائر، تكمن بين المغرب والصحراء الغربية التي تعتبرها محتلة، وترى أن استمرار هذا الوضع هو مصدر التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة"، على حد تعبيره.
من جهته، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالمغرب تاج الدين الحسيني أكد في تصريح لـ"عربي بوست" على ضرورة النظر إلى تصريح ويتكوف في سياقه الخاص، سواء من حيث شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فبحسب الحسيني "ترامب نفسه له رؤية خاصة جداً لما يسميه تحقيق السلام العالمي".
إذ يريد أن يكرّس ما يشبه "باكس أمريكانا"، أي "السلام الأمريكي"، على غرار "باكس رومانا" التي سادت في عهد الإمبراطورية الرومانية. بعد الحرب الباردة ومع نهاية القطبية الثنائية، بدأت الولايات المتحدة تنظر إلى نفسها بوصفها القوة الوحيدة القادرة على فرض نظام عالمي جديد، وهو ما يسعى ترامب إلى تجسيده بأسلوبه الخاص.
في هذا الإطار، يوضح المتحدث أن كوشنر وزميله ويتكوف حين تحدثا عن قضية العلاقات المغربية الجزائرية، "لم يكن الأمر في الحقيقة محور نقاشهما الأساسي، فقد كانا يتحدثان عن إيران وعن إمكانية إعادة بناء العلاقات معها في صيغة جديدة وغير مسبوقة، وبينما كان الحوار يدور حول هذا الملف، أشار ويتكوف عرضاً إلى أن الإشكالية المغربية الجزائرية ستجد طريقها إلى الحل خلال نحو ستين يوماً".
من هنا، يجب أن نضع كلامهما في سياقه الطبيعي؛ لم يكن المقترح ثمرة نقاش جدي أو مشروع وساطة حقيقي، بل جاء بشكل عرضي على هامش حديث عن إيران، ومع ذلك، لا يعني ذلك أن الولايات المتحدة غير مهتمة بالموضوع، على العكس، فواشنطن تُظهر اهتماماً متزايداً بالجزائر تحديداً.
إغراءات اقتصادية وأهداف سياسية لترامب
ما الذي سيستفيده دونالد ترامب من تحقيق الصلح بين المغرب والجزائر وإنهاء أزمة الصحراء الغربية؟ هذا السؤال حاول محللون ومتابعون للشأن الأمريكي الإجابة عنه، وخلصوا إلى أن ترامب يسعى إلى إنجاز دبلوماسي جديد لتعزيز صورته كصانع سلام "أنهى سبع حروب".
وتتماشى حملة واشنطن من أجل التقارب بين المغرب والجزائر مع توسيع التعاون بين الولايات المتحدة والجزائر في مجالات الأمن والدفاع والمعادن الاستراتيجية، ما يمثل تحولاً عن الاصطفاف التاريخي للجزائر مع روسيا.
وتشير تسريبات إعلامية إلى أن الاقتراح الأمريكي يتضمن حزمة اقتصادية مشتركة تشمل مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود ووعوداً بالاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة والبنى التحتية، وإعادة فتح الحدود تدريجياً، والتنسيق الأمني الإقليمي وتشجيع التعاون التجاري بين البلدين.
لكن مثل هذه المقاربة قد تفضي إلى سلام هشّ، تُحدده مصالح الخارج أكثر مما تعبّر عن إرادة داخلية مغاربية. فالمغرب، المنفتح اقتصادياً على الغرب، قد يستفيد من ذلك، بينما ترى الجزائر، الأقرب إلى موسكو وبكين، في هذه الخطة محاولة لجرها نحو محور أمريكي لا يتوافق مع خياراتها الاستراتيجية.
في المحصلة، يخشى البعض، خاصة داخل الجزائر، من أن ما تسميه واشنطن "سلاماً" يبدو أقرب إلى وصاية دبلوماسية على المنطقة. إذ يرون أن خلف فكرة المصالحة بين "الخصمين الشقيقين" للمغرب الكبير، تكمن رؤية أمريكية لتثبيت النفوذ والسيطرة على توازنات إقليمية حساسة.
لكن ما لم تُحلّ القضايا الجوهرية التي أزّمت العلاقات بين المغرب والجزائر، وأبرزها ملف الصحراء الغربية والجفاء التاريخي وانعدام الثقة بين النظامين، ستبقى كل مبادرة من هذا النوع مجرد سلام شكلي بلا مصالحة حقيقية، ودبلوماسية بلا ثقة.
تحديات أمام "خطة السلام" بين المغرب والجزائر
على الرغم من التفاؤل الأمريكي، يرى مراقبون أن المبادرة تواجه تحديات كبيرة. أولها التباين الحاصل في المواقف بين الأطراف المعنية، إذ تدعم الولايات المتحدة والمغرب خطة الحكم الذاتي، بينما ترفضها الجزائر والبوليساريو.
من ناحية أخرى، فإن عامل انعدام الثقة العميق بين المغرب والجزائر لا يدفع باتجاه بلوغ حل توافقي، حيث أُغلقت الحدود بينهما منذ عام 1994، ولا تزال العلاقات الدبلوماسية مقطوعة منذ 2021. إضافة إلى تحفّظ بعض الأطراف الصحراوية على أي تسوية قد تُعتبر تهميشاً لحق تقرير المصير يهدد بنسف الجهود الجارية.
لكن رغم هذه التحديات، هناك عوامل كثيرة يسوقها الأكثر تفاؤلاً لتأكيد قوة احتمالات نجاح مبادرة الصلح بين المغرب والجزائر، على رأسها الدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي المغربية، التي تحظى بتأييد من دول كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا.
ثم الرغبة في استقرار المنطقة، حيث إن تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر سيسهم في تعزيز الأمن والتنمية في شمال إفريقيا، ويدفع بعجلة اتحاد المغرب العربي للدوران مجدداً. فضلاً عن تعبير الأطراف المعنية عن توفرها على إرادة سياسية للتوصل إلى تسوية سلمية.
يوضح تاج الدين الحسيني، الأستاذ الجامعي بجامعة محمد الخامس، أن "الولايات المتحدة تمكنت في السنوات الأخيرة من تقليص نفوذ روسيا داخل الجزائر، وهو ما بدأ يظهر حتى في الخطاب الروسي الرسمي. فقد لمح لافروف مثلاً إلى أن الجزائر ورثت حدوداً قد تثير نزاعات مع جيرانها كمالي وتونس والنيجر".
هذا النقد المبطن، بحسب الحسيني، يعكس نوعاً من الفتور في العلاقات بين موسكو والجزائر، خصوصاً بعدما حلّ الغاز الجزائري محل الروسي في الأسواق الأوروبية إثر العقوبات المفروضة على روسيا، وهو أمر لم تنسَه موسكو.
من جانبها، تدرك المؤسسة العسكرية الجزائرية، بحسب الأستاذ الجامعي المغربي، أن "موازين القوى العالمية لم تعد بيد روسيا، بل بيد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وزاد من هذا الإدراك فشل الجزائر في الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، رغم الأموال الكبيرة التي ضختها في هذا المسار، وهو ما شكل خيبة واضحة".
وبحسب الصحفي الجزائري زكي عليلات، فإن "العلاقات الجزائرية المغربية محكوم عليها أن تعود يوماً ما إلى طبيعتها، لكن السؤال هو: كيف، ومتى، ولماذا، وبأي شكل؟ هذا ما سيكشفه المستقبل، فالعلاقات الدولية لا تعرف عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة، كما رأينا بين العراق والسعودية مع إيران، أو بين دول الخليج وقطر، وحتى بين إثيوبيا وإريتريا".
وأوضح المتحدث لـ"عربي بوست" أنه "خلال فترة الأزمة بين الجزائر والمغرب كانت هناك وساطات عربية وإفريقية وأوروبية، لكن الجزائر تمسكت بمبدأيها الثابتين: لا وصاية ولا وساطة ما دامت بعض القضايا العالقة لم تُحل بعد".
إذ تعتبر الجزائر أن إصرار المغرب على إقحامها في ملف الصحراء الغربية يعمّق الأزمة أكثر، "إلى جانب ملفات أخرى تراها الجزائر نوعاً من الحرب غير المعلنة، كقضية المخدرات مثلاً"، يقول الصحفي الجزائري.
سيناريوهات ما بعد المبادرة وموقف البوليساريو
في هذا السياق، وفيما يعتبر البعض أن نجاح المبادرة قد يؤدي إلى استئناف المفاوضات المباشرة بين المغرب والبوليساريو تحت إشراف الأمم المتحدة، يخشى آخرون فشلها، ما سيكرّس حالة الجمود، بل وقد يؤدي إلى تصاعد التوترات في المنطقة.
تمثل المبادرة الأمريكية فرصة نادرة لإعادة النظر في نزاع طويل ومعقد. ورغم التحديات، يمكن أن تؤدي الإرادة السياسية والتعاون الدولي إلى فتح صفحة جديدة من الحوار والوساطة، حيث يُعطى للشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير، مع حماية الاستقرار الإقليمي وتجنب أي تصعيد محتمل.
كما أن صحيفة "الخبر" الجزائرية المقربة من السلطة نقلت عن مصادر في نيويورك أن الجزائر "قد لا تصوت لصالح مشروع قرار مجلس الأمن حول سيادة المغرب على الصحراء الغربية"، مؤكدة أن "الجزائر تظل متمسكة بعمق بتنظيم استفتاء تقرير المصير باعتباره الحل الوحيد لإنهاء هذا النزاع بصورة نهائية".
وحسب تقرير الصحيفة الجزائرية يوم الخميس 23 أكتوبر/تشرين الأول، فإن هذا الموقف "يعكس انسجام السياسة الجزائرية مع الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي ما زالت تعتبر الصحراء الغربية إقليماً محتلاً من طرف المغرب، ويصرّ شعبه على ممارسة حقه في تقرير المصير".
بينما يقول بوعليلات لـ"عربي بوست" إن "مدى نجاح الولايات المتحدة في حل هذا الخلاف يتوقف على جديّتها وعلى التنازلات الممكنة من الطرف المغربي، إذ تعتبر الجزائر أن المغرب هو من بادر بالتصعيد في الأمم المتحدة ودعم أطرافاً انفصالية".
وبينما لم يصدر أي تفاعل رسمي من المغرب أو الجزائر مع التصريحات الأمريكية أو التطورات التي قد يشهدها ملف الصحراء الغربية، قدمت جبهة البوليساريو مقترحاً موسعاً إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في خطوة قالت إنها تعبّر عن "حسن نية وتأتي استجابة لقرارات مجلس الأمن".
المقترح، وفقاً لبيان صادر عن الجبهة في 21 أكتوبر/تشرين الأول، يتضمن التأكيد على "حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره من خلال استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي"، مع إبداء استعدادها للتفاوض مع الرباط على إقامة علاقات ذات منفعة متبادلة بين البلدين.
زعيم "البوليساريو"، إبراهيم غالي، أكد في رسالة وجّهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الجبهة "تظل مستعدة لتقاسم فاتورة السلام مع الطرف الآخر (في إشارة إلى المغرب)، إذا توفرت لديه الإرادة السياسية للقيام بالمثل".