بين دعم الدروز والتحذير من “طوفان جديد”.. كيف تباينت المواقف داخل إسرائيل بشأن العدوان على سوريا؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/18 الساعة 15:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/18 الساعة 15:52 بتوقيت غرينتش
مدرعة إسرائيلية على الحدود بين الجولان المحتل والأراضي السورية/ رويترز

تباينت المواقف السياسية والعسكرية داخل تل أبيب بشأن العدوان الإسرائيلي على سوريا، بين مُرحِّبٍ ومتحفِّظٍ ورافضٍ له، ولكلٍّ منهم حساباته واعتباراته. وهناك فريق تبنّى الموقف العسكري الناشئ منذ هجوم الطوفان، القائم على الضربات الاستباقية، والحيلولة دون نشوء قوى مسلحة معادية على الحدود، حتى إنّ بعضهم تنبّأ بـ"طوفان جديد" من الجولان.

فيما يخشى الفريق الثاني أن يكون الدفاع عن الدروز خطأ ترتكبه إسرائيل، كما ارتكبته سابقاً في لبنان مع المسيحيين في الثمانينات. بينما يرى الفريق الثالث أن العدوان الإسرائيلي على سوريا من شأنه عودة إيران وحزب الله بقوة إلى الساحة السورية، وهذه المرة بترحيب سوري رسمي، للدفاع عن البلد، وفي هذه الحالة تتبخّر كل أحلام التطبيع مع سوريا.

قلق من اقتراب الجيش السوري من الحدود

بدا لافتاً أن العدوان الإسرائيلي على سوريا، بهذه الطريقة غير المسبوقة منذ بداية "العهد الجديد"، تزامن مع الحديث المتواتر عن قرب إبرام اتفاق ما بينهما، لكن الأحداث الأخيرة في بلدة السويداء كشفت عن مخاوف الاحتلال الإسرائيلي، التي تتركز في أن الدولة السورية بدأت بتأهيل قواتها المسلحة، ويوماً ما قد تملك جيشاً قوياً على حدود إسرائيل، وبنوايا واضحة.

الجنرال غيورا آيلاند، الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي، ألقى في مقال نشره موقع "واللا" العبري، باللوم على الجيش لأنه لم يكن مستعداً لأحداث السويداء بشكل كافٍ، رغم أنها منطقة تبعد أقل من مائة كيلومتر عن إسرائيل التي تتمتع فيها بتفوّق استخباراتي واضح، ما يعيد إلى الأذهان حالة العجز التي رافقته خلال هجوم الطوفان الذي نفذته حماس في أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات غلاف غزة.

في الوقت ذاته، ظهرت، ما أسماها الكاتب، فجوة كانت، وما زالت، قائمة بين خطاب الساسة الإسرائيليين الذين وعدوا بالوقوف بجانب الدروز، لكنهم افتقروا إلى العزيمة، وبطء الرد، مع العلم أن مساعدتهم لا تنبع فقط من الالتزام تجاههم، بل من اعتبارات عسكرية واستراتيجية.

لأن هذه المرحلة تشهد تحديد قواعد اللعبة بين سوريا وإسرائيل، التي تجد صعوبة في الإجابة عن سؤال ما إذا كانت مهاجمة السويداء نُفِّذت بعلم الدولة، أو بتشجيع منها، أو ربما نابعة من عدم سيطرتها. وبغضّ النظر عن الجواب، لا يُخفي الإسرائيليون خشيتهم من وجود قوى جهادية تحمل أيديولوجية إسلامية قرب حدودهم.

فيما مارست عيناف حلبي، الصحفية الدرزية، محررة الشؤون الفلسطينية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تحريضاً للاحتلال، بزعمها أن سيطرة الجيش السوري، بما يضمّه من مقاتلين جهاديين سابقين، على مناطق حدودية يمكن من خلالها إطلاق الصواريخ، أو تسلّل مجموعات مسلحة، باتجاه إسرائيل، في حين أن الدروز دائماً حاضرون من أجل أمنها، ما يعني أن عدم تحرك الدولة لنصرتهم لا يحمل فقط "فشلاً أخلاقياً"، بل أيضاً خطأً استراتيجياً خطيراً.

قوات للجيش الإسرائيلين في الجولان المحتلة/ رويترز
قوات للجيش الإسرائيلين في الجولان المحتلة/ رويترز

لقد وصل الأمر ببعض الإسرائيليين إلى اعتبار أحداث السويداء ليست شأناً سورياً داخلياً، بل تحضيراً للمعركة القادمة مع إسرائيل، بزعم أن ترحيب الدولة السورية الجديدة بإبرام اتفاق ما مع إسرائيل، ليس سلاماً، بل فترة راحة من أجل التمكين، أي أن وقف إطلاق النار مع إسرائيل، والاتفاقيات معها، هي خطوات استراتيجية في لعبة طويلة الأمد.

ويزعم البعض أن دمشق تسعى من وراء ذلك إلى التمهيد لبناء قاعدة تنظيمية قريبة من حدودها، من خلال آلاف المقاتلين الذين يحملون أيديولوجية مخلصة وعازمة، تتطلع نحو الجولان، وما وراءها نحو القدس، تماماً كما كان الحال مع حكم حماس في غزة طوال السنوات الماضية، وفقاً لما ذكره موشيه فوزيلوف، الباحث في معهد ميسغاف للأمن القومي، والمسؤول السابق في جهاز الأمن العام – الشاباك.

لكن نير كيبنيس، الكاتب في موقع "ويللا"، اختار إصدار التحذيرات لأجهزة الأمن، مُعايِراً إياها بالإخفاق الذي وقعت فيه أمام هجوم حماس، رغم شكاوى المستوطنين قبل الهجوم بسماعهم أصوات حفر الأنفاق تحت منازلهم، وهو ما تكرر في جنوب لبنان حين سخر الجنرالات من ذات الشكاوى بشأن أنفاق حزب الله، ما قد يجعلنا أمام سيناريو مشابه في الجولان، في حال تقدّم الجنود السوريون أكثر فأكثر نحوها.

مخاوف من استعداء جميع السوريين

أمير بار شالوم، محرر الشؤون العسكرية في موقع "زمان إسرائيل"، ذكر أن المسؤولين الإسرائيليين الذين أجروا نقاشات معمقة مع نظرائهم السوريين قبل أيام في العاصمة الأذرية باكو، مثل تدابير بناء الثقة، وجدوا أنفسهم في موقف إشكالي، لأن نطاق الخيارات الإسرائيلية المتاحة في الوضع الحالي ضيّق للغاية: بين التزامها تجاه الدروز، وبين العلاقات الناشئة مع الدولة السورية.

وأوضح أن هذا الوضع يتطلب سلوكاً دقيقاً وحذراً، لا يصل في النهاية إلى قطع العلاقات معها، والأهم عدم تحويل العرب السنة في سوريا إلى عدو مباشر، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع أن تسمح لقوات إسلامية بتأسيس وجود لها على مقربة من الجولان.

وأضاف أن أحداث السويداء شكّلت اختباراً أساسياً لسياسة إسرائيل المُعلنة في نزع السلاح من مرتفعات الجولان، مما قد يُظهِر للسطح خياراً جديداً يتمثل في تجنيد الدروز المحليين كقوة عسكرية تعمل بشكل مستقل في مناطقهم.

وفي الوقت ذاته، تمكين الدولة السورية من إظهار سيطرتها الجغرافية عليها، رغم أن ما حدث يشكّل صفعة قوية على وجوه الإسرائيليين، ودعوة للاستيقاظ بالنسبة لأي اتفاق مستقبلي مع سوريا.

أوساط إسرائيلية أخرى لم تُخفِ قلقها من الآثار المترتبة على العدوان على سوريا، واصفة إياها بأنها "ليست بسيطة على الإطلاق، وتدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، واستخداماً للقوة العسكرية"، لأن هذا سلوك مُتعالٍ، وغير معتاد بين الدول، كما جاء على لسان آفي بنياهو، المتحدث الأسبق باسم الجيش الإسرائيلي في مقاله بصحيفة معاريف.

فيما طالب إيهود يعاري، محرر الشؤون العربية في القناة 12، بأن تكون إسرائيل حريصة على عدم اعتبارها عدواً للأغلبية السنية في سوريا. صحيح أن هدف العدوان الأخير هو تقديم المساعدة للدروز، لكن دون التضحية بالفرصة الكبيرة لبناء علاقة مهمة مع الجار الجديد.

وحذّر من عدم وجود فائدة حقيقية لكل ما حصل في السويداء، بل إنه تخوّف من نشوء مضاعفات خطيرة على إسرائيل، رافضاً فكرة إنشاء محمية إسرائيلية على نصف مليون درزي يعيشون في أقصى شرق الجولان السوري.

ودعا يعاري إلى عدم الوصول إلى واقع لا تستطيع فيه إسرائيل أن تتصرف كما ينبغي، كما لا يجوز لها أن تسير مع الإيرانيين ضد الدولة السورية الناشئة، بل عليها أن تسعى بحذر، ومن خلال نشاط مدروس ومنضبط لتثبيت الاستقرار في جبل الدروز، وعدم الانجرار لمواجهة مع دمشق، والتركيز على الهدف الاستراتيجي الأكبر.

دعوات لتعزيز الحكم الذاتي للدروز بسوريا ودعمه عسكرياً

إيلي كلوشتاين، الباحث في معهد ميسغاف للأمن القومي، الذي يترأسه مائير بن شبات، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، أكد أن مساعدة الدروز ليست مجرد مسألة أخلاقية وعاطفية، أو دفع "دين الدم" الذي بيننا، بل مصلحة أمنية أولاً لإسرائيل، لأنهم سيشكلون إضافة عملية للمنطقة العازلة التي بناها الجيش في منطقة الحدود مع سوريا، ويمنعون فعلياً إمكانية تقدم قواتها المسلحة، التي قد تشكل تهديداً لإسرائيل، ولو باضطرارها لإرسال جنودها في مهام برية عبر الحدود.

واستدرك بالقول إن ذلك يتطلب في الوقت ذاته أن تفحص إسرائيل مصالحها بعين باردة ومدروسة في العديد من القضايا، والتحرك نحو دمشق. وفي مثل هذه الحالة، لا ينبغي السماح لما يعتبره الدروز مظالم بالوقوف في طريق الترتيبات الأمنية الإسرائيلية المهمة.

فيما اعتبر إسرائيليون آخرون أحداث السويداء مقدمة لقيادة حركة لإقامة حكم ذاتي للدروز في جنوب سوريا، استكمالاً للتحالف الاستثنائي الذي أقامته إسرائيل عام 1956 معهم، وهو تحالف ليس فاتراً أو متردداً، بل يُلزمها بالخروج من حدودها، لتحقيق أغراض أمنية مهمة، قد لا تتاح الفرصة لتحقيقها مرة أخرى في المستقبل.

وتتمثل في إنشاء حاجز وقائي ضد التمركز الإيراني المتجدد، وتسلل المسلحين إلى الحدود الشمالية، على حد زعم الضابط يارون بوسكيلا، المدير العام لحركة "الأمنيين"، التي تضم مئات ضباط الاحتياط في الجيش والمخابرات، في مقاله بصحيفة "مكور ريشون" اليمينية.

يعكوب فيتلسون، الكاتب في موقع "ميدا"، زعم أن أحداث السويداء تعتبر مدخلاً لإقامة دولة درزية فيها باعتبارها مصلحة إسرائيلية، ولعل تطوراتها الأخيرة تُظهر أن الوقت قد حان، مقترحاً سلسلة من الخطوات الأساسية، أهمها إنشاء معسكرات تدريب للمتطوعين الدروز، من المستوى الأساسي إلى مختلف مستويات القيادة.

إلى جانب السماح لأعضاء سابقين في الجيش من الدروز بالعمل كمستشارين لأشقائهم في السويداء لتنظيم وحدات الميليشيات وفق نظام عسكري موحّد، وتجهيزها بنقل الغنائم التي استولت عليها من حزب الله وحماس، زاعماً أن مثل هذه الدولة ستحظى باعتراف فوري من إسرائيل، وربما بمساعدتها من دول أخرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ويمكن لها أن تلعب دوراً حاسماً، بموافقة لبنان، في نزع سلاح حزب الله.

تتباين المواقف التركية والإسرائيلية تجاه سوريا/ عربي بوست
تتباين المواقف التركية والإسرائيلية تجاه سوريا/ عربي بوست

التخوّف من النفوذ التركي القطري في سوريا

أظهرت أحداث السويداء بشكل متزايد عمق الخلافات الإسرائيلية السورية، في ضوء ما يحظى به الرئيس أحمد الشرع من "احتضان" عربي إسلامي "سُنّي"، مما يعكس ميزة واضحة للكتلة السنية الإسلامية، ويضع إسرائيل في خطر متعدد الطبقات، وفقاً لتقدير كافير تشوفا، خبير عمليات اتخاذ القرار بجامعة بار إيلان، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وأضاف أن المحافل السياسية الإسرائيلية تخشى أن تكون أحداث السويداء تحمل رسالة من حلفاء سوريا الجديدة، لاسيما تركيا وقطر، للمنطقة عموماً، وإسرائيل خصوصاً، مفادها ترسيخ سلطتها على كامل الدولة، وإمكانية الاستعداد لصراع مستقبلي، حتى لو تراجعت مؤقتاً.

وأشار الخبير الإسرائيلي ذاته إلى مبادرة تجارية جديدة تظهر حالياً، تربط السعودية والأردن وسوريا وتركيا، متجاوزةً إسرائيل، مما قد يؤدي إلى انهيار مبادرة الهند وإسرائيل وأوروبا، ويقوّض مكانتها كمحور مركزي بين الشرق والغرب.

في الوقت نفسه، دافعت المحافل العسكرية الإسرائيلية عن هذا العدوان، بزعم عدم إعاقة أي حرية لنشاط القوات الجوية في سماء سوريا، بجانب ادعاء مفاده أن القواعد العسكرية التركية في سوريا، التي سيتم إنشاؤها باسم "التعاون الأمني"، قد تحدّ من نطاق عمل إسرائيل.

لكن المستشرق بنحاس عنبري اختار في مقاله بموقع "زمان إسرائيل" زاوية إقليمية بتوجيه اللوم إلى تل أبيب، لأنها وقعت في خطأ استراتيجي مفاده أنها فضّلت إبرام اتفاق معها على التطبيع مع السعودية، فضلاً عن إخفاق آخر يتمثل في غياب الإحاطة الأمنية الكافية داخل سوريا.

هذا الوضع قد يسمح للمجموعات المقربة من إيران بالاستمرار في التخطيط لأعمال مسلحة في الجولان، بل وتهريب الأسلحة إلى حزب الله في لبنان، مما قد يتطلب التروّي في عقد الاتفاق معها، وبدلاً من ذلك إنشاء قوة عسكرية فعالة للدروز قادرة على حمايتهم داخل مناطقهم.

فيما حذّرت أوساط عسكرية إسرائيلية من إمكانية اندفاع القيادة الجديدة في دمشق لدراسة التعاون مع المنظمات والدول التي ترى في إسرائيل عدواً، بما فيها حزب الله وإيران والعراق وتركيا، وعناصر إسلامية أخرى.

وبالتالي، ستتحول الساحة السورية التي كانت هادئة نسبياً منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 1974، إلى جبهة قتالية نشطة، وتقوّض الاستقرار الإقليمي الذي استمر لعقود من الزمن، بما يتعارض مع المصالح الإسرائيلية، وهو ما ذكره عاموس روخاكس دومبا، محرر الشؤون العسكرية بمجلة "يسرائيل ديفينس".

تداعي الذرائع لفتح جبهة قتالية جديدة مع سوريا

مايكل أورين، السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن، طالب في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بضرورة أن تظل الدولة منفتحة على إمكانية التوصل إلى معاهدة عدم اعتداء مع سوريا، وربما حتى سلام كامل، في ضوء المواقف الدولية التي ظهرت مستهجنة من فتح إسرائيل لجبهة قتالية أخرى ضد هذه الدولة، التي أظهرت رغبة بالوصول إلى اتفاق معها، الأمر الذي يُظهِر إرباكاً بما فيه الكفاية، لأن الدخول في قتال مع الجيش السوري لحماية الدروز غير مفهوم على الإطلاق.

مع العلم أنّ إسرائيل وجدت نفسها، عقب هجومها على سوريا، في وضع حسّاس للغاية، لأنها شنّت ضرباتها دون فهم تعقيدات الوضع، خاصة وأن دروز سوريا عدة فئات، بعضها تعارض التدخل الإسرائيلي تماماً، ولديها آلاف المقاتلين الموالين للدولة السورية، وهو ما ذكره عامي آيالون، الرئيس السابق لجهاز الشاباك، في لقاء مع شبكة "سي إن إن".

الجنرال إليعازر تشيني ماروم، القائد السابق لسلاح البحرية، أكد في مقاله بصحيفة "معاريف" أهمية أن تكون الردود الإسرائيلية مدروسة، وفي الوقت نفسه، ترك مجال للحوار مع سوريا الجديدة، مما قد يؤدي إلى ترتيبات أمنية مهمة في وقت لاحق، وبالتالي ضمان المصالح الأمنية الإسرائيلية.

فيما اعتبرت كارميت فالنسي، محررة الشؤون السورية في معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن الهجمات على دمشق قد تجعل الخطاب الإسرائيلي المتصالح معها يتلاشى، ومع انعدام الثقة والعداء المتزايد بينهما، فإن احتمالات التوصل لاتفاق، حتى لو كان ترتيباً أمنياً محدوداً على الحدود، أصبحت موضع شك.

الدفاع عن الدروز.. "قميص عثمان ليس أكثر"

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مسألة الدفاع عن الدروز كانت آخر ما يفكر به العقل السياسي والعسكري الإسرائيلي، رغم أنه تصدّر الذرائع العلنية، لكن الأهم بنظر الساسة والجنرالات هو أن امتداد النفوذ السوري الرسمي لهذه المناطق التي يقيمون فيها لن يجعل إسرائيل تخسرهم، وهم شركاؤها وحلفاؤها فحسب، بل ستخسر إحدى آليات الاستقرار الأكثر هدوءاً على حدودها، لأن من سيحلّ محلهم مقاتلون ذوو نوايا معادية لها، وفي هذه الحالة قد ترتكب خطأً استراتيجياً باهظ الثمن.

شاي غال، الكاتب في صحيفة "معاريف"، كان أكثر صراحة في اعتبار أن العدوان على سوريا لم يكن فقط لحماية الدروز، بل استعداداً لاتفاقيات محتملة معها، بحيث تتضمن بنوداً خاصة بالأقليات الطائفية والعرقية مثل العلويين والدروز والأكراد.

وهو ما دأبت عليه إسرائيل منذ عقود حين أقامت تحالفاتها مع هذه الأقليات، لجعلها خاصرة ضعيفة في الدول المجاورة، زاعماً أنه حين يتحقق ذلك، سيصبح الاتفاق مع سوريا فرصة تاريخية حقيقية، لكنها مبنية على القوة العسكرية والاستراتيجية.

يسعى الإسرائيليون من هذه النقطة بالذات إلى اشتراط أن يكون لهذه الأقليات أوضاع خاصة في الدولة السورية، في تدخّل فجّ لا يخفونه، على أمل أن يضمن المرور الحرّ من مناطقها داخل البلاد باتجاه إسرائيل، يكون قريباً من نموذج الحكم الذاتي لكل أقلية، وفي حال "انتهاكه" من قبل السلطات المحلية سيستدعي رداً إسرائيلياً، لن يُعتبر حينها تدخّلاً في شؤون دولة ذات سيادة، أو خرقاً للاتفاق.

الكاتب لم يتورّع أيضاً عن المطالبة بأن توضح إسرائيل أنها لن توقّع على اتفاق مع سوريا يتجاهل الأكراد والدروز، واعتبار أن انتهاك هذا الالتزام سيعرّض استقرار الدولة السورية، بل وجود النظام ذاته، للخطر وبشكل مباشر.

عامي روخاكس دومبا، محرر الشؤون العسكرية في مجلة "يسرائيل ديفينس"، أكد أن الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة في قلب دمشق تجعل منها عدواً، رغم أن نظامها ما زال في بداياته، وفي طور تعزيز مواقعه. صحيح أن الارتباط التاريخي مع الدروز يحوز على أهمية استثنائية.

لكن هذا الاختيار ليس بلا ثمن، متهماً الحكومة في تل أبيب بتجاهل أحقية نظيرتها في دمشق في فرض النظام على كامل أراضيها، حتى باستخدام اليد الثقيلة، باعتبارها خطوة ضرورية لإعادة بناء البلاد، ومنع الحروب الداخلية المستمرة.

واعتبر أن التوجهات الإسرائيلية بتعزيز اتجاهات الاستقلال الطائفي والعرقي في سوريا، ستؤدي إلى إدامة الانقسام والعنف في سوريا المجاورة، وفي هذه الحالة تواجه إسرائيل معضلة بين الاستمرار في دعم الحكم الذاتي الدرزي، والحفاظ على استقرار الحدود، أو المقامرة على الاستقرار الإقليمي من خلال حوار حذر مع دمشق.

تحميل المزيد