خريطة القبائل والدروز في السويداء.. وتفاصيل العلاقة التاريخية بينهما حتى اليوم

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/22 الساعة 07:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/22 الساعة 07:55 بتوقيت غرينتش
السويداء- رويترز

يتسم المشهد في محافظة السويداء جنوب سوريا بالتعقيد، مع اتساع رقعة المواجهات بين فصائل درزية مؤيدة لأحد شيوخ عقل الطائفة، حكمت الهجري، من جهة، وعشائر البدو في المحافظة من جهة أخرى، والتي باتت تساندها عشائر أخرى من مختلف المحافظات السورية.
يستعرض "عربي بوست" في هذا التقرير المشهد الكامل لخريطة الفصائل الدرزية وعشائر البدو التي تخوض مواجهات عنيفة في السويداء، والتي خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى بين الطرفين.

مكونات السويداء السياسية والدينية


تنوعت المكونات الدينية والسياسية في السويداء، ما بين دروز وبدو، وكذلك مسيحيين وشيعة وسنة، ورغم ذلك يظل الصراع بين الدروز والبدو هو الأبرز في المحافظة.

خريطة القبائل العربية وعشائر البدو في السويداء

 تُعد محافظة السويداء من أكثر المناطق السورية تعقيدًا في تركيبها الاجتماعي، رغم سيطرة طائفة واحدة – هي الطائفة الدرزية – على الغالبية السكانية. غير أن الجنوب والشرق والبادية المحيطة بالمحافظة تأوي عشائر عربية وقبائل بدوية عريقة، تعود أصولها إلى أعماق الجزيرة العربية.

وقد شكلت العلاقة بين هذه القبائل والدروز تاريخًا متشابكًا من التحالفات والنزاعات، زاد تعقيدها بعد تفكك الدولة السورية منذ عام 2011.

أولًا: القبائل والعشائر الرئيسية في السويداء

  1. قبيلة السردية
  • الأصل: تعود إلى فرع من بني صخر المنتشرين في الأردن وشمال الجزيرة.
  • المنطقة: تنتشر في شرق السويداء وقرب الحدود الأردنية، خصوصًا في مناطق خربة عواد، الحقف، الملح.
  • الدور: تاريخيًا، كانت قبيلة السردية في حالة مد وجزر مع الزعامات الدرزية، خصوصًا أيام الانتداب الفرنسي.
  • الموقف من الصراع: اتهمت بعض الفصائل الدرزية قبيلة السردية بأنها "ملاذ" للخارجين عن القانون والخاطفين، بينما تقول القبيلة إنها تُستهدف وتُشيطن بسبب محاولاتها الحفاظ على وجودها التاريخي في البادية. لا تُعرف القبيلة بموقف موحد، إذ ينقسم أبناؤها بين موالين للنظام الحالي في سوريا، ومحايدين، ومتحالفين مع مجموعات أمنية.
  1. قبيلة بني خالد
  • الأصل: من أعرق القبائل في المنطقة، كانت تنتشر من حوران إلى شرق السويداء.
  • المنطقة: ريف السويداء الشرقي، خصوصًا حول بلدة خازمة.
  • الدور: كان لها نفوذ واسع أيام الدولة العثمانية، لكنه تراجع بعد هيمنة الزعامات الدرزية.
  • الموقف من الصراع: حاولت الابتعاد عن التجاذبات العسكرية، لكنها تورطت في بعض حوادث الخطف والاشتباكات بين مجموعات منها ومسلحين دروز في عامي 2022 و2023.
  1. قبيلة الزبيد
  • الأصل: قبيلة يمنية كبيرة الجذور، تضم بطونًا عدة، مثل الجبور والبوسرايا.
  • المنطقة: البادية الشرقية وامتداداتها حتى تخوم السويداء.
  • الدور: تشتهر بارتباطها التاريخي بالمنطقة الوسطى والبادية.
  • الموقف من الصراع: رغم أن الزبيد ليسوا في قلب الاشتباكات، فإن فصائل من أبناء القبيلة عملت مع الجيش السوري، ما أثار ريبة المجموعات الدرزية المسلحة، التي اتهمتها بالضلوع في تسهيل تحركات مشبوهة في البادية.
  1. قبيلة النعيم
  • الأصل: من أكبر قبائل سوريا والأردن، وتتفرع إلى: النعيم الغوانمة، النعيم الشنابلة، النعيم العمارين.
  • المنطقة: تنتشر في جنوب وشرق السويداء، ولها وجود قوي في مناطق البادية.
  • الدور: على مدى قرون، كانت في حالة احتكاك دائم مع الدروز حول الأراضي وطرق الماء.
  • الموقف من الصراع: اتهمتها الفصائل الدرزية بأنها موالية للأجهزة الأمنية السورية، وأنها متورطة في الخطف، بينما تنفي القبيلة تلك الاتهامات وتتهم الفصائل الدرزية بتهميشها وإقصائها.
  1. قبيلة عنزة
  • الأصل: إحدى أكبر قبائل الجزيرة العربية، وتمتد جذورها إلى نجد.
  • المنطقة: تتواجد مجموعات صغيرة من عنزة في بادية السويداء.
  • الدور: ليس لها ثقل كبير في المحافظة، لكنها تمثل امتدادًا لقبائل درعا والمناطق الحدودية.
  • الموقف من الصراع: موقفها غالبًا محايد، لكن بعض الأفراد من عنزة انخرطوا في صفقات أمنية ومع الجيش.
  1. قبيلة المهيد (من قبائل الفدعان)
  • الأصل: فخذ من عنزة، عُرف بتاريخه الحربي.
  • المنطقة: أطراف البادية المتداخلة بين ريف السويداء الشرقي ودير الزور.
  • الدور: كان لها حضور في تهريب السلاح والبضائع خلال الحرب السورية.
  • الموقف من الصراع: بعض فروع المهيد ارتبطت بتنظيمات معارضة في البداية، ثم عادت واندمجت مع مسار النظام، ما جعلها عرضة للاشتباك مع الفصائل الدرزية أحيانًا.
  1. قبيلة الجوابرة
  • الأصل: فرع من قبائل بني خالد.
  • المنطقة: تنتشر في البادية الشرقية، ومناطق مثل الملح.
  • الموقف من الصراع: دخلت في اشتباكات مباشرة مع فصائل درزية، لا سيما في قضايا الثأر والخطف، مما جعلها من القبائل المتهمة بالتحريض الدائم من قبل الإعلام الدرزي المحلي.

الدروز في سوريا

تُعد الطائفة الدرزية في سوريا، التي تتركز بشكل رئيسي في محافظة السويداء، إحدى أبرز الجماعات الدينية والإثنية في البلاد، حيث تشكل حوالي 3-4% من إجمالي سكان سوريا، أي ما يقارب مليون نسمة وفقًا لتقديرات ما قبل الحرب السورية (2011).

يُطلق الدروز على أنفسهم اسم "الموحدون"، وهم طائفة عربية تتبع مذهب التوحيد، وهو فرع باطني مستمد من الإسماعيلية مع تأثيرات من الفلسفة اليونانية والمعتقدات الصوفية. تُعتبر السويداء، التي يُطلق عليها الدروز "جبل العرب" أو "جبل الدروز"، مركز ثقلهم الاجتماعي والثقافي، حيث يشكلون الأغلبية السكانية (نحو 90% من سكان المحافظة).

التقسيمات الدينية

العقال

هم النخبة الدينية التي تمتلك معرفة عميقة بتعاليم المذهب التوحيدي، ويُطلق عليهم "شيوخ العقل" أو "العارفون". يتميزون بالزي التقليدي، حيث يرتدي الرجال العمامة البيضاء والنساء المنديل الأبيض، وهم مسؤولون عن إدارة الشؤون الدينية والاجتماعية، بما في ذلك حل النزاعات وتنظيم المناسبات الدينية. يمثلون المرجعية الروحية العليا، ويتمتعون بنفوذ كبير في اتخاذ القرارات المتعلقة بالطائفة. يشكلون نسبة صغيرة من الدروز (تقديرات غير رسمية تشير إلى أقل من 10% من الطائفة).

الجهال

هم عامة الدروز الذين لا يمتلكون معرفة دينية عميقة، ويشكلون الأغلبية (نحو 90%). يشاركون في الحياة الاجتماعية والسياسية، لكنهم لا يحق لهم الاطلاع على الأسرار الدينية أو النصوص المقدسة مثل "رسائل الحكمة". يشكلون القاعدة الشعبية للطائفة، ويشاركون في الأنشطة العسكرية والسياسية، خاصة ضمن الفصائل المحلية.

الزعامات الروحية

الأسماء البارزة: يترأس الطائفة ثلاثة شيوخ عقل رئيسيين في سوريا:

  • حكمت الهجري: الشيخ الأول للطائفة، يتمتع بنفوذ ديني وسياسي كبير، ويتبنى موقفًا متشددًا تجاه الحكومة الانتقالية.
  • يوسف الجربوع: يتبنى نهجًا وسطيًا، يدعو إلى الحوار مع السلطات لتجنب التصعيد.
  • حمود الحناوي: يركز على حماية السلم الأهلي ورفض التدخلات الأجنبية.

الدور: يقودون الطائفة في المفاوضات السياسية والاجتماعية، ويؤثرون على مواقف الفصائل العسكرية والمجتمع المحلي.

التقسيمات العسكرية

خلال الحرب السورية، شكّل الدروز في السويداء عدة فصائل عسكرية لحماية مناطقهم من هجمات تنظيم الدولة (2018)، جبهة النصرة (2012-2015)، والميليشيات المدعومة من إيران. تختلف هذه الفصائل في أهدافها ومواقفها السياسية:

رجال الكرامة

  • القائد: أبناء وحيد البلعوس (زعيم درزي بارز قُتل عام 2015).
  • تأسست للدفاع عن السويداء، وتتبنى موقفًا حذرًا مع قبول التنسيق الأمني مع دمشق، بشرط إدارة أبناء السويداء للشؤون الأمنية المحلية.
  • شاركت في مواجهة هجمات تنظيم الدولة، وتحافظ على نفوذ قوي في المناطق الريفية.

تجمع أحرار جبل العرب

  • القائد: الشيخ سليمان عبد الباقي.
  • تأسس عام 2017، ويركز على مناهضة التدخلات الخارجية (خاصة الإيرانية)، مع موقف غير عدائي صريح تجاه نظام الأسد سابقًا.
  • يسعى إلى الحفاظ على الاستقلال المحلي مع دعم الحوار الوطني.
السويداء- الأناضول

درع السويداء

  • تشكيل عسكري ظهر عام 2024 لمنع الفراغ الأمني بعد سقوط نظام الأسد.
  • يركز على حماية الحدود الجنوبية للسويداء من التوغلات العسكرية.

كتيبة الفجر

  • فصيل صغير يتبنى عمليات أمنية ضد المجموعات المدعومة من إيران وحزب الله.
  • شاركت في مواجهات محدودة في ريف السويداء.

لواء الجبل

  • يدعو إلى قبول سلطة دمشق بشرط ضمانات بحقوق الأقليات وإعادة هيكلة وزارة الدفاع لتشمل تمثيلًا درزيًا.
  • يسعى إلى التفاوض مع الحكومة الانتقالية لضمان حقوق الدروز.

دور الدروز في العلاقة مع إسرائيل

السياق التاريخي
دروز الجولان المحتل: منذ احتلال إسرائيل للجولان السوري عام 1967، حصل العديد من دروز الجولان على الجنسية الإسرائيلية، لكنهم حافظوا على روابط عائلية وثقافية مع دروز السويداء.


الخدمة العسكرية: يخدم دروز الجولان في الجيش الإسرائيلي، مما يخلق توترات مع دروز السويداء الذين يرون أنفسهم جزءًا من الهوية السورية.
العلاقات العائلية: على الرغم من الحدود السياسية، تحافظ العائلات الدرزية على تواصل محدود عبر الحدود، لا سيما في المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والجنازات.

العلاقة مع إسرائيل


تُعتبر الطائفة الدرزية إحدى الجماعات الدينية والعرقية الفريدة في الشرق الأوسط، حيث تتمركز في سوريا ولبنان وإسرائيل والأردن، وتمتاز بدرجة عالية من الخصوصية في معتقداتها وممارساتها الاجتماعية.
في السياق الإسرائيلي، يشكل الدروز أقلية عربية متفردة، إذ يخدمون في الجيش الإسرائيلي بشكل إلزامي ويشاركون في مؤسسات الدولة، مما يميزهم عن بقية الأقليات العربية في إسرائيل.
في المقابل، ينظر الدروز في سوريا ولبنان إلى إسرائيل على أنها قوة احتلال، خاصة بعد ضم هضبة الجولان عام 1967.

بعد حرب 1967، استولت إسرائيل على هضبة الجولان السورية، التي تضم مجتمعًا درزيًا تقليديًا له جذور تاريخية عميقة في المنطقة. وبُعيد الاحتلال، قدمت إسرائيل الجنسية الإسرائيلية لسكان الجولان، لكن الغالبية العظمى منهم رفضوا قبولها مبدئيًا، مؤكدين هويتهم السورية ورفضهم للاحتلال. رغم ذلك، شهدت العقود الأخيرة تغيرات طفيفة في المواقف، حيث قبل بعض أفراد الجيل الجديد الجنسية الإسرائيلية لأسباب اقتصادية واجتماعية، لكن الولاء الوطني للسوريين بقي راسخًا لدى الأغلبية.

تُعد الخدمة العسكرية الإلزامية للدروز في الجيش الإسرائيلي من أبرز السمات التي تميزهم عن بقية الأقليات العربية داخل إسرائيل. هذه الخدمة توفّر للدروز فرصًا للتعليم والعمل، كما تعزز من اندماجهم الاجتماعي والاقتصادي في الدولة الإسرائيلية.
في الوقت ذاته، تؤدي هذه المشاركة إلى توترات مع الدروز في لبنان وسوريا، الذين يعتبرون الخدمة في الجيش الإسرائيلي نوعًا من "الخيانة الوطنية". تُظهر الأبحاث وجود انقسام داخل الطائفة بين من يرى الخدمة وسيلة للحفاظ على المصالح، ومن يرفضها باعتبارها تتناقض مع الانتماء العربي والوطني.

ورغم الحدود السياسية بين إسرائيل وسوريا، لا تزال هناك علاقات اجتماعية قوية تربط بين الدروز في الجولان والمناطق الدرزية في سوريا، خصوصًا في محافظة السويداء. تحافظ العائلات الدرزية على التواصل من خلال المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والجنائز، كما تتجدد الروابط العائلية عبر زيارات غير رسمية. وتُشكّل هذه العلاقات بُعدًا إنسانيًا يعكس تعقيدات الهوية الدرزية بين الولاء القومي والانتماء الثقافي.

السويداء – الأناضول

زيارة شخصيات درزية إلى إسرائيل


أثارت زيارة شخصيات درزية من السويداء إلى إسرائيل عام 2025 جدلًا واسعًا. ووفقًا لتقارير إعلامية، زار وجهاء دروز إسرائيل لمناقشة "حماية الطائفة"، وهو ما اعتُبر محاولة إسرائيلية لتعزيز نفوذها في الجنوب السوري بعد سقوط نظام الأسد.
وقد لاقت هذه الزيارات انتقادات حادة من شخصيات درزية بارزة، مثل وليد جنبلاط (زعيم الدروز في لبنان)، الذي وصفها بأنها "فخ إسرائيلي" يستهدف تفتيت سوريا.

الغارات الإسرائيلية


نفذت إسرائيل غارات جوية على دمشق والسويداء في عام 2025، بدعوى "حماية الدروز" من الاشتباكات التي أودت بحياة أكثر من 500 شخص، من بينهم 79 مسلحًا درزيًا و154 مدنيًا.
استهدفت الغارات مواقع عسكرية مرتبطة بالحكومة الانتقالية وبعض الميليشيات المحلية، مما زاد من التوترات في المنطقة، وأثار جدلًا واسعًا بشأن دوافع إسرائيل وتدخلها في الملف الدرزي.

موقف حكمت الهجري – أحد كبار الرموز الدينية الدرزية في السويداء

دعا الشيخ حكمت الهجري إلى "حماية دولية" للدروز، ووجه مناشدات إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مما أثار جدلًا داخل الطائفة.
واعتُبر موقفه محاولة لضمان أمن السويداء في ظل الفراغ السياسي الذي تعيشه البلاد، لكنه قوبل بانتقادات من شخصيات درزية أخرى بسبب حساسية العلاقة مع إسرائيل.

موقف الدروز من أحمد الشرع


تولى أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام، قيادة المرحلة الانتقالية بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024.
وتبقى علاقته بدروز السويداء متوترة، بسبب تاريخ هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) في مهاجمة مناطق درزية بين عامي 2012 و2015، خصوصًا في إدلب والسويداء.
وقد شهدت السويداء في عام 2025 اشتباكات دامية بين مسلحين دروز وقوات الحكومة الانتقالية، مما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص، وزاد من حدة الشكوك تجاه نوايا الشرع.
ورغم محاولاته طمأنة الأقليات من خلال تصريحات تؤكد أن "الدروز جزء أساسي من نسيج الوطن"، إلا أن تلك التصريحات لم تُبدّد المخاوف بالكامل.

السويداء – الأناضول

المواقف المتباينة للطائفة الدرزية

المعارضة المتشددة

  • الشيخ حكمت الهجري: يتبنى موقفًا رافضًا للاعتراف بالشرع كرئيس للمرحلة الانتقالية، ويطالب بدولة علمانية ونظام لا مركزي يمنح السويداء استقلالًا إداريًا.
    أكد أن الدروز سيحتفظون بأسلحتهم حتى تتشكل دولة تضمن حقوق الأقليات.
  • بهاء الجمال (قائد عمليات الدروز): رفض الدستور المؤقت المقترح من الحكومة الانتقالية، معتبراً أنه لا يضمن حقوق الدروز.
    هدد بالرد العسكري على أي هجوم من قوات الشرع، مؤكدًا أن "جبل العرب لن يخضع".
    الأسباب: تتعلق بمخاوف من خلفية الشرع الإسلامية، وتاريخ هيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى الاشتباكات الأخيرة التي اعتُبرت محاولة لفرض السيطرة على السويداء.

تيار الحذر والتسوية

  • يوسف الجربوع وحمود الحناوي: يتبنيان نهجًا وسطيًا، يدعوان إلى الحوار الوطني مع الحكومة الانتقالية لتجنّب التصعيد وحماية السلم الأهلي.
    يرفضان التدخلات الأجنبية، مثل الغارات الإسرائيلية، ويؤكدان على وحدة السيادة السورية.
    يسعيان إلى ضمانات أمنية وإدارية للسويداء، تشمل الحفاظ على الفصائل المحلية وحمايتها من الحل القسري.
  • فصائل مثل رجال الكرامة وتجمع أحرار جبل العرب: تقبل التنسيق مع دمشق بشروط، أبرزها ضمان الإدارة المحلية للشؤون الأمنية والسياسية.
    وتشارك هذه الفصائل في مفاوضات مع الحكومة الانتقالية لضمان حقوق الدروز في النظام الجديد.

الدعم المشروط

  • لواء الجبل وفصائل أخرى: تدعم الشرع بشرط إعادة هيكلة وزارة الدفاع لتشمل تمثيلًا درزيًا، وضمان حقوق الأقليات.
    تطالب بتمثيل سياسي أكبر في الحكومة الانتقالية، إذ يوجد حاليًا وزير درزي واحد فقط.

تصريحات أحمد الشرع:
أعلن الشرع تكليف فصائل درزية وشيوخ عقل بحفظ الأمن في السويداء، مؤكدًا أن حماية الدروز أولوية بالنسبة له.
كما دعا إلى دمج الميليشيات المحلية في الجيش النظامي، لكن هذا الاقتراح قوبل برفض من معظم الفصائل، التي ترى في ذلك تهديدًا لاستقلالها الذاتي.

العلاقة التاريخية بين الدروز والقبائل البدوية في السويداء

تُعد العلاقة بين الدروز والقبائل البدوية في السويداء من أكثر العلاقات تعقيدًا في المشهد السوري، وقد اتسمت هذه العلاقة بالتوتر المستمر، متأرجحة بين فترات من التعاون والمهادنة، وفترات من التصعيد والنزاع المسلح.

أبرز المحطات التاريخية

العهد العثماني:
شهدت تلك المرحلة صراعًا مستمرًا بين الزعامات الدرزية المحلية والقبائل البدوية التي كانت تتحرك في البادية القريبة. سعى الدروز إلى حماية أراضيهم الزراعية وموارد المياه، بينما حافظت القبائل البدوية على نمطها التقليدي في التنقل والرعي.

السويداء – الأناضول

الانتداب الفرنسي:
تميزت العلاقة بهدوء نسبي، بفعل تدخل الفرنسيين، الذين دعموا أحيانًا بعض القبائل في مواجهة الثوار الدروز، وعلى رأسهم سلطان باشا الأطرش، القائد التاريخي للثورة السورية الكبرى.

مرحلة ما بعد الاستقلال وحتى عام 2011:
هيمن النظام البعثي على مفاصل الدولة، وفرض نوعًا من التوازن الأمني بين مكونات المحافظة، مع ميله إلى استخدام بعض زعماء العشائر لضبط مناطق البادية وتسهيل السيطرة على الحدود الجنوبية والشرقية.

شكل الصراع بعد الثورة السورية (2011 – حتى اليوم)

  1. الفراغ الأمني والانفلات:
    أدى انسحاب الأجهزة الأمنية وتفكك الجيش في عدد من مناطق البادية إلى تصاعد النزاعات على الأراضي وموارد المياه وطرق التهريب.
    اتهمت فصائل درزية العديد من القبائل البدوية بالمشاركة في عمليات خطف وقطع طرق وتهريب، الأمر الذي ساهم في تصاعد التوتر، ودفع الدروز إلى تشكيل مجموعات مسلحة محلية للدفاع عن النفس.
  2. تشكيل الميليشيات:
    أسّس الدروز فصائل محلية أبرزها "رجال الكرامة"، بقيادة الشيخ وحيد البلعوس ثم لاحقًا ليث البلعوس، وكان من أبرز أهداف هذه الفصائل حماية السويداء من "الاعتداءات الخارجية"، وهو تعبير استخدم في كثير من الأحيان للإشارة إلى العشائر البدوية في الريف الشرقي.
    في المقابل، تشكلت مجموعات مسلحة عشائرية، بعضها انخرط في صفوف الجيش السوري أو خضع لإشراف الأجهزة الأمنية، وبعضها الآخر تحالف مع فصائل معارضة مسلحة أو حتى مع تنظيم داعش بين عامي 2015 و2018.
  3. صراع المصالح والتهريب:
    أصبحت طرق التهريب بين السويداء والبادية، لا سيما في ما يتعلق بتهريب الوقود والأسلحة والبشر إلى الأردن، محل تنازع بين الأطراف.
    وتكررت الاتهامات المتبادلة بالخطف والخطف المضاد، خاصة في بلدات مثل ملح، العانات، صلخد، وبريكة، مما زاد من حدة الانقسام والعداوة.

تصاعد الاشتباكات في السنوات الأخيرة (2023 – 2025)
شهدت هذه الفترة تكرارًا للاشتباكات المسلحة بين مجموعات درزية محلية وقبائل بدوية، اتُّهِمت بتنفيذ هجمات على قرى درزية أو نصب كمائن أو خطف مدنيين.

السويداء – الأناضول


إضافة إلى ذلك، فإن دخول إسرائيل على خط الأحداث في السويداء تحت ذريعة "حماية الدروز"، زاد من تعقيد المشهد. وقد اتُّهِم بعض الدروز بالتعاون السياسي أو اللوجستي مع إسرائيل، في مواجهة تحركات بعض القبائل أو حتى النظام السوري نفسه.

مدينة الجبل

تقع محافظة السويداء في الجنوب السوري، عند السفوح الشرقية لجبل العرب، وتتميز بتركيبتها الاجتماعية المتجانسة؛ إذ يشكّل أبناء الطائفة الدرزية الغالبية الساحقة من السكان، إلى جانب أقليات مسيحية وسنية.
ويتمسك سكان السويداء بتقاليدهم الاجتماعية والدينية الخاصة، وتلعب الأسرة والعشيرة والعادات القديمة دورًا محوريًا في تنظيم العلاقات الداخلية. كما ساهم الخطاب الديني المعتدل في تعزيز الاستقرار المجتمعي على مدى العقود.

رغم صغر حجم الطائفة الدرزية من حيث العدد، إلا أن لها تأثيرًا بالغًا في الحياة السياسية والاجتماعية في "الجبل السوري"، ويمتد حضورها إلى فلسطين ولبنان، لكن تبقى للسويداء مكانة رمزية خاصة باعتبارها "جبل الدروز" أو "جبل العرب"، حيث نشأت فيها العديد من المرجعيات الدينية والوطنية.

ومن أبرز محطات التاريخ الوطني في السويداء كانت الثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد الاحتلال الفرنسي، بقيادة المجاهد سلطان باشا الأطرش، أحد أعلام جبل العرب.

موقف السويداء خلال الثورة السورية

مع اندلاع الثورة في عام 2011، اتخذت السويداء موقفًا معقدًا يميل إلى الحياد الشعبي، مع رفض للتدخل المسلح.
لم تشهد المدينة مواجهات عسكرية كبيرة مع النظام كما حدث في درعا أو حمص أو حلب، لكنها احتضنت منذ البداية أصواتًا احتجاجية طالبت بالإصلاح والعدالة والكرامة.
رفض كثير من شباب المحافظة الالتحاق بالخدمة العسكرية في جيش النظام، وارتفعت وتيرة السخط الشعبي بسبب تردي الأوضاع المعيشية والأمنية.
تميز المشهد في السويداء بنشاط مدني قوي ومواقف قومية وطنية رافضة للطائفية والانقسامات.

ظهور "رجال الكرامة"

في عام 2014، برزت حركة "رجال الكرامة" بقيادة الشيخ وحيد البلعوس، وهي تشكيل محلي مسلح تأسس لحماية الأهالي من تغوّل الأجهزة الأمنية ومحاولات الزج بالدروز في معارك لا تخصهم.
كان البلعوس رمزًا لموقف استقلالي يرفض الانقسام الطائفي، ويدعو إلى صون كرامة المواطنين، وحماية المدنيين، ومنع استخدام جبل العرب كأداة بيد أي طرف.

السويداء – الأناضول


وقد اغتيل البلعوس في سبتمبر/أيلول 2015 بتفجير غامض، في حادثة هزّت المدينة وأشعلت موجة احتجاج غير مسبوقة ضد النظام.
رغم مرور سنوات، لا تزال ذكراه حيّة في الذاكرة الجماعية للدروز، بوصفه رمزًا للاستقلالية والشجاعة الأخلاقية.

السويداء بين عامي 2020 و2024

مع تدهور الوضع الاقتصادي، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، والانهيار الكامل لليرة السورية، شهدت السويداء بين عامي 2020 و2024 سلسلة من الاحتجاجات السلمية الواسعة.
بدأت هذه الاحتجاجات بمطالب معيشية، لكنها سرعان ما تحولت إلى منبر سياسي رافض لاستمرار النظام.
وقد تميزت تلك الفترة برفع شعارات واضحة ضد بشار الأسد، والمطالبة بتغيير سياسي حقيقي، مع تأكيد المتظاهرين على رفض الطائفية والانقسامات، والتدخلات الخارجية، سواء من إيران أو روسيا أو غيرهما.
وبهذا، تحولت السويداء إلى نموذج للنضال السلمي الوطني داخل سوريا، رغم التحديات والضغوط الأمنية.

علامات:
تحميل المزيد