وسط تحذيرات من “سيناريو مرعب”.. هكذا تستعد إسرائيل سياسياً وأمنياً لإعلان ضم الضفة الغربية

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/02 الساعة 10:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/02 الساعة 11:47 بتوقيت غرينتش
منظر عام يظهر بناء مستوطنة رمات جفعات زئيف الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة/ رويترز

حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من مواجهة "سيناريو رعب" في الضفة الغربية المحتلة خلال شهر سبتمبر/أيلول 2025، على غرار هجوم "طوفان الأقصى"، في ظل احتمال إعلان سلطات الاحتلال الإسرائيلي الضم المرتقب لأجزاء واسعة من الضفة، ما دفع قيادة جيش الاحتلال للتحذير من اندلاع مواجهات فيها.

وحسب التقارير الإسرائيلية، فإن إعلان ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة من شأنه أن يشعل سلسلة من الهجمات ضد جنود الاحتلال والمستوطنين، فيما بدأت الماكينة الدبلوماسية والسياسية للاحتلال نشاطها المكثف للحصول على مزيد من التأييد الدولي لهذه الخطوة الخطيرة.

وسارع الاحتلال الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة إلى تنفيذ مخططه لضم أجزاء مهمة من الضفة الغربية، بما في ذلك غور الأردن، ومهّد لهذه الخطوة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. فما الشواهد على قرب تنفيذ الاحتلال لمخططه؟ وما التبعات المحتملة لذلك؟

شواهد تتزايد حول بدء العد التنازلي لتطبيق الضم

حركة السلام الآن الإسرائيلية أكدت أن أولى بوادر ضم سلطات الاحتلال الإسرائيلي المرتقب للضفة الغربية تمثلت في إقرار "الكنيست" الإسرائيلي مؤخراً اقتراحاً يدعو الحكومة إلى فرض السيادة عليها، بما فيها جميع مناطقها وغور الأردن.

صحيح أنه يُعتبر اقتراحاً إعلانياً ورمزياً، وليس ملزماً قانونياً، لكنه، وفقاً لمؤيديه، يحمل ثِقلاً سياسياً في توجيه الخطوات العملية المستقبلية التي سيتخذها الاحتلال في الضفة، من خلال تعزيز فكرة الضم، ومنع أي مسعى مستقبلي لإقامة دولة فلسطينية، بزعم تشريع الحق التاريخي المزعوم لليهود في الضفة، حيث وافق على الاقتراح أغلبية 71 عضواً في الكنيست.

جاء في الاقتراح أن "الضفة الغربية وغور الأردن جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل"، وأن "إقامة دولة فلسطينية تُشكّل تهديداً وجودياً لإسرائيل"، ودعا الحكومة إلى التحرك دون تأخير لفرض السيادة والقانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على جميع مناطق الاستيطان اليهودي بجميع أشكاله، ودعا "أصدقاء إسرائيل في العالم" إلى الوقوف بجانب عودة صهيون، وتحقيق رؤية الأنبياء.

العقيد احتياط شاؤول أريئيلي، قائد لواء غزة السابق، ورئيس إدارة المفاوضات بمكتب رئيس الوزراء، ويرأس حالياً مجموعة أبحاث "تمرور-بوليتوغرافيا"، اعتبر في مقال نشره موقع زمان إسرائيل، أن هذا التصويت إضافة أخرى لمسار اليمين لتكريس مشروع الضم التدريجي، بعد أن صوّت الكنيست مؤخراً بأغلبية ساحقة ضد قيام دولة فلسطينية.

ما يُعتبر رسالة سياسية واضحة للمجتمع الدولي، وضمن سياسة ممنهجة أرستها الحكومة الحالية، تتضمن زيادة الاستيطان، والتشريعات الهادفة إلى فرض السيادة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية، ما يعزز حالة الضم الفعلي.

وفي خضم النقاش الوزاري المحدود حول إعلان محتمل للسيادة في الضفة الغربية، يحاول قادة المستوطنات فيها تعظيم هذه الخطوة بحيث تشمل أكبر قدر ممكن من الأراضي، إذا قرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المضي قدماً فيها.

فيما زعم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن "السيادة ستُطبّق على كامل الأرض"، ما يتقاطع مع رفض التطورات الجارية في أوروبا، ورغبة عدة دول فيها في المبادرة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، في ضوء الإجماع الإسرائيلي على ضرورة منع قيامها، وفقاً لما كشفه إليشع بن كيمون، مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت لشؤون الاستيطان.

الاحتلال يسرع تشييد وتوسيع مستوطنات في الضفة الغربية/ عربي بوست
الاحتلال يسرع تشييد وتوسيع مستوطنات في الضفة الغربية/ عربي بوست

بين الضم الشامل أو الجزئي، ونتائج كل منهما

خبيرة شؤون الاستيطان الإسرائيلية، سيفان هيلاي، أوردت جملة إجراءات تشريعية ودستورية تجري بهدوء، ودون ضجيج، وبعيداً عن أعين الرادار، بهدف الترويج بقوة لضمّ الضفة الغربية المحتلة، ومنها:

  • مناقشة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست لمشروع قانون "إلغاء التمييز في شراء الأراضي في الضفة الغربية"، الذي يمنح المستوطنين الحق في شراء الأراضي عبر الخط الأخضر، بما فيها داخل التجمعات الفلسطينية، وإقامة تجمعات سكنية شبه معدومة.
  • بحث خطة لربط الضفة الغربية بمشاريع الغاز الطبيعي، بمشاركة وزير البنية التحتية إيلي كوهين.
  • موافقة عضو الكنيست سيمحا روتمان من الصهيونية الدينية على مشروع قانونه لترسيخ مصطلح "يهودا والسامرة" كاسم رسمي للضفة الغربية في جميع التشريعات الإسرائيلية.
  • مشروع قانون الآثار، الذي سينقل صلاحيات العمل في المواقع الأثرية والحفريات في الضفة الغربية من جيش الاحتلال إلى سلطة الآثار، وهي سلطة حكومية.
  • بدء مديرية الاستيطان التابعة لسموتريتش إجراء مسوحات للأراضي في الضفة الغربية، ما سيؤدي إلى ضمّ أراضٍ إضافية كأراضي دولة، بهدف استئناف تنفيذ التسوية الرسمية للأراضي من قبل الدولة في الضفة، وكبح محاولات السلطة الفلسطينية لتنفيذ إجراءات تسوية الأراضي غير القانونية في المنطقة "ج".

وعرض قادة المستوطنات على نتنياهو مطلبهم بإعلان السيادة على جميع مناطق الضفة الغربية التي لا يقيم فيها فلسطينيون، سواءً المنطقة "أ" الخاضعة للسيطرة المدنية والأمنية للسلطة الفلسطينية، أو المنطقة "ب" الخاضعة للسيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية والأمنية لإسرائيل، أو المنطقة "ج" التي تسيطر إسرائيل عليها أمنياً ومدنياً، ويعيش فيها 300 ألف فلسطيني.

وكل ذلك بهدف منع قيام دولة فلسطينية، لأنها تضم أقل عدد ممكن من الفلسطينيين. مع العلم أنه يتم تسويق هذه الخطوات للأمريكيين بأنها دفاع عن الحدود الشرقية بعد هجوم السابع من أكتوبر، وهو ما يخشاه مجلس مستوطنات الضفة الغربية "يشع"، منذ فترة طويلة، بشأن تطبيق القانون الإسرائيلي فيها بزعم إزالة ما يعتبرونه خطراً على الدولة الفلسطينية.

وحتى اليوم، ما زالت الحكومة الإسرائيلية تبحث عدداً من الخيارات المتاحة لإعلان الضم للضفة الغربية، وهي:

  • نهج توسعي يدعو لضمّ جميع مناطق "ج"، وتمثل 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية.
  • نهج يتبنى مخطط الرئيس دونالد ترامب، ويتضمن ضم نصف منطقة "ج"، وتمثل 30 في المائة من مساحة الضفة الغربية.
  • نهج تقييدي، ويسعى لترسيخ المستوطنات القائمة على الأرض، ومنع إخلائها في المستقبل.

خطوات تشريعية وتنفيذية واجتماعات ماراثونية

تشمل خطوات حكومة المستوطنين التمهيدية لإعلان ضم أجزاء من الضفة الغربية سلسلة من الإجراءات، مثل:

  • إنفاذ القوانين الإسرائيلية على المباني الفلسطينية المسماة "غير القانونية".
  • إحداث تغيير جذري في إجراءات تصاريح البناء الاستيطاني دون تحصيل موافقة المستوى السياسي.
  • نشر المزارع الاستيطانية على طول المنطقة "ج".
  • إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية والمستوطنات غير القانونية.
  • إعلان أراضي الدولة، ونقل الميزانيات إلى مستوطنات الضفة الغربية.
  • تغيير آلية عمل الحكومة بأكملها خارج الخط الأخضر، أي في الضفة الغربية عموماً.

وكشفت أوساط إسرائيلية أن نقاشاً مغلقاً عُقد بمشاركة مجموعة محدودة من الوزراء، برئاسة نتنياهو، نوقشت خلاله احتمالية تطبيق السيادة وإعلان الضم، وأعرب رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية والمقرّب من نتنياهو، خلال النقاش، عن دعمه لهذه الخطوة، لكن السؤال يبقى: على أي جزء من الضفة؟

عومار رحاميم، الرئيس التنفيذي لمجلس "يشع"، زعم أن "إسرائيل تتجه نحو السيادة والضمّ، ويجب التأكد أنها خطوة جيدة، وليست خطيرة، نحن في حالة ثورة في الضفة الغربية، جميع المستوطنات قيد التنظيم والشرعنة، لأن نصف مليون مستوطن لا يستطيعون العيش تحت الحكم العسكري السائد في الضفة".

بينما أكد أمير إيتينغر، محرر الشؤون الأمنية بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أنه "رغم ما قدمته الحكومة من وعود سابقة بشأن تطبيق السيادة والضم في الضفة الغربية عدة مرات في الماضي، لكنها هذه المرة، ربما تذهب باتجاه تطبيقها عملياً عقب نشوء وضع سياسي يسمح بذلك، وتمثّل بانعقاد منتدى وزاري صغير برئاسة نتنياهو لمناقشة هذه القضية، في اجتماع، وإن كان غير سري، إلا أنه مرّ بهدوء نسبي".

نتنياهو وسكرتيره العسكري رومات جوفمان/ يديعوت أحرونوت
نتنياهو وسكرتيره العسكري رومات جوفمان/ يديعوت أحرونوت

وكشف الاجتماع عن تحركات القيادة السياسية خلف الكواليس، وضمّ المنتدى مساعده المقرّب ديرمر، المسؤول عن العلاقات مع الولايات المتحدة ودول الخليج، ووزيري الخارجية غدعون ساعر، والمالية سموتريتش، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، وسكرتير مجلس الوزراء يوسي فوكس.

وقبل هذا الاجتماع المقلص، أجرت الحكومة نقاشاً وزارياً موسعاً آخر، بحضور ذات الوزراء، إضافة إلى وزيري الاستيطان أوريت ستروك، والقضاء ياريف ليفين، وضغطوا من أجل المضي قدماً في هذه الخطوة قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول القادم.

وناقش الوزراء الإسرائيليون مسألة ما إذا كان ينبغي تطبيق السيادة والضم على الكتل الاستيطانية فقط، أو على جميع المستوطنات، أو على كامل المنطقة "ج"، أو ربما على المناطق المفتوحة فقط، أو غور الأردن.

وبرزت معضلة إضافية، وهي ما إذا كان ينبغي الترويج لهذه الخطوة كرد فعل على الاعتراف بدولة فلسطينية، أو حتى قبل ذلك، كإجراء وقائي، حيث قدّم ساعر تشخيصاً لردود الفعل السياسية حول العالم تجاه هذه الخطوة، في ضوء المعارضة الأوروبية لها، والتخوف من أن تؤدي إلى مزيد من تدهور العلاقات معها.

فيما يضغط سموتريتش منذ فترة طويلة لدفع هذه القضية إلى الأمام، وأعدّت فرقه في إدارة المستوطنات بوزارة الحرب البنية التحتية المهنية من خرائط ومسوحات ميدانية لهذه الخطوة.

استنفار للدفع قدماً بخطة ضم الضفة الغربية المحتلة

رغم كل هذه الجهود والتحركات، يُبقي نتنياهو أوراقه سرية، ففي اجتماع مع قادة مستوطنات الضفة الغربية الذين طالبوه بتعزيز السيادة والضم، أجاب بأنه "لا يُفصّل في تعقيدات التوجيه السياسي"، ما يكشف عن خشيته من الضغوط والتأثيرات السياسية في العالم، وربما يرغب بانتظار ما ستفعله فرنسا حقاً في الأمم المتحدة، ورغم أنه لا يكشف عن تحركاته.

لكن بدا مهماً لنتنياهو حضور فعاليات استيطانية مرتين خلال أسبوع واحد فقط، مرة لإحياء الذكرى الخمسين لإقامة مستوطنة "عوفرا"، ومرة أخرى في حفل تكريم مجلس بنيامين مؤخراً.

ويستعرض "عربي بوست" فيما يلي جملة من المواقف الإسرائيلية التي صدرت حول خطة الضم:

  • مجلس "يشع"، الذي يقود مستوطنات الضفة، يقود حملة إعلامية وجماهيرية للضغط على نتنياهو للمضي قدماً في الضم، ويعارض الاكتفاء بتطبيقها على غور الأردن أو الكتل الاستيطانية فقط.
  • عضو الكنيست أفيخاي بورون من حزب الليكود يعمل مع جماعات الضغط الاستيطانية للترويج لخطوة الضم التي تشمل المناطق المفتوحة في "أ وب"، بزعم كسر التواصل الجغرافي الفلسطيني.
  • زعم وزير النقب والجليل، إسحاق فاسرلاوف، من حزب العصبة اليهودية، أنه "كان ينبغي علينا تطبيق السيادة على الضفة الغربية منذ أمس، لأن أرض إسرائيل بأكملها لنا".
  • أشار عضو الكنيست دان إيلوز من الليكود إلى أنه بات واضحاً للجميع أنه ستكون هناك سيادة وضم، لكن أي خطوة صغيرة ورمزية ستكون إخفاقاً تاريخياً، مع إدارة متعاطفة مثل ترامب، ولذلك يجب أن نطبق هذه الخطوة، لأنه الوقت المناسب الآن.
  • دعا رئيس لجنة الدستور في الكنيست، سيمحا روتمان، وهو يقود جماعة الضغط من أجل أرض إسرائيل، إلى تطبيق السيادة والضم في الضفة الغربية، لأنها ليست رداً على إجراءات دولية أو تهديداً، بل هي السبيل الوحيد لضمان مستقبل الدولة.
  • طالب أريئيل كيلنر من الليكود بتطبيق السيادة والضم على جميع الأراضي المفتوحة في الضفة الغربية، بما فيها جميع الأراضي الريفية، وليس على ما يُسمى "كتلاً" فقط، لأنها تُشكل نسبة ضئيلة من المساحة الإجمالية، ولا على أي شيء رمزي.

التبعات المتوقعة على خطة الضم أمنياً وعسكرياً

أودي ديكل ونواح شوسترمان، الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، حذّرا من أن هذه الخطوة من شأنها خلط الأوراق، وتغيير قواعد اللعبة في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية، رغم اعتقاد الائتلاف الحاكم أنه أمام فرصة، ربما لمرة واحدة، لتغيير الواقع في ساحة الصراع، رغم العواقب المباشرة المترتبة عليها:

  • الاضطرابات الشعبية الفلسطينية واسعة النطاق.
  • احتمال أن تؤدي الخطوة إلى نهاية دور السلطة الفلسطينية وتفككها.
  • تورّط إسرائيل في المسؤولية عن 2.7 مليون فلسطيني في الضفة الغربية.
  • التأثير السلبي على الطبيعة السياسية والديموغرافية لإسرائيل.
  • التعجيل بالانتقال إلى واقع الدولة الواحدة الذي يخشاه الإسرائيليون.
  • تعريف الخطوة بأنها انتهاك خطير آخر من جانب إسرائيل للقانون الدولي، وتُضاف قضية أخرى سيتم بحثها في إطار تحقيق متوقع من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

وتبدي إسرائيل مخاوفها من نشوء عواقب سلبية لهذه الخطوة، وفي ضوئها سيتضرر الواقع الأمني في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية، فوق التوتر الناشئ حالياً بسبب حرب الإبادة الجارية في غزة، حيث ستزيد دوافع الفلسطينيين للجوء إلى المقاومة المسلحة، وإمكانية توقف التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، مع زيادة احتمال انهيار السلطة الفلسطينية، أو "إعادة المفاتيح" لإسرائيل.

وفي هذه الحالة، ستُجبر على تحمّل مسؤولية جميع الفلسطينيين في الضفة الغربية، واحتمال أن تُلغى مزايا اتفاق السلام مع الأردن، الذي تُعدّ الحدود معه الأطول مع إسرائيل، وأكثرها هدوءاً، ويجري التعاون الأمني بينهما بنجاح.

وهناك احتمال أن تُقوّض الخطة مكانة إسرائيل الإقليمية تجاه الدول العربية البراغماتية، حتى لو حافظت على علاقات متواضعة معها، لكن العلاقات في المستقبل المنظور قد لا تتطور، وقد يتوقف قطار التطبيع الذي يعتزم ترامب على إطلاقه من جديد.

مايكل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، ورئيس الشعبة الفلسطينية الأسبق في جهاز الاستخبارات العسكرية – أمان، ذكر في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت أن التحذيرات الإسرائيلية مما يحدث الآن في الضفة الغربية تتصاعد.

وأوضح أنه يُقدم لمحة عما هو آتٍ في قطاع غزة من تغيير جذري في الواقع تُروج له فئات يمينية يهودية تُغلّف رؤيتها الأيديولوجية بغطاء استراتيجية مزعومة، والتعلم من أخطاء السابع من أكتوبر، لكن عواقبها ستكون وخيمة على الإسرائيليين جميعاً، لأنها تُمثل مسماراً آخر في نعش فكرة الدولة الفلسطينية.

وأكد الكاتب أن مثل هذه الإجراءات تضمن أن التسونامي السياسي، الذي يُتوقّع أن يبلغ ذروته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول، عندما يُخطط للاعتراف الواسع بدولة فلسطينية، لن يتحقق فحسب، بل سيكون قوياً، دون أن تتمكن إسرائيل من إيقافه.

بل تواصل تجاهل الضغط الدولي المتنامي، المتمثل بمنع الوزراء وأعضاء الكنيست من دخول عدة دول غربية، بسبب النهج الفاشي الذي تمثله الحكومة، خاصة عندما احتضن رئيسها بحرارة قلادة عليها صورة "إسرائيل الكبرى"، وتشمل أجزاءً من مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق.

صورة للقاء سابق بين ترامب ونتنياهو/ رويترز
صورة للقاء سابق بين ترامب ونتنياهو/ رويترز

مخاوف من تسونامي دبلوماسي وسياسي رافض للضم

البروفيسور عميحاي كوهين، الخبير في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، رجّح ألا تُطبق إسرائيل خطة الضم على تجمعات السكان الفلسطينيين، لتجنّب الحاجة إلى منحهم وضعاً مدنياً.

هذا الوضع سيؤدي إلى خلق ما يشبه "جيوباً" فلسطينية غير مشمولة في الأراضي الإسرائيلية، محاطة بمناطق خاضعة لسيادتها، لأن هذا الوضع سيؤدي إلى سلسلة من المشاكل، بما فيها انتهاكات محتملة لحقوق الملكية، وحرية التنقل، وانتهاكات للمساواة.

وأشار كوهين إلى أن الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية المُنصبّة اليوم تدور حول تقليل الضغوط المتوقعة في حال إعلان الضم فعلياً، لأن قائمة طويلة من المنظمات الدولية، بما فيها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، ولجان حقوق الإنسان، وجميع دول العالم تقريباً، تعتقد أن الضفة الغربية منطقة يحق للشعب الفلسطيني فيها ممارسة حقه في تقرير المصير، لأنها أرض محتلة من قِبل إسرائيل، وتطبيق السيادة الإسرائيلية عليها، دون اتفاق مع الفلسطينيين، يُعد انتهاكاً للقانون الدولي، ولا أساس له.

يوحنان تسوريف، المستشار السابق للشؤون الفلسطينية بوزارة الحرب، وعضو "الائتلاف الإسرائيلي للأمن الإقليمي"، اعتبر هذه الخطوات نوعاً من الضم غير الرسمي الذي تقوم به إسرائيل، بهدف إرساء وقائع على الأرض تمنع بأي ثمن إمكانية اتفاق سياسي يشمل دولتين، وتُجبر الاحتلال على تقديم تنازلات إقليمية في هذه الأراضي، وستكون لهذه الخطوات التشريعية عواقب بعيدة المدى.

بينما حذّر يهودا غليكمان، الكاتب في موقع "كيكار"، من أن تطبيق السيادة والضم يعتبر خطوة متفجرة قد تغيّر خريطة الشرق الأوسط، رغم أننا أمام "ضم هادئ"، وستثير موجة مخاوف في جميع أنحاء المجتمع الدولي، لأنه سينظر إليها باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي، وهناك إمكانية لفرض عقوبات محتملة، ما سيجعل إسرائيل أمام صدام دبلوماسي صعب سيشعل الشرق الأوسط.

وأضاف غليكمان أن المنطقة المخصصة لتطبيق السيادة والضم تضم حالياً نصف مليون مستوطن، بجانب مائة ألف فلسطيني، مع أنه ليس واضحاً بعد ما إذا كانت إسرائيل ستضم بالفعل كامل المنطقة المحددة في الخطة، ومن المحتمل أن يكون ضماً محدوداً للغاية، لا سيما لمناطق المستوطنات فقط التي تُشكل أقل من 2% من مساحة الضفة الغربية.

الخلاصة أن الهدف المحوري لمشروع الضم يكمن في خطة الحسم التي نشرها سموتريتش عام 2017، وسيُقام في إطارها كيان واحد بين البحر والنهر، يضم شعبين متماثلين في الحجم، لكن بأوضاع مدنية مختلفة، رغم أن هذا تهديد للرؤية الصهيونية.

ومن شأنها إقامة صراع "بلقاني"، وعزلة دولية في ظل نظام فصل عنصري، والأهم من ذلك كله توازن ديموغرافي هشّ، ما يدفع الفلسطينيين نحو هذه التغييرات الجذرية لتزايد دعمهم لفكرة الدولة الواحدة في الضفة الغربية.

تحميل المزيد