دعم حزب الله في قلب الانتقادات.. جدل داخل إيران حول “ميزانية إعادة إعمار” 400 ألف مبنى متضرر من حرب إسرائيل

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/10 الساعة 08:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/10 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش
سيدة إيرانية تسير بجوار منزل مدمر بسبب قصف إسرائيل في طهران- رويترز

أثار ملف إعادة الإعمار في إيران الجدل بين التيار الأصولي والإصلاحي بسبب الميزانية المتوقعة للإعمار، فضلًا عن المدة الزمنية التي تحتاجها الحكومة الإيرانية للانتهاء من تشييد أو إعادة تشييد كل المنازل التي تضررت في الحرب الإسرائيلية على إيران، ما دفع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي للتدخل بشكل مباشر.

حيث كشفت مصادر مطلعة داخل مؤسسة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية لـ"عربي بوست"، عن توجيهات صارمة وعاجلة صدرت من علي خامنئي بخصوص إعادة الإعمار، وهو ما يعكس الاهتمام الكبير من أعلى المستويات السياسية والأمنية في البلاد بملف التعويضات وإعادة بناء المناطق المتضررة.

وبحسب تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" أدلى بها مستشار مقرب من مؤسسة خامنئي، فإن المرشد الأعلى أصدر توجيهات فورية لتخصيص ميزانية ضخمة لإعادة الإعمار، وذلك بهدف استعادة الحياة الطبيعية للمناطق السكنية التي تعرضت للدمار.


وأكد المستشار أن هذه التوجيهات لم تكن مجرد إرشادات شكلية، بل ترافقت مع تعليمات واضحة لكل الجهات الحكومية المعنية لتبني خطط تنفيذية سريعة ومتكاملة تضمن معالجة الأزمة من جذورها.

إيواء المتضررين في فنادق


أوضح المستشار أن المنازل التي تعرضت للهدم أو الأضرار الكبيرة تم إيواء أصحابها بالفعل في فنادق داخل مدن مختلفة كخطوة مؤقتة وضرورية، وذلك حفاظًا على كرامة المواطنين وضمان توفير سكن آمن خلال فترة إعادة البناء. وشدد على أن هذه الإجراءات جاءت ضمن خطة حكومية منظمة تسير بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة، ولا سيما الحرس الثوري الإسلامي ومؤسسة المرشد، اللذين يشاركان بشكل فعال في إدارة ملف إعادة الإعمار.


وأشار إلى أن الحكومة الإيرانية تُولي اهتمامًا بالغًا لمسألة إعادة الإعمار، ولهذا السبب، تم تخصيص جزء كبير من ميزانية الدولة لهذا الغرض، مع ضمان تنسيق محكم بين مختلف المؤسسات لضمان سير العمل بشكل فعّال ومنظم.


وفيما يتعلق بالتمويل، أكد المستشار أن جزءًا كبيرًا من الموارد المالية المخصصة لإعادة الإعمار سيأتي من ميزانية الحكومة المركزية، إلى جانب دعم مؤسسات حكومية أخرى، أبرزها مؤسسة المرشد والحرس الثوري، اللتين تتحملان دورًا مهمًا في تأمين الدعم اللوجستي والتقني للمشاريع العمرانية.


وتأتي هذه الخطوة في إطار استراتيجية شاملة لتعزيز القدرات الوطنية على الصمود في مواجهة التحديات التي فرضتها الهجمات، وتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي والاجتماعي.


يُضاف إلى ذلك، أن التنسيق بين الحكومة والحرس الثوري ومؤسسة المرشد يشمل آليات رقابية وإدارية لضمان الشفافية والكفاءة في توزيع الأموال، وتحديد الأولويات في إعادة الإعمار بما يتناسب مع حجم الأضرار وحاجة السكان. ويعمل هذا التنسيق على منع أي تأخير أو هدر في الموارد، مع إعطاء أولوية قصوى لتوفير السكن الطارئ، ثم المساكن الدائمة التي تلبي المعايير العمرانية الحديثة.


بالتالي، وحسب تصريحات المستشار الإيراني في مكتب خامنئي، فإن التوجيهات الصادرة عن المرشد الأعلى تعكس فهمًا دقيقًا لحجم الأزمة وأهميتها على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، حيث تركز على استعادة ثقة المواطنين بالدولة وقدرتها على التعامل مع الكوارث الوطنية بشكل حاسم وفعّال. كما تؤكد هذه التوجيهات أن إعادة الإعمار ليست مهمة عادية، بل هي عنصر أساسي في صمود النظام واستقراره، خصوصًا في ظل الظروف الإقليمية والدولية المعقدة.


ويقول: "إن تدخل المرشد وتوجيهاته السريعة لتخصيص الميزانية يعكس درجة عالية من المسؤولية ويضع هذه القضية في صلب الأولويات الوطنية، مع تأكيد على أن أي تقصير أو بطء في التنفيذ قد يعرض النظام لضغوط داخلية كبيرة، وهو ما يحاول الجميع تفاديه عبر تضافر الجهود بين جميع الجهات المعنية".

تقييم حجم الأضرار وتقديرات تكلفة إعادة الإعمار


كانت السلطات الإيرانية قد أعلنت أن حجم الأضرار التي خلّفتها الهجمات الإسرائيلية على المباني السكنية في البلاد يبلغ نحو 4 تريليونات تومان، أي ما يعادل حوالي 46 مليون دولار أمريكي.

وقد بيّن مجيد جواد، نائب رئيس مؤسسة الإسكان الإيرانية، في مؤتمر صحفي أن الفرق التابعة للمؤسسة بدأت منذ اليوم الأول بتقييم المباني المتضررة، حيث بلغ عددها حوالي 400 ألف مبنى، تراوحت أضرارها بين جزئية وكاملة، وأكد أن التقديرات الأولية لتكلفة الأضرار تتراوح بين 3 إلى 4 تريليونات تومان.


وكان رئيس مؤسسة الإسكان غلام رضا صالحي قد أوضح قبل ذلك في أواخر يونيو أن أكثر المدن تضررًا هي طهران وتبريز، وهو ما أكّدته فاطمة مهاجراني في تصريحاتها بعد العدوان الإسرائيلي، حيث أشارت إلى أن الهجمات استهدفت مناطق مدنية واسعة شملت الأحياء السكنية والمرافق التعليمية والصحية، إلى جانب المنشآت الخدمية، ما أدى إلى دمار واسع يستدعي خطة إعادة إعمار متكاملة.


وأوضحت مهاجراني أن الحكومة شرعت في مسوحات ميدانية دقيقة لتحديد حجم الأضرار ووضع خطط زمنية أولية لإعادة التأهيل، مع التركيز على إيواء المتضررين وتقديم المساعدات العاجلة.


وأكدت أن إعادة الإعمار ليست مجرد مهمة عمرانية، بل هي مسؤولية وطنية تمس كرامة الشعب الإيراني وصموده، ولفتت إلى أن الدولة ملتزمة بتعويض المواطنين المتضررين من منازلهم ومتاجرهم وسياراتهم، عبر قانون واضح وإجراءات منظمة، مشيرة إلى إطلاق منصة إلكترونية لتسجيل الأضرار تيسيرًا على المواطنين في تقديم طلباتهم، حيث جرى استلام آلاف الطلبات التي تُراجع بدقة، مع تخصيص فرق هندسية لتقييم كل وحدة سكنية على حدة، وترتيب الأولويات وفق حجم الضرر وعدد أفراد الأسرة.


وفي مؤتمر صحفي آخر، أعلنت مهاجراني أن إعادة الإعمار بدأت فعليًا في بعض المناطق، حيث تضررت نحو 3500 وحدة سكنية نتيجة الهجمات، منها 332 وحدة فقط داخل طهران، مشيرة إلى توفير مساكن بديلة مؤقتة للمتضررين حتى الانتهاء من عمليات البناء. وأكدت أن الهلال الأحمر وبلديات المدن الكبرى ووزارة التراث الثقافي تعمل بتنسيق لإعادة تأهيل المواقع المتضررة، بما يشمل الجوانب العمرانية والثقافية والصحية.

كما أوضحت أن نائب الرئيس الإيراني أصدر أوامر مباشرة ببدء مشروع وطني ضخم لإعادة الإعمار، لا يقتصر على التعويضات المالية فقط، بل يشمل إعادة بناء المنشآت ذات القيمة الوطنية والرمزية، خصوصًا تلك التي استُهدفت بسبب دورها في دعم التنمية العلمية والاقتصادية. وأكدت أن الحكومة تراجع الخطط بشكل مستمر لتسريع التنفيذ، مع متابعة ميدانية من الوزارات المختصة لضمان سير العمل حسب الجداول الزمنية.

على الصعيد القانوني، أشارت مهاجراني إلى أن الحكومة تجمع الوثائق والأدلة التي تثبت أن الهجمات استهدفت مرافق مدنية بشكل ممنهج، في خرق واضح للقانون الدولي، تمهيدًا لرفع هذه الملفات إلى جهات حقوقية ودولية للمطالبة بتعويضات مالية وسياسية، مؤكدة أن إيران تحتفظ بحق الرد السياسي والدبلوماسي، لكنها تسير بحكمة وصبر في طريق إعادة الإعمار لتعويض الخسائر وتحويل الألم إلى قوة دافعة للصمود.

خلافات تخصيص الميزانيات بين المحافظات


في سياق موازٍ، كشف مدير مركز أبحاث بارز في مدينة قم لـ"عربي بوست"، عن وجود خلافات جوهرية بشأن تخصيص الميزانيات بين مختلف الجهات المعنية، وهو ما يعكس تعقيدات التوازن في توزيع الموارد بين العاصمة والمحافظات الأخرى.


وأشار إلى أن بلدية طهران، بحكم كونها عاصمة البلاد وأغلى المناطق العقارية، خصصت مخصصات مالية أكبر مقارنة بالمحافظات الأخرى، وهو أمر أثار غضبًا شعبيًا في عدد من المحافظات التي شعرت بعدم المساواة والتهميش في هذه العملية الحيوية. حيث اعتُبر هذا التفاوت في التخصيص انعكاسًا مباشرًا لفوارق الأسعار والقيمة العقارية التي تتمتع بها العاصمة، مما أثار تساؤلات حول العدالة الاجتماعية في توزيع الدعم الحكومي.


في هذا السياق، تدخلت قوات الحرس الثوري الإسلامي لإدارة الأزمة وتهدئة الأجواء بين المحافظات، حيث أبلغت الجهات المسؤولة في المحافظات الأخرى أن الحكومة ستعمل على ضمان المساواة بين جميع المواطنين فيما يخص التعويضات وعمليات إعادة الإعمار، مع التأكيد على أنه لا تفرقة في الحقوق أو الأولويات بين سكان طهران والمحافظات. واعتُبر ذلك خطوة مهمة لاحتواء الغضب الشعبي وللحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي في ظل الأزمة الراهنة.

إعادة الإعمار طويلة الأمد


مع ذلك، أوضح أن هناك تخوفًا حقيقيًا من أن عمليات إعادة الإعمار لن تكون قصيرة الأمد، بل ستستغرق فترة زمنية ليست بالقليلة، مما سيشكل عبئًا كبيرًا على قدرات الحكومة المالية والإدارية. وأشار إلى أن الحكومة ستضطر إلى توفير مخصصات مالية كبيرة جدًا لدعم المواطنين الذين تضررت منازلهم، وذلك من خلال توفير سكن مؤقت بديل لهم خلال فترة إعادة البناء التي من المتوقع أن تمتد حتى 24 شهرًا، أي عامين كاملين.


هذه المدة الطويلة لإعادة الإعمار ستفرض على الدولة أعباء متزايدة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تعيشها البلاد، والتي تتضمن ضغوطًا من العقوبات الاقتصادية وتباطؤ النمو. ولذلك، شدد المدير على أهمية التخطيط المالي الدقيق ووضع آليات دعم فعالة ومستمرة للمواطنين المتضررين، لضمان عدم حدوث تدهور في مستوى المعيشة أو تفاقم المشاكل الاجتماعية خلال فترة إعادة البناء.


وأكد أيضًا أن استمرارية هذه الفترة الزمنية تعني ضرورة وجود خطة طويلة الأمد تشمل ليس فقط البناء وإصلاح المنازل المتضررة، بل أيضًا تطوير البنية التحتية والمرافق العامة لتعزيز قدرة المدن والمناطق المتضررة على الصمود أمام أية أزمات مستقبلية مماثلة.


وقال: "إن التحديات التي تواجه عملية إعادة الإعمار في إيران ليست مجرد تقنية أو مالية فقط، بل هي أيضًا اجتماعية وسياسية تتعلق بإدارة التوازن والعدالة بين مختلف مناطق البلاد، ما يستوجب تضافر الجهود الحكومية والرقابية لضمان نجاح هذا المشروع الوطني الحساس".

جدل داخلي حول الميزانيات المخصصة لإيران وحزب الله


في حين أثار حديث داخلي في الأوساط السياسية والإعلامية جدلًا واسعًا حول تفاوت الميزانيات المخصصة لإعادة الإعمار داخل إيران مقارنة بالدعم المالي المقدم لحزب الله في لبنان، خاصة في مجال بناء المنازل والمنشآت التي دُمرت جراء الصراعات.


بحسب تصريحات خاصة أدلى بها باحث إيراني يعمل في السفارة الإيرانية في العراق، فقد تم خلال الأيام الأخيرة تداول مقارنات عديدة بين ميزانية إعادة الإعمار في إيران والميزانيات التي تخصصها إيران لدعم حزب الله، خاصة في إطار بناء المنازل التي تهدمت نتيجة المواجهات العسكرية في لبنان.


وأكد الباحث أن هذه المقارنات لا تعكس الحقيقة الكاملة، وأن هناك اختلافًا جوهريًا في طبيعة العلاقة والدعم المقدم لحزب الله مقارنة بالتمويل الموجه لإعادة الإعمار داخل إيران.


وأوضح الباحث أن حزب الله يتمتع بوضع خاص داخل النظام الإيراني، حيث يُنظر إليه كذراع أساسي من أذرع إيران العسكرية والسياسية في المنطقة، ويحظى بدعم ذي أولوية استراتيجية عالية لا يمكن مقارنته بالميزانيات الوطنية التي تُوجَّه مباشرة لخدمة المواطنين الإيرانيين المتضررين.


وأضاف أن هذه الأذرع المسلحة الخارجية تحظى بدعم ثابت ومستمر لأن دورها يتجاوز مجرد الدعم المالي، فهو جزء من السياسة الخارجية الإيرانية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.


وأشار إلى أن التيار الإصلاحي داخل إيران هو الأكثر إثارة لهذه المقارنات، حيث يستخدم هذه القضية لتوجيه انتقادات حادة للسياسات الحكومية، مؤكدًا أن هذا التيار يتهم النظام الإيراني بإهدار الموارد الوطنية على دعم الجماعات المسلحة خارج الحدود، بينما يعاني المواطنون داخل البلاد من نقص في الخدمات الأساسية، بما في ذلك التعويضات وإعادة الإعمار.


ويرى هذا التيار أن هناك فجوة واضحة بين أولويات الإنفاق الحكومي، وهو ما يثير تساؤلات حول العدالة والشفافية في توزيع الموارد.


مع ذلك، نوه الباحث إلى أن هذه الانتقادات لا تأخذ في الاعتبار الخلفيات السياسية والأمنية التي تحدد طبيعة العلاقات المالية بين إيران وهذه الأذرع، ولا تعكس تعقيدات السياسات الداخلية والخارجية التي تحكم هذه المعادلة. وأشار إلى أن الحكومة الإيرانية تسعى جاهدة لتحقيق توازن بين الالتزامات الإقليمية والاحتياجات الوطنية، وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل الظروف الاقتصادية والضغوط الدولية.

التعويضات ودور بلدية طهران


في سياق متصل، فقد قال علي زاكاني، رئيس بلدية طهران، إن التعويض المحدد من قبل البلدية لإصلاح المنازل المتضررة هو 8 ملايين تومان لكل متر مربع، أي ما يعادل نحو 88 دولارًا أمريكيًا للمتر المربع، مشيرًا إلى أن هذا التعويض سيُوزع حسب حجم الضرر الواقع على الممتلكات.


وأوضح أن هذه الخطوة تأتي ضمن التزام بلدية طهران والحكومة بالتعامل السريع والمسؤول مع تداعيات العدوان، لتوفير القدرة على الترميم وإعادة الاستقرار للأسر المتضررة، خاصة في المناطق التي تضررت بنيتها التحتية أو تعرضت منازلها لأضرار مباشرة.


وأشار زاكاني إلى أن هذه المبالغ تستند إلى تقييم ميداني أولي لتكاليف الإصلاح الأساسية، مؤكدًا أن بلدية طهران ستتكفل بتغطية هذه التكاليف من مواردها المحلية بالتنسيق مع الحكومة إلى حين وضع خطة وطنية أشمل لإعادة الإعمار. وأضاف أن هذه المساعدات تمهيد لخطة شاملة تشمل البنى التحتية والمرافق العامة، إلى جانب دعم العائلات المتضررة من خلال خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية.


وذهب زاكاني إلى أن مسار الثورة اليوم يحتاج إلى إعادة بناء، وأن الهجوم على طهران وبعض المدن شكل تحديًا كبيرًا، لكنه في الوقت نفسه كشف عن قدرة الدولة على الصمود والاستجابة.


وأكد أن إعادة الإعمار ليست مجرد ترميم مادي، بل إعادة إحياء للروح الوطنية وتجديد للعهد مع الثورة، ومواصلة للمشروع الحضاري والتنمية الداخلية رغم ما وصفه بـ"العدوان المدعوم خارجيًا".

الجهود التنفيذية على الأرض


أما فيما يتعلق بالجهود التنفيذية على الأرض، صرّح ماجد جودي، نائب مدير إعادة إعمار مؤسسة الثورة للإسكان، بأن فرق التقييم تمركزت في أحياء طهران المختلفة، وأن معظم عمليات التقييم اكتملت، مع بقاء عدد قليل من الوحدات التي لم تُقيَّم بعد، بسبب اتصال المواطنين عبر رقم الاتصال المُعلن.


وأكد أن إزالة الأنقاض بدأت منذ البداية، ووُضعت خطة إعادة إعمار تحت قيادة وزارة الطرق والتنمية الحضرية، لكن الحكومة قررت في النهاية تسليم مسؤولية التنفيذ للبلديات. وأوضح أن البلدية تقبلت كل الخبرات المكتسبة، وسلّمت الملفات رسميًا، وتعمل حاليًا على إبلاغ الجمهور بالخطوات القادمة.


أما فيما يتعلق بالتكلفة، فقد أكد جودي أن التقديرات الأولية لتغطية تكاليف إعادة الإعمار تتراوح بين 3 إلى 4 آلاف مليار تومان، مع تقييم حوالي 4000 وحدة سكنية في مختلف أنحاء البلاد. وأوضح أن ما بين 400 إلى 500 وحدة كانت متضررة بشكل كبير، فيما كانت الأضرار في باقي الوحدات طفيفة تشمل تحطيم الزجاج والأبواب والنوافذ.

المواقف البرلمانية وإدارة الأزمة


في مواقف أخرى، أكد ياسر عربي، عضو لجنة الهندسة المدنية في البرلمان، أن معالجة الأضرار وإعادة البناء تُعد من الأولويات بعد حرب الـ12 يومًا، مشيرًا إلى أهمية توفير السكن للمواطنين الذين أصبحوا بلا مأوى، وكذلك إصلاح المراكز الحكومية المتضررة.


وشدد على ضرورة تنفيذ إعادة الإعمار وفق القانون، وتحديد الجهات المسؤولة بشكل واضح لتنسيق الجهود، مع ضرورة توفير التمويل اللازم وعدم السماح لخلافات إدارية بإعاقة التنفيذ. كما طالب بوجود وحدة طوارئ متخصصة لتحسين جودة العمل وتسريع الإجراءات، مؤكدًا أن الظروف الحساسة تحتم الإسراع في إعادة تأهيل المرافق المعيشية التي تضررت.


وفي نفس السياق، أعلن مهدي تشمران، رئيس مجلس مدينة طهران، أن منظمة إدارة الأزمات قامت بتركيب بيوت زجاجية مؤقتة في المنازل المتضررة منذ الأيام الأولى للهجمات، وأكد ضرورة التنسيق مع الحكومة لإكمال إجراءات التجديد، مشيرًا إلى أن تكلفة التجديد تم الإعلان عنها بـ20 مليون تومان للمتر المربع، لكن لم تُحدّد نهائيًا، مؤكدًا أن المسؤولية الرئيسية لإدارة الوضع تقع على عاتق البلدية، وليس على تحمل تكاليف إعادة الإعمار بشكل كامل.

جهود مؤسسات الدولة وتنسيقها في إعادة الإعمار


في حين تُظهر الوقائع أن إعادة الإعمار في إيران بعد الهجمات الإسرائيلية كانت محط تركيز السلطات الحكومية، حيث حشدت مختلف المؤسسات طاقاتها، من الحكومة إلى البلديات، وجميع الهيئات الرسمية المعنية.


فقد شكّلت وزارة الطرق والتنمية الحضرية لجنة تقييم الأضرار لتنسيق عمليات الإغاثة والإسكان المؤقت، وتم تخصيص ميزانيات لتوفير السكن البديل وتقديم الدعم المالي للمتضررين، بما في ذلك حزم قروض عقارية وإعانات إيجار شهرية.


وقد أقر البرلمان والسلطة القضائية قوانين وتسهيلات لتعجيل عجلة إعادة الإعمار، وتوفير الدعم للمؤسسات والمنتجين المتضررين، بالإضافة إلى تسهيل الإجراءات القانونية المتعلقة بإعادة البناء. كما اتخذ القضاء إجراءات لتسريع إعادة بناء الأقسام المتضررة من سجن إيفين، وتوفير الظروف الملائمة لعودة السجناء المنقولين بسبب الأضرار.


وفي طهران تحديدًا، أُنجزت إعادة إعمار نحو 1500 وحدة سكنية ذات أضرار طفيفة، وتمت إزالة الأنقاض في نحو 44 موقعًا متضررًا، كما أُنشئت مكاتب مساعدة تتيح للمواطنين التقديم وطلب الدعم، مع توفير سكن طارئ في فنادق ومراكز إيواء لما يزيد على 200 أسرة، إضافة إلى تقديم خدمات نفسية مجانية للمتضررين.


وقد شهدت عملية إعادة الإعمار تعاونًا مكثفًا بين المؤسسات الرسمية، من بلدية طهران والهلال الأحمر ووزارة التراث الثقافي، حيث يجري العمل على إعادة تأهيل البنية العمرانية والثقافية والصحية، مع التركيز على إعادة بناء المنشآت ذات القيمة الوطنية.


ويبرز في هذا السياق حرص السلطات على ألا تقتصر عملية إعادة الإعمار على ترميم ما تهدم فحسب، بل تشمل تحسين نوعية الحياة وتعزيز البنية التحتية بشكل يرفع من قدرة المدن الإيرانية على مواجهة الأزمات المستقبلية.

الانتقادات والتحديات


ورغم الجهود المبذولة، لم تخلُ عملية إعادة الإعمار من انتقادات لاذعة من بعض المعلقين السياسيين والإعلاميين الذين اعتبروا أن الأولويات الحكومية في توزيع الموارد غير متوازنة.


ففي تغريدة على تويتر، عبّر الناشط السياسي الإيراني نظير قنبرزاده عن استيائه من المبالغ الكبيرة التي تُصرف لدعم حزب الله مقارنة بما يُقدّم من تعويضات رمزية للمواطنين الإيرانيين المتضررين، قائلًا: "يُصرف المليارات لحزب الله بينما يُقدَّم للمواطنين الإيرانيين المتضررين من العدوان تعويضات لا تكفي حتى لإصلاح النوافذ! أين العدالة في توزيع الموارد؟"


كما انتقد الصحفي المستقل سعيد محمدي، في مقال له على موقع "إيران واير"، الفارق الكبير بين الدعم الخارجي الذي يذهب إلى حلفاء إيران في الخارج، مقابل ما يُمنح للمواطنين على الأرض لإعادة بناء منازلهم، معتبرًا ذلك مؤشرًا على تناقض واضح في أولويات الدولة، حيث يتساءل الشعب عن سبب عدم حصوله على الدعم الذي تُصرف مبالغ كبيرة في الخارج من أجله.

علامات:
تحميل المزيد