في 22 يونيو/حزيران 2025، نفذت الولايات المتحدة عملية باسم "مطرقة منتصف الليل"، لضرب المنشآت النووية الحيوية في إيران، وعلى حد وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد كان هذا الهجوم الأمريكي على إيران في وسط حربها مع إسرائيل، عملاً استعراضيا استثنائيا للقدرات العسكرية الأمريكية.
فقد استهدفت سبع قاذفات من طراز "B-2 سبيريت" المنشآت النووية الإيرانية في فوردو ونطنز بأربع عشرة قنبلة تزن 30 ألف رطل، واستهدفت غواصة أمريكية بأكثر من عشرين صاروخ كروز أكبر مجمع للأبحاث النووية الإيرانية في مدينة أصفهان.
وبعد الانتهاء من الضربة الأمريكية، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن القوات الأمريكية نجحت بشكل بارع في تدمير ثلاث منشآت نووية إيرانية، مؤكداً أنه قد تم الانتهاء من تهديد البرنامج النووي الإيراني.
لكن خلال الأيام القليلة الماضية، نشرت وسائل إعلام أمريكية، نقلاً عن مصادر استخباراتية أمريكية، قولها إن الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية لم يُؤتِ ثماره بالشكل الذي روّج له الرئيس الأمريكي.
في المقابل، دأب المسؤولون الإيرانيون على التقليل من أضرار الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية، أو حتى الهجمات الإسرائيلية التي سبقت عملية "مطرقة منتصف الليل". وأكد عدد من المسؤولين الإيرانيين أنه قد تم نقل كميات اليورانيوم المخصب بنسبة عالية من هذه المنشآت قبل الهجوم الأمريكي إلى منشآت نووية سرية أخرى.
وفي محاولة لمعرفة حجم الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني بعد الهجمات الأمريكية والإسرائيلية، تواصل "عربي بوست" مع عدد من المصادر الإيرانية المطلعة على الأمر لمعرفة ما هو مصير البرنامج النووي الإيراني.
هل فعلاً قضت الضربات الأمريكية على البرنامج النووي الإيراني كما روّج لذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الأيام الأخيرة؟ أم أن "مطرقة منتصف الليل" الأمريكية لم تحقق أهدافها؟ وما هو مصير البرنامج النووي الإيراني بعد حرب الـ12 يوماً؟
ما الذي تضرر في البرنامج النووي الإيراني؟
تُظهر صور الأقمار الصناعية أن الهجمات الأمريكية على نطنز وفوردو قد اخترقت هذه المنشآت بشكل سطحي، وفي الوقت نفسه سدّت المنافذ الرئيسية لهذه المنشآت.
ويقول مسؤول في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالحديث لوسائل الإعلام: "لا يمكن إنكار حجم الضرر الكبير الذي لحق بهذه المنشآت الثلاث، فقد استطاعت الهجمات الأمريكية استهداف طبقات الصخور الواقية في منشأتي نطنز وفوردو، ووصلت إلى قاعات أجهزة الطرد المركزي المتقدمة الموجودة هناك".
وأضاف المصدر قائلاً: "في نطنز تم تدمير النظام الكهربائي للمنشأة وحتى مولدات الطوارئ، كما تم استهداف الكثير من أجهزة الطرد المركزي"، فيما تحفّظ المصدر على الإفصاح عن عدد أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي تم تدميرها في هذه الهجمات.
وفي الوقت نفسه، قلّل المسؤول بمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية من حجم الضرر في منشأة أصفهان للأبحاث النووية، قائلاً: "الأضرار أغلبها سطحية، هناك بعض الأضرار في أجهزة توليد معدن اليورانيوم، ولكن من السهل العمل على إعادة بنائها مقارنة بالأضرار التي لحقت بفوردو ونطنز".
وأشار خبير أمني نووي إيراني، تحدّث لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إلى حجم الخسائر التي لحقت بعملية توليد معدن اليورانيوم في منشأة أصفهان، قائلاً: "في أصفهان تم تدمير منشأة كاملة لمعالجة معدن اليورانيوم، وهو مسألة أساسية لصنع السلاح النووي".
وأضاف الخبير الأمني النووي: "هذه المنشأة تم تدميرها بشكل كامل، ولن تنفع معها عمليات إعادة الإعمار، على الأرجح سيتم بناء منشأة أخرى جديدة، وهذا يستغرق المزيد من الوقت".
لكن المصدرين أكدا أن كميات اليورانيوم المخصب بنسبة عالية تصل إلى 60٪ قد تم نقلها قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو، وليس قبل الهجوم الأمريكي كما يُشاع.
وقال المسؤول بمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية لـ"عربي بوست": "قبل الهجوم الإسرائيلي كانت لدينا مخاوف من استهداف البرنامج النووي، بالإضافة إلى المناوشات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتم نقل كميات كبيرة من اليورانيوم إلى منشأة نووية غير متاحة للتفتيش الدولي بموجب الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015".
وتحفّظت المصادر التي تحدّثت إليها "عربي بوست" على الإفصاح عن المزيد من الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية الثلاث جراء الهجمات الأمريكية والإسرائيلية، لكنها أكدت أن حجم الضرر كان كبيراً، ولكن ليس مدمّراً بالكامل.
كم سيستغرق إعادة بناء البرنامج النووي الإيراني؟
يقول المسؤول بمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية لـ"عربي بوست": "صحيح أن حجم الأضرار كبير، وهناك منشآت متخصصة تم تدميرها، ولكن هناك قرار سياسي قوي من خامنئي والمسؤولين الإيرانيين بالبدء في إعادة بناء ما تضرر بأقصى سرعة".
وفيما يتعلق بالمدى الزمني الذي سيحتاجه البرنامج النووي الإيراني في عملية إعادة البناء، يقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست": "بوضوح، الهجمات الإسرائيلية والأمريكية قد عطلت قدرة البرنامج النووي الإيراني لمدة عام أو عامين، وهذا تقدير مبدئي، ومن الممكن أن تتقلص هذه الفترة أو تزيد".
وأضاف المصدر: "لكن لدينا ميزة مهمة، وهي أننا ما زلنا نحتفظ بكميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسب عالية".
وأشار الخبير الأمني النووي الإيراني إلى وجود خطورة في بعض المنشآت المتضررة من الهجمات الأمريكية، قائلاً: "لا أرغب في التحدث باستفاضة في هذا الأمر، ولكن هناك منشأة لتوليد معدن اليورانيوم في أصفهان يوجد بها خطورة كيميائية نتيجة للهجمات، إذا تم البدء في عملية إعادة بنائها وتشغيلها مرة أخرى".
وقال الخبير الأمني النووي الإيراني إن الاحتفاظ باليورانيوم المخصب بعيداً عن الهجمات التخريبية يساعد إيران أيضاً في تسريع عملية إعادة بناء برنامجها النووي مرة أخرى، لكنه لم يتوقع فترة زمنية معينة لإعادة البناء والتأهيل.
وأشار المصدر ذاته إلى مسألة هامة أخرى، وهي تأخير الهجمات الأمريكية لقدرة إيران على الحصول على سلاح نووي.
وقال لـ"عربي بوست": "من ناحية إعادة بناء المنشآت، سواء التي تحت الأرض أو فوقها، فهذه المسألة سيتم العمل بها بشكل سريع، ولدينا من الطاقة والموارد القدرة على إعادة البناء في أقل فترة زمنية متاحة، ولكن إذا كنا نتحدث عن مسألة حصول إيران على سلاح نووي، فهذه بالطبع مسألة قد تم إعاقتها بسبب الهجمات الأمريكية والإسرائيلية".
وأضاف الخبير الأمني النووي الإيراني قائلاً لـ"عربي بوست": "لا يمكن لأحد أن ينكر أن الهجمات العدوانية أعاقت الجدول الزمني المحتمل لحصول إيران على سلاح نووي رادع، ولكن من حسن الحظ أن هذه الهجمات لم تُدمّر العناصر الأساسية والهامة للحصول على سلاح نووي، وهي القدرة البشرية والفنية الهائلة التي تتمتع بها إيران، وباقي البنية التحتية النووية الإيرانية، سواء السرية أو المعلنة".
هل تريد طهران الحصول على سلاح نووي؟
في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد خروج الصراع بين إسرائيل وإيران من الظل إلى العلن، بدأ المسؤولون الإيرانيون في التحدث علانية عن إمكانية لجوء إيران إلى تصنيع سلاح نووي إذا تعرضت لخطر الهجمات الإسرائيلية، ولكنهم كانوا يؤكدون دائماً أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قد أصدر فتوى بتحريم صناعة سلاح نووي، وفي الوقت نفسه أشاروا إلى إمكانية عكس هذه الفتوى إذا شعرت إيران بالتهديد.
والآن، بعد أن خاضت إيران حرباً لـاثني عشر يوماً مع إسرائيل، وهاجمت الولايات المتحدة لأول مرة منشآتها النووية لإجبارها على التخلي عن برنامجها النووي بشكل كامل، زاد الحديث عن لجوء إيران إلى سلاح نووي كقوة رادعة أمام هذا العدوان.
يقول مصدر سياسي مقرّب من دوائر صنع القرار في طهران لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإسناد: "الأمر تخطّى كونه تهديداً، هناك رغبة قوية لتخطي الوقوف على العتبة النووية والاتجاه إلى صناعة سلاح نووي رادع".
على مرّ السنوات، كانت التيارات السياسية المتشددة في إيران تدعو إلى صناعة سلاح نووي كقوة رادعة، وزادت الحرب مع إسرائيل من تصلّب موقفهم، ولكن المثير للدهشة أن التيارات السياسية المعتدلة، والتي كانت تدعو إلى التفاوض مع الغرب وإثبات سلمية البرنامج النووي الإيراني، أصبحت تتحدث الآن عن نفس المسألة، وأن أهمية أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً كقوة رادعة أمام الهجمات الإسرائيلية المحتملة.
يقول مجيد مهاجراني، المحلل السياسي والذي يعمل في أحد مراكز الفكر المحسوبة على الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست": "الهجمات الأمريكية والإسرائيلية لم تُنهِ خطر التهديد النووي الإيراني، بل زادته، وزادت من حدته. هناك اتجاه قوي داخل مؤسسات القوة في إيران للحصول على سلاح نووي لحماية النظام الإيراني من أي عدوان".
وأضاف مهاجراني قائلاً: "في الماضي، كانت إيران تحاول إثبات سلمية برنامجها النووي وإثبات عدم رغبتها في الحصول على سلاح نووي، وكانت الأصوات الداخلية التي تدعو لتصنيع سلاح نووي تُهاجَم من قبل كبار القادة في إيران، لكن الآن أصبحت مسألة الحصول على سلاح نووي مطروحة بشدة في أي مناقشات تخص حماية الأمن القومي الإيراني".
إلى أين يسير البرنامج النووي الإيراني؟
في 25 يونيو/حزيران، أقرّ البرلمان الإيراني بأغلبية ساحقة قانوناً يعلّق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشترطاً موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني للسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول إيران.
بعد الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، اتهم المسؤولون الإيرانيون الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمساعدة في هذه الهجمات عن طريق تبادل المعلومات عن المنشآت النووية الإيرانية مع واشنطن وتل أبيب. وعلى الرغم من إدانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية للهجمات الأمريكية والإسرائيلية على المنشآت النووية، إلا أن هذه الإدانة كانت أقل من ما يتوقعه المسؤولون الإيرانيون.
ويعلّق الباحث السياسي الإيراني مجيد مهاجراني على هذه المسألة قائلاً: "دائماً ما كان هناك تيار في إيران يدعو لوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكانوا يفسّرون ذلك بأن مفتشي الوكالة يتعاملون سراً مع إسرائيل للكشف عن معلومات عن المنشآت النووية الإيرانية، وما حدث في الفترة الأخيرة دعم شكوكهم، حتى وإن كانت غير صحيحة".
وأضاف مهاجراني لـ"عربي بوست": "في وقت ما ستدرك واشنطن حجم الخطأ الذي ارتكبته بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، لأن أخطر تداعيات هذه الهجمات سيكون العمل على سرّية البرنامج النووي الإيراني. فإذا قررت القيادة الإيرانية الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهي مسألة تتم مناقشتها بجدية هذه الأيام في إيران، فسيفقد المجتمع الدولي تماماً الرقابة على البرنامج النووي الإيراني".
وفي السياق نفسه، قال خبير الأمن النووي المقيم في طهران لـ"عربي بوست": "ستقوم إيران بإعادة بناء برنامجها النووي، حتى وإن استغرق ذلك عدة سنوات، لكنه في ظل التهديدات الحالية والمستقبلية سيكون برنامجاً أكثر كفاءة وخبرة".
وأوضح المتحدث: "الهجمات الإسرائيلية والأمريكية ستوفّر فرصة ذهبية للمسؤولين والعلماء النوويين لتطوير البرنامج النووي، والعمل على إعادة التكيّف والاستغلال الأمثل للموارد المحلية المتاحة لاستعادة بناء البرنامج النووي، وكل هذه الأمور تساعد في تسريع عملية الحصول على سلاح نووي، إذا كانت هناك إرادة سياسية لهذا الأمر".