عودة طوعية تحت الضغط.. تفاصيل خطة القاهرة لإخراج مليون لاجئ سوري من مصر

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/15 الساعة 10:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/15 الساعة 10:17 بتوقيت غرينتش
اللاجئون السوريون قوبلوا بالترحاب في العديد من الدول العربية وعلى رأسها مصر/رويترز، أرشيفية

كشف مصدر حكومي مطّلع لـ"عربي بوست" أن قرار الحكومة المصرية بشأن إعفاء المخالفين من غرامات الإقامة جاء بالتنسيق مع وزارة الخارجية السورية، التي اتخذت بدورها خطوات مماثلة عبر سفارتها في القاهرة، أبرزها تخفيض رسوم إصدار وتجديد جوازات السفر قبل نحو أسبوع.

وأضاف المصدر أن هذه الإجراءات بدأت عقب اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره السوري أسعد الشيباني، في إطار توجه مصري لتشجيع العودة الطوعية إلى سوريا بعد ما تعتبره القاهرة تحسناً في الأوضاع هناك.

وأوضح المصدر أن هذا التوجه يرتبط أيضاً بواقع داخلي متأزم، وسط تزايد الغضب الشعبي من ارتفاع أعداد اللاجئين والوافدين، وما نتج عن ذلك من توترات اجتماعية وحوادث عنف بين جنسيات عربية مختلفة أو مع مصريين.

وأشار إلى أن اللاجئين حظوا في البداية بترحيب رسمي وشعبي واسع، إلا أن تغير المناخ الاقتصادي، وتراجع الزخم الإنساني بعد انحسار الحرب في بعض الدول، دفع السلطات إلى إعادة تقييم الوضع.

وأكد أن العامل الأمني يظل حاضراً بقوة، في ظل مخاوف من وجود خلايا نائمة مرتبطة بجماعات مسلحة، خاصة مع استمرار الاضطرابات على حدود مصر الغربية والجنوبية.

كما عبّر المصدر عن قلق السلطات من احتمالية وجود مؤيدين للرئيس السوري أحمد الشرع ضمن اللاجئين، ما تعتبره القاهرة تهديداً سياسياً وأمنياً، خاصة إذا تحوّل هذا الدعم إلى نشاط منظم قد يخدم أجندات إقليمية معادية. وترى الجهات الأمنية أن الدولة قامت بما يلزم تجاه الفارين من النزاعات، لكن المرحلة الحالية تتطلب مراجعة شاملة.

وتزامنت هذه التطورات مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً برفع العقوبات عن سوريا، بما يسمح بعودة دمشق إلى النظام المالي العالمي، كما أعلنت واشنطن إلغاء تصنيف "هيئة تحرير الشام" – المعروفة سابقاً بجبهة النصرة – كمنظمة إرهابية أجنبية.

خطة ترحيل ناعمة

وفي سياق متصل، كشف مصدر مسؤول مطّلع على أوضاع اللاجئين السوريين في مصر لـ"عربي بوست" أن القرار الحكومي الأخير بإعفاء المخالفين من غرامات الإقامة يندرج ضمن سياسة ممنهجة لدفع السوريين إلى مغادرة البلاد بشكل طوعي، لكنه "مرغَم"، على حد تعبيره.

وأوضح أن الحكومة المصرية ستتكبّد مئات الآلاف من الدولارات نتيجة إسقاط هذه الغرامات، التي تتراوح ما بين 700 إلى 1000 دولار للفرد، بينما يُقدَّر عدد السوريين المخالفين بعشرات الآلاف، ما يؤكد – حسب المصدر – وجود نية رسمية لتقليص أعدادهم دون اللجوء إلى الترحيل القسري.

وأشار إلى أن هذه السياسة لا تقتصر فقط على الإعفاءات، بل تشمل تضييقاً متزايداً في تجديد الإقامات، خاصة بالنسبة لمن لا يمتلكون استثمارات رسمية. فالاستثناء الوحيد الممنوح حالياً هو لحاملي الإقامة الاستثمارية، والتي تتطلب مشروعاً مسجلاً بقيمة لا تقل عن 35 ألف دولار.

كما أضاف أن طلاباً سوريين تعرّضوا للفصل من جامعاتهم بسبب غياب تأشيرات دراسية، رغم قبولهم سابقاً عبر منصة "ادرس في مصر" بتأشيرات سياحية وسدادهم الرسوم بالدولار، لا سيما أولئك الذين غادروا البلاد مؤقتاً ولم يُسمح لهم بالعودة إلا بعد موافقة أمنية مسبقة. ولفت إلى أن القاهرة لن تُقدم على الترحيل القسري، لكنها تحاول إرسال رسالة واضحة بأنها لم تعد راغبة في استمرار وجود أكثر من مليون سوري على أراضيها، مع تغير المشهد السياسي في سوريا عقب رحيل الرئيس بشار الأسد.

وبحسب المصدر، فإن التصعيد في السياسة تجاه اللاجئين جاء أيضاً بعد ورود تهديدات مباشرة من داخل سوريا إلى النظام المصري، وتزايد المخاوف من وجود نشاط لتنظيمات مسلحة مثل حركة "حسم"، التي تشير تقارير أمنية إلى أنها تلقت تدريبات في الأراضي السورية. وأكد أن هذه الاعتبارات الأمنية دفعت السلطات إلى اتخاذ خطوات أكثر تشدداً، مثل تقليص فرص الالتحاق بالتعليم للسوريين، وتكثيف حملات التفتيش على المخالفين ودفعهم لتسوية أوضاعهم أو المغادرة.

وفي أغسطس/آب 2024، أُعلن قصر التسجيل في المدارس الحكومية على الأطفال السوريين الحاملين لبطاقة لاجئ صادرة عن المفوضية، شرط أن تكون الإقامة سارية للطالب ووالديه. ورغم أن الحكومة المصرية تقدر عدد السوريين بنحو 1.5 مليون، إلا أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لم تسجل سوى 150 ألفاً فقط، ما يعني أن الغالبية باتت خارج منظومة الحماية الدولية.

كما ألغت مصر في الشهر نفسه الإعفاءات التي كانت تُمنح للسوريين من رسوم الإقامة والتأشيرات، وفرضت رسوماً جديدة بقيمة 25 دولاراً. وفي سبتمبر/أيلول، فوجئ السوريون بزيادة غير معلنة في رسوم الإقامة الدراسية، التي ارتفعت إلى نحو 7 آلاف جنيه، مقارنة بـ2100 فقط. وتبع ذلك قرار في أكتوبر/تشرين الأول من إدارة رعاية الوافدين بفرض رسوم إضافية على جميع الخدمات الجامعية دون استثناء السوريين، في سابقة هي الأولى من نوعها.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، ألغت السلطات المصرية الاستثناءات التي كانت تُمنح للسوريين الحاصلين على إقامات سابقة في الولايات المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة، ومنطقة شنغن، حيث أصبح الحصول على موافقة أمنية مسبقة شرطاً إلزامياً لدخولهم إلى مصر. وفي خطوة لاحقة، أصدرت سلطة الطيران المدني تعميماً يمنع شركات الطيران من نقل السوريين إلى مصر من أي وجهة، باستثناء حاملي الإقامات غير السياحية، مع تحذير من توقيع غرامات على الشركات المخالفة.

كل هذه الإجراءات مجتمعة، حسب المصدر، تُظهر توجهاً رسمياً متصاعداً نحو تقليص الوجود السوري في مصر، في ظل قناعة حكومية بأن البلاد "أدّت دورها الإنساني"، وحان وقت إعادة ضبط المشهد بما يتماشى مع الاعتبارات الأمنية والاقتصادية الجديدة.

استنساخ التجربة السودانية

من جهته، قال مصدر حقوقي في مفوضية اللاجئين بمصر لـ"عربي بوست" إن ما قامت به السلطات المصرية مع اللاجئين السوريين من إعفاءات مشروطة من غرامات الإقامة، هو جزء من استراتيجية سبق أن طُبّقت مع اللاجئين السودانيين بعد سيطرة الجيش على العاصمة السودانية الخرطوم.

وأضاف أن هذه السياسة أسفرت خلال ثلاثة أشهر فقط عن عودة ما يقارب نصف مليون سوداني إلى بلادهم مع بداية عام 2025، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية كانت تتوقع نتائج مماثلة مع السوريين بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، لكن الاستجابة جاءت أضعف مما كان متوقعاً.

وأوضح المصدر أن الغالبية العظمى من الأسر السورية المقيمة في مصر منذ قرابة 14 عاماً قد اندمجت في المجتمع المحلي، وأصبح من الصعب عليها العودة إلى واقع غير مضمون، خصوصاً في ظل استمرار الاضطرابات الأمنية والاقتصادية داخل سوريا. كما أن عدداً كبيراً من السوريين يمتلكون استثمارات ومشروعات صغيرة ومتوسطة، تجعل مسألة العودة بالنسبة لهم معقدة ومكلفة.

وأشار إلى أن نحو 22 ألف لاجئ سوري مسجل في مفوضية اللاجئين غادروا مصر خلال سبعة أشهر فقط، من بين 150 ألفاً مسجلين، إلى جانب عشرات الآلاف من غير المسجلين، إلا أن أكثر من 1.2 مليون سوري ما زالوا يقيمون في مصر. وأكد أن هناك توجهاً رسمياً لتقليص هذا العدد عبر تشجيع العودة "الطوعية"، وليس عبر الترحيل القسري.

وشدد على أن الحكومة المصرية تؤكد باستمرار أن ما تقوم به هو إجراءات تنظيمية تتماشى مع ما تتخذه دول أخرى حول العالم، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها، وتكرار التوترات المرتبطة باللاجئين على المستويين الاجتماعي والأمني، مشيراً إلى أن القاهرة توازن بين الحفاظ على سيادتها الداخلية وبين الالتزامات الإنسانية.

رحلات عودة عبر نويبع

في السياق ذاته، أعلنت الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر مؤخراً عن مغادرة آلاف اللاجئين السوريين من مصر عبر ميناء نويبع البحري، في رحلات نُظّمت بالتنسيق مع شركة "الجسر العربي" للملاحة، وبالتعاون مع الجهات الأمنية والجمارك والهجرة.

وأوضحت الهيئة أنه جرى تنفيذ 45 رحلة بحرية خلال الأشهر الستة الماضية، حيث ينتقل العائدون من نويبع إلى ميناء العقبة الأردني، ثم إلى معبر جابر الحدودي، قبل دخولهم الأراضي السورية.

وبحسب أحد اللاجئين السوريين المقيمين في القاهرة، فإن سلسلة الإجراءات الجديدة تجعل البقاء في مصر "أمراً بالغ الصعوبة"، مضيفاً في حديثه لـ"عربي بوست" أن السلطات كثّفت التدقيق في أوضاع الإقامة، ورفعت منسوب التفتيش الأمني، وهي ممارسات لم تكن مألوفة خلال السنوات الماضية.

وأشار اللاجئ إلى أن بعض السوريين باتوا يتوجهون إلى مفوضية اللاجئين لإعادة فتح ملفاتهم أو الحصول على إقامة مؤقتة، في محاولة لضمان بقاء قانوني، لكن ضغط الطلبات من اللاجئين السودانيين يعقّد المهمة. وعلى العكس، فإن من يقرر مغادرة البلاد طوعاً عليه المرور بإجراءات إدارية مطوّلة تشمل تقديم طلب لغلق ملف اللجوء، وهي عملية قد تستغرق عدة شهور.

وأوضح أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين قلّصت من طاقمها وأغلقت بعض مكاتبها، وباتت المراجعات تُجرى فقط في مدينة السادس من أكتوبر التابعة لمحافظة الجيزة. ويتطلب إنهاء ملف اللجوء إجراء مقابلة شخصية للأسرة، وهو ما يعني الانتظار أحياناً لشهرين أو أكثر، بالإضافة إلى البقاء لساعات طويلة في المقر لحين إتمام الإجراءات، التي قد تتأجل في اللحظات الأخيرة.

وأكد اللاجئ أن إجراءات تسهيل مغادرة مصر، بما في ذلك الإعفاء من غرامات الإقامة، لا تشمل السوريين المسجلين لدى المفوضية، وهو ما يضيف طبقة من التعقيد إلى مسارات العودة، رغم رغبة كثيرين في إنهاء وضعهم القانوني والعودة إلى سوريا.










تحميل المزيد