في الملاعب الأوروبية، لم تعد أصوات التضامن مع فلسطين غائبة، بل تحولت إلى مشهد حاضر بقوة في مباريات الدوريات المحلية والقارية، حيث ترفرف الأعلام الفلسطينية وتتعالى الهتافات المنددة بحرب غزة.
هذه المظاهر الجماهيرية أثارت حفيظة الاحتلال ومناصريه، الذين اعتبروا أن المدرجات تُستغل لنشر "دعاية كراهية"، بل وصل الأمر إلى اتهام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) بالتغاضي عن رفع اللافتات والشعارات المناصرة للشعب الفلسطيني.
نماذج من لافتات في ملاعب كرة القدم
كشف استطلاع رأي أجراه مركز بيو الأمريكي للأبحاث واستطلاعات الرأي، أن سكان العديد من الدولة الأوروبية يحملون آراءً معادية لإسرائيل، مما يعني نقل بشريات غير سارة لمن يلعب منهم في الأندية الأوروبية.
واحتلت هولندا المركز الثالث في الدول المعادية لإسرائيل، وأبدى 78% من مواطنيها آراءً سلبية تجاهها، بعد تركيا وإسبانيا، وقد شهدت أمستردام مهاجمة الآلاف من مشجعيها الرياضيين نظراءهم الإسرائيليين ممن أتوها مع نادي مكابي تل أبيب، ثم تأتي ألمانيا، حيث يلعب العديد من اللاعبين الاسرائيليين في أنديتها، ثم بريطانيا.
وقد رصد "عربي بوست" العشرات من الشواهد التي تشير اإى تحوّل الملاعب الأوروبية ساحات للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وتنديداً لحرب الإبادة الجارية على غزة، حيث شهدت بطولات كرة القدم التي استضافتها العديد من العواصم الأوروبية حضورًا لافتًا لفلسطين، وبرز أعلامها في الملاعب خلال العديد من المباريات، بجانب مشاهد تعكس التضامن مع قضيتها، ومنها:
- في مباراة فريق باريس سان جيرمان الفرنسي أمام نظيره الأمريكي نادي ساوندرز، ورفع عدد كبير من المشجعين العلم الفلسطيني، وسط هتافات داعمة لفلسطين وقضيتها العادلة.
- سعت عدة أندية أوروبية لرفض مواجهة فرق إسرائيلية في البطولات القارية لكرة القدم، وتقدّمت بطلبات للاتحاد الأوروبي لكرة القدم بذلك.
- تقدّمت رابطة مدربي كرة القدم الإيطالية للاتحادَين الدولي "فيفا" والأوروبي "يويفا" لكرة القدم، بتعليق مشاركة الفرق الإسرائيلية في المسابقات الدولية.
- أعلن الاتحاد النرويجي لكرة القدم، التبرّع بعائدات مباراته ضد إسرائيل في التصفيات الأوروبية المؤهلة لكأس العالم 2026، لصالح الفلسطينيين.
- دعت مقررة الأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز، الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لطرد إسرائيل من مسابقاته المختلفة.
- في نهائي دوري أبطال أوروبا في مدينة ميونيخ الألمانية، أظهرت جماهير باريس سان جيرمان لافتة "أوقفوا الإبادة في غزة".
- طالب نجم نادي ليفربول الإنجليزي محمد صلاح اتحاد "اليويفا" بكشف تفاصيل استشهاد اللاعب الفلسطيني سليمان العُبيد الملقب بـ"بيليه الكرة الفلسطينية"، برصاص الجيش الاسرائيلي، فيما وصف نجم نادي أرسنال الإنجليزي مارتن أوديغارد أن "ما يحدث في غزة أمر فظيع".
- عقب مباراة كأس السوبر الأوروبي، قام مشجعو نادي فنربخشة برفع لافتة "أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة، حرروا فلسطين"، وانضم مشجعو نادي سيلتيك في غلاسكو لهذه الحملة، ورفعوا شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مباراة تصفيات.
- زعمت إسرائيل تعرض لاعبيها دان جليزر وعوفري أراد لهتافات مؤيدة لفلسطين، مما جعلهم يشعرون بالضغط خلال المباراة، وأُجبرا على مواجهة الأعلام الفلسطينية التي رفرفت في الملعب.
- شهدت مدينة غلاسكو احتجاجات ضد إسرائيل، ورفع لافتات تحمل شعارات "امنحوها بطاقة حمراء لأنها ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين".
- شهدت مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا الماضي، بين باريس سان جيرمان وانتر ميلان، تضامناً مع القضية الفلسطينية، ورفع المشجعون لافتات على مدرجات ملعب اليانزا، لتذكير العالم بغزة.
- منع نادي ليفربول الإنجليزي، الذي كان يومًا ما يُحب الإسرائيليين، الجماهير من رفع لافتات تخليدًا لذكرى القتلى الإسرائيليين في هجوم حماس في السابع من أكتوبر.
ضغط الجماهير الأوروبية
إضافة للشواهد الواردة أعلاه، يخشى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أن تكون مشاركة مكابي تل أبيب الإسرائيلي في الدوري الأوروبي 2025-2026 ستفرض عليه تحدّيات كبيرة من الناحية الأمنية، واحتمال اندلاع احتجاجات ومظاهرات من الفرق التي ستلعب ضده.
وسيلعب مكابي تل أبيب الإسرائيلي ضد فرق أستون فيلا الإنجليزي، ودينامو زغرب الكرواتي، وأولمبيك ليون الفرنسي، وبولونيا الإيطالي، وفرايبورغ وشتوتغارت الألمانيين، وباوك سالونيك اليوناني وميتيلاند الدانماركي.
وقال بن غولدفرويند مراسل القناة 12 للشئون الرياضية، إن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم قرر تعميم لافتة "أوقفوا قتل الأطفال.. أوقفوا قتل المدنيين" على أرضية الملعب قبل مباراة كأس السوبر، التي جمعت بين حامل لقب دوري أبطال أوروبا باريس سان جيرمان وبطل الدوري الأوروبي توتنهام، بمدينة أوديني بإيطاليا، وعندما تم تسليم اللاعبين ميدالياتهم، شهدت المراسم مشاركة طفلين فلسطينيين لاجئين في إيطاليا من غزة.
الطفلان هما "تالا"، البالغة 12 عامًا، أصيبت بإصابة في الرئة، ونُقلت إلى ميلانو لتلقي العلاج الطبي المناسب، نظرًا لنقص المعدات اللازمة في غزة بعد بدء الحرب، و"محمد" البالغ 9 سنوات، فقد والديه خلال الحرب، وأصيب بجروح خطيرة في غارة جوية. ونظرًا لخطورة حالته وصغر سنه، تمكن مع جدّته من مغادرة غزة، وتم استقبالهما في ميلانو، حيث يتلقى حاليًا العلاج الطبي.
فيما أعلن نادي فورتونا دوسلدورف الألمانيّ، أنّه لن يتعاقد مع اللاعب الإسرائيليّ شون فايسمان، بسبب معارضة جماهيره التي لا تريده في الفريق، بعد أن عبّر في مناسباتٍ عديدةٍ عن تأييده لمحو مدينة غزّة عن الوجود، وتساءل بوقاحة: لماذا لا يستخدم الجيش قنابل بزنة 200 طُنٍّ؟ وقد ظهر لافتا أن هذا التضامن الواسع مع الفلسطينيين جاء في قلب الملاعب الألمانية التي تفرض قيوداً مشدّدة على التعاطف مع فلسطين.
من جهته يرى نير كيبنيس الكاتب الاسرائيلي في موقع ويللا، أكد أن هذه الشواهد ليست مجرد أحداث رياضية، بل إنها لافتة من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بمثابة بطاقة صفراء لإسرائيل، ومثال على منظمة كبيرة "اشترت" رواية الفلسطينيين عن الحرب على غزة، ولم تسلم بالسردية الاسرائيلية عنها، ومع استمرار الحرب على غزة فقد تحصل الفرق الكروية الإسرائيلية على بطاقة حمراء، يحظر دخولها للملاعب الأوروبية، لاسيما وأن مثل هذه الظواهر تحصل في مباريات رمزيةً وبين فرق كبيرة.
وزعم الكاتب أن التحول الخطير الجاري في الأندية الأوروبية تجاه إسرائيل مرتبط بشراء قطر للعديد منها، عقب استضافتها لكأس العالم، ورعاية أندية كرة القدم الرائدة حول العالم، وهو ما شهدته ملاعب إسبانيا وأيرلندا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، مع أن قادة الدول الأخيرة زاروا إسرائيل دعماً لها بعد هجوم الطوفان.
الأوروبيون خارج الملاعب الإسرائيلية
وأثار ألكسندر تشيفرين رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، غضب الإسرائيليين أن "ما يحدث للمدنيين في غزة يؤلمني شخصياً، بل ويقتلني، ولا أفهم كيف يمكن لسياسي قادر على فعل الكثير لوقف المذبحة أن ينام وهو يرى الأطفال القتلى، لأنه من المُروّع أن يموت الأطفال جوعا بسبب مصالح سياسية".
في الوقت ذاته، كشفت وكالة "وان" أن إحباطا إسرائيلياً يسود لأنهم في الطريق لموسم رياضي آخر بدون مباريات أوروبية في ملاعبهم، حيث أبلغ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA الفرق الكرويّة الاسرائيلية ببدء الاستعدادات بملاعب خارجية لاستضافة مختلف المسابقات، وتحضير ملاعب بديلة في الخارج في حال تأهلها، لأن الوضع الأمني في إسرائيل، وإطلاق الصواريخ من اليمن وغزة، تهدد حياة اللاعبين.
مع العلم أنه منذ بدء العدوان على غزة، نقلت جميع الفرق مبارياتها إلى دول أوروبية أخرى، مثل صربيا والمجر، وفي الموسم الماضي، كان مكابي تل أبيب الفريق الإسرائيلي الوحيد الذي تمكن من التأهل للدوري الأوروبي، واضطر لاستضافة مبارياته خارج أرضه في ملعب بارتيزان في العاصمة بلغراد.
ذكرى الهولوكوست النازية
وتسبب ياروسلاف كروليفسكي، رئيس نادي فيسلا كراكوف البولندي، بضجة كبيرة في اسرائيل، حين نشر تغريدة على منصة إكس، ذكر فيها أن "عدد الضحايا المدنيين في غزة سبب كافٍ لاستبعاد إسرائيل من المسابقات الرياضية الدولية".
ورفع مشجّعوه على المدرجات لافتة "إسرائيل تقتل والعالم صامت"، مما دفع مشجعي نادي مكابي حيفا الإسرائيلي للرد عليه برفع لافتات في المدرجات كُتب عليها "قتلة منذ عام 1939″، في إشارة الى دور البولنديين في الهولوكوست.
ودفع ذلك بالاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) للإعلان أن كلا الناديين سيواجهان ملاحقة قضائية بتهمة "بث رسائل غير لائقة لحدث رياضي"، مما استدعى رد فعل جديد من كروليفسكي ذاته للقول إن "الفضيحة المخزية التي وقعت في المدرجات ما كانت لتحدث لو أن سلطات كرة القدم العالمية استبعدت إسرائيل، وبشكل حاسم، من المسابقات الدولية، لأن عدد الضحايا المدنيين في غزة سبب كافٍ لاستبعادها من المنافسة".
أما يعكوب شاهار، مالك نادي مكابي حيفا، فاعتذر عن مُشجِّعيه، وخشي أن قد يقع ناديه في ورطة مع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وهو ما تجلّى بإلقاء الحجارة على حافلة جماهير النادي، ووصف البولنديون شعارات المشجعين الاسرائيليين بـ"الصادمة، لأنها تشوّه الحقيقة التاريخية، فطالما خاطرنا بحياتنا لإخفاء اليهود، وتنظيم المقاومة ضد ألمانيا النازية، ومساعدة اليهود".
وذكر موقع ويللا الإسرائيلي أن الصحفي البريطاني ستيف بلومفيلد نشر مقالا بصحيفة "الأوبزرفر"، أثار غضب إسرائيل، ذكر فيه أنه بينما قتلت على مدار قرابة عامين أكثر من 63 ألف فلسطيني في غزة، معظمهم مدنيين، بجانب جرائم حرب تتمثل بقتل صحفيين، وقصف مقاهي، وإطلاق نار على جائعين يصطفون للحصول على الطعام، لكنها في عالم الرياضة، تواصل اللعب، وكأن شيئًا لم يحدث، رغم الدعوات الدولية مرارًا وتكرارًا لتعليق عضويتها.
وفيما دعت رابطة مدربي كرة القدم الإيطالية لتعليق مشاركتها، وصولا لإمكانية معاقبتها، وفقدان فرصتها في التأهّل لكأس العالم، ولذلك لا ينبغي السماح بمعاملة فرقها على قدم المساواة مع باقي الفرق الرياضية، فقد تزايدت الدعوات الشعبية لطرد إسرائيل من مسابقات كرة القدم الدولية حول العالم، في ظل استمرار الهجوم على غزة، وفي الأسابيع الأخيرة، تحولت ملاعب كرة القدم الأوروبية في دول مثل إسبانيا واسكتلندا وتركيا وإيطاليا وبلجيكا وغيرها إلى ساحات احتجاج، حيث رفع المشجعون لافتات تدعو لمنح إسرائيل "بطاقة حمراء" كرسالة تضامن واضحة مع الشعب الفلسطيني.
استبعاد الأندية الاسرائيلية من المنافسة
ومن أبرز الحركات الاحتجاجية حملة "الكتيبة الخضراء"، التي انطلقت من مدرجات فريق سيلتيك الاسكتلندي، المعروف بدعمه التاريخي للنضال الفلسطيني، وطالب المشجعون بإخراج إسرائيل من جميع الأحداث الرياضية، احتجاجًا على جرائمها ضد الفلسطينيين، وفي غضون فترة وجيزة، حظيت الدعوة بدعم من المشجعين والأندية في أكثر من 30 دولة، ودعت لطرد إسرائيل من الفعاليات الدولية ردًا على جرائمها في غزة.
ففي إسبانيا، انضم مشجعو الدوري الممتاز للاحتجاج، وخلال مباراة أوساسونا وريال سوسيداد، لوّح آلاف المشجعين بلافتة عملاقة كُتب عليها "إسرائيل تستحق بطاقة حمراء"، احتجاجًا على حرب الإبادة في غزة.
وشهدت مباريات أخرى احتجاجات مماثلة، منها مباراة ألافيس وإسبانيول، حيث رفع المشجعون بطاقات حمراء بجانب الأعلام الفلسطينية، وخلال مباراة رايو فاليكانو وإشبيلية، رُفعت لافتة كبيرة تدعو لطرد إسرائيل من الملاعب الرياضية، وبطاقات كُتب عليها "مجرمة حرب".
وفي إيطاليا، خلال مباراة إمبولي وأتالانتا، رفع مشجعو الفريق الأول لافتات تدعو لطرد إسرائيل من الدوريات الدولية، بينما طُليت مدرجات بأكملها ببطاقات حمراء، وترددت هتافات مماثلة في ملاعب أخرى، حيث طالب المشجعون الاتحادين الأوروبي والدولي لكرة القدم، باتخاذ إجراءات ضدها، وفي تركيا، رفع مشجعو بورصا سبور لافتة خلال مباراة ضد جامعة الأناضول، تدعو لحظر إسرائيل من المشاركة في كرة القدم العالمية.
وفي مباراة الدوري الأوروبي بين غلاطا سراي وألكمار، عبّر المشجعون عن دعمهم لاحتجاج سيلتيك بلافتات مثل "إذا لم تتحرر فلسطين، فالعالم أسير"، و"أوقفوا الإبادة الجماعية في فلسطين"، وذهب نادي بودو/غليمت النرويجي أبعد من ذلك، معلنًا أنه سيتبرع بجميع عائدات مباراته في الدوري الأوروبي ضد مكابي تل أبيب لجهود الإغاثة الإنسانية في غزة.
يوسي يسرائيل مراسل القناة 13، ذكر أن مئات المتظاهرين الهولنديين المؤيدين للفلسطينيين هاجموا مشجعي مكابي تل أبيب بعد مباراة كرة قدم جمعته بفريق أياكس الهولندي، وهتفوا "فلسطين حرة" و"غزة حرة"، وحرق الأعلام الإسرائيلية.
عومري غليزر مراسل صحيفة إسرائيل اليوم، ذكر أن الرياضيين الاسرائيليين يواجهون مشكلةً صعبةً للغاية في الأندية الأوروبية بعد اندلاع حرب غزة، حيث تجد الفرق الأوروبية صعوبةً بالغةً في ضم لاعبين إسرائيليين أكفاء لديها، بسبب ما تتلقاه من رفض مشجعيها.
إحباط إسرائيلي
الصحفي الرياضي الألماني اليهودي، رافائيل هونيغشتاين، ذكر في مقابلة مع صحيفة إسرائيل اليوم، أن جزء أساسياً من استعداء المشجعين الأوروبيين للفرق الرياضية الاسرائيلية تكمن في نظرتهم للفلسطينيين بأنهم ضعفاء ومُستضعفون.
وبعد أن كان العلم الإسرائيلي يرفرف خارج مبنى بلدية ميونيخ، فإن الوقت لا يعمل لصالح إسرائيل حاليًا، مع استمرار الحرب في غزة، صحيح أنها لا تزال تحظى بدعم أصدقائها في عدد من الأندية الأوروبية، لكن مع استمرار الحرب، وتزايد الشعور بأنها لم تعد في صراع من أجل البقاء، سيتغير الموقف العام تجاهها، ومن ذلك الأندية والفرق، وأكد أنه في الوقت الحالي، وبسبب الحرب على غزة، أصبح اللاعب الإسرائيلي في الفرق الأوروبية أقل شعبية، وبات صعبا للغاية العثور له على نادٍ وفرص هناك.
منظمة "فوتورو فيجيتال" الرياضية كشفت أن مُؤيدين للفلسطينيين عمدوا لتخريب متجر في برشلونة، وطلائه باللون الأحمر احتجاجا على استثمار شركة "سبوتيفاي"، الراعي الرسمي لبرشلونة، في شركة تُساعد جيش الاحتلال الإسرائيلي ببرمجيات ذكاء اصطناعي لتحسين أسلحته العسكرية.
وبعد أن أعرب مارتن كوريرا إيزو، عضو مجلس إدارة نادي أوساسونا، عن دعمه لإسرائيل في منشور على منصة إكس، فقد أصدرت منظمات مشجعي الفريق، المعروفة بدعمها للفلسطينيين، رسالة لاذعة جاء فيها أن "من يدافع عن الصهاينة، ويدعم الإبادة الجماعية الفلسطينية، لا يمكنه تمثيل نادينا"، وطالبوا باستقالته الفورية، أو إقالته من النادي.
وكان ذلك بالتزامن مع وصول العلاقات الإسرائيلية الإسبانية لأدنى مستوياتها، فيما يشهد وضع إسرائيل في كرة القدم الأوربية تراجعًا حادًا، حيث يواصل مشجعو فريق بامبلونا تأييد الفلسطينيين، وتُرى أعلامهم في كل مباراة، فيما يظهر فالنسيا الفريق الإسباني الأقل تعاطفًا مع إسرائيل.
وفيما وصلت مباريات تصفيات دوري أبطال أوروبا مرحلة التصفيات، وبلغ الصراع على التذاكر الأخيرة ذروته، ظهر هناك من يستغلون مساحة الملعب الواسعة المُتاحة لهم، في المدرجات ووسائل الإعلام التي تبثها مباشرةً، لمهاجمة إسرائيل، ومنها ما شهدته مباراة تركيا واسكتلندا، حيث رُفعت لافتات ضخمة تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.
وخلال مباراة فريقي سيلتيك وكايرات الكازاخستاني، وشارك فيها لاعبان إسرائيليان، دان جليزر وعوفري أراد، فقد أُجبرا على سماع الهتافات المؤيدة لفلسطين، ومشاهدة أعلامها تُرفرف في جميع أنحاء الملعب، وحمل لافتة "أظهروا بطاقة حمراء لإسرائيل المُجرمة"، ومنذ بداية الحرب، أعرب مشجعو أبطال اسكتلندا عن دعمهم للمقاومة الفلسطينية، وتمكنوا من طرد مهاجم فريقهم الإسرائيلي، ليلا آبدي، من الفريق والمدينة، مما اضطره للمغادرة، والانتقال للدوري الأمريكي لكرة القدم.
تحريض إسرائيلي
في الجهة الأخرى قال ليران بيرمان محلل الشئون الرياضية بصحيفة إسرائيل اليوم، أن ما شهدته مباراة كأس السوبر الأوروبي بين باريس سان جيرمان وتوتنهام، من رفع لافتات على أرض الملعب تحمل صرخة عنوانها: "أوقفوا قتل الأطفال والمدنيين"، يكشف ازدواجية المعايير لدى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لأنه لم يأتِ على ذكر المختطفين الاسرائيليين في غزة.
واعتبر أوري ليفي الخبير في الشئون الرياضية بصحيفة إسرائيل اليوم، ذكر أن أجواء من التوتر في إسرائيل بزعم أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) اتخذ موقفًا حاسمًا معادياً للحرب على غزة، ولا سبيل لتراجعه عن هذا الموقف، بل إنه بات يضغط على إسرائيل بضرورة وقف الحرب، زاعماً أن ناصر الخليفي، الرئيس القطري لباريس سان جيرمان، بطل أوروبا والفائز بكأس السوبر، يتمتع بسلطة ونفوذ أكبر من رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ألكسندر تشيفرين، بل إنه بات أقوى رجل في كرة القدم الأوروبية.
وطالما استمرت الحرب بالطريقة التي تُدار بها، فمن المتوقع أن يستمر هذا النهج المعادي لإسرائيل في الملاعب الأوروبية، لأن استمرار الحرب له ثمن، وقد تضطر إسرائيل لدفعها، بالتزامن مع تزايد الدعوات لتعليق عضويتها في المنظمات الأوروبية لكرة القدم، مما يُظهر بوضوح أن الرواية التي تختار أوروبا، تصديقها، ليست الرواية الإسرائيلية.
صحيح أن وضع إسرائيل في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ما زال مستقرًا، حتى كتابة هذه السطور، لكنه حساس وهشّ للغاية، ومع الزخم السلبي للغاية على المستوى الإعلامي والجماهيري لمجريات الحرب، فإن اسرائيل ستتلقى المزيد من الضربات الموجعة في الملاعب الأوروبية، وسيكون مدهشا ألا نشهد المزيد من المبادرات المعادية لها على مستويات وأشكال مختلفة، من اللافتات على أرض الملاعب قبل المباريات، إلى الإجراءات النشطة من قبل اللاعبين والفرق والاتحادات التي لن تسمح للفرق والمنتخبات الإسرائيلية بمواصلة المنافسة.
أوليفر براون، مراسل صحيفة التيليغراف البريطانية، نشر مقالًا تحدث فيه عن غاري لينيكر، اللاعب الإنجليزي السابق الذي يهاجم إسرائيل باستمرار، وترك منصبه مؤخرًا في بي بي سي، لمعاداته للاحتلال.
من جهته يقول ليئاف نحماني المراسل الرياضي الإسرائيلي نقل عن مسؤولي كرة القدم الإسرائيليين أن "وضع إسرائيل في الملاعب الأوروبية سيئاً، ولا يزال كذلك، رغم ما نبذله من جهود على الساحة الدولية لإبعادنا عما يحدث من حرب في غزة، ونحن نعلم أن الدول العربية تمارس ضغوطًا شديدة على الاتحادات الدولية لكرة القدم لتعليق مشاركتها في كرة القدم الدولية.
وقد ظهر لاعبو فريق بوهيميانز الإيرلندي من دبلن يرتدون قمصانا رياضية تحمل خريطة دولة فلسطين، وتشمل كامل أراضيها، دون ذكر لدولة الاحتلال الإسرائيلي، خلال مباراته في الدور الثالث من كأس الاتحاد الإيرلندي أمام فريق وسليغو روفرز، بملعب داليمونت بارك، حيث يُعتبر النادي أحد أندية كرة القدم الأكثر ارتباطًا بالنضال الفلسطيني، ومنذ اندلاع حرب الإبادة في غزة، نفذ العديد من أنشطة التضامن مع أهلها، بما فيها جمع التبرعات والاحتجاجات العامة ضد الحرب.
وأكدت رئيسة الاتحاد النرويجي، ليزا كلافينس، أن معاناة أهل غزة والهجمات الإسرائيلية غير المتناسبة عليهم استلزمت هذه الخطوة، وهو الذي يقود الخط المناهض للاحتلال في الاتحاد، ودعا مرارًا وتكرارًا لتعليق عضويته في الساحة الدولية.
من جهته يقول آيال بيركوفيتش المراسل الرياضي لصحيفة معاريف، ذكر أن مانور سولومون أشهر لاعب كرة قدم إسرائيلي، تعرض لإهانة كبيرة حين استغنى عنه نادي توتنهام الإنجليزي، رغم وصفه بالنادي "اليهودي"، وله جمهورٌ يهوديٌّ كبيرٌ في إنجلترا، في ظل ضغوط جمهوره عليه، مما زاد من صعوبات تواجد لاعبي كرة القدم الإسرائيليين في الأندية الأوروبية، خاصة الكبرى منها.
في ذات السياق أوردت يديعوت أحرونوت تصريحات لمدرب المنتخب الإيطالي جينارو غاتوزو، أكد أنه يؤلمني رؤية المدنيين والأطفال يفقدون أرواحهم في غزة، للأسف، هناك حرب، وهذا مؤلم، ببساطة، لسنا محظوظين بوجود الفريق الإسرائيلي معنا في أرضنا، ما نراه أمر مؤلم، هذا كل ما أستطيع قوله".
وذكر شلومو فايس محرر الشئون الرياضية في موقع ويللا أن نادي كريستال بالاس الإنجليزي خضع لضغوط الجماهير التي عارضت تعاقده مع لاعب إسرائيلي نشر العديد من المنشورات الداعمة لإسرائيل بعد اندلاع الحرب على غزة.
وبعد أسابيع قليلة من انتقال اللاعب الإسرائيلي شون فايسمان من نادي غرناطة الأسباني إلى فورتونا دوسلدورف الألماني، مما أثار ضجة في الأندية الأوروبية بسبب كونه إسرائيلياً، فقد واجه هذا اللاعب مشكلة جديدة، عقب اعتباره رمزًا رياضيًا لإسرائيل "المتشددة"، وبسبب منشوراته ومشاركاته المتشددة ضد غزة وسكانها.
وكشفت القناة 12 الإسرائيلية أن عدة أندية أوروبية تواصلت مع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) بهدف دراسة إمكانية تجنب مواجهة خصم إسرائيلي، وحاولت دراسة آلية تمنع أيًا منها من مواجهة فريق كرة قدم إسرائيلي في أوروبا، فيما دعت رابطة المدربين الإيطالية لتعليق عضوية إسرائيل بعد جرائمها في غزة.