في خطوة ضغطٍ مفاجئة، أصدر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تعليمات بعدم تنفيذ اتفاقية تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر والتي تشمل بيع 130 مليار متر مكعب من الغاز لمصر حتى عام 2040 مقابل 35 مليار دولار، إلا بموافقته الشخصية، متذرعًا بانتهاك القاهرة لمعاهدة كامب ديفيد عبر حفر أنفاق لتخزين السلاح في منطقة سيناء.
وكشفت صحيفة اسرائيل اليوم أن نتنياهو يبحث مع كوهين مستقبل تنفيذ اتفاقية الغاز التي وقعتها في أغسطس/ آب 2025 شركة الطاقة المصرية BOE (بلو أوشن إنرجي) مع الشركتين الإسرائيليتين "ريشيو ونيوميد إنيرجي" للطاقة، وتنضم الصفقة لسلسلة توريد الغاز الطبيعي الإسرائيلي لمصر خلال السنوات الخمس الماضية.
في المقابل، جاء رد القاهرة بتصعيد كلامي جاء على لسان رئيس هيئة الاستعلامات، وخطوات إجرائية على الأرض تمثلت في تسريع عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية المصرية، كما تزامن ذلك مع تشديد الإجراءات العسكرية قرب الحدود مع قطاع غزة.
وخلقت اتفاقية توريد الغاز من إسرائيل إلى مصر ردود أفعال متباينة داخل إسرائيل ومصر على حد سواء، ففي الأولى هناك من يراها فرصة للضغط على مصر بخصوص موضوع حماس وتحول إسرائيل إلى قوة طاقية في المنطقة، كما أنها ستدر مداخيل كبرى على الخزينة الإسرائيلية، ومن يراها ستؤثر على احتياطي الغاز الإسرائيلي. بينما في مصر انتقد البعض الاتفاقية كونها ستجعل مصر رهينة لحسابات وأطماع تل أبيب.
وتم إبرام اتفاق الغاز المشار إليه بين تل أبيب والقاهرة في الشهر الماضي، وينص على توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز لمصر حتى عام 2040 بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، وهذه الصفقة التي يشار إلى تجميدها تمر بمرحلتين وتعد من أكبر العقود الإقليمية في قطاع الطاقة.
ما هي أسباب التجميد الإسرائيلي للصفقة؟
تزامن قرار رئيس الوزراء الاسرائيلي المفاجئ مع إدعاءات أفادت أن قوة المراقبة الدولية، بقيادة الولايات المتحدة، توقفت عن مراقبة الانتشار العسكري المصري في سيناء، ومناشدة سفير الاحتلال لدى واشنطن يحيئيل لايتر إدارة ترامب باستئناف المراقبة.
وزعم سفير الاحتلال بأن مصر بنت أنفاقاً في سيناء قادرة على تخزين أسلحة، ووسعت مدارج المطارات، كما أدخلت قوات مشاة ومدرعات تتجاوز المسموح به في الملحق، ودون الحصول على موافقة إسرائيلية، ولم تستجب للضغوط الأمريكية.
كشفت ذكرت صحيفة إسرائيل اليوم أن قرار نتنياهو بإعادة دراسة الصفقة مع مصر يتزامن مع تقارير عن انتهاكاتها لاتفاقية السلام في كامب ديفيد، مما أثار عاصفة اقتصادية وسياسية في القاهرة وتل أبيب.
وكشفت أن القضية وصلت لمكتب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، الجنرال رومان غوفمان، لأن مصالح العديد من الأطراف وراء الكواليس كبيرة وهائلة، فالصفقة لا تقتصر على مصر وإسرائيل فقط، بل إن الولايات المتحدة مستفيدة أيضًا منها، من خلال شركة "شيفرون" التي تمتلك 40% من حقل ليفياثان.
وزعمت أنه في مواجهة هذه المصالح الهائلة، والضغوط التي قد تأتي من واشنطن، يبقى أمن إسرائيل على المحك، بزعم أن الدرس الرئيسي من "السبت الأسود" في السابع من أكتوبر 2023، يعني أنه لا يجب السماح للتهديدات بالتطور، بل التعامل معها في بدايتها.
وكشفت الصحيفة ما قالت أنها جملة أهداف إسرائيلية قد تقف خلف القرار المفاجئ لنتنياهو بتجميد صفقة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر مؤقتاً، وهي:
- إجبار مصر على الانسحاب العسكري الميداني من المواقع التي وصل إليها جيشها في سيناء، بما يقترب كثيراً من الحدود مع غزة، خشية اندفاع آلاف الفلسطينيين نحوها بفعل الحرب الجارية.
- الضغط على مصر لوقف مشاريعها العسكرية في سيناء، خاصة أنفاق تخزين الأسلحة، وتوسيع مدارج المطارات، والحدّ من إدخال قوات مشاة ومدرعات تتجاوز ما ورد في اتفاق كامب ديفيد.
- أن تسمح القاهرة لقوات حفظ السلام الدولية بمراقبة ما يحدث في سيناء، والتراجع عن قرارها بوقف الرحلات التصويرية، والجولات الميدانية.
- زيادة الضغط المصري على حماس للتسريع بإنجاز صفقة تبادل الأسرى، والاستجابة لشروط الاحتلال الخمسة المتعلقة بإنهاء حرب غزة.
- الرغبة بتليين موقف مصر المتعلق باستيعاب "أعداد" معينة من فلسطينيي القطاع في سيناء لتنفيذ مخطط التهجير الإسرائيلي في سيناء.
- محاولة إجبار مصر على أخذ دور أمني في غزة في "اليوم التالي" بديلاً عن حماس والسلطة الفلسطينية.
- استدعاء الضغط الأمريكي على مصر لتنفيذ المطالب الواردة أعلاه، وإلا فإن مليارات الدولارات ستخسرها الخزينة الأمريكية، وهو أكثر منا يستفز إدارة ترامب.
وتنقسم صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر إلى مرحلتين، المرحلة الأولى، تشمل بيع 20 مليار متر مكعب، وسيتم الشروع بتنفيذها العام المقبل 2026ـ أما المرحلة الثانية، وتشمل بيع 110 مليارات متر مكعب، بعد اكتمال مشروع توسعة حقل "ليفياثان"، الذي تبلغ كمية الغاز الموردة منه إلى مصر 60 مليار متر مكعب، وتنتهي في 2030.
تعويل إسرائيل على تقديم تنازلات مصرية لن يتحقق
وقال مصدر أمني مصري مطلع، إن التسريبات الإسرائيلية بشأن التراجع عن تمديد اتفاق الغاز يعد بمثابة ابتزاز للدولة المصرية، وذلك ضمن مجموعة من أدوات الضغط الأخرى التي تمارسها على القاهرة، بينها العمل على توتر الأجواء في البحر الأحمر ما يؤدي لفقدان مصر ما يقرب من عشرة مليارات دولار سنوياً من أحد أهم عوائد العملة الصعبة، إلى جانب دفع الفلسطينيين من الشمال ومدينة غزة باتجاه الحدود قرب معبر رفح، وكذلك إفساد العلاقات مع الولايات المتحدة التي توترت مؤخراً وجعلت القاهرة غير قادرة على التحرك بحرية في ملف الوساطة.
وأوضح المصدر ذاته، أن إسرائيل تعول على تصاعد إفرازات الأوضاع الاقتصادية الصعبة في مصر منذ سنوات والتي تعد أحد أسباب مكوناتها تراجع الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي، وهو ما أدى في سنوات سابقة لانقطاعات متكررة وطويلة للكهرباء أثارت تململاً شعبياً قبل أن تتعامل مصر مع الأزمة هذا العام بفعل توقيع صفقات استثمارية كبرى في مقدمتها "رأس الحكمة" مع دولة الإمارات، وبالتالي فإن تل أبيب ترى في تجميد التعاون في مجال الطاقة لإمكانية لأن يقود لتجدد الأزمات الداخلية بخاصة وأن الإنتاج المحلي من الغاز فقد 40% من إجمالي الكميات التي جرى استخراجها قبل ثلاث سنوات.
وأكد أن تعويل إسرائيل على تقديم تنازلات مصرية للقبول بالتهجير أو تسهيل خروج الفلسطينيين لدول أخرى، بفعل أنها قد تخشى تجدد مشكلات انقطاع الكهرباء أو وقف مصانع الأسمدة والبتروكيماويات وغيرها من عناصر الإنتاج المعتمدة على الوقود لن يتحقق، وكان من الممكن أن يحدث تأثير أكبر حينما فقدت مصر نصف عوائد قناة السويس في غضون فترة قصيرة، كما أن توقف إمدادات أنابيب الغاز الإسرائيلي إلى مصر في أثناء الحرب على إيران جعل القاهرة تدرك بأنها قد تواجه أي غدر إسرائيلي في المستقبل القريب واتجهت لتنويع مصادر الحصول على الطاقة.
ولفت المصدر ذاته إلى أن نتنياهو يمارس "حرباً نفسية" على القاهرة، وسبق وأن تحدث عن إغلاق أنفاق التهريب إلى غزة لكنها بقيت إجراءات كلامية لم تتعامل معها القاهرة باعتبارها مواقف جدية، وهناك قناعة بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى للفت الأنظار عن تحركاته في غزة وإلقاء كرة اللهب في وجه مصر.
وذكر المصدر ذاته أن جميع السيناريوهات مفتوحة للتعامل مع التصعيد الإسرائيلي، خاصة إذا ما أقدمت تل أبيب بالفعل على تخريب تمديد اتفاق الغاز، فهناك عقود جرى توقيعها وأضحى لزاماً على الحكومة المتطرفة أن تنفذها، على حد تعبيره، كما أن الذهاب لانتهاك اتفاق السلام أو تصعيد الأكاذيب ضد الجيش المصري فإن المعاملة ستكون بالمثل، وفي النهاية لن تتماشى مصر مع رؤية نتنياهو للتهجير، وقامت بالفعل بتكثيف تواجدها العسكري استعداداً لأي تطورات مفاجئة.
وكان رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، صرح خلال لقاء لبرنامج "استراتيجيا"، الذي يقدمه الإعلامي معتز عبد الفتاح عبر فضائية "المشهد"، مساء الأربعاء: قائلاً: "أنصح نتنياهو وبقول له يا ريت يلغي اتفاقية الغاز مع مصر، إذا كان يستطيع تحمل النتائج الاقتصادية وليس السياسية.. سيكون هو الخاسر".
وشدد على أن الحديث عن وجود مسار واحد للطاقة تعتمد عليه مصر "مجرد وهم"، مؤكدًا أن الإدارة المصرية لديها بدائل وتضع سيناريوهات للتعامل مع ما يمكن أن يحدث، وأشار إلى تصريحات نتنياهو التي زعم فيها تهريب الرهائن والأسلحة عبر أنفاق غزة مع مصر، قائلًا إنها السبب الرئيسي للإصرار الإسرائيلي على التواجد في محور فيلادلفيا وخلق محور موراج.
إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء
وتم إبرام اتفاق الغاز المشار إليه بين تل أبيب والقاهرة في الشهر الماضي، وينص على توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز لمصر حتى عام 2040 بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، وهذه الصفقة التي يشار إلى تجميدها تمر بمرحلتين وتعد من أكبر العقود الإقليمية في قطاع الطاقة.
وقال مصدر عسكري مصري مطلع على هذا الملف، إن إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء بخلطها بين الاتفاقيات التجارية التي ظلت مرتبطة باتفاق السلام وبين الخلافات السياسية بشأن الوضع الراهن في قطاع غزة، وأن حديثها عن انتهاك الجيش المصري للاتفاقية يغفل أيضاً أنها انتهكت الاتفاق بسيطرتها على محور صلاح الدين، وبالتالي فإنها أضحت تمارس عداء مباشر ضد الدولة المصرية، مع محاولة التأثير على الوضع الاقتصادي الداخلي والمساس بالأمن القومي.
وأكد أن مصر في المقابل لديها قدرات قوية على حماية أمنها وعلى أتم الجاهزية القتالية في حال دفعت إسرائيل بالفلسطينيين إلى سيناء، مشيراً لوجود رغبة دولية تصدر أولاً من الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى للحفاظ على استمرار اتفاق السلام، لكن مصر سيكون لها تحركات دبلوماسية تسبق أي أعمال عسكرية أو تأتي قبل الصدام المباشر، وأن المواقف التصعيدية من إسرائيل وتعزيز القوات الموجودة في سيناء بمثابة جرس إنذار.
وشدد على أن مصر لم تعادي إسرائيل وإذا قامت بتعزيز تواجدها العسكري في سيناء فإن ذلك يهدف للتعامل مع أي مساعي لتهجير الفلسطينين بعد أن بدأت تل أبيب تنفيذ المخطط على أرض الواقع عبر الدفع بأهالي غزة نحو الحدود مع تجاهل بنود الحل المصري للتوصل إلى هدنة في قطاع غزة، مشيرا إلى أن القاهرة ستقابل تصعيد نتنياهو بتصعيد قانوني ودبلوماسي إلى جانب تكثيف التواجد العسكري.
وأكد أن أساليب الضغط والمناورة التي تتبعها إسرائيل لدى مصر خبرات طويلة في التعامل معها ويمكن أن تكون تصريحات رئيس هيئة الاستعلامات في هذا السياق بعد أن أعاد تذكير إسرائيل بالحدود الفاصلة مع مصر والمسافة من العريش إلى تل أبيب، وبالتالي فإن منسوب العداء سوف يتزايد، بخاصة إذ نفذ نتنياهو تلك التسريبات التي تمهد لقطع العلاقات التجارية حال أقدم على الخطوة.
ومؤخراً حذرت تقارير إسرائيلية من تزايد الحضور العسكري المصري في سيناء كماً ونوعاً بما يخالف اتفاق السلام المبرم بين البلدين، وذلك على رغم ما نقلته "هيئة البث الإسرائيلية" الأسبوع الماضي عن متحدث باسم الجيش أن تعزيز القاهرة قواتها شمال سيناء، المحافظة الحدودية مع قطاع غزة وإسرائيل، جاء بالتزامن مع توسيع إسرائيل لعملياتها العسكرية "عربات جدعون 2" في غزة، خشية من تدفق حشود السكان من القطاع إلى الأراضي المصرية تحت وطأة توسيع نطاق القتال.
وقدرت تقارير إسرائيلية تعداد القوات المصرية الإضافية في المنطقة (ج) من سيناء بأكثر من 40 ألف جندي، أي نحو 88 كتيبة عسكرية، وهو ما يقارب ضعف العدد المسموح به بموجب معاهدة السلام بين البلدين، فضلاً عن أكثر من 1500 دبابة وآلية مدرعة، وتحركها خلال الفترة الأخيرة لتطوير قواعد عسكرية ومدارج طائرات وأنظمة دفاع جوي في المنطقة الحدودية مع قطاع غزة.
ترحيب إسرائيلي بصفقة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر
لا يختلف الاسرائيليون على أن هذه الصفقة "التاريخية" ستزيد من اعتماد مصر على إسرائيل، ويحدّ من قدرتها السياسية على مواجهتها إقليميًا ودوليًا، وتُعزز مكانة إسرائيل الإقليمية، تحديدًا في وقتٍ تهتز فيه مكانتها عالميًا بفعل الحرب على غزة.
لكن النقص الحاد في الطاقة في مصر خلق اعتمادًا حقيقيًا على إسرائيل، سواءً للاستهلاك المحلي، أو للامتثال لاتفاقيات التصدير مع الأردن وقبرص، لأنّ أمن الطاقة جزء لا يتجزأ من الأمن الغذائي والمائي والحدود، رغم أن مصر سبق لها أن صدّرت الغاز لإسرائيل.
ونقلت مجلة غلوبس عن كوهين قوله إن الصفقة تُعدّ خبرًا هامًا من النواحي الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتُرسّخ مكانة اسرائيل كقوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة، يعتمد عليها جيرانها، ويحتاجون إليها، وستُدرّ مليارات الدولارات على خزينتها".
فيما نقل موقع القناة السابعة التابع للمستوطنين عن يوسي آفو، الرئيس التنفيذي لشركة نيوميد إنيرجي، أن "الاتفاقية تُغيّر قواعد اللعبة في اقتصاد الطاقة الإقليمي، وتُثبت مرة أخرى أن حقل ليفياثان أداة لتغيير الواقع الاستراتيجي".
من جهتها نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت نقلت عن المالك المُسيطر لمجموعة ديليك، إسحاق تشوفا، أن "الصفقة تعكس تقديرًا عميقًا ومتبادلًا بين مجموعة ديليك وشركائنا المصريين، الذين نواصل معهم مسيرة طويلة من التعاون الاقتصادي، إنها ليست إنجازًا تجاريًا استثنائيًا فحسب، بل علامة فارقة تاريخية، تُعزز التعاون الإقليمي والاستقرار في الشرق الأوسط".
أما أمير فوستر، الرئيس التنفيذي لاتحاد الغاز الطبيعي الإسرائيلي ورئيس اللجنة الاستراتيجية لاتحاد الغاز الدولي (IGU) فقال: "نحن أمام صفقة تاريخية لإسرائيل والمنطقة بأسرها، ويُبرز القوة الجيوسياسية والاقتصادية لاقتصاد الغاز الطبيعي الإسرائيلي.
كما أنها تضمن استمرار التطوير الكبير للبنية التحتية لإنتاج الغاز الطبيعي في إسرائيل، بحيث يمكنها ضمان أمن الطاقة لعقود قادمة، وزيادة إيرادات الدولة بعشرات مليارات الشواكل"، بالإضافة يرى نيتسان كوهين مراسل صحيفة إسرائيل اليوم، أن الصفقة مع مصر سوف تشجع إبرام المزيد من الصفقات مع دول أخرى في المنطقة.
وقال مصدر دبلوماسي مصري لـ"عربي بوست" إن الإعلام العبري لم يتوقف عن نسج قصص تعمل على تأليب الرأي العام الإسرائيلي ضد مصر بشكل يومي تقريباً، وهو ما يؤشر على تصعيد مقابل من جانب الحكومة المتطرفة، وهو ما دفع مصر للرد هذه المرة عبر رئيس هيئة الاستعلامات، مشيراً إلى أن التبادل التجاري الذي كانت تحكمه اتفاقية كامب ديفيد سيأخذ في التراجع إذا ما نفذت إسرائيل تهديداتها، بخاصة وأن كلا البلدين كانا سيحققان استفادة من الصفقة الأخيرة لأن مصر تسعى لتسييل الغاز وتصديره للخارج عبر محطات التكرير التي لديها وكذلك فإن ذلك يخفف الضغط على الانتاج المحلي كما أن إسرائيل مستفيده لأنها تعزز علاقاتها مع أوروبا بإيصال الغاز لها.
وأضاف دولة الاحتلال تسعى لأن تعطي انطباعاً بأن مصر هي فقط التي سوف تتضرر من تجميد الاتفاق الجديد لكن الواقع عكس ذلك لأن هناك مصادر متعددة لتنويع مصادر الغاز بالنسبة لمصر، وإن كان التوجه إلى إسرائيل سببه أنها تحصل عليه بنصف قيمة استيراده من الخارج نظراً لقرب الجغرافيا، غير أن تجميده لن يؤدي لازمة طاقة في مصر وستجد الحكومة مسارات مختلفة لتعويضه.
لكن في المقابل – بحسب المصدر ذاته – فإن ذلك سوف يؤثر على مستقبل التعاون مع إسرائيل ليس فقط على المستوى المصري ولكن هناك موقف عربي يتم بلورته حالياً، بخاصة وأن بعض الدول العربية الخليجية بدأت تستشعر خطر إسرائيل في حين أنها كانت تتعامل إيران على أنها الخطر الأكبر وهو أمر أخذ في التغير منذ حرب السابع من أكتوبر، كما أن وجود رئيس في الأبيض خارج التوقعات ويقدم كافة أشكال الدعم لإسرائيل يجعل التنسيق العربي أكثر أهمية في الوقت الحالي، وأن عدم قدرة إسرائيل على هزيمة حركة مقاومة مسلحة "حماس" يبرهن على ضعفها في مواجهة الجيش المصري النظامي في حال لم تقدم الولايات المتحدة دعمها المعتاد.
وأشار إلى أن الموقف من صفقة الغاز يشير إلى أن نتنياهو يسعى لأن يحصل على مزيد من الضمانات المصرية لعدم انتهاك اتفاق السلام في حين هو يستكمل إجراءات تهجير الفلسطينيين، ويرى بأنه بهذه الطريقة يمكن أن يجعل القاهرة تستجيب لها، ويمكن أن يطرح في مباحثات لاحقة الأيام المقبلة استبدال عناصر الجيش المصري بقوات شرطية وهو ما سترفضه مصر طالما أن الحكومة المتطرفة لم تتخلى عن خطط التهجير.
تضرّر الاحتياط الإسرائيلي من الغاز
اعتبر موقع "كيبا" أن هذه الخطوة المفاجئة من نتنياهو تعني أن إسرائيل تُفعّل لأول مرة رافعة اقتصادية قوية متمثلة بالطاقة، تربط امتثال مصر لالتزاماتها الأمنية في سيناء تحديداً، واستعداد إسرائيل لبيعها الغاز الذي تحتاجه بشدة.
وقال المتحدث إن مصر تعاني منذ سنوات من نقص بمصادر الطاقة، وصولا لانقطاع التيار الكهربائي في بعض مدنها لعدّة ساعات، وتهدف لزيادة الإمدادات الإسرائيلية لتخفيف هذا النقص، مما يجعلها مستعدة لدفع ثمن أعلى بكثير من السعر الذي يدفعه المستهلك الإسرائيلي.
في الوقت ذاته، أشار ليئور باكالو الخبير الاقتصادي في القناة 12 إلى أن هذا الإعلان الاسرائيلي يتزامن مع صدور مخاوف بشأن فائض صادرات الغاز الطبيعي في إسرائيل، لأن سياسة التصدير الحالية تُهدد احتياطيات الغاز للاستخدام المحلي، وقد تؤدي لارتفاع حاد في أسعار الكهرباء للمستهلكين الاسرائيليين.
من جهته يرى موقع الاستثمار الاسرائيلي "إنفيستنيغ"، ذكر أن الصفقة ستُمهّد الطريق لضمان طاقة إنتاجية كافية للاقتصاد الإسرائيلي حتى عام 2064، بسبب توسيع الحقل المشار إليه، وفي الوقت ذاته فإن توسيع الصادرات سيؤدي لاستنفاد احتياطيات إسرائيل من الغاز في غضون 20 عامًا.
وفي الجهة الأخرى، حذر رئيس قسم الموازنة في وزارة المالية يوغاف غيردوس، من إمكانية مواجهة إسرائيل حاليًا تحديات جسيمة للغاية في مجال الطاقة، لأنه بالنظر للمستقبل، ولأول مرة منذ اكتشاف احتياطيات كبيرة من الغاز في إسرائيل.
ويتوقع المتحدث أن يكون حدوث نقص هيكلي في الغاز الطبيعي للاستخدام المنزلي خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة، لأن المصدر الرئيسي لإنتاج الكهرباء في إسرائيل هو الغاز الطبيعي، الذي يُعتمد عليه 70% من إنتاج الكهرباء، وبالتالي فإن أي نقص أو زيادة في سعره ستؤثر بشكل سلبي مباشر على الإسرائيليين.
ابتزاز إسرائيلي لمصر للضغط على حماس
قال يوني بن مناحيم، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية، والرئيس التنفيذي السابق لهيئة الإذاعة الإسرائيلية إن صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر تضع القاهرة في موقف ضعف اقتصادي كبير، رغم أن مسؤوليها الكبار يحاولون تقديمها ليس كاتفاقية جديدة، بل كـ"تعديل" على اتفاقية 2019.
وقال إن هذه الصفقة هي الأكبر في تاريخ صادرات الغاز الإسرائيلي، ومصدر تعتمد على الصادرات الإسرائيلية رغم التوترات الشديدة في علاقاتهما منذ اندلاع الحرب على غزة، لكن الصفقة تفيد إسرائيل على صعيد الأرباح الطائلة، وتوفير دخل طويل الأجل، وتعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في مجال الطاقة في شرق البحر المتوسط، وترمز إلى نوع من "النصر الاستراتيجي" الإسرائيلي على مصر في ميزان القوى الإقليمي.
ونقلت بوابة أخبار الغاز الاسرائيلية عن أوساط سياسية في تل أبيب أن الصفقة تمنح إسرائيل نفوذًا للضغط السياسي والاقتصادي على القاهرة، التي يحدّ اعتمادها على الطاقة من إسرائيل من قدرتها على الضغط عليها، بل يمكن لها، عند الضرورة، وقف إمدادات الغاز إليها لأسباب أمنية أو سياسية، والادعاء بوجود صعوبات تشغيلية، وهو ما حصل في قرار نتنياهو المفاجئ تجميد تنفيذ الصفقة.
ومثل قرار نتنياهو برهن تنفيذ الصفقة، مع أن القانون يخوّل وزير الطاقة المضي قدما لتنفيذها، مناسبة للإجابة على السؤال الكبير الذي طرحه الإسرائيليون وهو: هل سيتمكن المستوى السياسي الاسرائيلي من استغلال هذا الاعتماد المصري على إسرائيل لزيادة الضغط المصري على حماس فيما يتعلق بالإفراج عن جميع المختطفين.
ورصد موقع ويللا الإخباري، جملة من امتيازات الصفقة، رغم تجميد تنفيذها مؤقتاً، ومنها أنها ستشجع على استمرار التنقيب عن الغاز في إسرائيل، وستزيد من عائدات الضرائب، كما تحمل ثمارًا جيو-سياسية، لأنه في الأيام التي يكون فيها الموقف السياسي لإسرائيل أسودا مثل مدخنة الفحم، فإن مصر قد تصبح شريكة سياسية لها بفضل صفقة الغاز.
وأضاف أنه ليس مصادفة أن حفل زفاف أقامه يوسي آفو مؤخرا حضره ضيوف من حوض البحر المتوسط، أبرزهم علاء عرفة، رئيس مجلس إدارة شركة الطاقة المصرية، وصديقه المقرب، وقد نجح في السنوات الأخيرة ببناء علاقة شخصية مع رؤساء قطاع الطاقة المصري، ولذلك فإن الصفقة يتوقع أن تُخفف من أزمة الطاقة في مصر، التي شهدت انخفاضًا في إنتاجها من الغاز منذ عام 2022.
وقال عيدان إيريتس، محلل الشئون الاقتصادية في مجلة "غلوبس" إن مصر تعدّ مستهلكاً كبيراً للغاز، ورغم امتلاكها احتياطيات كبيرة منه، لكنها تواجه صعوبة في تلبية احتياجاتها من الطاقة، مما يجعل من الغاز الإسرائيلي أساسياً لاقتصادها، ويشكّل بديلاً عن الغاز الطبيعي المسال (LNG) الأكثر تكلفة.
كيف تحولت مصر من دولة تُصدّر الغاز لإسرائيل إلى مستوردة؟
نقلت مجلة كالكاليست الاقتصادية، وجهة نظر شركات الغاز الإسرائيلية التي رأت أن مصر مستعدة لدفع مبالغ أكبر بكثير مقابل الغاز المُصدّر مُقارنةً بسعر الغاز المُباع للاقتصاد الإسرائيلي المنخفض نسبياً، وقد تحوّلت من مُصدّرة إلى مستوردة له، فيما باتت إسرائيل مركزًا إقليميًا للطاقة من خلال تصدير الغاز لدول المنطقة.
من جهته ذكر موقع ناتسيف نت أن إبرام الصفقة ثم تجميد تنفيذها يتزامن مع ما تواجهه مصر حاليًا من مشكلة خطيرة تتمثل بنقص حاد في الطاقة، سواء بالنسبة للاستهلاك الخاص لمواطنيها، الذين لا يحصلون على إمدادات كهرباء منتظمة بسبب نقصه، أو بالنسبة للاستهلاك الصناعي لصناعة الأسمدة الضخمة فيها، ولم تتمكن من تشغيل خطوط إنتاجها بسبب نقص الغاز الذي لا تستطيع توفيره بسبب النقص الحاد في العملات الأجنبية.
وأضاف أن تجميد صفقة الغاز من شأنه مطالبة مصر بالتوقف عن انتهاك شروط اتفاق كامب ديفيد في سيناء، وسحب قواتها من الحدود المجاورة لصحراء النقب، وإلا فإن إسرائيل قد تكون على موعد مع مفاجأة "مريرة" كحرب يوم الغفران 1973، أو السابع من أكتوبر 2023، مما يستدعي معالجة هذا التهديد، واستخدام أوراق القوة التي بحوزتها، ومنها الغاز والطاقة.
في المقابل، رصد موقع ناتسيف للشئون العسكرية ردود الفعل المصرية على الصفقة باعتبارها تهديدا للأمن القومي، وأداة للضغط على القاهرة، فإذا قررت وقف إمدادات الغاز، فقد يؤدي ذلك إلى شلّ أجزاء من الصناعة المصرية، وقطع الكهرباء عن المدن، والتأثير على الاستقرار الاقتصادي.
الصفقة مع مصر تمنح إسرائيل نفوذا استراتيجياً إقليمياً
وجاء في صحيفة معاريف، زعم أن هذه الصفقة ستخلق لإسرائيل نفوذًا استراتيجيًا إقليميًا، في ضوء ما تعانيه مصر من "عطش" للغاز الاسرائيلي، الضروري لتشغيل محطات الطاقة، وسيجعل القاهرة مضطرة للاعتماد عليها بنسبة 15-20% من استهلاكها من الغاز رغم أن السعر الجديد أعلى بنسبة 14.8% من الصفقة السابقة.
بالعودة الى التاريخ، فقد بدأت إسرائيل تصدير الغاز إلى مصر عام 2020 ووقعتا أول صفقة لتزويدها بكمية ٦٠ مليار متر مكعب، أما صفقة اليوم فقد سعت لمضاعفة الصفقة الأصلية لتصبح ١٣٠ مليار متر مكعب، وبناءً عليها سوف تستثمر اسرائيل ثلاثة مليارات دولار في الاقتصاد المحلي خلال السنوات الثلاث المقبلة، بما سيعزز اقتصادها، ويتيح لها فرصة مضاعفة المنظومة بما يخدم الصفقة، واقتصادها المحلي، على أن تحصل الحكومة على 50%، بينما ستذهب النسبة المتبقية للمستثمرين، وعندما ننظر إلى الدخل الذي حصلت عليه دولة الاحتلال اليوم، فإننا نتحدث عن مبالغ تصل عشرات مليارات الشواكل.
مجلة غلوبس الاقتصادية ربطت بين التجميد الاسرائيلي "المؤقت" للصفقة مع مصر، مع ظهور الأخيرة الأكثر تضررًا من اضطرابات سوق الطاقة، حيث شهد سعر النفط ارتفاعًا حادًا على خلفية الحرب بين إسرائيل وإيران، ودفعت مصر ثمن اضطراب سوق الطاقة بالفعل، التي ما زالت تتضرر بشدة من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وأضرّت بإيراداتها من قناة السويس.
وقالت إن كل هذه التطورات تُسبّب قلقًا كبيرًا في القاهرة، ليس فقط بسبب الاعتماد على واردات الغاز من إسرائيل، ولكن أيضًا بسبب التوقيت، حيث يكون الطقس حاراً، ويرتفع استهلاك الكهرباء فيها بشكل كبير، في الوقت الذي انخفض فيه إنتاج الغاز المصري، بينما كان طلب المصريين يتزايد عليه.
وزعمت أوساط اسرائيلية أنه بسبب النقص الحادّ في الغاز، فقد أمرت السلطات المصرية منتجي الأسمدة بإغلاق عملياتهم أيام الجمعة لهذا السبب، ووضعت وزارة البترول خطة طوارئ لتخصيصاته، تتضمن تخفيضات في الإمدادات لبعض الصناعات.
كما زادت محطات الطاقة من استخدام أنواع مختلفة من الوقود، وتحولت المصانع التي كانت قادرة على ذلك إلى حرق وقود الديزل، مع العلم أن مصر تستورد طاقةً بقيمة 11.2 مليار دولار سنويًا، مما يعني أن ارتفاع أسعار النفط سيُفاقم عجزها الجاري، ويزيد من احتياجات التمويل الخارجي.