الاندماج في الجيش وسجون “داعش” والنفط.. تفاصيل أجندة التفاوض بين الحكومة السورية و”قسد” في باريس وشروط كل منهما

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/30 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/30 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
الرئيس السوري أحمد الشرع ومظلوم عبدي- عربي بوست

في خطوة وُصفت من جانب مصادر سورية مطلعة بأنها واحدة من أبرز المفاوضات الجارية حول مستقبل سوريا، تجتمع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مع ممثلين من الحكومة السورية بوساطة أميركية في العاصمة الفرنسية باريس، لبحث ثلاث ملفات شائكة تتعلق بمستقبل شمال شرق سوريا.

يأتي الاجتماع بدعوة مباشرة من الجانب الأميركي، ويُعقد برعاية دبلوماسية فرنسية غير معلنة رسميًا، وسط حرص من كافة الأطراف على إبقاء مجرياته في دائرة الغموض.

وقالت مصادر سورية مطلعة إن المجتمعين يبحثون بشكل أساسي ثلاثة ملفات:

  • الاندماج العسكري لقوات "قسد" ضمن الجيش السوري.
  • إدارة سجون عناصر تنظيم داعش بمشاركة أميركية.
  • إدخال قوات من وزارة الداخلية السورية إلى مناطق "قسد"، وتنظيم العلاقة معها.

أرضية معقدة

بحسب مصدر سوري قريب من مظلوم عبدي، القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، فإن النقاشات تنطلق من أرضية معقدة، تعكس تضارب الرؤى حول شكل الدولة السورية، ومستقبل الإدارة الذاتية، وهوية السيطرة الأمنية والعسكرية في المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، بدعم مباشر من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

كان القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مظلوم عبدي، قد كشف عن فحوى جولة المفاوضات الجديدة المقررة بين "قسد" والحكومة السورية في العاصمة الفرنسية باريس، وسط تأكيده عزم "الإدارة الذاتية" تطبيق بنود اتفاقية 10 من آذار بين عبدي، والرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في آذار الماضي.

وقال عبدي في تصريحات لقناة "العربية" السعودية، الثلاثاء 29 من تموز، إن قواته ستعمل على تطبيق جميع بنود الاتفاقية قبل نهاية العام.

وأشار عبدي إلى أن جولة المفاوضات المقبلة في باريس ستبحث آلية الاندماج في الجيش السوري، مشيرًا إلى أن "قسد" ستكون جزءًا من وزارة الدفاع السورية.

‌‏"متفقون مع الحكومة على وحدة سوريا بجيش واحد وعلم واحد"، أضاف عبدي، الذي قال إن التواصل مفتوح مع الحكومة السورية بشكل يومي، إلا أن اتفاق 10 من آذار يسير ببطء، وأسباب هذا البطء تتعلق بجانبين، لا بجانب واحد.

وأكد عبدي اتفاق الأطراف الكردية على طروحات "قسد"، لافتًا إلى وجود قلق من الاندماج بالجيش السوري من دون ضمانات دستورية، حسب قوله.

الملف الأول: الاندماج في الجيش السوري.. بين الفيدرالية والوحدة المركزية

أكثر النقاط حساسية في المفاوضات، حسبما قال المصدر المقرب من مظلوم عبدي، هي النقاش حول مستقبل "قسد" ككيان عسكري. فقد رفضت القيادة السياسية لقسد بشكل قاطع فكرة "الاندماج الكامل" في الجيش السوري كأفراد أو كتشكيل ذائب في البنية المركزية الحالية.

وبدلاً من ذلك، وفق كلام المصدر السوري المقرب من مظلوم عبدي، طرحت رؤية مغايرة تنسجم مع نموذج "الفدرلة" العسكرية، أي أن تتحول "قسد" إلى جيش فيدرالي خاص بشمال شرق سوريا، يحتفظ بخصوصيته التنظيمية والقيادية، ويأتمر مباشرة بأوامر القائد العام مظلوم عبدي، الذي سيكون المرجعية السياسية والعسكرية للقوة في كافة الملفات العملياتية.

وتقترح قسد، وفق كلام المصدر المقرب من مظلوم عبدي، أن يتم التنسيق المباشر بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع، الرئيس السوري الحالي، دون المرور بالمؤسسة العسكرية المركزية التقليدية.

وضعية قوات قسد

في سياق مواز، كشف مصدر سوري مقرب من أحد الأجهزة السيادية التابعة لقوات (قسد) عن وجود خلافات كبيرة وعميقة في الاجتماعات الفنية التي تلت الاتفاق السابق بين قائد قسد، مظلوم عبدي، والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، حول مستقبل وضعية قوات قسد داخل الجيش السوري.

وأشار المصدر في تصريحات خاصة إلى أن الإشكالية الأساسية التي تعرقل تقدم تنفيذ الاتفاق تكمن في رفض مظلوم عبدي وقادة قسد التخلي عن استقلالية قواتهم، ورفضهم الخضوع المباشر والحيادي للبنية العسكرية المركزية التابعة للجيش السوري.

رغم التصريحات التي تصدر عن عبدي والتي تظهر حرصه على التفاهم والتعاون مع دمشق، إلا أن الواقع على الأرض يبرز تمسكًا واضحًا باستمرار قوات قسد ككيان مستقل نسبيًا، وهو ما يشكل نقطة خلاف جوهرية مع الجانب السوري، الذي يصر على دمج قوات قسد بشكل كامل ضمن الجيش السوري ووضعها تحت إشراف قيادة مركزية موحدة.

أدى هذا الخلاف الكبير إلى توقف المفاوضات الفنية، ما استدعى تدخلًا مباشرًا من الولايات المتحدة، التي بادرت لعقد جلسة حوار وتباحث جديدة في العاصمة الفرنسية باريس بين الطرفين.

وتأتي المبادرة الأمريكية في إطار دور واشنطن كوسيط فاعل يسعى للحفاظ على الاستقرار النسبي في شمال وشرق سوريا، وضمان استمرار التنسيق الأمني، مع تفادي تفجر الخلاف بين دمشق وقسد، خاصة أن واشنطن تعتبر قوات قسد شريكًا رئيسيًا في مكافحة تنظيم الدولة "داعش".

وأكد المصدر السوري أن مباحثات باريس تمثل فرصة حقيقية لإيجاد صيغة توافقية ترضي الطرفين، حيث تبدو دمشق حريصة على إيجاد حل سريع وعملي لإنهاء الأزمة العالقة، والسير قدمًا في تنفيذ بنود الاتفاق السياسي الذي أُبرم بين الشرع وعبدي في مارس 2025.

رفض من حكومة الشرع

هذا الطرح يلقى رفضًا صريحًا من الجانب الحكومي، الذي عبّر عبر مصدر في وزارة الخارجية عن تمسكه بمبدأ "وحدة الجيش السوري"، واعتبر أن "أي قوة عسكرية عاملة على الأراضي السورية يجب أن تندمج ضمن الجيش العربي السوري، ولا يمكن القبول بتشكيل عسكري مستقل يعمل بأجندة فدرالية".

مع ذلك، طرحت الحكومة ما يمكن اعتباره "حلًا وسطًا"، حسب كلام مصدر سوري في وزارة الخارجية السورية، يتمثل في تحويل قسد إلى لواء عسكري خاص ضمن بنية الجيش السوري، يتمتع بصلاحيات واسعة في منطقة شمال شرق سوريا، ويخضع لتنسيق مباشر بين مظلوم عبدي ووزير الدفاع السوري، دون أن يتمتع باستقلالية كاملة.

دمشق تحضّر لمقاربة جديدة في باريس

في موازاة ذلك، كشف مصدر سوري يعمل مستشارًا لدى وزارة الدفاع السورية عن ملامح "مقاربة جديدة" تعتزم دمشق تقديمها كحل وسط ينهي الخلاف المزمن حول مصير قسد وقيادتها العسكرية، ويضع حدًا لحالة الازدواج الأمني القائمة في شمال شرق البلاد.

المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أكد أن مظلوم عبدي، القائد العام لقوات قسد، لا يزال متمسكًا بمقترحه القديم الذي ينص على إبقاء قواته كقوة خاصة تتمتع بهيكلية تنظيمية مستقلة، وتخضع لقيادته المباشرة، حتى في حال انضوائها ضمن الجيش السوري. هذا الطرح كان محل نقاش طويل في جولات سابقة من التفاوض بين دمشق و"الإدارة الذاتية"، إلا أن الطرفين فشلا في الوصول إلى صيغة واضحة بشأنه.

رغم توقيع اتفاق سياسي بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ومظلوم عبدي في آذار الماضي، إلا أن البند المتعلق بوضع قوات قسد بقي غامضًا ومعلّقًا. وبحسب المستشار العسكري، فإن الاتفاق نصّ على ترك هذا الملف للجنة فنية مشتركة وللاجتماعات اللاحقة، بالنظر إلى حساسيته العسكرية والسياسية.

عودة إلى المربع الأصعب

مع انطلاق التحضير لجولة المفاوضات الجديدة في باريس، وحسب كلام المصدر، فقد بلورت الحكومة السورية خلال الأسابيع الماضية "مقاربة جديدة" تعتقد أنها قد تُرضي الطرفين، وتحقق الحد الأدنى من الثوابت الوطنية، دون تفجير العملية التفاوضية.

وفقًا للمستشار السوري، تقوم المقاربة السورية على منح مظلوم عبدي وقواته نوعًا من "التحرك المستقل" في منطقة شمال شرق سوريا، لكن ضمن إطار وطني يخضع لإشراف مزدوج. في هذا التصور، تحتفظ قسد بصلاحيات ميدانية محددة تخص الشؤون اليومية والإدارية في المناطق التي تسيطر عليها، لكنها تكون ملزمة بالرجوع إلى وزارة الدفاع السورية في كل ما يخص العمليات العسكرية والانتشار والتسليح.

أما في الشؤون المدنية والخدمية، فستكون قسد مطالبة بالتنسيق مع الحكومة المركزية في دمشق، التي تحتفظ بالسيادة السياسية العامة على كامل الأراضي السورية، بما فيها مناطق الحكم الذاتي السابقة.

المصدر شدد على أن هذا الطرح لا يُمثل صيغة "فيدرالية" بالمعنى الدستوري، بل هو "نموذج مرن للامركزية"، يهدف إلى امتصاص الهواجس الكردية من جهة، والحفاظ على وحدة الدولة السورية من جهة أخرى.

عن الدور الأميركي في هذا السياق، أكد المصدر أن دمشق باتت ترى في واشنطن عنصرًا ضروريًا لإنجاح هذه المقاربة مع مظلوم عبدي. إذ تطالب الحكومة السورية بأن تضطلع الولايات المتحدة بدور "الضامن التنفيذي"، بحيث تتحمل مسؤولية الضغط على قسد في حال أخلّت بأي من بنود الاتفاق، أو حاولت تجاوز الإطار المحدد لها في المناطق الشمالية الشرقية.

ويشير المصدر إلى أن هذا الطرح ليس بعيدًا عن الواقع، خصوصًا أن قسد لا تزال تعتمد في تمويلها وتدريبها على الدعم الأميركي المباشر، وبالتالي فإن مظلوم عبدي لن يكون قادرًا على تجاهل التوجيهات الأميركية، إذا ما قررت واشنطن دعم الاتفاق فعليًا.

في جوهرها، تعكس هذه المقاربة مسعى حكوميًا لتجسير الهوة بين مطلب دمشق بـ"وحدة القرار العسكري"، وبين رغبة قسد في الحفاظ على خصوصيتها التي اكتسبتها خلال سنوات القتال ضد داعش، والتي دعمها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

وترى الحكومة السورية، بحسب المصدر، أن تقديم هذا النموذج كـ"تجربة أمنية وإدارية انتقالية" قد يكون كفيلًا بتهدئة التوترات، واحتواء المطالب الفدرالية دون الحاجة إلى تغييرات دستورية جذرية في الوقت الراهن.

الملف الثاني: سجون داعش.. وصاية أميركية ورفض مركزي للتسليم

الملف الثاني لا يقل حساسية عن الأول، ويتعلق بمصير آلاف المعتقلين من تنظيم "داعش" الذين تحتجزهم "قسد" في سجونها المنتشرة في مناطق الجزيرة السورية. وتتمسك "قسد" برفض قاطع لأي انتقال لإدارة هذه السجون إلى الحكومة السورية، وتُصرّ على إبقاء السيطرة بيدها، بمشاركة أميركية تضمن استمرار الرقابة والتمويل والدعم اللوجستي، وذلك وفق المصدر السوري المقرب من مظلوم عبدي.

في هذا السياق، ترى قسد، وفق المصدر السوري القريب من مظلوم عبدي، أن الولايات المتحدة يجب أن تكون الوسيط النزيه بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية في هذا الملف، بما يضمن استمرار التعامل الأمني وفق المعايير التي وضعتها قوات التحالف، ويمنع "تسرّب عناصر داعش أو استخدام الملف كورقة ضغط سياسية"، بحسب وصف أحد ممثلي قسد.

من جهة أخرى، تبرز بعض المرونة في موقف الحكومة السورية، التي أبدت – وفق ما نقله المصدر السوري في وزارة الخارجية السورية – استعدادًا للقبول بحل توافقي يتمثل في نقل عناصر داعش إلى سجون عراقية بالتنسيق مع بغداد، كحلّ ينهي الضغط عن قسد، ويُجنب الحكومة السورية مسؤولية مباشرة عن إدارة هذا الملف المعقد. ويبدو أن هناك تناغمًا مبدئيًا في هذه النقطة، ما يجعل ملف السجون هو الأسهل في الوصول إلى صيغة نهائية.

الملف الثالث: قوات الداخلية السورية في مناطق قسد.. نحو إدارة مشتركة؟

أما الملف الثالث الذي يُناقش في باريس، فيتمثل في إمكانية دخول قوات من وزارة الداخلية السورية إلى مناطق "قسد"، بهدف المشاركة في إدارة المرافق الأمنية والخدمية. وفي حين تُبدي الحكومة استعدادًا لإرسال كوادر أمنية وإدارية للعمل في القامشلي والحسكة وبعض مدن دير الزور والرقة، فإن قسد، وفق المصدر السوري القريب من مظلوم عبدي، تشترط أن تكون هذه القوات جزءًا من نموذج "الإدارة المشتركة"، بحيث لا تنفرد وزارة الداخلية بإدارة المدن، بل يتم اتخاذ القرارات الأمنية والإدارية بالتعاون مع المجالس المحلية التابعة للإدارة الذاتية.

وبحسب المصدر، فإن قسد وافقت مبدئيًا على دخول قوات من وزارة الداخلية السورية، شريطة وجود "آلية تفصيلية" لضمان الشراكة وعدم فرض أي نموذج مركزي بالقوة. كما اشترطت وجود ضمانات أميركية تمنع استخدام هذا التفاهم لتوسيع نفوذ الحكومة تدريجيًا في مناطق شمال وشرق سوريا.

في المقابل، تسعى الحكومة السورية، وفق ما قاله المصدر في وزارة الخارجية السورية، للاستفادة من هذه المفاوضات لإعادة بسط سيطرتها الرمزية على موارد البلاد، وفي مقدمتها النفط والغاز الموجود في دير الزور والحسكة.

وبحسب المصدر السوري في وزارة الخارجية السورية، فإن دمشق مستعدة للقبول بتفاهم حول الإدارة المشتركة الأمنية في مدن الشمال الشرقي، مقابل الحصول على حصة من النفط أو عائداته، أو على الأقل الإشراف على إنتاجه وتصديره ضمن آلية متفق عليها.

ويُعتبر هذا الملف محوريًا في الحسابات الحكومية، إذ ترى دمشق أن القبول بالإدارة الذاتية أو الصيغة الفيدرالية يجب أن يقابله مكاسب استراتيجية تعوّض سنوات القطيعة مع تلك المنطقة، ولا سيما أن معظم الثروات الباطنية السورية تقع تحت سيطرة قسد، وبحماية مباشرة من القوات الأميركية.

الولايات المتحدة: راعٍ وضامن ووسيط

من الملفت في هذه الجولة من المفاوضات أن الدور الأميركي تحوّل من مجرّد دعم لقسد على الأرض، إلى فاعل سياسي مباشر في صياغة التفاهمات بين قسد والحكومة السورية. فالاجتماع في باريس جاء بدعوة أميركية، وتم اختيار العاصمة الفرنسية لعقد الاجتماع بسبب خصوصيتها الدبلوماسية، وكونها مقبولة من الأطراف كافة، على حد وصف المصدر السوري في وزارة الخارجية.

ووفق المصدر السوري، فإن الولايات المتحدة تعهّدت للطرفين بلعب دور الضامن لأي اتفاق نهائي، يتناول مصير قوات قسد، وسجون داعش، والنفط، وشكل العلاقة مع دمشق.

كما تسعى واشنطن – عبر هذا الاتفاق – إلى ضمان استمرار توازن القوى في شرق الفرات، ومنع أي تمدد روسي أو إيراني في المنطقة، خصوصًا في ظل تصاعد الحديث عن احتمال انسحاب جزئي للقوات الأميركية من بعض القواعد.

يظل الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مصدر توتر رئيسي بين واشنطن والحكومة السورية الجديدة. فقد اعتمدت الولايات المتحدة على قسد كشريك أساسي في محاربة تنظيم الدولة، مقدّمةً دعمًا جويًا ولوجستيًا واستخباراتيًا منذ بدايات الصراع السوري. ورغم سقوط نظام الأسد، تحتفظ واشنطن بحوالي 900 جندي في شمال وشرق سوريا، مما يثير قلق الحكومة الجديدة من مخاطر التفكك الوطني أو محاولات الأكراد إقامة حكم ذاتي خارج سيطرة دمشق.

في مارس 2025، وقّعت قسد والحكومة السورية الانتقالية اتفاقًا تاريخيًا تضمن 8 بنود لإعادة توحيد الأراضي السورية، يقضي بدمج مؤسسات قسد في الدولة، ووضع الموارد الاستراتيجية، كحقول النفط والغاز والمعابر الحدودية، تحت سيطرة الحكومة المركزية. رحّبت واشنطن بالاتفاق، واصفة إياه بـ"خطوة نحو سوريا موحدة"، وكشفت تقارير أنها توسطت لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.

لكن تنفيذ الاتفاق واجه عقبات معقدة. فبينما استلمت دمشق حقولًا مثل العمر والشدادي، وبدأت تنسيقًا أمنيًا مع قسد ضد فلول تنظيم الدولة بدعم أميركي، برزت تحديات تتعلق بدمج الفصائل الكردية في الجيش السوري. تركيا، التي أرسلت وفدًا إلى دمشق، أكدت على ضرورة إخراج مقاتلي حزب العمال الكردستاني وضمان أمن الحدود. داخليًا، شهدت قسد انقسامات، حيث رفض قادة في منبج والقامشلي الاندماج الكامل، مطالبين بالحفاظ على الحكم الذاتي أو مهددين بتعليق التعاون مع دمشق.

عدم وضوح موقف واشنطن بشأن انسحاب قواتها زاد من تعقيد المشهد، إذ تخشى قسد أن تُترك لمواجهة دمشق أو تركيا بمفردها. وفي قمة الرياض، اشترط الرئيس الأميركي ضمانات من الحكومة السورية لإدارة سجون تنظيم الدولة التي تديرها قسد، في إشارة إلى تحول أميركي نحو نقل المسؤوليات الأمنية لدمشق، مما يعكس تراجعًا في أهمية قسد كشريك استراتيجي.

يتضح أن الدور الأميركي في سوريا ما بعد الأسد تحوّل من إدارة الصراع إلى إدارة الانتقال، مع التركيز على التنسيق مع الحكومة السورية الجديدة بدلاً من دعم كيانات غير رسمية.

يتجلى ذلك في ثلاثة محاور:

  1. استخدام العقوبات كأداة مساومة، حيث ربطت واشنطن رفعها بشروط أمنية وسياسية، كموقف دمشق من إسرائيل و"الميليشيات الأجنبية".
  2. ضبط التصعيد الإسرائيلي لمنع زعزعة الاستقرار السوري.
  3. الدفع نحو دمج قسد مع دمشق، مع اشتراط تحمّل الحكومة السورية مسؤولية سجون تنظيم الدولة، في خطوة تشير إلى التخلي التدريجي عن قسد كشريك سياسي.

الخلافات الجوهرية.. والعقبات أمام الاتفاق

ورغم أن الملفات الثلاثة قد وصلت إلى مراحل متقدمة من النقاش، إلا أن نقطة الجيش لا تزال هي العقبة الأبرز، على حد المصدر المقرب من مظلوم عبدي، ففي حين تصر الحكومة على الاندماج الكامل لقسد ضمن الجيش، وترفض أي طابع فيدرالي للقوات، تتمسك قسد بصيغة "جيش فيدرالي مستقل القرار"، وهو ما يعتبره محللون نوعًا من المناورة السياسية للانتقال من شكل الإدارة الذاتية إلى دولة داخل الدولة.

أما ملف النفط، فرغم أهميته، إلا أنه قابل للتفاوض، ما دامت الحكومة تسعى إلى العودة التدريجية إلى الشمال الشرقي دون صدام مباشر، بينما تميل قسد لقبول ترتيبات مؤقتة، بشرط أن تبقى هي صاحبة الكلمة العليا في ملفات الأمن والاقتصاد.

تُعد مفاوضات باريس إحدى المحطات الفارقة في مسار الأزمة السورية، إذ ترسم ملامح العلاقة المستقبلية بين دمشق وشمال شرق سوريا، وتعيد تعريف مفاهيم السيادة، والشراكة، واللامركزية، ضمن واقع جيوسياسي متغير.

ورغم التعقيدات، إلا أن وجود الولايات المتحدة كوسيط وضامن، إضافة إلى مرونة الحكومة في ملفات النفط والسجون، قد يُفسح المجال أمام تفاهم مؤقت، يشبه "اتفاق طائف مصغّر" ينظّم العلاقة بين المركز والأطراف.

في المقابل، تبقى العقبة الكبرى هي شكل الجيش، وحدود القرار الأمني في الشمال الشرقي، وهي نقاط سيُحدّد مصيرها إما عبر مفاوضات إضافية، أو على الأرض لاحقًا، في مشهد سوري ما زال يبحث عن توازن هش بين مركز قوي وأطراف تطمح إلى الاستقلال.

تفاصيل الاتفاق السابق بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع

الاتفاق بين مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وأحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت بعد سقوط نظام بشار الأسد في أواخر 2024، هو اتفاق سياسي-عسكري تم التوصل إليه في محاولة لترتيب العلاقة بين الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا و"الجمهورية السورية الجديدة".

خلفية الاتفاق:

بعد سقوط نظام بشار الأسد، تولّى أحمد الشرع رئاسة الدولة في مرحلة انتقالية مدعومة بتفاهمات دولية. وقد أبدى الشرع انفتاحًا على مكونات شمال وشرق سوريا، بما فيها "قسد" و"الإدارة الذاتية"، ما دفع إلى سلسلة مشاورات غير مباشرة انتهت باتفاق سياسي-أمني مع مظلوم عبدي.

أبرز بنود الاتفاق بين الشرع وعبدي:

  1. ضمان بقاء قسد كقوة عسكرية محلية:
    تضمّن الاتفاق عدم تفكيك قوات سوريا الديمقراطية، بل إعادة تعريف دورها ضمن الهيكلية الوطنية السورية.
    وافق الشرع مبدئيًا على أن تُعامل قسد كـ"قوة دفاع محلية" ضمن المناطق ذات الغالبية الكردية والعربية شرق الفرات.
  2. تفاهم على صيغة "جيش فيدرالي":
    اقترح مظلوم عبدي أن تتحول "قسد" إلى جيش فيدرالي خاص بالإقليم الشرقي، يأتمر بأوامره ويحتفظ ببنيته.
    الشرع رفض مصطلح "جيش مستقل"، لكنه قبل بصيغة وسط تنص على أن "قسد تُشكّل لواءً خاصًا ضمن الجيش السوري الوطني الجديد"، بقيادة مظلوم عبدي، وتحت إشراف وزارة الدفاع، ولكن بتنسيق مباشر مع رئاسة الجمهورية.
  3. الإبقاء على الإدارة الذاتية بصيغة لا مركزية موسعة:
    اتفق الطرفان على إبقاء الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ضمن نظام لا مركزي اتحادي.
    يتم الاعتراف بالمجالس المحلية والهيئات المدنية القائمة، مع تعديلات دستورية لاحقة تُحدد الصلاحيات.
  4. شراكة في الثروات النفطية والغازية:
    وافق الشرع على مبدأ "الشراكة العادلة" في الموارد، حيث تُوزّع عائدات النفط من الحسكة ودير الزور وفق آلية مركزية-محلية شفافة.
    ويُسمح للإدارة الذاتية بالاستثمار المحلي تحت إشراف حكومة مركزية توافقية.
  5. السجون والأمن الداخلي:
    تقرر أن تبقى ملفات السجون وأمن المخيمات في يد قسد، مع وجود لجان مشتركة من الحكومة الجديدة لمراقبة الأداء.
    ووافقت قسد على إدخال عناصر من وزارة الداخلية الجديدة، شرط أن يكونوا من أبناء المنطقة، وضمن جهاز أمن مشترك.
  6. الدستور المستقبلي:
    اتفق الطرفان على أن تُشارك "قسد" وممثلو الإدارة الذاتية في لجنة صياغة الدستور السوري الجديد.
    واعتُبر الاتفاق بمثابة "وثيقة تفاهم مبدئية" حول حقوق المكونات الكردية والعربية والآشورية في شرق سوريا.
تحميل المزيد