الأولوية للموقوفين والمفقودين والحدود.. تفاصيل الملفات التي ناقشها وفد سوري مع مسؤولين لبنانيين في بيروت

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/02 الساعة 19:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/02 الساعة 19:32 بتوقيت غرينتش
الوفد السوري خلال تواجده في لبنان

قال مصدر دبلوماسي سوري لـ"عربي بوست" إن الزيارة التي قام بها وفد تقني سوري رفيع المستوى إلى بيروت في الأول من سبتمبر/أيلول 2025، تُعدّ "منعطفاً حقيقياً" في مسار العلاقات السورية اللبنانية، ومحاولة جدية لطي صفحة ستين عاماً من الالتباس والتجاذبات التي رافقت البلدين منذ استقلالهما.

الوفد الذي وصل صباح الإثنين، ترأسه مدير الشؤون العربية في وزارة الخارجية، الدكتور محمد طه الأحمد، وضم الوزير السابق محمد يعقوب العمر، المسؤول عن الإدارة القنصلية، إلى جانب محمد رضا منذر جلخي، رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً، وممثلين عن وزارة العدل والمخابرات العامة السورية.

وعُقد اجتماع موسّع في مقر رئاسة الحكومة اللبنانية وسط بيروت، بين أعضاء الوفد السوري ونائب رئيس الحكومة اللبنانية، الدكتور طارق متري، وبمشاركة وفود من وزارتي العدل والداخلية ومستشارين، واستمر الاجتماع نحو أربع ساعات متواصلة.

اتفاق على لجنتين وتفويض رئاسي

وفق مصدر "عربي بوست"، فإن الاجتماع أفضى إلى اتفاق يقضي بإنشاء لجنتين مشتركتين: لجنة قضائية لمتابعة ملفات الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية والمفقودين اللبنانيين في سوريا، ولجنة تقنية تُعنى بترسيم الحدود وضبط المعابر غير الشرعية ومعالجة القضايا الأمنية والعسكرية.

وبحسب المصدر الدبلوماسي السوري، الذي كشف لـ"عربي بوست" تفاصيل اجتماعات الوفد السوري في لبنان، مفضلاً عدم ذكر اسمه، فقد منح الرئيس السوري أحمد الشرع الوفد صلاحيات واسعة تسمح بفتح جميع الملفات وتسليم وثائق ميدانية مباشرة إلى الجانب اللبناني.

فيما تم تحديد مهلة خمسة عشر يوماً لبدء عمل اللجنتين، على أن يُعقد الاجتماع الأول في دمشق يوم 5 سبتمبر/أيلول 2025، ليعقبه في نهاية الشهر وصول وفد وزاري سوري رفيع يضم وزيري العدل والداخلية، ورئيس جهاز المخابرات، حسين سلامة، وممثلاً عن وزارة الدفاع السورية.

الموقوفون والمفقودون: تبادل لوائح لأول مرة

تشير المصادر إلى أن الوفد السوري حرص على إعطاء الأولوية لملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، مؤكداً أن بلاده لم ولن تطالب بإطلاق سراح أي موقوف سوري، على عكس ما زعمت أطراف سياسية لبنانية.

وقدّم الأحمد ملفاً يشير إلى وجود نحو 400 موقوف في السجون اللبنانية، بتهم تتراوح بين الإقامة غير الشرعية ودعم الثورة السورية، يمكن العمل على إطلاق سراحهم بشكل سريع في المرحلة الأولى. فيما شدد نائب رئيس الحكومة اللبنانية على أن بلاده تنتظر منذ عقود كشف مصير أكثر من 200 مفقود لبناني في سوريا منذ عام 1977.

الأحمد، وفق المصدر الدبلوماسي، أكد أن دمشق مستعدة لتسخير كل الإمكانيات المتاحة لتوضيح مصير هؤلاء، على أن تتولى اللجنة القضائية إعداد لوائح رسمية وتبادلها بين الطرفين، تمهيداً لصياغة اتفاق قضائي ينظّم آليات التعاون، ويسمح بإمكانية نقل سجناء إلى سوريا لاستكمال محاكمتهم، مؤكداً أن جزءاً منهم تنتفي أسباب سجنهم لتهم متعلقة بمناهضة النظام السابق.

الحدود والتهريب.. 22 معبراً تحت المجهر

تشير المعلومات التي توصل بها "عربي بوست" إلى أن الملف الحدودي كان ملفاً محورياً في المباحثات، إذ أبلغ الوفد السوري نظيره اللبناني أن معالجة المعابر غير الشرعية لا تهم بيروت ودمشق فقط، بل ترتبط بالأمن القومي العربي، وخاصة فيما يتعلق بتهريب المخدرات والسلاح إلى دول الخليج والأردن.

ووفق المصدر، فقد تم تكليف اللجنة التقنية بوضع خرائط دقيقة للنقاط الحدودية، خصوصاً في مناطق عكار والبقاع الغربي وبعلبك الهرمل، حيث تم رصد أكثر من عشرين معبراً غير شرعي تُستخدم لتهريب البضائع والمحروقات والأسلحة.

وأوضح المصدر الدبلوماسي أن دمشق ستلتزم من جانبها بإقفال هذه المعابر أو ضبطها، عبر تنسيق مباشر بين الجيشين والأمن العام في البلدين، على أن يقوم لبنان بالفعل نفسه.

عودة اللاجئين والتعاون الاقتصادي

في ملف اللاجئين السوريين، أشار الوفد إلى أن دمشق باتت جاهزة لمعالجة هذا الملف عبر تسهيلات قنصلية وإدارية، وضمانات بعدم ملاحقة العائدين ممن لا تترتب عليهم قضايا قضائية، والعمل مع الجهات المانحة والدولية على خطة مشتركة لضمان عودة تدريجية خلال عامين، بدعم أممي وعربي.

وعن الجانب الاقتصادي، فُتح نقاش موسّع حيال ضرورة مراجعة اتفاقيات التعاون الموقعة بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989، أي عقب اتفاق الطائف، وفق ما أُطلق عليه حينها "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق"، والسعي لدراستها وفق ما يتقاطع مع مستلزمات المرحلة والتحديات التجارية والاقتصادية.

وسيتم ذلك عبر لجنة مشتركة تضم القطاعات العامة والخاصة بين البلدين، والدعوة إلى مؤتمر اقتصادي لدول الجوار السوري في دمشق، لوصل سوريا بمرافق حيوية في لبنان والمحيط، كمحور أساسي لخطط إعادة الإعمار في الداخل السوري.

فلول نظام الأسد وحزب الله

في الشق الأمني، كشف مصدر "عربي بوست" أن الجانب السوري، وعلى هامش الاجتماعات، أثار قضية التحركات التي يقوم بها عناصر في النظام السابق بالتنسيق مع حزب الله في لبنان، عبر وجود معطيات متقاطعة عن تحركات أمنية تجري لإثارة "زعزعة أمنية" في مرحلة مقبلة.

إضافة إلى التحركات الجارية عبر بعض العصابات الناشطة على الحدود بين الدولتين، ما يثير تخوّف دمشق من جولة جديدة تقوم بها هذه العناصر في مناطق حدودية أو في الساحل السوري.

وجرى التفاهم على متابعة هذا الملف عبر الأجهزة الأمنية واللجان المشتركة، لتنسيق أي معلومات، ومنع حصول توترات أو نقل التحديات المشتركة إلى داخل الحدود بين البلدين.

طي صفحة 60 عاماً من الالتباس

بالمقابل، أكد مصدر دبلوماسي لبناني لـ"عربي بوست" أن هذه الزيارة "لا تقتصر على بحث ملفات قضائية وأمنية، بل تمثل محاولة جدية لوضع إطار مؤسساتي لعلاقة ظلّت لعقود محكومة بالوصاية والالتباس والاتهامات المتبادلة".

وأوضح أن الملفات التي فُتحت في بيروت هي ذاتها التي شكّلت بؤر توتر منذ ستينيات القرن الماضي، بدءاً من الوجود العسكري السوري في لبنان، مروراً بمرحلة الحرب الأهلية، واتفاق الطائف، وبسط النفوذ السوري على القرار اللبناني، وصولاً إلى الانسحاب عام 2005، وما تبعه من انقطاع شبه كامل في العلاقات الرسمية.

وأضاف المصدر اللبناني أن ما يجري اليوم يهدف إلى تحويل العلاقة من "سجال سياسي" إلى "مسار تقني – قضائي – أمني" له إطار واضح ومحدد.

وأكد المصدر أن الخطوات المقبلة يجب أن تشمل زيارات واجتماعات مستمرة بين لبنان ودمشق، وخاصة في ظل ما أُشير إليه عن احتمالية لزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى بيروت مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2025، فيما الأهم استمرار الدول العربية والإقليمية في رعاية هذه العلاقة لحين تثبيتها، وتحديداً السعودية وتركيا.

وتوقّع المصدر اللبناني أن تُعلَن نتائج أولية حول الموقوفين والمعابر واللاجئين خلال الشهر الحالي، وأن الرسالة الأهم للزيارة تكمن في أن دمشق وبيروت توافقتا، ولو مبدئياً، على استبدال فوضى العقود الماضية بآليات مؤسساتية واضحة، بما يمهّد لمرحلة جديدة من التعاون، ويغلق الباب أمام ستة عقود من الالتباس السياسي والأمني.

علامات:
تحميل المزيد