“جيل Z” ينتفض في المغرب.. تفاصيل حراك شبابي أعاد الروح إلى الشارع، هذه مطالبه وهكذا واجهته السلطة

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/29 الساعة 15:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/29 الساعة 16:03 بتوقيت غرينتش
جانب من الاحتجاجات التي شهدها المغرب

"جيل Z ينتفض في المغرب"، كان هذا العنوان الأبرز في المملكة وخارجها بعد أن نقلت فئة من الشباب حراكها على مواقع التواصل الاجتماعي إلى شوارع كبريات المدن المغربية التي تستعد لاحتضان تظاهرات رياضية قارية وعالمية وتحتفي بتدشين وإعادة تأهيل ملاعب بمواصفات عالمية.

تزامناً مع ذلك، كان الغليان الشعبي في المغرب يطهى على نار هادئة، وصل حد انفجاره في احتجاجات قادها شباب "جيل Z" يومي 27 و28 سبتمبر/أيلول 2025، الذين خرجوا في معظم المدن، رافعين شعارات "الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية"، منددين بـ "أزمة الأولويات" التي تحكم سياسات الدولة.

إذ انتقدوا صرف الحكومة المغربية ملايير الدراهم على التجهيز لاستضافة كأسي إفريقيا والعالم وإهمالها الإنفاق على الخدمات العمومية التي يحتاجها الشعب في معيشه اليومي، على حد تعبيرهم، خاصة في مجالي الصحة والتعليم.

مقابل هذا الواقع، واجهت السلطات المغربية الاحتجاجات بمقاربة أمنية، استخدمت خلالها القوة في تفريق المتظاهرين وحملات اعتقال واسعة في صفوفهم، طالت حتى الصحفيين.

فيما أثارت مشاهد العنف تلك ردود فعل واسعة في الرأي العام بالبلاد، وصعّدت موجة غضب، فاقت تلك التي دفعت شباب "GenZ 212" للخروج أول الأمر، ما يهدد بإطالة أمد الاحتجاج الذي يُعَدُّ الأوسع منذ حراك الريف عام 2017، ويَعِدُ بمنحه زخماً شعبياً أكبر، مذكِّراً بما آلت إليه تحركات مماثلة في النيبال مطلع الشهر الجاري.

جذور احتجاجات "جيل Z"

في 5 سبتمبر/أيلول، وأياماً قليلة قبل حلول الذكرى السنوية الثانية لزلزال الحوز، الذي خلّف ما لا يقل عن 3 آلاف قتيل ودماراً واسعاً في قرى المنطقة النائية جنوب البلاد، كان ولي العهد المغربي الأمير الحسن يترأس حفل تدشين ملعب "مولاي عبد الله" بالعاصمة الرباط، الذي أعيدت تهيئته بمعايير جودة عالمية من أجل احتضان مباريات كأس إفريقيا والمونديال مستقبلاً.

وكانت هذه الصور التي تداولتها وسائل الإعلام المغربية لتكون مبعث استحسان ورضا عموم الشعب المغربي، لولا تزامنها مع عودة مشاهد البؤس ومعاناة منكوبي الزلزال، الذين لم يُعَمَّر عدد من قراهم إلى اليوم، وهو ما أثار سخطاً تم التعبير عنه بتداول مقاطع فيديو ومنشورات تكشف هذه المفارقة، كما تستنكر غياب رعاية الطبقات الشعبية عن لائحة أولويات السياسة العمومية للحكومة.

بالتوازي مع ذلك، خرج العشرات من سكان مدينة أكادير (جنوب المغرب) للاحتجاج على تردي أوضاع المرفق الصحي الرئيسي بالمدينة، مستشفى "الحسن الثاني"، رافعين شعارات "لا نريد كأس العالم! الصحة أولاً!". هذه الاحتجاجات التي واجهتها السلطات بقمع واسع، وتم تفريقها باستعمال القوة.

كل هذه المؤشرات، تأتي لتؤكد واقعاً اجتماعياً واقتصادياً متردياً في المغرب، على ما يبدو أن الحكومة تسعى لإخفائه وراء تنميق الواجهات الأمامية للبلاد، كالعاصمة الرباط وبعض المدن السياحية الكبرى، وفق ما يجمع عليه الرأي العام بالمملكة. وقبلها، دقت عدد من التقارير المحلية والدولية ناقوس الخطر بشأن هذه الأوضاع.

ففي ما يخص جودة التعليم، ظلت المؤسسات التعليمية المغربية متذيلة التصنيفات الدولية، وحسب مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2024، حل المغرب في المركز الـ98 عالمياً من أصل 141 دولة شملها التقييم. وهو الأمر ذاته بالنسبة لمؤشرات التنمية البشرية، إذ تقبع المملكة في المرتبة 120 عالمياً، من أصل 193 دولة، في مؤشر التنمية البشرية السنوي ضمن تقرير عام 2025 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

بالمقابل، وبالرغم من أن معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، كشفت عن تراجع ملموس في نسب الفقر، إلا أن الفوارق المجالية لا تزال قائمة بشكل فج، بحيث يتفشى الفقر بشكل أكبر في العالم القروي المهمش، بالتوازي مع التعافي النسبي في الحواضر.

من "ديسكورد" إلى الشارع

في ظل هذه الأوضاع المشحونة نمت فكرة القيام بحراك احتجاجي بين شباب "جيل Z"، ما دام أسوةً بما قام به أقرانهم في النيبال، الذين أسقطوا الحكومة وأحرقوا البرلمان احتجاجاً على قمع الحريات الواسع بالبلد الآسيوي.

وعلى ذات الشاكلة أيضاً، اجتمع شباب المغرب في غرفة محادثة على تطبيق "ديسكورد"، حيث تنظموا في اجتماعات أشبه بالجموع النضالية العامة، وقرروا عبر تصويت ديمقراطي الخروج يومي 27 و28 سبتمبر/أيلول. فيما ظل صاحب أو أصحاب الفكرة الأوائل مجهولين لحد الآن.

وصولاً إلى اليوم الموعود، كان الترقب سيد الموقف بين أوساط الرأي العام المغربي، يأججه سؤال: هل فعلاً سيقدم الشباب على الخروج؟ بينما الجواب جاء مساء السبت، حيث شملت المظاهرات معظم مدن البلاد، رافعين شعارات تندد بتردي أوضاع المعيشة وبآمالهم في حياة كريمة ومستقبل مشرق، ملخصين مطالبهم في هتاف: "حرية، كرامة عدالة اجتماعية!".

بالمقابل، وحتى قبل بدء المظاهرات، كانت الشرطة وقوات مكافحة الشغب تملأ الساحات العامة بالمدن، تتدخل بعنف لتفريق أي تجمع لأكثر من ثلاثة شبان.

عن تلك اللحظات يحكي "راي راي" (اسم مستعار)، في تصريحات لـ "عربي بوست"، قائلاً: "مع وصولي، بصحبة صديقين، إلى ساحة 9 يوليوز (بمدينة وجدة شرق البلاد)، حتى بادرنا عدد من رجال الشرطة بزي مدني بالسؤال: ما تفعلون هنا؟ أجبنا كذباً: نحن نستجم! فسرعان ما قاموا بنهرنا ومطالبتنا بمغادرة المكان (…) حرفياً كان عدد قوات الشرطة أكثر بعشرات المرات من المتظاهرين".

ومن جهتها، تحكي ندى، وهي شابة خرجت للاحتجاج في مدينة الدار البيضاء: "يوم السبت، كان من المقرر أن نتظاهر في ساحة الجامعة العربية، لنتفاجأ بأنها مكتظة برجال الشرطة الذين كانوا يمنعون أي أحد من الدخول إليها (…) وعندما أصررنا على التجمهر والاحتجاج، هجموا علينا بسرعة لتفريقنا بالقوة، عصيهم لم تفرق بين شبان وصبايا، وكانوا ينشلون هواتف كل من كان يصور، كما طاردونا في الشوارع المتفرعة عن الساحة".

طوال ليلة ذلك اليوم، تداولت وسائل التواصل المغربية مقاطع توثق القمع الواسع للاحتجاجات، وشوهد عدد من الشباب يعتقلون بينما كانوا يدلون بتصريحات للصحافة، فيما الإعلام العمومي لم يُدلِ بأي كلمة عما وقع. بالتزامن مع ذلك، كانت الاجتماعات الجهوية جارية بين المحتجين على منصة "ديسكورد"، من أجل تقييم خرجة اليوم والتهيئة لغدها.

وفي يوم الأحد، تكررت نفس مشاهد الإنزال البوليسي والقمع والاعتقالات، بالرغم من أن المحتجين تدارسوا خططاً لتفادي كل ذلك.

وفي هذا، تورد ندى لـ "عربي بوست": "في خرجة الأحد اخترنا التظاهر في درب السلطان (منطقة شعبية وسط الدار البيضاء)، لما تمنحنا إياه الأزقة الشعبية من وسائل للهروب من الشرطة، وإعادة التجمهر. لكن، ومع ذلك، استمر نفس سيناريو الضرب، بل وقامت شرطيات نساء هذه المرة، من أجل قمعنا نحن الشابات".

هذا وحسب تقديرات، بلغ عدد الاعتقالات أزيد من 70 شخصاً، بمن فيهم صحفيون كانوا حاضرين على هامش المظاهر. وأُطلق سراح معظم الذين تم اعتقالهم ساعات بعدها، فيما ليس من المعروف لحد الآن عدد من أودعوا الحراسة النظرية قصد المتابعة القضائية.

"GenZ 212" نقطة تحول احتجاجي في المغرب؟

تعد احتجاجات "GenZ 212" أقوى حراك شعبي يشهده المغرب منذ حراك الريف عام 2017. وعلى شاكلة حراك الريف، أبدى الشباب المغربي المحتج هذه المرة أيضاً رفضه للأحزاب السياسية والنقابات، كما أعلن القطيعة معها.

بالمقابل، أتوا هذه المرة بما هو سابقة في التاريخ الاحتجاجي بالمغرب، حيث إن التنسيق والتعبئة للتظاهر تتم بشكل كامل في العالم الافتراضي. وهو ما يطرح أسئلة حول قصور المؤسسات السياسية في المغرب في استيعاب الغضب الشعبي، وإلى أي مدى تعيد وسائل التواصل الاجتماعي تشكيل الفعل الاحتجاجي في البلاد؟

في إجابته عن هذه الأسئلة، يصرح الصحفي المغربي حمزة الفضيل لـ "عربي بوست": "في نظري، حركة جيل زاد هي تعبير عن أمرين مهمين: الأول، هو أن الشارع المغربي لا يزال محافظاً على الشرارة الاحتجاجية منذ 2011، وأن الركود الذي كان ما هو إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة، وأتوقع أن نشهد مستقبلاً أشكالاً جديدة من الاحتجاج لم نكن نتصورها من قبل ولن ندرك مآلاتها".

"أما الأمر الثاني"، يضيف الفضيل، "فهو أن خروج هذه الحركة مؤشر على إفلاس الأحزاب السياسية والعمل الحكومي. وأن الشباب يدركون اليوم أن السلطة الحقيقية ليست في يد الحكومة وليست في يد الأحزاب، وبالتالي فقدوا الثقة في المشاركة السياسية المؤسساتية، وعوض ذلك أيقنوا بأن الشارع هو الكفيل بتحقيق المطالب".

أما عن المقاربة الأمنية، يورد الصحفي المغربي الذي تم اعتقاله على هامش مظاهرة يوم الأحد: "إن تغيير السلطات لمقاربة الاحتواء، والاعتماد أكثر على مقاربة العنف، في نظري عائد إلى أن السلطة مرتبكة بشأن مسار التحرك بحيث إنها لا تدرك مآلاته لأنه لا ينضوي تحت أي جهة حزبية معروفة".

في ذات السياق، وبخصوص دور وسائل التواصل الاجتماعي في الحركة الاحتجاجية لجيل زاد، يرى أسامة باجي، الباحث المغربي في التواصل السياسي، أن "وسائل التواصل الاجتماعي اليوم أعادت تشكيل الحركات الاحتجاجية في المغرب، سواء من حيث طبيعة التعبئة أو أساليب التأطير وطرق الانتشار".

ويوضح باجي، في تصريحات لـ "عربي بوست": "ففي الفضاء الرقمي، لم تعد الاحتجاجات تعتمد على الهياكل التقليدية مثل النقابات أو الجمعيات أو الحقوقيين، بل أصبحت تنشأ وتتوسع من خلال شبكات رقمية لامركزية، حيث يكفي فيديو أو منشور أو وسم حتى يفتح المجال أمام موجة من التفاعل قد تتحول في ساعات إلى دعوة للاحتجاج الميداني".

ويختم الباحث المغربي كلامه بالقول: "في المقابل، لم تبقَ الدولة مكتوفة الأيدي أمام هذه التحولات؛ إذ طورت أساليب للرصد والمراقبة وحجب المحتوى أحياناً، كما حدث مع بعض الصفحات في فترات الحراك، إضافة إلى الملاحقات القانونية لبعض الناشطين. وهنا نتحدث عن "الرقمنة القمعية"، أي أن نفس الأدوات التي تتيح التعبئة يمكن أن تتحول إلى أدوات للرصد والسيطرة".

تحميل المزيد