لماذا تزداد حالات الغرق في “عروس البحر المتوسط”؟ مصادر: الإنشاءات المخالفة وتراخي الجهات الحكومية أسباب الأزمة

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/03 الساعة 07:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/03 الساعة 07:24 بتوقيت غرينتش
مدينة الإسكندرية/ رويترز

شهدت محافظة الإسكندرية الأسبوع الماضي حالات غرق عديدة لمواطنين جرفتهم أمواج البحر في غياب إجراءات السلامة وعدم قدرة جهات التنبؤ والاستشعار المصرية عن تحديد قوة الرياح التي قادت لارتفاع أمواج البحار، وهو ما قاد لإغلاق الشواطئ بشكل كامل لأول مرة منذ عدة سنوات.

فيما حمَل خبراء البيئة حالة الفساد التي تعانيها المدينة المعروفة باسم "عروس البحر المتوسط" وترتب عليه زيادة حالات البناء العشوائي بالقرب من الشواطئ.

تراخي الجهات الحكومة

وقال مصدر مطلع بوزارة البيئة المصرية إن ما تعرضت له محافظة الإسكندرية خلال الأسبوع الماضي سببه الرئيسي وجود نشاط قوي للرياح أثرت على ارتفاع الأمواج ومع تآكل الشواطئ نتيجة التغيرات المناخية وعدم كفاءة الألسنة التي ثبتتها الجهات المحلية للحفاظ على مستوى الرمال وثباتها قاد لابتلاع المصطافين في ظل غياب إجراءات السلامة.

وأضاف المصدر ذاته، أن ما تمر به المحافظات المطلة على ساحل البحر المتوسط في تلك الأثناء وبخاصة محافظات (الإسكندرية ومرسى مطروح) يتم وصفه بـ "الحدث شديد الخطورة" نتيجة اضطرابات حالة البحار، وهناك مناطق تتأثر بشكل كبير ومناطق متوسط التأثير ومناطق قليلة التأثير بحسب اتجاهات الرياح. 

والأكثر من ذلك – بحسب المصدر – أن نشاط حركة الرياح يبقى غير متوقعاً، ويصعب التنبؤ به في تلك الحالة، وهو يفاجئ أجهزة الرصد دون استئذان، وهو ما يؤدي إلى ما يشبه حالة الهجوم التي تقوم بها الأمواج على الشواطئ.

ولفت إلى أن ما حدث هذا العام كان بمعدلات أقل خلال السنوات الماضية، وكانت الحكومة المصرية تقوم بعملية ردم الشواطئ بالرمال لخلق شواطئ أخرى بديلاً لتلك التي جرفتها الأمواج، لكن ذلك لم يكن كافياً وتعرضت الشواطئ للتآكل، وأضحت الأزمة أكثر وضوحاً هذا العام مع شدة الرياح القادرة على هز جبال الرمال.

هذا بالإضافة إلى الموجة البحرية التي لم يعد هناك قدرة على التحكم فيها مع بناء المصدات التي تستهدف التقليل من قوتها، وهو أمر مستغرب على ساحل البحر المتوسط لأنه بالأساس بحر شبه مغلق فيما تطال تأثيرات شدة الأمواج أكثر من 40 شاطئ في دول مختلفة مطلة عليه لكن يبقى التأثير في مصر أكبر لأسباب عديدة.

وذكر أن هذه الأسباب تتمثل في تراخي الجهات الحكومة في وضع خطط قابلة للتنفيذ لمواجهة التغيرات السريعة في المناخ وعدم أخذ التحذيرات التي صدرت من جهات عديدة محلية ودولية بشكل جدي، وبالتالي فهي الآن لا تستطيع توقع دقيق لنتائج قوة الرياح في فصل الصيف وقبل ما يقرب من شهر تقريبا على بدء شهر الخريف، وأضحت الرياح قادرة على تسيير حركة الأمواج دون القدرة على التحكم فيها.

وتابع قائلا: "كان قمة المناخ "كوب 27" التي استضافتها مصر وبعدها "كوب 28″ و"كوب 29″ جميعها فرص للحصول على تمويلات تساعد مصر على استباق تأثيرات التغيرات المناخية، لكن ذلك لم يحدث وترتب على ذلك تراجع معدلات التمويل المرصود لاتفاقيات التنوع البيولوجي ومكافحة التصحر، وترتب على زيادة معدلات التيارات المائية والهوائية بشكل عنيف".

المرة الأولى 

وشهد شاطئ يُعرف باسم "شاطئ "أبو تلات" ويقع في منطقة العجمي غرب محافظة الإسكندرية، حادث مأساوي الأسبوع الماضي، بعد أن تحولت رحلة تدريبية لطلاب إحدى الأكاديميات في مصر إلى مأساة إنسانية نتيجة حادث غرق جماعي أسفر عن وفاة 7 طالبات، وإصابة 28 آخرين بجروح واختناقات متفاوتة.

وبحسب شهود عيان، فقد توجهت مجموعة من الطلاب إلى الشاطئ ضمن نشاط تدريبي ترفيهي، غير أن عددا كبيرا منهم نزلوا إلى البحر في وقت واحد بمنطقة معروفة بخطورتها بسبب قوة التيارات البحرية وارتفاع الأمواج.

وبعد يومين من الحادث قررت السلطات المصرية إغلاق شواطئ محافظتى الإسكندرية ومطروح، الثلاثاء الماضي، بسبب اضطراب حالة البحر المتوسط، وأعلنت محافظة الإسكندرية أن الهيئة العامة للأرصاد الجوية، حذرت من حالة البحر المتوسط،، مناشدة المواطنين توخي الحيطة والحذر.

وكشفت أن توقعات الطقس تشير إلى اضطراب في الملاحة على بعض المناطق من سواحل البحر المتوسط، خاصة بمناطق مطروح والعلمين والإسكندرية وبلطيم، معلنة أنه إزاء ذلك تقرر إغلاق الشواطئ، لحين تحسن الأحوال الجومائية.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي تغلق فيها جميع شواطئ محافظة الإسكندرية بسبب خطر ارتفاع الأمواج، وكان تم إغلاقها في 2020 بسبب جائحة كورونا، أما أول إغلاق في تاريخ المحافظة فقد حدث في عام 2018 لشاطئ النخيل فقط، والذي عرف بخطورته، حيث شهد العديد من حالات الغرق، مما يشير إلى التأثير المتزايد لظاهرة تغير المناخ على حياة الأفراد.

صور لانهيار عقار الورديان بمدينة الإسكندرية- منصات التواصل

تخبط عمراني

وقال خبير في شؤون البيئة يتبع لمحافظة الإسكندرية إن ما تعرضت له شواطئ المحافظة مؤخرا يرتبط أيضا بحالة الفساد التي تعانيها منذ سنوات طويلة دون رقيب أو حسيب وهو ما ترتب عليه زيادة حالات البناء العشوائي في جهات مقابلة لشاطئ البحر، في حين أن ذلك يعد كارثة تزيد من اضطرابات البحار لأن الكتل الخرسانية الراسخة على الأرض جرى تحريكها مرات عديدة إما بسبب سقوط الأبراج الشاهقة أو للرغبة في بناء وحدات أكثر قربا من شاطئ البحر.

وأوضح أن سقوط عدد من البيوت والمنازل قبل عدة عقود أدى لبناء أبراج يصل ارتفاعها إلى 20 دوراً في مسافة أقل من كيلو عرض بينها وبين الشاطئ ما يجعل الأساسات تصل إلى قاع البحر، وهو ما أثر سلباً على ثبات الرمال في مواجهة التيارات البحرية التي قامت بسحبها وجعلت الشواطئ بدون رمال مضيفاً إلى أن التغيرات المناخية تداخلت مع أوجه الفساد لتطفو الأزمة على السطح مع حوادث غرق المواطنين.

وذكر أن الواقع الحالي في الإسكندرية أبلغ من أي أحاديث وأضحى من الصعوبة السير على كورنيش الإسكندرية مع زيادة معدلات البناء العشوائي وحجب الرؤية عن منظر البحار نتيجة لأعمال إنشائية مخالفة يترتب عليها انتشار الكافتيريات والمطاعم أو نتيجة لاتخاذ قرارات ترتبط بحماية البحار، وهو ما يعبر عن حالة تخبط عمراني واضحة وفي ظل غياب القدرة على الوصول إلى بناء عمراني منضبط مع صعوبة اتخاذ قرارات هدم وبناء بالقرب من الشواطئ مع حالة اضطراب البحار الحالية، ويخشى بعض المهندسين من أن تكون كثرة الإنشاءات دافعا لحدوث خلل في التيارات المائية. 

وكشف المصدر ذاته عن أن الجهات المحلية المسؤولة عن وضع الحواجز الخرسانية أو ما يعرف باسم "مصدات الأمواج" لم يكن لديها قدرة كافية على تركيبها بشكل علمي للحد من قوة الأمواج، وبالتالي فهي ليس لديها تأثير بشكل واضح، بخاصة وأن القائمين على رقابة الشواطئ ليس لديهم القدرة على تنبيه المواطنين بشكل دقيق عن حالة البحر.

وأكّد بيان رسمي لوزارة التنمية المحلية أن الإسكندرية شهدت 132 ألف حالة بناء مخالف خلال 10 سنوات، من شهر يناير 2011 وحتى كانون ديسمبر 2019، ولم يتوقف ذلك البناء المخالف، حتى بعدما نما إلى علم السلطات المسؤولة عن ضبط المعمار، فشهد النصف الأول من عام 2020 وحده 1773 مخالفة بناء.

ونتيجة للبناء العشوائي شهدت الإسكندرية 22 حادث انهيار عقارات منذ بداية عام 2023، حتى نهاية العام ذاته، وفقا لإحصاءات حكومية، وأشارت أيضا  إلى أن أكثر من 50%  من العقارات المنهارة في مصر، كانت في محافظة الإسكندرية فقط.

طبقاً لوزارة التضامن الاجتماعي في مصر، تُقدّر العقارات الآيلة للسقوط في الإسكندرية، بـ300 ألف عقار، وبرغم ذلك لا تزال تسكن تلك العقارات أسر كاملة تنتظر الموت يومياً دون وجود منازل بديلة، أو حلول أخرى لإنقاذهم من سلسلة العقارات المنهارة. ولا يعدّ إيجاد بدائل لتلك الأسر من الأولويات حالياً، كما أنها لا تتقدم نحو إخلاء تلك المباني من سكانها.

وبحسب خبير في الجغرافيا الطبيعية يعمل بإحدى الجهات الحكومية، فإن شواطئ الإسكندرية ومرسى مطروح تتأثر بالتغيرات المناخية، وأن الأعوام الماضية كانت شاهدة على إغلاق بعض الشواطئ بخاصة في مرسى مطروح التي تمنع وصول المصطافين إلى الشوارع المؤدية للشواطئ لضمان عدم تسلل أحد إليها، لكن ما حدث هذا العام أن جميع الشواطئ تضررت وليس التي تقع في مناطق غربية دائما ما تأتي الرياح من ناحيتها، مشيرا إلى أن ارتفاع درجة حرارة البحر في السنوات الأخيرة نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري انعكس على حوادث الغرق الأخيرة وحالة الهلع التي انتابت كثير من المواطنين.

حماية "الأثرياء" على حساب "البسطاء"

واعتبر المصدر ذاته تأثر الشواطئ المصرية طبيعي بعد هذا الكم الضخم من الاستثمارات العربية  لتطوير الموانئ القريبة من الشواطئ وبالتالي فإن ذلك ينعكس أيضا على كمية تدفق كميات أكبر من الأمواج إلى شواطئ أخرى وكذلك فإن بناء المصدات بشكل غير مدروس في بعض الشواطئ وحماية "الأثرياء" في العلمين وغيرها من الشواطئ الخاصة يأتي بمردود سلبي على الشواطئ العامة التي تشهد إقبالا واسعا من المواطنين في فصل الصيف.

ولفت إلى أنه ليس مستغرباً أن يكون الجزء الأكبر من ضحايا ارتفاع الأمواج وما يسميه المواطنين بـ"غدر البحار" من البسطاء في الشواطئ المفتوحة وليس الشواطئ الخاصة التي يتم التحكم بحركة الأمواج بها، كما أن إغلاق الشواطئ خلال الأيام الماضية كان في الإسكندرية ومرسى مطروح ولم يطل شواطئ مدينة العلمين والقرى السياحية المحيطة بها، والتي تتوفر بها رقابة قوية على حالة البحر كما أنه يتوفر بها أدوات إنقاذ متطورة بعكس المتهالكة في الشواطئ العامة.

ولفت إلى أن الحكومة المصرية مطالبة بالتعامل وفقا لأساليب وإجراءات مختلفة عن التي تطبقها حاليا، بخاصة في الشواطئ الغربية والتي يجب  أن يتم غلقها بشكل كامل أمام المواطنين طالما أن أجهزة الاستشعار غير قادرة على توقع حركة الرياح، بخاصة وأن تلك الشواطئ تشهد تكوين دومات ساحبة نتيجة التقاء التيارات البحرية وهو ما يؤدي لسحب المواطنين دون أن يتمكنوا من العوم أو إنقاذ أنفسهم كما أن ذلك يصعب بشكل كبير مهمة فرق الإنقاذ.

ورغم تعدد الإعلان عن غرق المواطنين هذا العام غير أن محافظ الإسكندرية اللواء أحمد خالد، قال إن حالات الغرق هذا العام شهدت انخفاضًا بنسبة 70% مقارنة بالسنوات الماضية، مشيرًا إلى استمرار برامج تدريب وتأهيل المنقذين على شواطئ المدينة.

كما أوضح أن المحافظة نفذت عدة مشروعات لحماية الشواطئ من آثار التغير المناخي، أبرزها إنشاء 9 حواجز بحرية للحد من ارتفاع الأمواج، لافتًا إلى حرص الأجهزة التنفيذية على متابعة الشواطئ وتوفير معايير الأمان اللازمة لمرتاديها، داعيًا المواطنين إلى الالتزام بتعليمات المنقذين وإشارات التحذير حفاظًا على الأرواح.

تحميل المزيد