البرنامج النووي والصواريخ في قلب المعركة.. سيناريوهات الصراع الإيراني الإسرائيلي

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/28 الساعة 20:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/28 الساعة 20:38 بتوقيت غرينتش
توقعات بحرب جديدة بين إيران وإسرائيل-عربي بوست

بعد اثني عشر يوماً من الحرب الدامية بين إيران وإسرائيل، والتي انتهت بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف إطلاق النار، بدا في طهران أن الهدوء ليس سوى استراحة قصيرة قبل جولة جديدة من الصراع. فالمسؤولون والقادة الإيرانيون، الذين تابعوا حجم الخسائر وعمق الاختراقات الإسرائيلية، يدركون أن المواجهة لم تنتهِ بعد، بل دخلت مرحلة أكثر تعقيداً وخطورة.

منذ ذلك الحين، شرعت المؤسسة السياسية والعسكرية الإيرانية في مراجعة الأخطاء وإعادة تقييم أدواتها، من إعادة بناء القدرات العسكرية إلى تطوير استراتيجيات جديدة لا تقتصر على الدفاع، بل تضع خيار المبادرة بالهجوم على الطاولة، تحسباً لأي ضربة إسرائيلية مفاجئة قد تندلع في أي لحظة.

الهجوم بدلاً من الدفاع؟

تلقت إيران ضربات موجعة من إسرائيل، فقدت خلالها أبرز قادتها العسكريين وعشرات من علمائها النوويين المسؤولين عن تطوير برنامجها النووي، في عمليات مفاجئة لم يكن أحد يتوقعها داخل إيران. وقد أثر ذلك على سرعة الرد الإيراني بسبب كثافة الهجمات وتنوع أهدافها بين الاغتيالات والهجمات على المنشآت العسكرية والنووية.

هذا الوضع دفع القادة العسكريين إلى إعادة النظر في استراتيجيات الدفاع التقليدية. وكشف مصدر سياسي مقرب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست" أن "القادة العسكريين الإيرانيين، وبعد انتهاء الحرب، سارعوا إلى إعادة تقييم منظومة الدفاع وبعد مداولات مطوّلة، بات الاتجاه أقوى نحو تبني استراتيجية المبادرة بالهجوم بدلاً من الاكتفاء بالدفاع وانتظار الضربات".

ويضيف المصدر: "لطالما التزم بعض قادة الحرس الثوري، ممن اغتالتهم إسرائيل يوم 13 يونيو، بسياسة الصبر الاستراتيجي وضبط النفس لتجنّب الانجرار إلى حرب شاملة، لكن الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية أقنعت عدداً من القيادات بأن هذه السياسة جعلت إسرائيل أكثر جرأة وأظهرت إيران بمظهر الضعف".

ويعلق محلل عسكري إيراني مقرّب من الحرس الثوري قائلاً: "إيران اعتمدت منذ سنوات طويلة على استراتيجيات الدفاع التقليدية، مستندة إلى الحلفاء في محور المقاومة لتأمين الجبهة الأمامية. غير أن الحرب الأخيرة واستهداف حزب الله في لبنان كشفا أن سياسة الصبر الاستراتيجي لم تعد فعّالة".

ويضيف: "هذا الالتزام بالاستراتيجيات التقليدية جعل إسرائيل قادرة على توقّع معظم ردود أفعال إيران، وبالتالي تمكنت من استهدافها بفاعلية في يونيو الماضي. لذلك، يسود الآن توجه قوي بضرورة مفاجأة العدو والمبادرة بالهجوم لإرباكه".

الأزمة الأمنية وحماية الصواريخ الإيرانية

ترى المؤسسة العسكرية الإيرانية أن التحدي الأكبر حالياً لا يقتصر على حماية المنشآت النووية ومخزونات اليورانيوم عالي التخصيب، بل يشمل أيضاً إعادة بناء وتأمين منشآت تصنيع الصواريخ ووقودها.

يقول مصدر أمني مطلع لـ"عربي بوست": "الاختراقات الإسرائيلية العميقة زادت من صعوبة مهمة إعادة بناء المنشآت الصاروخية، في وقت تحتاج فيه إيران إلى مضاعفة إنتاجها من الصواريخ".

ويضيف: "هجمات 13 يونيو، التي استهدفت الأراضي الإيرانية وأدت إلى اغتيال كبار القادة والعلماء، كانت نتيجة اختراقات أمنية متراكمة داخل الأجهزة الإيرانية. ولذلك نعمل حالياً على إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وتنظيمها، بالتوازي مع إعادة بناء القدرات الصاروخية. لكننا ندرك أن لإسرائيل عملاء ما زالوا نشطين داخل إيران، يراقبون كل تحرك في هذا المجال".

ويؤكد محلل عسكري آخر أن "إسرائيل تضع المنشآت الصاروخية على رأس قائمة أهدافها مثلها مثل المنشآت النووية. ولهذا تسعى طهران إلى تعزيز السرية وتأمين عمليات إعادة البناء، بهدف مضاعفة إنتاج الصواريخ استعداداً للحرب المقبلة".

بين الدبلوماسية والغموض النووي

لا يزال البرنامج النووي الإيراني في قلب الصراع. فبعض المسؤولين يرون أن فشل المسار الدبلوماسي وعدم التوصل إلى صفقة نووية مع الغرب سيمنح إسرائيل الذريعة لمهاجمة إيران مجدداً.

من جهة أخرى، تضغط الدوائر الأصولية من أجل الاستمرار في سياسة "الغموض النووي" عبر وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم الكشف عن مصير مخزونات اليورانيوم عالي التخصيب.

السياسي الإصلاحي إحسان قديري قال لـ"عربي بوست": "إيران تستطيع تجنب صراع جديد إذا توافرت الإرادة السياسية للمضي في المسار الدبلوماسي. أما التمسك بالغموض النووي من دون اتفاق، فسيمنح إسرائيل سبباً قوياً لشن هجمات دامية ضد بلادنا".

لكن الأصوات الأصولية تردّ بأن الهجوم الإسرائيلي عشية الجولة السادسة من المفاوضات النووية دليل على "وهم الرهان على الدبلوماسية". ويضيف مسؤول أصولي مقرب من المؤسسة السياسية: "الأمريكيون والأوروبيون يعتبرون إيران ضعيفة الآن، ويريدون انتزاع تنازلات كبرى. الورقة الوحيدة بيد طهران هي الإصرار على حقها في التخصيب والاحتفاظ بالغموض النووي".

المعضلة الاستراتيجية

تجد المؤسسة السياسية الإيرانية نفسها أمام معضلة حقيقية: الانصياع للمطالب الغربية بتعليق التخصيب، أم التمسك بموقفها الرافض والاستعداد لمغامرة مواجهة عسكرية مع إسرائيل والولايات المتحدة؟

ويعلق محلل عسكري مقرب من الحرس الثوري قائلاً: "تعليق التخصيب سيكون خيانة لدماء العلماء والقادة الذين سقطوا. أما التمسك به، فيجب أن يقترن بإجراءات عسكرية قوية وقدرات رادعة، حتى وإن وصلت إلى مستوى الردع النووي".

ثلاث سيناريوهات محتملة

وفقاً لمصادر إيرانية مطلعة، تتوقع طهران ثلاثة سيناريوهات للمرحلة المقبلة من الصراع مع إسرائيل:

  1. صراع واسع النطاق: اندلاع مواجهة مباشرة تشمل هجمات واغتيالات متبادلة، مع استمرار إيران في الاحتفاظ بمخزون اليورانيوم وتقوية دفاعاتها الجوية وبناء قدراتها الصاروخية بمساعدة روسيا والصين. لكن هذا السيناريو يحمل مخاطر فقدان السيطرة على الحرب واتساع رقعتها.
  2. اللجوء إلى الردع النووي: في حال أصرت إسرائيل على إسقاط النظام، قد تجد إيران نفسها مضطرة لتطوير سلاح نووي كرادع أخير. إلا أن ذلك سيؤدي إلى عزلة دولية أوسع ومخاطر غير متوقعة.
  3. العودة إلى الصبر الاستراتيجي: خيار خفض التصعيد والانخراط في الدبلوماسية، مع التركيز على إعادة بناء القدرات الصاروخية والعسكرية وتعميق التعاون مع روسيا والصين. وهو سيناريو يهدف إلى الحفاظ على النظام وتجنب مواجهة مدمّرة، لكنه يظل مرهوناً بموقف إسرائيل والدول الكبرى.

تحميل المزيد