طائرات للتجسس أم بحثا عن الأسرى؟ هكذا تورطت بريطانيا في جرائم الحرب الإسرائيلية بغزة

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/28 الساعة 16:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/28 الساعة 16:53 بتوقيت غرينتش
مساعدات إنسانية قليلة تُلقى جواً فوق غزة - رويترز

تواصل بريطانيا انخراطها في حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ نحو عامين، رغم نفي لندن لأي تدخل عسكري لها في الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلا أن معطيات وتقارير أكدت تورط سلاح الجو البريطاني فيما تقوم به إسرائيل من جرائم بحق المدنيين في القطاع.

فبينما يؤكد المسؤولون الحكوميون والعسكريون في لندن أن المهام الجوية البريطانية تهدف "ظاهريًا" للمساعدة في تحديد مكان الرهائن في غزة، لكنها قد تجعل منها شريكة في حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين، لأن الطائرات البريطانية تجمع معلومات استخبارية باستخدام أنظمة المراقبة الحديثة الخاصة بها. 

وكشفت معطيات أن طائرات التجسس البريطانية التي تحلق فوق سماء قطاع غزة وتنفذ فيها طلعات جوية، ترسل معلوماتها لجيش الاحتلال تزامنا  هجماته الدامية بحق الفلسطينيين، وسط صمت لندن التي لم تنفي هذه المعلومات، مكتفية بالزعم أن طلعاتها جزء من مساعي البحث عن الأسرى الإسرائيليين في غزة.

تنسيق عسكري واستخباراتي بين لندن وتل أبيب

منذ بدء الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة في أكتوبر 2023، أعلنت بريطانيا مقتل 12 إسرائيلياً يحملون جنسيتها في هجوم "طوفان الأقصى"، وأسر خمسة آخرين، أكدت أنها ستساعد في البحث عن باقي المختطفين في غزة، باستخدام طائرات تُستخدم في رحلات استطلاعية، بما فيها طائرات "شادو آر1″، المستخدمة لجمع المعلومات الاستخبارية، مؤكدة أنه سيتم تبادل المعلومات حول مكان وجودهم المحتمل مع إسرائيل. 

وزير الخارجية، ديفيد لامي، اعترف أن بلاده أرسلت طائرات مراقبة غير مسلحة فوق القطاع بهدف تحديد مواقع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس، وأوضح، في رسالة موجهة إلى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، أن وزارة الدفاع تقوم بتنفيذ رحلات مراقبة جوية فوق شرقي البحر المتوسط، بما في ذلك المجال الجوي لقطاع غزة.

صحيفة معاريف الإسرائيلية نقلت عن وزارة الدفاع البريطانية أن سلامة مواطنيها هي أولويتها القصوى، كاشفة أنها ستُجري طلعات استطلاعية فوق البحر المتوسط، بما فيها عمليات في المجال الجوي فوق إسرائيل وغزة، زاعمة أن طائرات الاستطلاع لن تكون مسلحة، ولن يكون لها دور قتالي، ومُخصصة فقط لتحديد أماكن الرهائن، وستنقل المعلومات المتعلقة بالرهائن لمن وصفتها "الجهات المعنية". 

كما أن نيتسان تسور المراسل العسكري للقناة السابعة الإسرائيلية، نقل عن أوساط عسكرية، أن طائرات التجسس البريطانية التي تحلق في أجواء قطاع غزة تنطلق من قواعدها الجوية المتمركزة في قبرص، حيث يقوم سلاح الجو الملكي البريطاني برحلات جوية غير مسلحة بشكل روتيني منذ ديسمبر 2023.

فيما كشف تحقيق استقصائي أجراه موقع "ديكلاسيفايد" Declassified البريطاني، أن رحلات جوية نفذتها طائرات بريطانية في أجواء غزة، دأبت على الانطلاق من قاعدة "بريزا نورتون" الجوية الملكية التي تعتبر مركزًا استراتيجيًا للنقل الجوي، ومحطة وقود للقوات الجوية البريطانية، وتنطلق منها رحلات جوية إلى قاعدة أكروتيري الجوية الملكية في قبرص، حيث نفّذ سلاح الجو الملكي طلعات استطلاعية فوق غزة. 

تكتم بريطاني على طبيعة المهام و"عقود سرية"

في العديد من الحالات توقِف هذه الطائرات التجسسية أجهزة إرسالها لتحديد الهوية وتحديد المواقع فوق البحر المتوسط، لكنها واصلت التحليق رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة في يناير الماضي، مما أثار تساؤلات مريبة عن استمرار هذه الرحلات رغم توقف الحرب، وفقا لما ذكرته ناعومي راحيليس مراسل القناة 14 المقربة من نتنياهو.

كما أرسلت الحكومة البريطانية طائرة تجسس فوق قطاع غزة بالتزامن مع التهديدات الإسرائيلية باعتراض سفينة "مادلين"، التي ترفع العلم البريطاني، وكانت تُبحر في مهمة إنسانية نحو غزة، حيث حاصرتها الزوارق الحربية الإسرائيلية، واعتقلت النشطاء على متنها، وعددهم 12 ناشطًا، واقتادت السفينة إلى ميناء أسدود.

وسائل إعلام بريطانية كشفت أيضا أن وزارة الدفاع وقّعت عقدًا مع شركة "سترايت فلايت نيفادا" المملوكة لمجموعة "سيرا نيفادا"، وهي واحدة من أكبر شركات المقاولات العسكرية في العالم، لتشغيل طائرات تجسس فوق قطاع غزة.

لكن الوزارة امتنعت عن التصريح رسميًا بذلك بحجة حساسية المهمة، ورفضت الكشف عن مدة أو تكلفة العقد، لكن صور الأقمار الصناعية الملتقطة أظهرت تحليقها فوق أجواء القطاع، بحيث أن ما جُمِع من هذه الطلعات قد يملأ عدة أقراص صلبة من المعلومات الاستخبارية.

في سياق متصل، رفضت وزارة الدفاع في لندن طلباً للحصول على معلومات من شأنها أن تلقي الضوء على التدريب الذي تقدمه لجنود الاحتلال الإسرائيلي في بريطانيا، عقب اعترافها في إجابة عن سؤال برلماني، بوجود ستة ضباط إسرائيليين لديها، ضمن مشاركتهم في دورات تدريبية، ويأتي التعتيم على المعلومات بهدف حماية الوزراء البريطانيين من الملاحقة القضائيّة بتهمة التواطؤ في جرائم الحرب الاسرائيلية.

فيما امتنعت وزارة الدفاع عن الرد على سؤال حول ما إذا كانت تدفع أموالا لمقاولين من القطاع الخاص مقابل استخدام طائراتهم في مهام سرية في غزة، حيث كانت تُسجَّل على مواقع تتبع الطيران التجارية، بما يعكس درجة عالية من السرية والرقابة المحدودة.

المهام الحقيقة لطائرات التجسس البريطانية 

تُعدّ طائرات "شادو" Shadow R1 وتعني "الظل" تجسّسية متطورة، مُجهّزة بأجهزة استشعار كهروضوئية وإلكترونية عالية الدقة، قادرة على مسح قوافل المركبات والشوارع والمباني السكنية، والتركيز على تحركات مُحددة، حيث تنفذ مهامًا شبه يومية تجمع خلالها معلومات حساسة عن التحركات البرية في القطاع، ويمتلك أسطول سلاح الجو الملكي البريطاني ست طائرات مراقبة من هذا الطراز. 

موقع ناتسيف الإسرائيلي للشئون العسكرية، ذكر أن المهام الجوية البريطانية تهدف "ظاهريًا" للمساعدة في تحديد مكان الرهائن في غزة، لكنها قد تجعل منها شريكة في هجمات إسرائيل المتواصلة على الفلسطينيين، لأن الطائرات تجمع المعلومات الاستخبارية باستخدام أنظمة المراقبة الحديثة الخاصة بها. 

ومن الناحية الفنية، يمكن مشاركة اللقطات والمعلومات الاستخباراتية الأخرى في الوقت الفعلي عبر وصلة الأقمار الصناعية مع الشركاء على الأرض، مما يثير مخاوف من أن القوات الإسرائيلية لديها إمكانية الوصول في الوقت الفعلي للمعلومات البريطانية التي تم جمعها من فوق ساحة المعركة، وبالتالي هناك احتمال أن تكون متواطئة في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. 

يوسي ناختيغال الكاتب في موقع "كيكار" أوضح أن حملة واسعة النطاق انطلقت في مترو أنفاق لندن ضد سلاح الجو الملكي البريطاني (RAF)، لأنه يُسيّر طائرات تجسس لمساعدة إسرائيل في حرب غزة، ونفّذ أكثر من 450 رحلة استطلاعية فوق القطاع.

بينما نقل دان أركين محرر الشئون العسكرية بمجلة يسرائيل ديفينس لقضايا التسلح، عن أوساط عسكرية بريطانية مخاوفها من احتمال تعرض شخصيات بريطانية لخطر اتهامها بارتكاب جرائم حرب بسبب هذه الطلعات الجوية في سماء غزة، وتعاونها مع إسرائيل في هذه الحرب.

وقد يشمل ذلك وزير الدفاع غرانت شابس، فيما خصص الجيش البريطاني 110 ملايين جنيه إسترليني لتحديث هذا النوع من الطائرات، وزيادة أسطوله منها من ست إلى ثماني طائرات من هذا النوع، فيما ستتولى شركة رايثيون الأمريكية لتصنيع الطائرات عملية التحديث.

آساف أوني مراسلة مجلة غلوبس، أكدت أنه رغم تدهور العلاقات بين بريطانيا وإسرائيل إلى أدنى مستوياتها عقب إعلانها استعدادها الاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، والتهديد باتخاذ "خطوات ملموسة" إذا لم تُنهِ إسرائيل الحرب في غزة، لكن طلعاتها الجوية مستمرة في أجواء غزة.

صحيفة يديعوت أحرونوت، ذكرت أن هذه الطائرات التجسسية يتم تشغيلها من قبل السرب الرابع عشر التابع لسلاح الجو الملكي البريطاني، المتمركز في لينكولنشاير، وشعاره المكتوب بالعربية، مقتبس من نصوص دينية "أبسط جناحي، وأفي بوعدي".

فيما شكك الجنرال البريطاني احتياط تشارلي هربرت بمزاعم الجيش البريطاني عن اقتصار المعلومات الاستخبارية حول تحديد مكان الرهائن فقط، لأنه من الناحية العملية يمكن استخدامها أيضًا لشن هجمات على حماس.

كما تعمل طائرات أخرى تابعة لسلاح الجو البريطاني، بما فيها طائرة بوسيدون بي 8 وطائرة ريفيت جوينت، القادرة على اعتراض الاتصالات والأنظمة الإلكترونية من الأرض.

مخاوف من انخراط بريطانيا في جرائم الحرب الاسرائيلية 

من الاتهامات الموجهة للطيران البريطاني بالتواطؤ مع الاحتلال، تورطه في تحليق استطلاعي فوق مخيم النصيرات وسط قطاع غزة قبل ليلة فقط من مجزرة إسرائيلية خلّفت 30 شهيدا في ديسمبر 2024، وتزامناً مع القصف الاسرائيلي للمخيم استقرت طائرة بريطانية قبالة ساحل القطاع لمدة نصف ساعة تقريبا، وظلت تحلق بعد أقل من ساعة من انتهاء القصف.

وقد انتقد اليسار المتطرف في بريطانيا بشدة المساعدة الاستخباراتية البريطانية لإسرائيل، فقد وصفت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا السابقة، نيلدي باندور، هذه الرحلات الجوية البريطانية في أجواء غزة  بأنها "مؤامرة تُصنّف على أنها جريمة ضد الإنسانية".

وقبل أيام قليلة من نشر هذا التقرير، اقتحم ناشطون يُعرِّفون أنفسهم باسم "شهداء فلسطين من أجل العدالة" موقع شركة "مووغ" لصناعة الطائرات "Moog Aircraft Group" في بندفورد بمدينة ولفرهامبتون البريطانية، بعد أن صدموا بوابة المصنع بسيارة، ثم صعدوا إلى سطح أحد المباني.

وأعلنت المجموعة أن هدفها من استهداف الشركة هو وقف الإنتاج المرتبط ببرامج تسليح الاحتلال الإسرائيلي، وتورّطها في توريد مكونات طيران تستخدم في تدريب وتشغيل مقاتلات إف 16 وإف 35، ضمن منظومة تسليحه.

كما اقتحم ناشطون مؤيدون للفلسطينيين قاعدة "بريج نورتون" التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في أوكسفوردشاير، ورشّ طائرتين عسكريتين باللون الأحمر، احتجاجا على مواصلة لندن إرسال شحنات عسكرية لجيش الاحتلال، وتحليق طائراتها التجسسية فوق غزة، وتزويد الطائرات المقاتلة الإسرائيلية بالوقود، وفقا لما ذكرته صحيفة معاريف.

فيما دعت منظمة العفو الدولية، في تقرير اتهمت فيه إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، بريطانيا إلى تعليق مساعداتها العسكرية والأمنية فورًا لإسرائيل في ضوء الخطر الواضح المتمثل بمساهمتها في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي. 

النائب الديمقراطي الليبرالي مايك مارتن، الضابط السابق في الجيش البريطاني، تساءل عما إذا كانت المعلومات الاستخبارية البريطانية التي تحصل عليها طائرات التجسس تُنقل إلى إسرائيل لأغراض الاستهداف العسكري، لكن وزير القوات المسلحة لوك بولارد من حزب العمال زعم بأن رحلات المراقبة "تقتصر فقط على دعم إنقاذ الرهائن".

غموض الرحلات البريطانية يثير قلق المقاومة

مصدر فلسطيني قريب من أوساط المقاومة في غزة، أكد لـ"عربي بوست" أن "قرار السلطات العسكرية البريطانية توجيه طائرات خاصة بالمراقبة غير مسلحة تحلّق بارتفاعات كبيرة فوق سماء قطاع غزة، أثار استغراب العديد من الأوساط الاستخبارية والعسكرية.

لأن الحاجة لطائرات بريطانية في اطار المراقبة الجوية لا تبدو مُلحّة، أو واضحة الأهداف، بسبب وجود عدد كبير من الطائرات الإسرائيلية والأمريكية أصلا في نفس المنطقة والأجواء، مما يزيد من الانطباع بأن هدفها المعلن قد لا يكون دقيقا أو صحيحا، وهو حسب السلطات البريطانية التوثق من الأماكن التي يوجد فيها المختطفون لدى المقاومة في غزة".

وأضاف المصدر أن "الأمر يثير كثيرا من الغموض حول المهام الحقيقية لهذه الطائرات، وقد لا تكون مرتبطة بالبحث عن المختطفين، لأن الطائرات الاسرائيلية والأمريكية الخاصة بالمراقبة موجودة بكثافة لهذا الغرض فوق سماء قطاع غزة منذ اندلاع العدوان منذ قرابة عامين، مما يزيد التقدير لدى المقاومة بأن هذه الطائرات قد تلتقط صورا توثيقات تتجاوز مسألة المختطفين، وأماكن وجودهم، وصولا لمراقبة تحركات المقاومين على الأرض".

موقع "ديكلاسيفايد"، المختصّ في التحقيق بأنشطة وكالات الاستخبارات والجيش البريطاني، كشف أن حكومة حزب العمال البريطانية أمرت بمئات الرحلات التجسّسية فوق غزة لمساعدة الاستخبارات الإسرائيلية، بما يعادل أكثر من رحلة واحدة يومياً.

ورغم أن حكومة كير ستارمر رئيس الوزراء علقت 30 ترخيصاً لتصدير الأسلحة لإسرائيل، بسبب خطر واضح من أنها قد تُستخدم في انتهاك خطير للقانون الدولي، لكن رحلات التجسس فوق غزة التي بدأت في عهد حكومة حزب المحافظين السابقة، استمرت بوتيرة سريعة.

فيما أكد دين شموئيل إلماس المحرر الصحفي في مجلة "غلوبس" الاسرائيلية، أن سلاح الجو الملكي البريطاني استطاع الحفاظ على وتيرة رحلات المراقبة اليومية تقريبًا فوق قطاع غزة.

وكشف أنه حينما كانت القوات الإسرائيلية تتوغل برّياً إلى جنوب لبنان، أرسلت المملكة المتحدة طائرة نقل عسكرية ضخمة من طراز A400M من أكروتيري إلى تل أبيب، قادرة على حمل 116 جندياً مجهزاً بالكامل، وحمولة تصل إلى 81600 رطل، كما أرسلت طائرات مقاتلة من طراز تايفون من قبرص للدفاع عن إسرائيل ضد الصواريخ من إيران.

يانكي فاربر المراسل العسكري الاسرائيلي، نقل عن محافل عسكرية بريطانية وإسرائيلية، أن القوات الجوية البريطانية نفذت أكثر من 200 طلعة جوية مراقبة فوق غزة منذ بدء الحرب، فيما رفضت الحكومة البريطانية تقديم تفاصيل عن هذه الطلعات التي بدأت في ديسمبر 2023، ويبلغ العدد الاستثنائي للمهام في الأشهر الماضية أكثر بكثير من طلعة واحدة يوميًا. 
فيما شهد شهر مارس 2025 أعلى عدد من طلعات المراقبة البريطانية فوق غزة بـ44 طلعة، حيث كانت تستمر في الجو لمدة ست ساعات تقريبًا، وفيما تبعد غزة 30 دقيقة بالطائرة عن القاعدة البريطانية في قبرص، لذا يُرجّح أن الطائرات صوّرَت حوالي 1000 ساعة فوق القطاع، بمعدل أربع ساعات يوميًا.

تحميل المزيد