أعلنت سلطات الاحتلال قبل أيام تصنيف 63 موقعاً تاريخياً وأثرياً في الضفة الغربية بأنها يهودية إسرائيلية، تقع غالبيتها قرب بؤر استيطانية ومستوطنات، في خطة مكشوفة لتسويق خطة ضم الضفة الغربية المحتلة.
ورغم أن الروايات التاريخية تدحض هذه المزاعم، فإن هذه المواقع المشار إليها تمتاز بكونها استراتيجية، وتقع على قمم عالية أو في مناطق ريفية مهمة، وبالتالي يمكن استغلالها لإقامة مستوطنات أو بؤر استيطانية تكمل السيطرة على الضفة، كما يتم اختيار مواقع قليلة الوجود الفلسطيني لتسهيل السيطرة عليها.
هذا الإعلان ليس وليد اللحظة، بل استكمال لسياسة مستمرة منذ تشكيل الحكومة الحالية أواخر 2022، حيث تم إعلان مواقع أثرية بطريقة تعسفية، أو ضمها للإدارة المدنية، باعتبارها خطوات تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض يمنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية.
وتُضاف هذه المواقع إلى 2400 موقع أثري فلسطيني في الضفة صنّفها الاحتلال بأنها مواقع أثرية إسرائيلية، ويتم استخدامها للسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، بذريعة الحفاظ على التراث.
إعادة تشكيل الهوية التراثية لفلسطين
كشف معهد الأبحاث التطبيقية الفلسطيني (أريج)، أواخر أغسطس/آب، أن الاحتلال صنّف بين عامي 1967-2025، أكثر من 2400 موقع أثري فلسطيني في الضفة الغربية على أنها آثار إسرائيلية يهودية.
وحسب المصدر نفسه، يتم استخدام هذه المآثر للسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، بذريعة الحفاظ على التراث "اليهودي"، وباتت ساحة مفتوحة أمام مخططاته للاستيلاء عليها، وآخرها تصنيف 63 موقعاً كمواقع تاريخية وأثرية إسرائيلية، بينها 59 موقعاً في نابلس وحدها، و3 في رام الله والبيرة، وواحد في سلفيت، وفقاً لما أصدره الجنرال موتي ألموز، رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية في أغسطس/آب الماضي.
مع العلم أن استهداف الاحتلال لهذه المواقع الأثرية ليس مجرد إجراءات إدارية أو قانونية شكلية، بل جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى مصادرة التراث الفلسطيني، وإعادة تشكيل الهوية التراثية الفلسطينية، بما يخدم روايته التلمودية التوراتية، بدليل أنه يستخدم المراسيم العسكرية لتبرير السيطرة عليها، وتقنين مصادرتها.
وبالتزامن مع هذه الخطوة، ناقشت لجنة التعليم في الكنيست مؤخراً مشروع قانون يمنح سلطة الآثار صلاحية إدارة المواقع الأثرية في الضفة الغربية.
وقدّم عضو الكنيست عاميت هاليفي مشروع قانون لإحالة المسؤولية عن الآثار "اليهودية" المزعومة في الضفة إلى المؤسسات الحكومية بدل الجيش والإدارة المدنية، ومن هذه المواقع الحرم الإبراهيمي في الخليل، وجبل عيبال في نابلس، وشيلو، وسبسطية، وعشرات المواقع التراثية.
المستشارة القانونية للجنة، تامي سيلا، لم تتردد في الاعتراف بالقول إن هذه خطوة نحو الضم الفعلي للضفة الغربية، وتغيير جذري في موقف السلطة التشريعية الإسرائيلية بشأن وضع أراضيها، أما رئيس اللجنة، عضو الكنيست يوسي تايب، فزعم أنه لو أقيمت دولة فلسطينية غداً في المنطقة "ج"، فيجب أن تكون هذه المواقع الأثرية تحت سيطرة إسرائيلية.
أما موشيه غوتمان، رئيس منظمة "حراس الخلود" الأثرية، فطالب بعدم الاقتصار على البحث عن الآثار اليهودية في أطراف المستوطنات اليهودية، بل يجب إجراء بحث مكثف في مناطق أخرى في قلب الضفة تمهيداً لضمها.
فيما كشف هاغار شيزاف ونير حسون، مراسلا صحيفة "هآرتس"، أنه مع إنشاء وزارة التراث مع الحكومة الجديدة قبل ثلاث سنوات، وإمدادها بالميزانيات اللازمة، فقد مُنحت جميع الصلاحيات لمنع أي بناء فلسطيني قرب هذه المواقع الأثرية التي يتم تهويدها، وكل فلسطيني يقوم بذلك يُصدر عليه حكم بالسجن، ودفع غرامة مالية باهظة.
الأمر الذي دفع البروفيسور عميحاي مزار، ممثل الأكاديمية الوطنية للعلوم، للتحذير من هذه الخطوة، لأنها ستُسبب مشاكل جسيمة لعلماء الآثار والمؤرخين الإسرائيليين على المستوى الدولي، من حيث المشاركة في المؤتمرات والنشر في المجلات العلمية، لأنه سيُفسَّر بأنه ضم فعلي للضفة الغربية.

"علم الآثار" لشرعنة الاستيطان وضم الضفة الغربية
الخطوات التي تقوم بها حكومة الاحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بالتنقيب عن الآثار اليهودية المزعومة في الضفة الغربية تتعارض مع القانون الدولي والاتفاقيات التي وقّعت عليها إسرائيل، وهو ما أكده ألون أراد من منظمة "عيمك شافيه" المتخصصة في الآثار، قائلاً: "نحن أمام مشروع سيئ وخطير، يعكس رؤية يهودية متطرفة ومسيحانية، سيؤدي حتماً إلى الإضرار بالدولة، وعلاقاتها الخارجية، وآفاقها السياسية، وتعريض مجتمعها الأكاديمي للخطر، وإفراغه من محتواه، وتحويله إلى مجرد أداة سياسية".
كما أكدت روسيلا تراكتين، الصحفية الاستقصائية في موقع "زمان إسرائيل"، أن المواقع الأثرية في الضفة الغربية أصبحت حجر زاوية في عملية الضم، ورغم انتشار آلاف المواقع التاريخية والأثرية فيها من مختلف العصور التي تعود لآلاف السنين، فإنها في السنوات الأخيرة تحولت من مجرد اكتشافات أثرية إلى مسرح لصراع سياسي.
هذا الوضع يثير تساؤلات عميقة حول دورها في ترسيخ وتسريع عملية الضم الجارية، لأن الضفة تُعتبر كنزاً تاريخياً حقيقياً، وموطناً لآلاف المواقع الأثرية من فترات مختلفة، من عصور ما قبل التاريخ إلى قرون الحكم العثماني التي انتهت بالحرب العالمية الأولى.
في الوقت ذاته، تُعتبر الضفة موطناً لثلاثة ملايين فلسطيني، واحتلالاً عسكرياً إسرائيلياً راسخاً يتخذ بشكل متزايد خصائص مدنية، بدأ العديد من الحفريات الجديدة فيها، بما فيها عملية واسعة النطاق للبحث عن وثائق إضافية من فترة مخطوطات البحر الميت، رغم أن مسألة الآثار باتت قضية معقدة ومشحونة سياسياً.
ورغم أن اتفاقيات أوسلو قسّمت الضفة الغربية إلى مناطق "أ، ب، ج"، فإن علماء الآثار الإسرائيليين مُرخَّصون للتعامل مع الآثار في المنطقة الأخيرة فقط، بينما تُترك المنطقتان الأوليتان للسلطة الفلسطينية للتنقيب عن الآثار فيهما، ولما كان تعيين عميحاي إلياهو وزيراً للتراث اليهودي، وهو من حزب "العصبة اليهودية" برئاسة إيتمار بن غفير، فقد أصبحت مسألة الآثار سياسية واستيطانية بحتة.
وتزعم وحدة الآثار التابعة للإدارة المدنية في الضفة الغربية وجود أكثر من 2600 موقع أثري فيها، بينها مواقع توراتية مثل سبسطية، وكهف البطاركة في الخليل، وتل شيلوه، وحصون الحشمونائيم، وقصر هيرودس الكبير، وكهوف قمران، ورغم أنها غنية أيضاً بآلاف المواقع المسيحية والإسلامية، فإنها غير مذكورة أبداً على موقع هذه الوحدة على شبكة الإنترنت، ما يكشف عن نواياها العدوانية، وعن تقصُّد حصر الآثار بأنها يهودية لأسباب أمنية تتعلق بالاحتفاظ بالضفة الغربية، والادعاء بأنها تُمثل "قلب الأرض الموعودة القديمة لليهود".
وأكد تال ميمران، خبير القانون الدولي وأستاذ في كلية الحقوق بأكاديمية صفد، أن هذه الآثار، بالنسبة لحكومة اليمين، وسيلة لتعزيز ذرائعهم بأن سيطرتهم على الأرض متجذرة في التاريخ، وتخدم معركة الروايات، رغم أن المستوطنين أشعلوا النار في منطقة قرب أنقاض كنيسة القديس جورج في بلدة الطيبة التي يبلغ عمرها 1500 عام، ما أثار الهجوم إدانة دولية، لكن دون تقديم لائحة اتهام.
في بلدة "بتير"، يستخدم مستوطنون من بؤرة غير قانونية في المنطقة معدّات ثقيلة لتدمير موقع مُدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
نهب الآثار وإخفاؤها ونقل صلاحياتها للحكومة اليمينية
أصدرت مجموعة من علماء الآثار الفلسطينيين دراسة عام 2024، عثرت فيها على أدلة لنهب 309 مواقع من أصل 440 موقعاً أثرياً في الضفة الغربية، حيث تسببت عمليات الجيش وانتهاكات المستوطنين في زيادة عمليات النهب، وأعاقت نقاط تفتيشه وتوقّف حركة المرور بشدة قدرة علماء الآثار الفلسطينيين على الوصول إلى المواقع المُعرّضة للخطر، ما زاد من ظاهرة نهبها.
الكاتب اليميني أرييه إلداد أكد، في مقال نشرته صحيفة معاريف، أن منظمة "حراس الخلود"، التي تزعم أن هدفها حماية المواقع الأثرية اليهودية في الضفة الغربية، تُعد عضواً في منظمة "ريغافيم" المؤيدة للاستيطان، التي أسسها زعيم الصهيونية الدينية بيتسلئيل سموتريتش، ما يكشف عن نواياها الحقيقية، وهو ما تؤكده زيادة ميزانية وزارة التراث من 48 مليون شيكل في 2021، إلى 104 ملايين شيكل في 2023.
لا يتردد علماء الآثار الإسرائيليون "الأكاديميون" غير المُسيّسين في الاعتراف بأن استغلال هذه المواقع الأثرية لاعتبارات سياسية يمينية يُوفّر ذخيرةً لمن يدعون إلى مقاطعة إسرائيل أكاديمياً، بل يخدم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، لأنها خطوات مدفوعة باعتبارات سياسية وأيديولوجية، لا بقلق حقيقي على حالة الآثار.
البروفيسور رافي غرينبرغ، من جامعة تل أبيب، ورئيس جمعية "عيمك شافيه"، أكد أن إسرائيل والمستوطنين حوّلوا علم الآثار إلى سلاح، مستخدمين إياه كوسيلة ضغط لتهجير الفلسطينيين، وكتب صندوق استكشاف فلسطين (PEF) أن السياسة الإسرائيلية فيما يتعلق بآثار الضفة الغربية تسعى لمحو الجغرافيا وهوية الضفة.
وتُظهر بيانات التراخيص الممنوحة منذ عام 1968 أن جميع الحفريات الأثرية تقريباً في الضفة الغربية نفذتها مؤسسات إسرائيلية، رغم أن البروفيسور آران مائير، رئيس معهد الآثار بجامعة بار إيلان، أكد أنه لا ينبغي لإسرائيل، كقوة احتلال، أن تُطلق مشاريع أثرية في الضفة، رغم رفضها الاعتراف بأن وجودها في الضفة يُشكّل احتلالاً.
حركة "السلام الآن" أصدرت بياناً جاء فيه أن القانون الإسرائيلي لا ينطبق على الضفة الغربية، والنشاط القانوني يستند إلى أوامر عسكرية صادرة عن القيادة الوسطى للجيش، فإن السياسة الجارية حالياً فيما يتعلق بالآثار تُعد انقلاباً قانونياً على ما يحدث في الضفة منذ احتلالها، وتمهيداً لضم أراضيها، لأن تغيير الوضع القانوني يعني الضم، وإضراراً جسيماً بالمكانة الدولية لإسرائيل، لأن القانون الدولي أصدر قراره بشأن مسؤولية الآثار في الأراضي المحتلة، ومنع الاحتلال من القيام بأي نشاط أثري لا يخدم مصالح الفلسطينيين.
اطلع "عربي بوست" على دراسة مطوّلة نشرتها منظمتا "عيمك شافيه" الأثرية، و"يش دين" الحقوقية، جاء فيها أن الضفة الغربية تزخر بالآثار والبقايا الأثرية، ما جعلها أداةً هامةً لتعميق السيطرة الإسرائيلية عليها، تمهيداً للضم، من خلال السيطرة على تشكيل الرواية التاريخية المروية من خلال الاكتشافات الأثرية.
لذلك، يسعى النشاط الأثري الإسرائيلي لإثبات مزاعم الصلة التاريخية والدينية والثقافية لليهود بالضفة الغربية، في محاولة للاستيلاء على التاريخ، ومحو تراث الشعب الفلسطيني، وسرديّته التاريخية، وتعميق قبضتها على أراضيه، وتوسيع المشروع الاستيطاني، وسياسة نهب الفلسطينيين، وتجريدهم من أراضيهم، وممتلكاتهم الثقافية والتراثية.

الغزو غير القانوني للمواقع الأثرية، والتواطؤ مع المستوطنين
ديفيد واينبرغ، الخبير في معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية في القدس، عاد بالذاكرة إلى عام 1981، مشيراً في مقال نشرته صحيفة مكور ريشون، إلى أن يسرائيل هارئيل، رئيس مجلس "يشع" الاستيطاني، أرسل مذكرةً لوزارة التعليم، التي أرسلتها بدورها إلى مكتب رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن، اقترح فيها سلسلة إجراءات تتخذها إسرائيل في المواقع الأثرية في الضفة الغربية، بزعم ضمان سيطرتها عليها، وأصبحت مقترحاتها سياسة مقبولة على مر السنين.
وسعت إسرائيل إلى استخدام المواقع الأثرية لفرض سيطرتها على الضفة الغربية، بناءً على مفهوم يربط السيطرة المادية على المواقع ذات الأهمية التاريخية أو الرمزية بالسيطرة على السردية والرواية، وصولاً إلى حظر دخول الفلسطينيين إلى أراضيهم التي تضم هذه المواقع الأثرية، بموجب أحكام أمر عسكري، لا تنطبق في الوقت ذاته على الإسرائيليين والسياح.
استبعاد الفلسطينيين من هذه المواقع التاريخية الأثرية ليس مادياً فحسب، بل ثقافياً وتاريخياً ودينياً أيضاً، لأن هذه المواقع تُلقي الضوء على تاريخ الفلسطينيين، كجزء من الاستمرارية التاريخية للثقافات والشعوب التي عاشت فيها، فيما تحرص إسرائيل على تجاهل وإنكار أهمية باقي الفترات التاريخية التي تُشكّل جزءاً من تاريخ الضفة الغربية.
بجانب السيطرة الإسرائيلية على المواقع الأثرية الفلسطينية، هناك ظاهرة الغزو غير القانوني، والاستيلاء على تلك المواقع من قبل المستوطنين، حيث لا تتحرك سلطات الاحتلال لإزالتهم، وتطبيق القانون، وحماية حقوق الفلسطينيين، والنتيجة: تعرّض آثارهم للخطر، وتحويل بعضها إلى مواقع سياحية وترفيهية، فيما يقع 450 موقعاً أثرياً داخل المستوطنات، وهناك تقدير بأن عدد المواقع والمعالم الأثرية التي أصبحت تقع خلف جدار الفصل العنصري يبلغ 1185، بجانب عدد كبير من الخرب والبيوت التاريخية.
أوري إيرليخ، الباحث الإسرائيلي في شؤون الآثار، ذكر في موقع "العين السابعة" أن السياسات الإسرائيلية سعت إلى استخدام علم الآثار لتأكيد مزاعمها وسرديّتها الصهيونية، المتعلقة بصلة اليهود بأرض فلسطين، وكشفت المعطيات الأكاديمية أن ثلث أطروحات الدكتوراه في الجامعات الإسرائيلية في علم الآثار تركزت في عناوين تتعلق بأراضي الضفة الغربية.
وأوضح أنها شملت أبحاثاً ميدانية ومسوحاً أثرية زاد عددها عن 300 عملية تنقيب في 190 موقعاً، ووافقت هيئة الآثار على 1500 عملية تنقيب أثرية إضافية، واللافت أنها ترفض تقديم تفاصيل كاملة عن الحفريات الأثرية، مما قد يُعطي صورة شاملة عن نطاق الحفريات التي تُجريها إسرائيل في الضفة الغربية، وأهدافها، وموقعها، وهوية الحفّارين الذين مُنحوا التراخيص، وغيرها من المعلومات السرية.
احتفالات يهودية بالمواقع الأثرية، وحرمان الفلسطينيين
من المظاهر التي تهتم بها إسرائيل في المواقع الأثرية المنتشرة في الضفة الغربية، إقامة فعاليات خاصة فيها بمناسبة الأعياد اليهودية، وحفلات موسيقية، وعروض موسمية، ومجموعة متنوعة من الأنشطة الترفيهية للناطقين بالعبرية، وفي الوقت ذاته تحظر إقامة فعاليات موازية في الأعياد الإسلامية والمسيحية، ولا تستضيف عروضاً موسيقية أو مسرحية للجمهور الفلسطيني، ولا أنشطةً مُصممة خصيصاً للعائلات غير اليهودية وغير المهتمة بالتقاليد الإسرائيلية.
هذه السياسة الموجّهة تسعى للسيطرة على هذه المواقع الأثرية، وتهدف إلى خلق فجوةٍ مُتعمدة بينها وبين الفلسطينيين من جهة، وتعزيز صلة اليهود بها من جهة أخرى، من خلال تخزين الاكتشافات الإضافية المكتشفة في الضفة في مستودعات إدارة الآثار ومستودعات إسرائيلية، والحديث يدور عن قطعٍ أثرية مهمة ونادرة.
ويُظهر سلوك الاحتلال تجاه المواقع الأثرية الفلسطينية في الضفة الغربية كيفية استغلال علم الآثار لتحقيق أهداف سياسية واستيطانية، بهدف ترسيخ الرواية المزعومة حول صلة إسرائيل واليهود بالضفة الغربية.
وفي الوقت ذاته، استبعاد الفلسطينيين من هذه المواقع والقطع الأثرية بوسائل مختلفة، بهدف إضعاف صلتهم بتراثهم التاريخي، ومن جهة ثالثة، يسمح الاحتلال بسيطرته الواسعة على علم الآثار بتشكيل روايته التاريخية، ويحجب دور الشعب الفلسطيني، ويسلبه أرضه عبر سلسلة من الممارسات غير القانونية، مثل إعلان أراضي الدولة، والاستيلاء عليها لأغراض عسكرية، وغيرها.
عومار شارفيت، مراسل موقع "زمن إسرائيل"، أكد أن ممارسات وزارة التراث، التي يقودها عميحاي إلياهو، تحمل تغييراً جذرياً في المواقف الحكومية تجاه المواقع الأثرية في الضفة الغربية، وتعني في النهاية ضماً وتطبيقاً دائماً للقانون الإسرائيلي عليها، ولا يُخفي توجهه النهائي بتهويد الضفة، من خلال الآثار هذه المرة.
رودي كيسلر، المتخصص في التراث الثقافي، أكد في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، أن غرض سياسة الاحتلال الحالية في موضوع الآثار هو تطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية، باعتبارها خطوة أخرى في مشروع الضم الزاحف.
لأنه حتى قبل قيام إسرائيل، استخدمت الحركة الصهيونية أدوات من مجال التراث لربط التوراة بأراضي فلسطين المحتلة، وشكّلت المواقع الأثرية، التي تتخذ في الغالب شكل "تلال"، أداةً للمفكرين الصهاينة لترسيخ التاريخ اليهودي في هذه الأرض، واليوم، يُستخدم هذا العلم الأثري للتوسع الإقليمي.
نماذج ميدانية عن عزل المواقع الأثرية تمهيداً لضمّها
- قرية دير سمعان الأثرية، الواقعة بين أراضي دير بلوط وكفر الديك غرب سلفيت، تم تطويقها بحزام استيطاني بثلاث مستوطنات: عالي زهاف، وبيدوئيل، وليشم الجديدة.
- تل الرميدة الأثري غرب المسجد الإبراهيمي الشريف، في قلب مدينة الخليل؛ أُقيمت مستوطنة على جزء منه، ثم شرعت دائرة الآثار الإسرائيلية بأعمال حفريات لتزوير حقائقها التاريخية لتناسب روايات توراتية؛ لذلك افتتحت حديقة أثرية تلمودية في المكان.
- خربة سالون التاريخية جنوب قرية قريوت، وضعت سلطة الآثار الإسرائيلية اليد عليها، وهي منطقة غنية بكنوز أثرية ترجع لحضارات مختلفة من العهد البيزنطي والكنعاني والعربي والإسلامي، ثم جرى تدشين برج سينمائي يروي للسياح القصة اليهودية والتاريخ المُزوَّر عن سيلون، التي أصبحت جزءاً من مستوطنة شيلو.