شهدت العلاقات المصرية-الإسرائيلية توتراً متصاعداً في الأسابيع الأخيرة، بعدما فشلت محاولة تل أبيب اغتيال قادة من حركة حماس في الدوحة، لتوجه لاحقاً سلسلة تهديدات مباشرة إلى القاهرة، تعددت أسبابها بين اتهام مصر باحتضان شخصيات قيادية من الحركة، وبين خلافات أعمق تتصل بمجرى الحرب على غزة، وبسياسات القاهرة الداخلية.
وزادت هذه الخلافات خصوصاً مع التسلح المتزايد وتمركز القوات المصرية في سيناء، في المقابل، رفعت مصر من نبرة خطابها، وهو ما اعتبرته أوساط إسرائيلية تصعيداً قد يفقد تل أبيب أحد أهم شركائها الإقليميين، ويزجّ بالعلاقة الثنائية في مرحلة من الغموض والاختبار.
في هذا التقرير نستعرض ما آلت إليه الأزمة التي بدأت صامتة بين القاهرة وتل أبيب منذ بداية الحرب على قطاع غزة، وهذا ما خلق ردود أفعال متباينة داخل الوسط الإسرائيلي، بين مطالب بالتصعيد ضد مصر وبين مطالب بالتهدئة، وعدم الرغبة في فتح جبهة مع شريك إقليمي في الشرق الأوسط.
مواقف إسرائيلية معادية لمصر
شهدت الأيام الأخيرة سلسلة مواقف وتحركات إسرائيلية متسارعة ضد مصر، وكأنها تصبّ مزيدًا من الزيت على نار التوتر القائم أصلاً منذ اندلاع حرب الإبادة الجارية في غزة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- تهديد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بملاحقة قادة حماس في كل مكان، والطلب من مضيفيهم إما طردهم أو محاكمتهم، والمعلوم أن مصر تستضيف عددا منهم بين حين وآخر، دون الكشف عن أسماء أو تفاصيل دقيقة حول مدى تواجدهم فيها.
- كشف مسئولون في القاهرة لموقع "ميدل إيست آي" أن هناك محاولات إسرائيلية لاغتيال قادة من الحركة على أراضيها، مما دفعها لإرسال تحذير لتل أبيب. وكشفت معلومات استخباراتية أن إسرائيل خططت لتصفيتهم في مصر منذ فترة، بعد أن أحبطت الأخيرة خطةً مماثلةً خلال مفاوضات جرت فيها خلال العامين الماضيين، واعتبرت أي محاولة للمس بحياتهم على أراضيها انتهاكًا لسيادتها، وإعلان حرب من إسرائيل، ولن تتردّد في الرد.
- إعلان الجيش الإسرائيلي عن مناورة مشتركة بين الجيش والشرطة في منطقة إيلات على الحدود المصرية، فيما أعلن مسئول أمني مصري أن أنظمة دفاع جوي متطورة تنتشر في سيناء، قادرة على رصد أي تسلل، بالتزامن على اقتصار التواصل الأمني الثنائي حالياً عبر اللجنة العسكرية المُشكّلة لمراقبة تنفيذ اتفاقية كامب ديفيد.
- نقلت صحيفة معاريف اتهام نتنياهو للقاهرة بإغلاق معبر رفح أمام فلسطينيي غزة مما يعيق مخطط تهجيرهم منها، ونشر عشرات الآلاف من الجنود على طول حدودها لمنع تنفيذه، لأنه يؤثر على أمنها، ويقوّض استقرارها، ويخلق "قنبلة بشرية" على حدودها، بما يؤدي لموجة من عمليات الهروب والتهريب والتسلل.
- استمرار إسرائيل في التحكم بوتيرة إدخال المساعدات الإنسانية المصرية المقدمة إلى غزة، وتجاهل طلباتها بإدخال مختلف أنواعها، ومضايقتها لشاحناتها التي تدخل القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، وفقا لما كشفته صحيفة معاريف.
- وزعم موقع "هيدبروت" أن عبوات ناسفة باعها الجيش الأمريكي لنظيره المصري من طراز M112، عثر عليها الاحتلال أثناء تفتيش مستودع في جباليا شمال القطاع، دون كشف كيفية وصولها لحماس، وزعمه أن مجلس الشيوخ فتح تحقيقًا، لكشف المسؤول عن تسليم الأسلحة للحركة.
- اعتبر نقاش جرى في الكنيست مؤخرا أن مصر هي الدولة الأكثر معاداةً للسامية في الشرق الأوسط، وتُشكل التهديد الأكبر لإسرائيل.
- في موقف استثنائي، كشف يانون شالوم يتاخ، المراسل العسكري لقناة آي نيوز24، أن المتحدث باسم الجيش توقف مؤخرا عن استخدام مصطلح "الحدود المصرية"، في الإشارة لتهريب السلاح والمخدرات، واستبدله بمفردة "الحدود الغربية"، رغبة بعدم تأليب الإسرائيليين على مصر.
الرد المصري
في المقابل، اتخذت مصر جملة سياسات ومواقف للرد على الخطوات الإسرائيلية، من أهمها:
- ذكر موقع ويللا أن القاهرة قررت تقليص التنسيق مع تل أبيب حتى إشعار آخر عقب عدوانها على الدوحة، وأنها "تعيد تنظيم" الاتصالات الأمنية معها، واشتراط أنه طالما استمر الاحتلال في سياسته الحالية، فسيكون العمل معه في أضيق الحدود، وبما يخدم أمنها القومي فقط، رغم الإعلان الاسرائيلي بعدم الاعتراف بهذا القرار.
- وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن القاهرة تدرس إمكانية استقبال قادة من حماس تقيم حاليًا في الدوحة، وتأكيدها للأمريكيين أن أي محاولة مماثلة في مصر لما حصل هناك ستكون لها عواقب وخيمة، لكنها لن تتخذ القرار إلا إذا حصلت على ضمانات أمريكية بعدم استهداف إسرائيل لهم.
- تسريبات إسرائيلية عن قيادة مصر لمباحثات تجريها مع تركيا والسعودية بشأن خطوات مشتركة تجاه واشنطن وتل أبيب، لأنه "لا فرق بين ترامب وسموتريتش"، ورصد جهود مصرية مع السعودية وفرنسا لزيادة الضغط الدبلوماسي على الاحتلال، وهو ما ذكرته شاحار كلايمان مراسلة صحيفة إسرائيل اليوم.
- مطالبة القاهرة بإخضاع البرنامج النووي الإسرائيلي للرقابة الدولية، والحفاظ على الشرق الأوسط خالٍ من هذا السلاح.
- ذكر موقع دافار أن مصر أدانت "العدوان" الإسرائيلي ضد قطر، باعتباره انتهاكًا صارخًا لأحكام القانون الدولي، ودعوتها للمجتمع الدولي بألا تتهرب إسرائيل من المحاسبة على ما قامت به، وفقا لما ذكره جاكي خوري مراسل صحيفة هآرتس للشئون العربية.
- تداولت وسائل الإعلام الإسرائيلية بكثافة لافتة دعوة مصر لإنشاء "قوة عربية مشتركة" لتوفير الحماية لأي دولة عربية تتعرض لهجوم، بعد عدوان إسرائيل على قطر، واصفة هذه الدعوة بمحاولة مصرية لتشكيل "ناتو عربي"، وذكرت القناة 12 الإسرائيلية، أن القاهرة تُعلق آمالها على تلقّي الدعم لتنفيذ هذا المقترح، مع احتفاظها بالقيادة العليا لهذه القوة.
- عومري حاييم، مراسل القناة 14، المقربة من نتنياهو، توقف عند حديث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالمطالبة بإقامة دولة فلسطينية على "كامل التراب الوطني"، وهو تصريح وصفه المراسل بأنها يثير علامات استفهام، بزعم أنه يعني إزالة إسرائيل.
- وصف رئيس هيئة الاستعلامات الحكومية المصرية، ضياء رشوان نتنياهو بأنه "ينتمي لليمين التوراتي، كونه أول رئيس وزراء يتحدث عن إسرائيل الكبرى، ويتخيل أن الشرق الأوسط بأكمله تابع له"، كما توقع معلقون مصريون بأن إسرائيل تستعد لحرب كبرى أخرى في المنطقة ضد القاهرة، وسط قناعة بأنها تسعى منذ سنوات لإضعاف الجيش المصري.
تخوف إسرائيلي
أبدى آساف ماغيدو الكاتب في موقع كيكار الإخباري تخوفه من تحوّل محاولة اسرائيل لاغتيال قادة حماس في الدوحة لأزمة دبلوماسية، وربما أمنية مع مصر، التي ترتبط بها بمعاهدة سلام سارية، وتلعب دوراً حاسماً في النظام الإقليمي.
وأضاف أن الإشكالية الحقيقية أن الأزمة تنشب بينما تواصل "الجارة الجنوبية" استثمارها بتدريب جيش حديث، وتطوير قدرات عسكرية متطورة بمساعدة أمريكية، مع الحفاظ على مكانتها كوسيط رئيسي في غزة، وعلى حضورها الدولي، ومكاسبها السياسية والاقتصادية، ورغم أن علاقاتهما مرّت بمراحل توتر منذ اندلاع الحرب، لكن تصريحات نتنياهو الأخيرة فاقمت الوضع أكثر.
وفي هذه الحالة، تبدو إسرائيل مطالبة باعتبار علاقتها مع مصر رصيدًا استراتيجيًا متعدد الجوانب: فهو يوفر الأمن الجغرافي والاستخباراتي والأيديولوجي، وفي الوقت نفسه، لا يكمن مفتاح حلّ الأزمات معها في مزيد من تأزيمها، بل في توفير سُلّم للنزول منه، بهدوء وحزم، وتعزيز التعاون في مواجهة التهديدات المشتركة، وهو ما ذكره المستشرق عوديد عيلام الباحث في مركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية.
من جهته ذكر موقع محادثة محلية الإسرائيلي في تقرير مطول أن الشعور المصري بأن الحرب مع إسرائيل مسألة وقت لا أكثر، حيث يقترب الغضب ضدها من نقطة الغليان، صحيح أنه يصعب تحديد مدى واقعية التقييمات المتعلقة بفتح جبهة عسكرية بينهما.
وحسب المصدر نفسه ثمة أمر واحد واضح وهو أن الجوّ المعادي لها وصل مستويات غير مسبوقة، وسط تأكيداتها بأن الدولة مُستعدّة لخوض حرب ضدّ تل أبيب إذا تجاوزت الخطّ الأحمر، المتمثل بطرد سكان غزة لسيناء، وهي تأكيدات تعكس الخطاب الدائر في أروقة المؤسسة العسكرية والسياسية.
يقول شاهار كليمان مراسل صحيفة إسرائيل اليوم للشؤون العربية إن هناك مجالا للقلق بشأن التصعيد المتزايد بين القاهرة وتل أبيب، عقب قيادة الأولى حملة سياسية وإعلامية ضد مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة.
وأضاف أن تل أبيب تعمل بنشاط في الساحة الدبلوماسية لثني الدول الأفريقية عن استقبالهم، خاصة جنوب السودان وأثيوبيا وأرض الصومال، واستعدادها للتعامل مع أي تهديد أمني عسكري إسرائيلي، وتحقيق الجاهزية الكاملة للرد الفوري على أي هجوم، وهو ما كشفه محافظ شمال سيناء بشأن استعداد الجيش لأي توتر مع إسرائيل.
معهد ميتافيم للدراسات الشرق أوسطية والإقليمية، رصد جملة تحدّياتٍ صعبة تواجه العلاقات الإسرائيلية المصرية، وتأخذها نحو صدام محتمل:
أولها الخوف المصري من تدفق الفلسطينيين من غزة إلى سيناء عبر الحدود، ثانيها مسألة المساعدات الإنسانية المارّة من مصر إلى غزة عبر معبري رفح وكرم أبو سالم، ثالثها مسألة السيطرة على طريق فيلادلفيا السريع، وطوله 14 كم، بين مصر وغزة.
وذكرت صحيفة مكور ريشون أن مصر قادرة على تحقيق تقدم في محادثات إنهاء القتال في غزة، وستتمكن من الإشراف على إعادة إعمارها مستقبلًا، مما يتطلب من إسرائيل الدخول في حوار عميق ومفصل معها للحفاظ على مستقبل علاقاتهما، لأن لها مصلحة في إشراكها في كل هذه المسائل، فتاريخهما طويل في التعاون لمكافحة العناصر التي "تُهدد" الاستقرار، وهو ما أورده الجنرال يوسي كوبرفاسر، الرئيس السابق لشعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان.
بنك أهداف إسرائيلية في مصر
الضابط الإسرائيلي يارون بوسكيلا، المدير العام لحركة "الأمنيين"، وصف مصر بـ"التحدي" القادم من الجنوب، رغم أنها "حليفة" إسرائيل، والتعاون معها ضروري لصياغة "اليوم التالي" في غزة، وتحقيق أهداف الحرب، وتُعد من الدول العربية التي تتمتع بأكبر إمكانات التعاون، نظرًا لقربها من الولايات المتحدة.
وأضاف أنها تشهد تعزيزات عسكرية، وتصاعدا للتوتر مع واشنطن، وتقارباً مع روسيا والصين، مما يثير المخاوف بشأن مستقبل العلاقات معها، ويجعل شراكتها مع إسرائيل غير واضحة، عقب تصعيد الخطاب الرسمي ضدها، وخطوات نقل القوات لسيناء، وتعزيز تحصيناتها، بما يُثير شكوك تل أبيب، كاشفا عن اجتماع عُقد في فبراير بين وفدين رفيعي المستوى من الجيشين بشأن الترتيبات الأمنية على الحدود المشتركة.
واعتبر الكاتب أن هذه "المؤشرات" التحذيرية القادمة من مصر تتطلب إجراء نقاش استراتيجي إسرائيلي، ودراسة كيفية الاستعداد لسيناريو حرب معها، لمراقبة الوضع عن كثب، ووضع خطط طوارئ لاحتمالية تغير الواقع، بما فيها صورة استخباراتية واضحة عن الجيش المصري وقدراته، وبناء قوة عسكرية كرد فعل مناسب للظروف، وفي الوقت ذاته العمل على الحفاظ على اتفاقية السلام بما يتماشى مع مصالحها.
دورون بيسكين الوسيط الاسرائيلي في صفقة تبادل الأسرى مع حماس في 2011، ذكر في مقال نشرته مجلة كالكاليست الاقتصادية، أن انضمام مصر للدعوى القضائية في لاهاي باتهام إسرائيل بارتكاب دعوى "الإبادة الجماعية" في غزة، شكّل ضربةً لعلاقاتهما، وإشارة أخرى حول غضبها من الاحتلال، لأن استمرار حرب غزة يزيد من الضغط الداخلي عليها، ويُدفّعها أثمانًا اقتصادية متزايدة، وانخفاضا بحركة الملاحة بقناة السويس.
هذه القراءة دفعت بأصوات إسرائيلية تعتبر أن احتمالية نشوب حرب مع مصر تتزايد، لأنها عندما وقّعت اتفاقية كامب ديفيد، قررت داخلياً أنها مؤقتة، وبدأت استعداداتها لهذه الحرب قبل 45 عامًا، بدليل أن أي رئيس مصري لم يزر إسرائيل بعد السادات، ولم تستقبل مسئوليها الكبار في أماكن يُستضاف فيها الرئيس الأمريكي.
كما أن أي مصري يرغب بزيارتها يجد نفسه في مكاتب المخابرات المصرية للاستجواب، بل إنه بات مطلوباً التحقيق في دور مصر بـ"تضليل" إسرائيل عشية هجوم الطوفان، حين خدعتها بالقول إن حماس مردوعة، على حد زعم إيلي ديكل، الباحث في أنظمة الاستخبارات والبنية التحتية، في مقاله المنشور على موقع ميدا اليميني.
أميرة أورون، السفيرة السابقة في القاهرة، والباحثة بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، اعتبرت في مقال نشرته صحيفة هآرتس، أن السلام البارد مع مصر يزداد برودة، لأن حرب غزة تقوّض علاقاتهما، وإن تحليلا لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في مصر يرسم صورة قاتمة لموقف سلبي حاد تجاه إسرائيل، لم نشهد له مثيلاً في السنوات الأخيرة.
ورغم كل ذلك، فإننا مطالبون باستيعاب الرأي العام المصري، لأنه قوة مؤثرة لا يمكن تجاهلها، وقد يكون عداؤه تجاهها أمرًا طبيعيًا، لكن الجانبين يتحمّلان مسؤولية النظر لما وراء الأزمة الحالية، لأن تحدّيهما المشترك هو الحفاظ على العلاقات السلمية، وتعزيزها ودعمها، مع إظهار التفاهم المتبادل في أوقات التوتر.
وأضافت في مقابلة مع مجلة غلوبس الاقتصادية، أن الرأي العام المصري لا يزال معاديًا لإسرائيل إلى حدّ كبير، وكسفيرة، لم أتمكن من إجراء أي مقابلة مع وسائل الإعلام المصرية، ولا برنامج بودكاست، وهو ما فشل فيه كل أسلافي منذ 45 عامًا من السلام.
وأضافت أنه بعد اندلاع حرب غزة ينظر المصريون بشكل عدائي تجاهنا، فيما يعتبرون حماس مقاومين، واكتسبت الحركة شرعية لديهم، وبدأ متحدثوها الرسميون يظهرون في برامج تلفزيونية رئيسية، ورغم كل ذلك، فإننا مطالبون بتعزيز العلاقة مع مصر.
استمرار العدوان على غزة زيادة التصعيد بين تل أبيب والقاهرة
البروفيسور إيلي فودة، أكد في مقال نشرته القناة 12، أن إسرائيل ومصر تجاوزتا، حتى الآن، وإن كان بصعوبة، غالبية التحديات التي فرضتها حرب غزة، فبينهما مصالح استراتيجية مشتركة هامة، أهمها إعادة الهدوء للقطاع والمنطقة بأسرها، وفي الوقت ذاته هناك العديد من القضايا المتضاربة، أهمها سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا، وتشجيعها لهجرة سكان غزة إليها.
وحسب المتحدث هذا ما تعتبره مصر خطًا أحمر، وفيما تدعم الأخيرة عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، أعربت إسرائيل عن معارضتها لها، لكن التنسيق الوثيق المطلوب بينهما قد يكون، وليس أكيدا، كفيلا بعدم تحقق السيناريو المرعب المتمثل بالصدام العسكري.
واعتبر في مقال آخر أن حجم مصر وأهميتها وقربها يجعلها أهمّ حليف عربي لإسرائيل، مما يتطلب بقاء قنوات الاتصال الدبلوماسية والأمنية مفتوحة بينهما، وزيارة الوفود المتبادلة، وفي الوقت ذاته يستدعي توقف وزراء الحكومة عن الإدلاء بتصريحات سياسية متطرفة لا داعي لها، تلاقي أصداءً سلبية في وسائل الإعلام المصرية، لأن الحفاظ على العلاقة مع مصر ينبغي أن يُعطى الأولوية للسياسة الخارجية الإسرائيلية.
صحيفة معاريف اعتبرت أن التصريحات غير المسؤولة وغير الضرورية التي أدلت بها شخصيات إسرائيلية زادت من المخاوف المصرية، ورغم وجود رأي عام مصري معادٍ لإسرائيل، وتصريحات سياسية تحريضية أحيانًا، فقد نجح السيسي باتباع سياسة معتدلة ورصينة تجاهها.
كما أنه امتنع عن استدعاء سفيره من تل أبيب، أو طرد سفيرها من القاهرة، مما يتطلب من إسرائيل أن تنتبه للقضايا الحساسة في السياسة المصرية، وتتجنب التصريحات التي قد تُستخدم ضدها في وسائل الإعلام، وحلّ القضايا الإشكالية بالاتفاق والتفاهم، وقبل كل شيء، بالصمت.
إيلي كلوتشتاين الباحث في معهد مسغاف للشئون الاستراتيجية والصهيونية، أكد أن حرب غزة تضع القاهرة في خيارات لا تلقى تأييدا في إسرائيل، فالقاهرة لديها مصلحة بالحفاظ على حماس، وإبقائها على قيد الحياة، مع إضعافها، وتعتقد أن إنهاك إسرائيل وحماس لبعضهما، سيمنحها ربحاً مُضاعفًا، وتسعى لاستخدام الحركة كورقة ضغط على إسرائيل، بهدف تحسين وضعها، وهو ما يُمثل سيناريو محتملًا كسلاحٍ كارثي أمام تل أبيب.
ورغم ذلك، فلا زال قطاع واسع من الإسرائيليين يعتبرون مصر حليفًا وشريكًا محتملًا لإسرائيل، والتعاون معها أمرًا بالغ الأهمية والضرورة، من أجل رسم ملامح "اليوم التالي" في غزة، وتحقيق أهداف الحرب، رغم توترات العلاقات معها، في ضوء التزامها بدعم الفلسطينيين، وقلقها من تهجيرهم من غزة إلى سيناء.
كما أن الخوف أن تُشكّل الحرب تهديدًا لاستقرارها الداخلي، مما يتطلب من إسرائيل التوصل لاتفاقات مع مصر، ومراعاة مصالحها قدر الإمكان، واستغلال أزمتها الاقتصادية التي تعاني منها، واستخدام صادراتها من الغاز، وعلاقاتها بالولايات المتحدة وإثيوبيا لمساعدة مصر على التعامل مع صعوباتها، وهو ما ذكره شاحار سيترون، الباحث في جهاز الاستخبارات العسكرية، في ورقة علمية نشرتها حركة "الأمنيين".
وأضاف أن الجيش المصري يُعدّ من أقوى جيوش العالم، حيث يخدم فيه 440 ألف جندي نظامي، و480 ألف جندي احتياطي، ويحتل المرتبة 15 في العالم من حيث القوة، ويمتلك فرقًا مدرعة ميكانيكية وألوية مدفعية وألوية محمولة جواً وقوات خاصة، دون الكشف عن ميزانيته، مما يثير تساؤلات مُقلقة حول استعداد إسرائيل لهجوم مفاجئ من مصر، ومدى امتلاكها قدرة حقيقية للرد على مثل هذا الهجوم.
أفنير هوفشتاين مراسل موقع زمان إسرائيل، أكد أن سياسة الحكومة ستأخذها إلى حيث تجد نفسها في صراع مباشر مع مصر، الدولة الوحيدة التي تشترك في حدود مع غزة، من خلال الإضرار بعلاقاتها الاستراتيجية معها في ظلّ واقعٍ أمنيٍّ محفوفٍ بالمخاطر، مما يعني تعريض أمن الدولة لخطرٍ حقيقي، من خلال إشعال النار في حدودها الجنوبية الهادئة منذ عقود.
السجال الإسرائيلي بين مؤيد ومعارض
"عربي بوست" أجرى جولة على عدد من حسابات المسئولين والباحثين الإسرائيليين في الأيام الأخيرة على منصة إكس، ووجد أن التخوف من اندلاع مواجهة عسكرية مع مصر موضوع رائج، وبكثرة، ومنها:
- يائير لابيد، زعيم المعارضة، اعتبر أن سياسة الحكومة تجاه مصر تشكل ضربةً موجعة لاتفاقيات السلام، مما يعني زعزعة مكانتنا الدولية، من خلال مزيج قاتل من عدم المسؤولية والهواة والغطرسة التي تُمزّقنا بنظر العالم.
- الجنرال يائير غولان، زعيم حزب "الديمقراطيين"، حذر أن نتنياهو يدفع إسرائيل لعزلة سياسية عن العالم، ويُلحق الضرر باتفاقيات السلام الاستراتيجية مع مصر والأردن، ويُعرّض اتفاقيات إبراهيم ورؤية التطبيع الإقليمي للخطر.
- ناعوم أمير المراسل العسكري للقناة 14، زعم أن استعدادات مصر العسكرية ليست وهمية كما يزعم الجيش الإسرائيلي، لأنه عندما تُفتح علينا أبواب الجحيم، سيقول الجيش: "أولًا نقاتل، ثم نحقق".
- داني إلغارات، ضابط الشرطة السابق، زعم أن أمن إسرائيل، والسلام الذي بُني عليه الاستقرار الإقليمي على وشك الزوال، لأنه بعد حرب يوم الغفران، نجحت إسرائيل بتفكيك وحدة الدول العربية من حولها، وتحقيق اتفاقيات سلام مع مصر والأردن، وتهدئة الحدود لسنوات، لكنها اليوم، وبدلًا من الحفاظ على هذا الإرث، تعتزم مصر إنشاء قوة عربية موحدة ضدها، ومع استمرار الحرب في غزة، تتفاقم العزلة وانعدام الأمن، مما يتطلب وقف الحرب، وإبرام صفقة حقيقية مع الفلسطينيين قبل فوات الأوان.
- منصة YBCisrael الشهيرة في إسرائيل، ذكرت أن الأيام الأخيرة شهدت إعلان جميع الدول العربية الحرب على إسرائيل، لاسيما مصر التي أكدت استعدادها للمساهمة بعشرين ألف جندي في جيش حلف عربي جديد في الشرق الأوسط، سيتم تشكيله وتشغيله ضد إسرائيل للحد من قدراتها وهيمنتها، مما يعني أنه من الآن فصاعدًا، الباب مفتوح لاحتلال سيناء وشرق الأردن، وطرد الفلسطينيين.
- إيغال مالكا، رئيس حركة الأغلبية اليهودية، دعا لأن تتلقى مصر رسالة قوية وصارمة من إسرائيل بسحب قواتها من سيناء مسافة 200 كيلومتر، وفورا.
- إلحنان غرونر، الصحفي الاستقصائي في إذاعة الصوت اليهودي، يحذر من هجوم طوفان جديد يأتي من الحدود المصرية، بعد عودته من هناك بتحذير مرعب لأن الفوضى فيها قد تؤدي لكارثة أخرى.
- روث واسرمان لاندا، الزميلة البارزة في معهد ميسغاف، التي حلّت ضيفة على الكنيست للإدلاء برأيها في لجنة ناقشت الوضع في مصر، زعمت أن مصر تتجه نحو الحرب، مما يتطلب من إسرائيل أن تكون متواضعة في تقييماتها، وتراجع نفسها مرارًا وتكرارًا.
- الحاخام المتطرف نير بن آرتسي، غرّد عبارة قصيرة، لكنها وجدت رواجا كبيرا من القراء، نصّها الحرفي أن "مصر تريد مفاجأتنا مثل السابع من أكتوبر".
الجنرال إيريز وينر، المساعد السابق لقائد الجيش غابي أشكنازي، تساءل في تغريدة مؤخرا "هل سيخرج الشر من الجنوب، فالمصريون يتسلّحون، ويجهّزون أنفسهم باستمرار، وتهديدهم الرئيسي هو إسرائيل، وسيناء مليئة بالأسلحة وأنظمة التسليح المتطورة، بما يتجاوز بكثير المسموح به، والآن، أمام إسرائيل فرصة سانحة من خلال اعتبار اتفاقية الغاز مع مصر رافعةً لتصحيح الخلل.