اختفاء العلاج المجاني في مصر عبء جديد على الفقراء.. 8 أسرة لكل 10 آلاف مريض بالمستشفيات الحكومية و”الطوارئ” بلا ميزانيات

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/17 الساعة 06:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/17 الساعة 06:03 بتوقيت غرينتش
أزمة العلاج المجاني في مصر

أثارت واقعة وفاة إعلامية مصرية بعد اتهام مستشفى حكومي برفض استقبالها وتأخر علاجها لمدة 6 ساعات نظير عدم قدرتها على تحمل تكاليف العلاج، تساؤلات عديدة حول مجانية العلاج المقدم في المستشفيات الحكومية المصرية، بعد شكاوى من تضاؤل وجوده بل واختفائه مع ارتفاع الرسوم المقدمة نظير العديد من الخدمات ومع بدء تطبيق قانون التأمين الصحي الشامل الذي يتداخل مع مفهوم "التأمين الصحي التجاري"، وهو ما يدفع لرصد كيفية تحول العلاج المجاني  إلى عبئ على المواطنين خلال السنوات الماضية.

التأمين الصحي تحول لتجارة

وقال مصدر بلجنة الشؤون الصحية بالبرلمان المصري، إن العلاج المجاني اختفى تقريباً من المستشفيات الحكومية، وأن نظام التأمين الصحي الذي كان سائداً في البلاد طوال عقود لم يعد باقياً كما هو بل جرى استصدار قرارات عديدة ترتب عليها مضاعفة أعباء الخدمات الصحية المقدمة بدءاً من الطوارئ وحتى العلاج، كما أن التأمين الصحي الجديد الذي بدأت الدولة تطبيقه في عدة محافظات أقرب لنظام التأمين التجاري من "التأمين الصحي الاجتماعي" المتعارف عليه في العالم أجمع.

وأوضح المصدر ذاته، إنه في نظام التأمين الصحي القديم كان يتم استقطاع 1% من قيمة راتب الموظف الحكومي لكن مع بدء تطبيق النظام الجديد منذ العام 2018، أضحى الوضع مختلفاً، إذ أنه بالإضافة لتلك النسبة يدفع المريض 10% من سعر الدواء بحد أقصى 1000 جنيه ( الدولار=48 جنيهاً) ، و10% من سعر التحاليل بحد أقصى 700 جنيه، و10% من تكاليف الإشاعات بحد أقصى 750 جنيه، وبالتالي فإنه في حال كان الشخص دائم التردد على مستشفيات التأمين الصحي فإن إجمالي ما يدفعه شهرياً قد يصل إلى 2500 جنيهاً.

وشدد المصدر ذاته، على أنه في حال المريض متوسط التردد على المستشفيات الحكومية فإنه يدفع شهرياً ما يقرب من 500 جنيهاً، وهو مبلغ باهظ بالنسبة لتزايد معدلات الفقر التي تصل إلى نصف عدد المصريين تقريباً وهي نسبة تقديرية نتيجة لعدم وجود إحصائيات دقيقة، ويبقى ميزة التأمين الصحي الجديد في أن الأقسام الداخلية مثل الجراحات والباطنة يدفع فيها المريض رسم موحد يصل إلى 300 جنيهاً، مشيرا إلى أن الموظفين في الأشغال الحكومية كانوا في السابق لا يدفعون أي أموال والوضع الآن مختلفاً.

وذكر المصدر ذاته، أن تعليمات وزارة الصحة بالسماح لعلاج المرضى في الطوارئ لمدة 48 ساعة مجاناً غير قابل للتطبيق لأن ميزانيات المستشفيات الحكومية ضئيلة للغاية وهناك غياب للرقابة على المستشفيات الخاصة، وكان يجب لتنفيذ هذا القرار أن تتضاعف الموازنات الحكومية للصحة، ورغم أن متوسط النسب عالميا تصل إلى 6.9% من إجمالي الناتج المحلي فإن ما أنفقته الحكومة المصرية على ملف الصحة خلال الثلاث سنوات الماضية لم يتجاوز 1.2% من الناتج المحلي في حين أن الدستور يتحدث عن 3% كحد أدني، وهو ما تسبب في تدهور أوضاع بعض المستشفيات الحكومية وتراجع الخدمات فيها.

ولفت إلى أن تراجع الإنفاق على الصحة كان من نتائجه هروب أكثر من نصف الأطباء المصريين إلى الخارج إذ أن التقديرات تشير لاستقبال دول الخليج والدول الأوروبية لنحو 150 ألف طبيب مصري فيما يبلغ عدد العاملين في المستشفيات المصرية حالياً نحو 120 ألف طبيب، وهؤلاء يحصلون على رواتب هزيلة، والأكثر من ذلك أنه أصبح لكل 10 آلاف مريض يقدمون على العلاج بالمستشفيات الحكومية نحو 8 أسرة فقط، وهي ثلث النسبة العالمية.

وأقرت لائحة وزارة الصحة الخاصة بتنظيم المستشفيات العامة ومراكز الخدمات العلاجية بالتعاون مع وزارة التنمية المحلية، في مارس  العام الماضي، زيادة في أسعار تذاكر العيادات الخارجية لتبدأ من 10 جنيهات وحتى 50 جنيهاً في المستشفيات العامة، وخمسة جنيهات في الوحدات الصحية، على أن يجوز مضاعفة كل منها خمس مرات، بعد موافقة مديرية الصحة المختصة، بينما كانت اللائحة القديمة تنص على تحصيل جنيه واحد فقط تحت بند "مقابل عبوة دواء"، وفي إطار اللائحة أصدر الوزير قراراً حدد فيه قيمة الكشف في العيادات المتخصصة للمستشفيات العامة، بأسعار تتراوح بين 15 جنيهاً للممارس العام و45 جنيهاً للاستشاري.

أزمة الدواء في مصر الأدوية منتهية الصلاحية
صورة تعبيرية لمواطن مصري داخل إحدى الصيدليات في القاهرة/ رويترز

وحددت اللائحة رقم 220 لعام 2025 التي اعتمدت في أغسطس الماضي الجاري، قوائم أسعار كلفة الإقامة فقط للمريض لليوم الواحد، بدءاً من 150 جنيهاً للدرجة الثالثة، و180 جنيهاً للثانية، و300 جنيه للأولى، و380 جنيهاً للأولى الممتازة، بينما كانت الإقامة بالجناح كلفتها 550 جنيهاً يومياً.

وكان خبر وفاة الإعلامية المصرية عبير الأباصيري قد أثار موجة من الجدل والانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد اتهام صديقتها مستشفى حكومي برفض استقبالها وتأخير علاجها نحو 6 ساعات لعدم سداد مبلغ 1400 جنيه (الدولار يعادل نحو 48 جنيها).

ورغم أن وزارة الصحة نفت في بيان لاحق أن يكون المبلغ المذكور مقابلا للعلاج، مؤكدة أنه كان رسوما للحصول على نسخة من الأشعة، وأنها تلقت الرعاية الطبية الطارئة فور وصولها إلى المستشفى، إلا أنها أعلنت فتح تحقيق عاجل في الواقعة.

وبعد هذه الواقعة بأيام جرى تداول أخرى وقعت في إحدى مستشفيات منطقة مصر القديمة بالقرب من وسط القاهرة، حيث رفض قسم الطوارئ تقديم الإسعافات الأولية لمريضة تعاني من ارتفاع حاد في ضغط الدم قبل دفع رسوم مالية. 

تطبيق القانون الجديد هدف صعب

أكدت وزارة الصحة والسكان التزامها الكامل بقرار الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، بشأن تقديم العلاج الطارئ في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة لمدة 48 ساعة دون تحميل المريض أي تكاليف مالية، حرصًا على حياة المواطنين وسلامتهم.

وقال مصدر مطلع بلجنة الحق في الصحة، إن العلاج المجاني تقلص بشكل كبير خلال عشر سنوات، وبعد أن كان التأمين الصحي يستقطع فقط 1% من الموظف وهو ما كان يكفي لتقديم خدمات جيدة للمواطنين، الآن القانون الجديد رفع نسبة الاشتراك لكي تصبح 4% على أن يتكفل رب الأسرة قيمة ما كان يتم دفعه من جانب الحكومة نظير اشتراكات الطلاب في المدارس الحكومية حتى 18 عاماً وكان ولي الأمر يدفع اشتراك زهيد لأبنائه يصل إلى5 جنيهات في السنة، والآن أصبح تأمين الأطفال على حساب الأب بحد أقصى ثلاث ابناء إلى جانب الإسهامات التي أقرتها الحكومة في الأقسام المختلفة.

وشدد على أن التأمين الصحي الجديد يؤمن على 4% من المواطنين مع عدم اكتمال مرحلته الثانية في حين أن القانون القديم مازال مطبقاً على 56% من المصريين ما يشير إلى 60% من المواطنين يخضعون للتأمين الصحي الحكومي، ومن المقرر أن يتم تطبيق القانون الجديد على جميع المصريين بحسب نص القانون والبالغ عددهم ما يقرب من 110 مليون نسمة بحلول عام 2030، ويبدو أن ذلك هدفا صعب التحقق على أرض الواقع.

وأشار لوجود صعوبات في ضم كافة المواطنين للقانون الجديد إذ أن المحافظات التي جرى فيها تطبيق القانون الجديد تم إضافة الزوجات والأطفال، وليس هناك صيغة واضحة لإضافة أصحاب الحرف والفلاحين والعاملين في القطاع الخاص وغيرهم، والمشكلة الأكبر تتمثل في أن القانون ينص على أن هؤلاء لابد أن يقوموا بتسجيل أنفسهم في المنظومة الجديدة على أن يدفعوا كل ثلاثة أشهر نسبة 7% من الحد الأدنى للاشتراك الشهري لمن يستفيدون بالتأمين بشكل كامل وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالوضع الاقتصادي لهؤلاء.

ولفت إلى أن كثير من الأسر تعرضت لمواقف صعبة إذ طالبتها المستشفيات الحكومية بمبالغ هائلة نظير عدم سدادها الاشتراك منذ أن جرى تطبيق التأمين الصحي الجديد في المحافظات التابعين لها، نظراً لأن هؤلاء ليس لديهم الوعي الكافي بالتوجه نحو الاشتراك وبالتالي فإن الحكومة سعت لكي تخفف من واقع الأزمة ووعدت بتقسيط تلك الأموال لكنها أموال لم يستفد منها المرضى وهي تساعد في إنهاء ما تبقى من مجانية للعلاج.

شراكة المستشفيات الحكومية والقطاع الخاص كارثة للمريض

وفي فبراير الماضي، أعلن رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي أن "كلفة تجهيز ورفع كفاءة المنشآت الصحية خلال تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بالمرحلة الأولى في ست محافظات، أكثر من 51 مليار جنيه لتغطية 6 ملايين مواطن بالخدمات الصحية، وأكد أن ذلك يدل على حجم الإنفاق المستقبلي المتوقع لتطبيق بقية مراحل المنظومة لتغطية جميع المواطنين بخدمات الرعاية الصحية، إذ يتوقع إنفاق نحو 115 مليار جنيه لتجهيز محافظات المرحلة الثانية.

وتضمنت لائحة العمل بالمستشفيات الحكومية والتي صدرت العام الماضي زيادة الموارد المالية الذاتية للمنشآت الصحية لصالح صندوق لتحسين الخدمة بكل منها، وتضمنت تقليص نسبة العلاج المجاني بالمستشفيات العامة من 60% في اللائحة القديمة، إلى 25% ، واستحدثت نصًا يحدد المستحقين للعلاج المجاني في تلك المستشفيات، وحصرتهم في ست فئات هم: الحاصلون على معاش تكافل وكرامة، والمعاقين حاملو بطاقات الخدمات المتكاملة، وأسر شهداء ومصابي الجيش والشرطة. وهذه الفئات، وفقًا للائحة، تحصل على العلاج دون أي إجراءات. 

أما باقي الحالات وهم: من لا يتمتعون بنظام تأمين صحي أو رعاية صحية، وحالات الطوارئ والحوادث التي تتطلب التدخل السريع لإنقاذ حياة المريض، أو من يخشى تفاقم حالته، فاشترطت اللائحة حصولهم على توصية من لجنة البحث الاجتماعي بالمستشفى وموافقة لاحقة من مدير المستشفى، وبخلاف تلك الفئات، لم تحدد اللائحة الجديدة أي آلية لعلاج غير القادرين ماديًا باستثناء سلطة مدير المستشفى في منحهم خصم لا يتجاوز 30% من تكاليف الخدمة بعد خصم قيمة الأدوية والمستلزمات.

وبحسب مصدر مطلع بنقابة الأطباء، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، فإن مساحة العلاج المجاني في المستشفيات انتهت تقريبا مع صدور لائحة العام الماضي، بخاصة وأن تراجع الميزانيات المخصصة للصحة تسببت في توقف وزارة الصحة عن منح تمويل المستشفيات الحكومية والتي أصبحت مطالبة بأن تغطي نفقاتها ذاتيا، وبالتالي فهي تقوم برفع أسعار الخدمات التي تقدمها لكي تحافظ على قدرتها في تقديم الخدمات الطبية المختلفة.

وأوضح أن تقلص الخدمات الطبية يظهر في عدم قدرة بعض المستشفيات على تقديم الخدمات للمرضى وذلك مع تزايد شكاوى نقص المستلزمات الطبية وهي مرتبطة بتوفر العملة الصعبة ومع توفرها الآن أصبح هناك مشكلة أخرى تتمثل في تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار وعدم وجود ميزانيات تكفي للاستيراد، كما أن ذلك يظهر في عدم توفر بعض الأدوية داخل صيدليات المستشفيات الحكومية واضطرار المواطنين لشرائها من الخارج، كما أن بعض المستشفيات أضحت تصرف العلاج بكميات قليلة لضمان توفيره لأكبر عدد من المرضى.

ولفت إلى أن المشكلة الأكبر الآن هو التعاون بين المستشفيات الحكومية والقطاع الخاص وفقاً لقانون تأجير المستشفيات الحكومية الصادر في يونيو الماضي، إذ أن المرضى أضحوا يواجهون بأسعار وتكاليف باهظة نظير الخدمات التي يحصلون عليها ويكون المبرر هو وجود شريك من القطاع الخاص في إدارتها.

تحميل المزيد