تتصاعد الهواجس في مصر من إمكانية استئناف الحرب مرة أخرى في قطاع غزة، وذلك مع التعنت الإسرائيلي المستمر بشأن غلق معبر رفح لعبور الأفراد، وكذلك الخروقات المستمرة لوقف إطلاق النار، إلى جانب رغبة حركة حماس في أن يكون لديها تواجد أمني في مرحلة انتقالية.
وكذلك مع تعقيدات مسألة نزع سلاح المقاومة، وعدم وجود ضغط أميركي حقيقي يمكن أن يجبر إسرائيل على الالتزام بما تضمنته خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن وقف الحرب، بحسب ما أشارت له مصادر مصرية.
اتصالات مكثفة ومسارات أخرى
وقال مصدر أمني مصري مطلع على هذا الملف، إن مصر تسعى للضغط على الأطراف المختلفة للمضي قُدماً باتجاه المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وأن هناك اتصالات جرت مع الإدارة الأميركية لدفع إسرائيل نحو السماح بفتح معبر رفح والانسحاب من محور فيلادلفيا وتنفيذ الانسحاب حتى أقصى شمال قطاع غزة.
وفي المقابل أجرت القاهرة اتصالات مكثفة مع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حركة حماس لمناقشة وضعية عناصرها في القطاع خلال الفترة المقبلة.
وأوضح المصدر ذاته أن القاهرة لا تفضل أن تظهر تحركات حركة حماس الحالية في قطاع غزة مع مساعيها لتعزيز تمركزها في القطاع والدخول في صراعات مع مجموعات وميليشيات مسلحة في القطاع، إذ تهدف القاهرة – بحسب المصدر – لتفويت الفرصة على أي حجة يمكن أن تتخذها إسرائيل ذريعة لاستئناف الحرب، بخاصة وأن حركة حماس تظهر وجود قوة شرطية بدأت في الانتشار، وهو ما يتعارض مع مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أن أكدت الحركة أنها لن يكون لديها دور في مستقبل قطاع غزة.
وشدد على أن مصر تقدم كافة المساعدات اللوجيستية التي يمكن أن تساعد في الوصول إلى رفات باقي الرهائن الإسرائيلية وفي الوقت ذاته انتهت من تدريب الأطقم الفلسطينية التي يمكن أن تقوم بدور رقابي على معبر رفح من الجانب الفلسطيني بعد أن استدعت تلك الأطقم قبل عدة أشهر وقامت بتدريبها وتجهيزها لاستلام مهامها.
وأشار إلى أن مصر تتحرك في مسار آخر يدعم تسريع وتيرة تشكيل قوة دولية في قطاع غزة للتعامل مع حالة الفراغ التي تملئها الآن حركة حماس بعد الانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق، غير أن الأمر بحاجة لمزيد من الوقت وليس هناك توافق بعد على الأدوار التي ستقوم بها تلك القوات وما إذا كان سيكون لديها دور في نزع سلاح حركة حماس من عدمه.
كما أوضح أن مسألة تسليم السلاح أيضاً تواجه تعقيدات عديدة، لأن الحركة وافقت بالفعل على خطة الرئيس الأميركي، لكنها لم تبدي حتى الآن ترحيباً بأي محاولات تتعلق بتسليم سلاحها وسيكون الأمر بحاجة إلى مفاوضات معها لكن شريطة أن تلتزم إسرائيل بما جاء في بنود المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار والتي تتضمن إدخال المساعدات بكميات كبيرة وفتح معبر رفح.
وشدد على أن مصر تتخوف من أن يكون لدى إسرائيل نية ولو مؤقتة لاستئناف القتال لأن بعض الأنفاق يمكن أن تكون قد تكشفت لها، وستحاول القضاء على العناصر التي كانت تحتجز الرهائن، وفي تلك الحالة سيكون لدى حماس ذريعة بعدم تسليم السلاح أو سحب قواتها الشرطية.
وتخشى القاهرة – بحسب المصدر – من الوصول إلى تلك المرحلة المعقدة، و ستحاول مصر استدعاء الأطراف الدولية التي كانت شاهدة على اتفاق سلام شرم الشيخ لضمان استمرار تنفيذ بنود الاتفاق، إلى جانب التواصل المستمر مع الرئيس دونالد ترامب.
ومن المتوقع أن يصل المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى المنطقة يوم الأحد للتأكد من تنفيذ خطة الرئيس دونالد ترامب، وفق ما أعلنته وسائل إعلام إسرائيلية.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية، مساء الجمعة، نقلاً عن مصادر إسرائيلية مطلعة: "يصل المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى إسرائيل الأسبوع المقبل لمواصلة دفع تنفيذ خطة ترامب"، وكشفت النقاب عن أن "الإدارة الأمريكية نقلت رسالة إلى إسرائيل مفادها: لا تتخذوا في الوقت الحالي أي إجراءات عقابية بخصوص أزمة إعادة جثامين الأسرى القتلى، نحن نمارس ضغوطًا على الوسطاء".
وأضافت: "هذا يفسر لماذا تكتفي إسرائيل حاليًا بالتهديد بخطوات مثل إغلاق معبر رفح أو تقليص المساعدات الإنسانية، لكنها لم تنفّذ أيًا منها فعليًا حتى الآن".
وكانت إسرائيل قد لوّحت بعدم فتح الجانب الفلسطيني من معبر رفح وتقليص كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة، بالرغم من أن إعادة فتح الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي مع مصر، وإدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى السكان في غزة، من بنود خطة الرئيس الأمريكي لإنهاء الحرب.
وكانت "حماس" قد قالت إنها سلّمت إلى الصليب الأحمر 10 جثامين لرهائن إسرائيليين في الأيام الماضية، فيما تقول إسرائيل إنها تسلمت 9 بعد أن أشارت إلى أن أحدها ليس لإسرائيليين.
التوتر بين القاهرة وتل أبيب رهن للتصرفات الإسرائيلية
وقال مصدر دبلوماسي مصري مطلع على مسار المفاوضات، إن الخلاف المصري مع حماس الآن يتمثل في صور الانتشار التي يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على ضمان اتفاق وقف إطلاق النار، غير أن القاهرة ليس لديها الرغبة في التسرع نحو الاستجابة لمطالب أميركية إسرائيلية تتعلق بنزع سلاح حركة حماس وترفض أن تضغط على الحركة وترى أن إسرائيل عليها أن تقدم مزيد من التنازلات مثلما قامت الحركة بالموافقة على خطة الرئيس الأميركي بل انها سلمت جميع الأسرى مرة واحدة.
ولفت المصدر ذاته، على أن القاهرة ترفض أن تصطدم بإسرائيل في الوقت الحالي وتجعل تواصلها مع الأدارة الأميركية والوسطاء بما فيهم قطر وتركيا إلى جانب الفصائل الفلسطينية، وتعتمد على أن يقوم الرئيس ترامب بالضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخاصة وأن مصر ترى بأن إسرائيل تتعنت في فتح معبر رفح، وتسعى لأن يكون لديها إدارة على المعبر بالرغم من النص على انسحابها من القطاع.
وذكر أن العلاقات لن تعود إلى سابق عهدها في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة، مشيراً إلى أن الفترة الحالية "رمادية" والعلاقات على المستوى الرسمي باردة ولن تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وهناك توتر مكتوم وحالة من الترقب الحذر انتظاراً لما ستقدم عليه الحكومة الإسرائيلية الفترة المقبلة، بخاصة وأن مصر لديها رغبة في أن تكون السلطة الفلسطينية ممثلة في الإشراف على معبر رفح من جانب قطاع غزة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وفقاً لاتفاقية المعابر الموقعة في عام 2005، ولم تتلق حتى الآن رغبة رسمية من إسرائيل بشأن إدارة المعبر رغم ما يبدو ظاهراً على أرض الواقع جراء الاستمرار في إغلاقه.
وأكد أن مصر تنتظر انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من محور فيلادلفيا وترى بأن مراحل خطة الرئيس الأميركي تتضمن على ذلك، وبالتالي فإنه لم يحدث أي تواصل أمني بين البلدين خلال الفترة الماضية بشأن وضعية القوات وفقاً لاتفاقية السلام، مشيراً إلى أن انتهاء التوتر القائم بين مصر وإسرائيل منذ فترة بسبب الحرب على قطاع غزة يبقى رهن التصرفات الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن الوضع لا يرتبط فقط بقطاع غزة لكن مصر سيكون لديها مواقف رافضة لضم أراضي من الضفة الغربية، وبالتالي فإنه لا حديث عن تواصل دبلوماسي على مستوى رئاسي أو عودة السفراء دون الالتزام بما جاء في خطة الرئيس ترامب.
وشدد في الوقت ذاته على أن مصر تدرك بأن تنفيذ اتفاق الرئيس دونالد ترامب سيكون بحاجة لوقت طويل وليس لديها رغبة في أن تكون طرفاً معرقلاً لأي اتفاق بما يجعلها منفتحة على جميع الأطراف، وفي الوقت ذاته فهي تدرس ما إذا كانت إسرائيل مستمرة في خططها السابقة بشأن تهجير الفلسطينيين وتهديد الأمن القومي المصري أم أنها الآن مستعدة للذهاب إلى التهدئة التي يمكن أن تقود مستقبلاً إلى السلام.

وفي وقت سابق من الجمعة، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن على حركة حماس أن تلتزم بخطة ترامب المكونة من 20 نقطة، محذرا من أن "الوقت ينفد".
وتابع البيان أن "حماس تعلم مكان وجود جثث الرهائن"، في إشارة إلى عدم تسليم الحركة جميع جثث الرهائن وإعلانها الحاجة إلى معدات خاصة لانتشال بقية الجثث.
وأكدت إسرائيل أن حماس تعرف مواقع دفن عدة رهائن، لكنها "لا تبدل مجهودا كافيا لانتشالها وتسليمها"، وفقا لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية (كان) عن مصدر إسرائيلي.
في المقابل حثت حماس الوسطاء، على الضغط من أجل تنفيذ الخطوات التالية في اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، بما في ذلك إعادة فتح الحدود والسماح بدخول المساعدات وبدء إعادة الإعمار وتشكيل إدارة واستكمال الانسحاب الإسرائيلي.
وأكدت الحركة في بيان، على "ضرورة الشروع الفوري في استكمال تشكل لجنة إسناد مجتمعي، لمباشرة عملها في إدارة قطاع غزة".
ألغام على طريق الذهاب باتجاه إعادة الإعمار
وقال مصدر آخر مطلع على ملف المفاوضات، إن مصر تتعامل بحذر مع التصرفات الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة بعد استهداف العائدين إلى منازلهم والتلكؤ في فتح معبر رفح والتلويح باستعادة الحرب وتضع أمام أعينها مسألة التهجير وترى بأن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لن تتراجع عن مخططها، وبالتالي فهي تعمل في المقابل على دفع الاتفاق الموقع في شرم الشيخ.
وأوضح المصدر ذاته أن مصر تخشى من مخطط يتم تنفيذه في الخفاء لتحريك الفلسطينيين من أراضيهم وذلك عبر إقناعهم بأنه لا أمل في إعادة إعمار غزة، بخاصة وأن بنود خطة ترامب تتحدث عن ترك الفرصة لمن يريد أن يخرج من القطاع لأسباب مختلفة، وقد يترتب على ذلك وجود سياسات تشجيعية على التهجير بخاصة وأن إعادة إعمار القطاع ستأخذ وقتاً طويلاً وفقاً لمجريات الأوضاع على الأرض الآن مع حالة الهشاشة التي تعانيها مراحل وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن مصر ترفض أن تخسر تعاطف الفلسطينيين معها في هذه الفترة بعدما أظهر الشعب الفلسطيني صلابة في التمسك بأرضه وتهدف لتكثيف الضغوط على إسرائيل.
وشدد المصدر ذاته على أن استمرار وقف إطلاق النار في حد ذاته ضمانة على عدم وجود تهجير لأن إسرائيل لن تدفع أهالي غزة نحو الحدود مع مصر لكن في الوقت ذاته يبقى التخوف من استئناف الحرب لأنه في تلك الحالة سيكون لدى أهالي غزة قناعة بأنه من الصعب البقاء في القطاع، وبالتالي فإن مصر تتحرك على نحو سريع لعقد مؤتمر إعادة الإعمار خلال شهر على الأكثر وتتواصل الآن مع جهات مانحة دولية لضمان توفير مليارات الدولارات والاتجاه نحو بدء أعمال رفع الركام وتشييد المنازل وفقاً لمراحل متعددة.
وأضاف المصدر أن مصر تدرك بوجود ألغام على طريق الذهاب باتجاه إعادة الإعمار بخاصة فيما يتعلق بنزع سلاح لحركة حماس وعدم وجود خطة زمنية لانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، وعدم الاتفاق على آليات تشكيل القوات الدولية وما هية دورها، وكذلك عدم وجود آليات مراقبة دولية تضمن تنفيذ الاتفاق وعدم قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى الأن بدور ضاغط وقوى على إسرائيل، وبالتالي فإن جميع الاحتمالات تبقى مفتوحة خلال الأيام المقبلة بعد أن قدمت القاهرة كل ما يمكن فعله لإنهاء الحرب بشكل نهائي.
وأكّد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الجمعة، خلال لقاءات في الهند، على الأهمية التي توليها مصر لالتزام أطراف الاتفاق بتنفيذه بشكل كامل والإسراع في بدء عملية إعادة التعافي المبكر وإعادة الإعمار بقطاع غزة.
تشير تقديرات التقييم السريع المؤقت للأضرار والاحتياجات الذي أجرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي بشكل مشترك إلى أن هناك حاجة لنحو 70 مليار دولار من أجل إعادة إعمار غزة، فيما تصل حجم الأنقاض الواجب إزالتها في غزة يبلغ قرابة 55 مليون طن.
وفي 9 أكتوبر الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توصل إسرائيل وحماس، لاتفاق على المرحلة الأولى من خطته لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى، إثر مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة تركيا ومصر وقطر، وبإشراف أمريكي.
وبدعم أمريكي ارتكبت إسرائيل منذ 8 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت 67 ألفا و869 شهيدا، و170 ألفا و105 جرحى، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 463 فلسطينيا بينهم 157 طفلاً.
وأعلن ترامب خطته هذه في 29 سبتمبر الماضي، خلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتتضمن المرحلة الأولى تبادل الأسرى الأحياء والقتلى وانسحاب القوات الإسرائيلية في غزة إلى الخط الأصفر المحدد بين الطرفين، بجانب إدخال المساعدات بكميات تتجاوز 600 شاحنة يومياً.