سلاح المقاومة الفتّاك في غزة.. تفاصيل 24 كميناً كلّفت الاحتلال ثمناً باهظاً، فهل تُجبره على وقف الحرب؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/25 الساعة 15:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/25 الساعة 15:55 بتوقيت غرينتش
نقل مصابين من الجنود خلال عمليات سابقة في غزة/ الأناضول

بينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يروّج لما وصفه بـ"الانتصار الساحق" على إيران، عقب مواجهة استمرت 12 يوماً تبادل خلالها الطرفان القصف بالصواريخ والمسيرات، كانت أخبار سيئة في طريقها إلى تل أبيب قادمة من قطاع غزة.

فقد سقط، الثلاثاء 24 يونيو/حزيران 2025، سبعة جنود دفعة واحدة في كمين أعدّته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أسفر عن احتراق جنود الاحتلال الإسرائيلي في ناقلة عسكرية، بعد فشل محاولات إنقاذهم بالجرافات والمروحيّات.

أيقظ الكمين بثمنه الباهظ الإسرائيليين على صباح دامٍ، حيث انتشرت خطابات التعازي، والدعوات لوقف الاستنزاف الجاري في غزة، وزادت المطالبات بوقف الحرب هناك، لإبرام صفقة تبادل تعيد الأسرى المحتجزين في القطاع.

وطالب إسرائيليون بطي صفحة العدوان المستمر منذ 628 يوماً متواصلاً، شهد عشرات الكمائن الدامية التي كشفت عن عقلية عسكرية متقدمة للمقاومة، وخبرات متراكمة لها، وتحويل جنود الاحتلال إلى "بط في مرمى الصيد".

مقاوم واحد يحرق ناقلة مدرعة ويقتل سبعة من الجنود

وقع الكمين بعد ظهر الثلاثاء في منطقة جورت اللوت جنوب غرب مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، وتمثّل في احتراق ناقلة جند مدرعة تابعة لقوات الهندسة، اقترب مقاوم منها، وألصق بها عبوة ناسفة من طراز "شواظ"، وتم تفجيرها داخل قمرة القيادة، مما أدى إلى اشتعالها.

وهرعت قوات الإطفاء العسكرية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي إلى موقع الحادث، وبذلت جهوداً لإخماد النيران فيها، كما تم استقدام جرافة من طراز "دي 9″، لسكب الرمل عليها في محاولة لإخمادها، إلا أن جميع الجهود باءت بالفشل.

على الفور، قرر الجيش سحب الناقلة المدرعة من طراز "بوما"، المخصصة لمهام هندسية، خارج القطاع، إلى داخل مستوطنات الغلاف، لمواصلة جهود إخماد الحريق، والجنود السبعة لا يزالون بداخلها، ورغم إرسال قوات الإنقاذ والمروحيات إلى موقع الحادث، لم ينجُ أحد منهم، وقُتلوا جميعاً بفعل التفجير والحريق.

واستغرقت عملية التعرف على هويات القتلى ساعات طويلة، مع العلم أن القتلى كانوا من بين فريق القتال المشترك من الكتيبة 605 ومن اللواء 188 التابع للفرقة 36.

بالتزامن مع هذا الكمين، تعرّضت قوة مُتوغِّلة لقذائف مضادة للدبابات، وفور وصول قوة النجدة لانتشال المصابين، تعرضت هي الأخرى للاستهداف، مما أسفر عن احتراق آليات.

وذكرت كتائب "القسام" أن مجاهديها نفّذوا كميناً مُركّباً استهدف قوة تحصّنت داخل أحد المنازل بقذيفتي "ياسين 105" و"آر بي جي"، وأوقعوا جنودها بين قتيل وجريح، ثم استهدفوا المبنى بالأسلحة الرشاشة في منطقة "الترخيص القديم" جنوب خانيونس، كما استهدفوا دبابة "ميركافاه" بعبوة "شواظ" وقذيفة "ياسين 105".

بعد مرور ساعات على الهجوم، يفحص الجيش فرضية أن تكون "الكارثة" ناجمة عن صاروخ "آر بي جي" مضاد للدبابات أُطلق من مسافة قريبة على الناقلة، وليس عبوة ناسفة تم إلصاقها بها، لأن الناقلة لا تحتوي على حماية نشطة، وأنظمة واقية، على غرار ناقلات "نمر" الأكثر حماية.

واعتبر جيش الاحتلال هذا الكمين "الكارثة" الأخطر على جنوده في القطاع منذ أكثر من عام، وتحديداً منذ 15 يونيو/حزيران 2024، عندما قتل المقاومون ثمانية جنود في رفح، عندما أصاب صاروخ مضاد للدبابات ناقلة مدرعة هندسية من طراز "نمر".

جيش الاحتلال في قطاع غزة / الأناضول
جيش الاحتلال في قطاع غزة / الأناضول

غضب وتحذير من استنزاف الجيش في وحل قطاع غزة

فور انتشار خبر الكمين وسقوط هذا العدد الكبير من الجنود القتلى من جيش الاحتلال الإسرائيلي، بدأت ردود الفعل الإسرائيلية:

  • سرائيل كاتس، وزير الحرب، أعرب عن حزنه لسقوطهم خلال مهمتهم للدفاع عن الدولة واستعادة الرهائن من غزة، قائلاً: "نحن نمرّ في أصعب الأوقات".
  • إسحاق هرتسوغ، رئيس الدولة، اعترف بأن وضع المعارك في غزة صعب، والعبء لا يُطاق.
  • رئيس اللجنة المالية في الكنيست، موشيه غافني، من حزب "يهودوت هاتوراة" للمتدينين، أدان بشدة استمرار القتال في غزة، قائلاً: "لا أفهم أهداف الحرب، لا أفهم حتى هذه اللحظة ما الذي نقاتل من أجله، ولأي غرض. ماذا سنفعل هناك، والجنود يُقتلون باستمرار؟ لقد توقعت أن تبادر القيادة لإنهاء القتال، وتُعيد المخطوفين، ونعود للوضع الطبيعي".
  • المتحدث باسم الجيش، إيفي ديفرين، اعترف قائلاً: "استيقظنا على صباح صعب ومؤلم للشعب الإسرائيلي بأكمله، نحن أمام حدث معقّد، وسيتم التحقيق فيه، وعرض نتائج التحقيق أولاً على العائلات، ثم على الجمهور"، مؤكداً أن كل محاولات إنقاذ الجنود فشلت، وسيتم التحقيق في هذا التقصير، "لقد حاولنا إنقاذهم، ولكن دون جدوى، حماس تستخدم أسلوب حرب العصابات في التعامل مع المتفجرات".
  • عائلات الجنود القتلى صبّوا جام غضبهم على الجيش والحكومة، وأكدوا أن "أبناءهم أبلغوهم في رسائل سابقة أنهم منهكون من ضغوط الحرب، التي طالت أكثر من اللازم، وأهدافها تتلاشى، ولا تنتهي أبداً. نحن غاضبون جداً، كيف يسمح الجيش لجنوده بقيادة مركبة مستعملة وقديمة؟ هذا أمر مُثير للغضب، لم نعد نملك القوة لتحمل هذه الحروب، كم سيُقتلون بعد؟ كم عائلة ستفقد أغلى ما لديها؟ نحن نبكي، ونشعر بالصدمة".
  • مجلس إدارة كيبوتس "نير عوز"، التي يقطن فيها بعض الجنود القتلى، دعا إلى وقف الحرب، وإعادة المختطفين من أسر حماس. "في هذا الصباح العصيب، ندعو الحكومة بصوتٍ عالٍ: كفى حرباً دموية، كفى تعذيباً للمختطفين. كفى إرهاقاً وموتاً للجنود، كفى شعارات جوفاء. أي نصرٍ آخر تسعى لتحقيقه؟ أي نصرٍ سيكون هنا بينما لا يزال خمسون مختطفاً يرزحون في الأسر، بينما تستمر العائلات في فقدان أبنائها، ويستمر قتل الجنود؟ نحن نتساءل: كيف لأسبوع بدأ بإنجاز مُدوٍّ في إيران، أن يستمر بخسارة فادحة لـ7 جنود في غزة؟".
  • تسيفي يحزكيلي، مراسل الشؤون العربية في قناة i24، والذي دأب على دعم استمرار الحرب في غزة، زعم بعد هذه الخسارة أن "كل اتفاق يقترحه ترامب سيكون جيداً، ماذا يمكننا أن نفعل غير ذلك؟ هل يجب السماح بمقتل أبنائنا في غزة؟ يجب الانتهاء من هذا الشيء".
  • الصحفي إيال بركوفيتش، تساءل: "كيف يعقد نتنياهو مؤتمراً صحفياً قبل ساعات، ويعلن خلاله الانتصار على الأعداء، وهو يعرف بأن هناك سبعة جنود قُتلوا في غزة؟".

إطالة أمد الحرب دفعت الجيش لاستخدام مركبات قديمة

لسنوات عديدة، اعتقدت هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال أنه لن تكون هناك حاجة لوحدات مدرعة وهندسية في ساحة المعركة المستقبلية. وجاء إنتاج دبابة "ميركافا" أو ناقلة الجنود المدرعة "نمر" مكلفاً جداً، لكن كمين خانيونس الحالي كشف العكس تماماً.

وكشف الكمين أن الجنود الذين يقومون بالجزء الأكبر من العمليات في غزة هم مهندسو القتال والمدرعات، أي رأس الحربة.

فيما ظهر الجنرالات، الذين لم تكن لديهم فكرة عن كيفية الاستعداد ضد غزة، "مكفوفين"، وما زالوا يعانون من ضعف البصر فيما يتصل بحقيقة القتال فيها، لأن الجنود يقومون بالمناورة في مركبة مدرعة هندسية تم إنتاجها في مكان ما في الخمسينيات أو الستينيات من القرن الماضي، قاتلت في حربي 1956 و1967، لكنها لم تعد قادرة على مواجهة تحديات الحرب المعاصرة.

أوساط عسكرية أكدت أن الناقلة "بوما" التي وقعت في الكمين هي دبابة قديمة، وحمايتها أقل تقدماً، ويبلغ عمرها خمسين عاماً، لكنها تعتبر موثوقة، مع أنها لا تحتوي على نظام الحماية النشطة مثل نظيراتها الحديثة.

وقد عانت من كوارث طوال الحرب في غزة، لكنها خضعت للتحسينات، ويتم استخدامها في مجموعة متنوعة من المهام الهندسية، بما فيها اختراق العوائق، واستخراج المركبات المدرعة الأخرى، وحمل البضائع.

وأوضحت أنه خلال القتال الطويل في غزة، تعرضت ناقلات الجند المدرعة للإصابة والاشتعال أكثر من مرة، وخضعت لبعض التحسينات في حمايتها، لكنها لم تصل لمستوى الناقلة "نمر"، النسخة الأحدث والأكثر تطوراً، وتحتوي على منظومة حماية نشطة من نوع "سترة الرياح".

أسفر ازدياد استهداف المقاومة لهذه الناقلات عن محاولة الجيش استبدال أسطول ناقلات "بوما" بـ"نمر"، على الأقل لجميع كتائب الهندسة القتالية النظامية، ولكن بسبب معدلات الإنتاج المحدودة، فلا يزال الجنود يستخدمون الناقلة القديمة، وكذلك كتائب الهندسة الاحتياطية على الخطوط الأمامية والأكثر خطورة في غزة.

وطرح الإسرائيليون أسئلة عملياتية عما تفعله مركبة قتالية مدرعة قديمة في منطقة تُعرف بأنها "جوهر القتال" مع كتائب حماس التي أعادت بناء قوتها في المنطقة، مما كشف مرة أخرى عن الثغرات في قدرة الجيش على توفير وسائل مدرعة متطورة لجميع قواته المقاتلة، لا سيما أن ناقلة "نمر" المتطورة، وهي المعيار التشغيلي الجديد لفرقة الهندسة، لا تزال غير متوفرة في جميع الألوية والوحدات العسكرية.

نزيف جيش الاحتلال مستمر والخسائر تتوالى

تكشف هذه الكمائن، منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر 2023، عن سقوط 879 جندياً، حيث تعرضت عدة ناقلات جند مدرعة للحرق أو لأضرار بالغة، وفي أغلب الحالات، هرب الجنود منها قبل أن تُعرضهم لإصابات خطيرة.

لكن الكمين الحالي وقع بينما كانت تشنّ قوات الجيش هجوماً جديداً خلال اليومين الماضيين لتدمير المباني وتحديد مواقع الأنفاق في خانيونس.

وتزامن وقوع هذه الكمائن مع انسحاب قوات كبيرة من الجيش من غزة خلال الأسبوعين الماضيين، منذ اندلاع الحرب مع إيران، لتعزيز مسارح عمليات أخرى في الضفة الغربية والحدود الشمالية، حيث زادت الاشتباكات التي بدأها المقاومون، وأسفرت عن خسائر بشرية يومية تقريباً في مناطق العمليات القليلة في القطاع.

آفي أشكنازي، محرر الشؤون العسكرية في صحيفة "معاريف"، أكد أن "خسارة اليوم تزيد من دهشة العالم مما فعلته إسرائيل في إيران، وما فشلت في فعله في غزة، لأننا بعد 628 يوماً، و1905 قتلى، و50 مختطفاً، فإن إدارة الحرب فيها تشكل فشلاً ذريعاً".

وأوضح أشكنازي: "لا توجد أهداف واضحة، والجيش غير مستعد لحرب طويلة، وإسرائيل تغرق في الوحل بدلاً من الفوز، لقد حان الوقت لنقولها بصوت عالٍ وبوضوح: إن إسرائيل في غزة لا تنتصر، بل تغرق فيها. الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن ليس هدف الحرب، بل مجرد أمنيات".

ودفع جيش الاحتلال أثماناً باهظة في الأيام الأخيرة، حيث قُتل عشرون جندياً منذ بداية الشهر فقط في غزة، بهدف تحقيق شعار "النصر الكامل" الذي حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بيعه لهم في يناير 2024، شعار زائف أصبح اليوم خالياً تماماً من أي أساس في الواقع، لأن الجيش لم يصل مستعداً للحملة في غزة.

ورغم أنه تفاجأ في هجوم السابع من أكتوبر، فإنه ظهر أيضاً غير مستعد لحرب طويلة تستمر عامين، خاصة في مواجهة قدرات حماس، وأنفاقها، وتحصيناتها تحت الأرض، والفلسطينيين الذين يدعمونها في غزة.

وأكد أن الجيش احتلّ أجزاء من غزة عدة مرات أثناء الحرب، ودفع خلالها أثماناً بشرية باهظة: في جباليا، يقاتلون من أجل احتلالها للمرة الرابعة؛ تم الاستيلاء على خانيونس للمرة الثانية؛ يتم تطهير رفح للمرة الثانية والثالثة، وبعد أن كان يدير خمس فرق في غزة، فإنه الآن، بسبب الحرب مع إيران، تم تقليصها إلى أربع.

وفي غضون أيام قليلة، سيصل جنود الاحتياط إلى غزة للمشاركة في جولة رابعة أو خامسة من القتال، مما يسفر عن تآكل شديد في معداته، ونقص في الوحدات والجنود، كما يفتقر إلى كتيبتين للهندسة القتالية.

تسبب الكمين وخسائره الباهظة في صدور تقييمات سلبية من هيئة أركان الجيش، وتحذيرات ميدانية بشأن بطء وتيرة القتال في غزة، مما يصب بشكل متزايد في مصلحة حماس، مع أن التوقعات قضت بتعزيز التحرك الواسع والكبير ضدها، الأمر الذي من شأنه الضغط عليها في المفاوضات، وتتضمن التحركات الاستيلاء على الأراضي، واحتلالها، وتطهيرها من المسلحين، بوتيرة عالية، ونشر قوات كبيرة.

لكن من الناحية العملية، وبسبب الحرب مع إيران، وتشتيت الانتباه بين الساحات السبع المختلفة: غزة، لبنان، سوريا، الضفة الغربية، حدود الأردن، اليمن، والعراق، أصبحت وتيرة القتال بطيئة، وتم نقل بعض القوات العاملة في القطاع إلى قطاعات أخرى.

ضباط كبار زاروا ميدان القتال في غزة في الأيام الأخيرة اعترفوا بأن الوضع الذي يجد الجيش نفسه فيه يلعب لصالح حماس، رغم تجنيد عدد من ألوية الاحتياط، في ضوء أن وتيرة القتال في القطاع تُعرّض الجنود للخطر.

وتزامن الكمين مع عمل الفرقة 36 بمناورات برية منذ عدة أسابيع في خانيونس ضمن عملية "عربات غدعون"، وهي المناورة الثانية فيها منذ بدء الحرب، حيث عملت المجموعة القتالية للواء 188، وتتحرك باتجاه منطقة المعسكر، وسط تحدٍ لا تُخفيه كتائب القسام.

وفي الأسابيع الأخيرة، اعترف الجيش بأنه يواجه حرباً ضد قواته، وتحاول المقاومة إلحاق الأذى بالجنود، من خلال ربط العبوات الناسفة بالمركبات العسكرية، وإطلاق الصواريخ المضادة للدبابات، وعمليات القنص، حيث رصد الجيش مؤخراً ظاهرة استخدام متزايد للعبوات الناسفة في غزة.

ويستغل المقاومون البنية التحتية المتبقية في القطاع تحت الأرض، وأجزاء من المباني المدمرة كغطاء لتنقلاتهم، ويستغلون نقاط الضعف لمهاجمة قوات الاحتلال، التي تواجه صعوبة في مواجهتهم.

عناصر من جيش الاحتلال في قطاع غزة/ رويترز
عناصر من جيش الاحتلال في قطاع غزة/ رويترز

"كارثة" خانيونس حفّزت الدعوات لوقف الحرب

الجنرال عاموس جلعاد، الرئيس السابق للقسم الأمني والسياسي بوزارة الحرب، ومدير معهد السياسة والاستراتيجية في جامعة رايخمان، أكد أن "وقوع مثل هذه الخسائر في صفوف الجيش يُعتبر كارثة مروعة، في المقابل لا يزال المختطفون في الجحيم، مما يجعل استعادتهم واجباً استراتيجياً، والمستوى السياسي هو من يقرر، أنا أنظر إليه، وليس إلى المستوى العسكري، هو المطالب بتقديم الإجابات. هل يمكن إطلاق سراح الرهائن أحياءً، وإعادة جميع القتلى في عملية عسكرية؟ الإجابة هي لا، هذا لن يحدث".

وأضاف: "في النهاية، الحل العملي الوحيد هو إنهاء الحرب. يجب اتخاذ قرارات صعبة، هذا دور القيادة. حرب غزة مستنقعٌ مُريع، ولا حاجة للخوض في تفاصيل ما يحدث مع الجنود، ولا داعي للاستمرار في التخبط في غزة، بلا هوادة".

وأكدت "فاجعة" خانيونس أن الجيش عالق في مستنقع غزة، مما يدفع إلى صدور أصوات في مجلس الوزراء تدعو إلى إنهاء الحرب ضد حماس في أسرع وقت ممكن، وإعادة المختطفين، لأن هذا الحادث أكد أن الحرب لا تؤدي إلى نتائجها المرجوة بعد عشرين شهراً، ومن دون نهاية في الأفق.

والسؤال الذي يتردد في الخلفية: كيف يمكن لجيش يتمتع بقدرات كبيرة على تدمير تهديد بعيد آلاف الكيلومترات في غضون أيام قليلة، أن يتأخر ويتورط في غزة القريبة والمحدودة؟

الجنرال إسحاق بريك، قائد الكليات العسكرية في الجيش، لم يتردد في وصف حادث خانيونس بأنه "انهيار للجيش البري"، لأن مقتل سبعة جنود دفعة واحدة في حرب ليس لها أي أمل بتحرير جميع الرهائن، يعني أنها حرب متعثرة، بقوات متهالكة وصغيرة، وغير قادرة على البقاء طويلاً في الأماكن التي احتلتها، وغير قادرة على الانتشار في مختلف أنحاء القطاع، وغير قادرة على تفجير مئات الكيلومترات من الأنفاق. والنتيجة الكارثية هي عدم القدرة على تحقيق أهداف الحرب: بهزيمة حماس، وإطلاق سراح الرهائن.

وانضمت عائلات الأسرى الإسرائيليين إلى معارضة الادعاء بأن الضغط العسكري يُفضي فعلياً إلى إطلاق سراحهم، لأن هذا مجرد كذبة محضة، وكل من يدّعي ذلك يُردد دعاية جهات سياسية. من غير المعقول أن تغرق إسرائيل في وحل غزة بعد الهجوم على إيران، لأن هذا يتعارض مع المصالح الإسرائيلية.

كيف أبدعت المقاومة في استغلال التضاريس الجغرافية

لم يكن كمين خانيونس الأول، ولن يكون الأخير، فقد تمثّلت استراتيجية المقاومة في تصديها للاجتياح البري للقطاع بنصب الكمائن للجنود بمجرد تقدّمهم في عمق الأحياء، بدلاً من شنّ هجوم مضاد فوري عليهم.

وتُظهر عشرات مقاطع الفيديو القتالية، التي نشرتها، مجموعات صغيرة من مقاتليها يخرجون من الأنفاق لإطلاق القذائف محلية الصنع على الدبابات وناقلات الجند القريبة، والاندفاع سيراً على الأقدام نحوها، وزرع الألغام أسفلها، وإطلاق النار والقذائف الصاروخية من المباني السكنية الخالية على الجنود ببنادق القنص.

كما دأب المقاتلون على الاقتراب من الدبابات بصورة مباشرة، وزرع عبوة ناسفة أسفلها، وتفجيرها على الفور، واستهداف قوة تحصّنت بأحد المنازل بقذيفة مضادة للأفراد، وإصابته بصورة مباشرة.

مما يؤكد أنهم استعدوا للمواجهة، ويعيد للأذهان التقارير التي تحدثت عن مضاعفة إنتاجهم من المتفجرات والصواريخ المضادة للدبابات تحضيراً لحرب برية، وأثبتت يوميات العدوان أنهم تلقوا تدريبات على وضع كاميرات في المنازل المفخخة لاستدراج الجنود وتفجيرها، وهو ما تكرر في العديد من الكمائن التي شهدتها مختلف المناطق، حيث عمدوا إلى تركيب كاميرات حتى يروا الجنود عندما يدخلونها، وحينها يفجّرونها بالعبوات الناسفة.

اليوم، وبعد ما يزيد عن ستمائة يوم على اندلاع الحرب، تواصل المقاومة تكتيكاتها القائمة على قنص الجنود وآلياتهم بمجموعات صغيرة العدد، ونصب كمائن على مستوى مجموعات أكبر، وتأكيد قدرتها على إعادة الانتشار، والتمركز من جديد في المناطق التي ينسحب منها الاحتلال. وستكون مهمتها الأساسية إدامة الاشتباك معه، رغم أنه مع استمرار الحرب، باتت تعاني تدريجياً تقلصاً في قدراتها الصاروخية.

وبات معلوماً أن كل كمين ناجح يقف خلفه جمع معلوماتي استخباراتي فعّال، يُمهّد الطريق لفهم تحرّكات الجيش، والتعرف على نقاط ضعفه، وأساليبه في الانتشار.

ولعل ما يعزز من فعالية جمع المعلومات أن المقاومة عالمة بالطبوغرافيا المكانية، التي غالباً ما تلعب لصالح أبناء الأرض، وتتيح لهم ميزة توظيف التضاريس الموجودة لتوجيه قوة الاحتلال إلى مناطق الكمائن الرخوة التي يتم استهدافه فيها.

ويمكن القول إن الكمائن في غزة هي مفتاح استراتيجية المقاومة، وغالباً ما تكون في أمكنة مرتفعة نسبياً أو متخفّية، تتيح إمكانية الرصد، ويتم توجيه حركة العدو عبر العوائق والمناورات المدروسة.

وتوزَّع المهام على المقاومين بحيث يُرصد للكمين أكثر من أداة ضرب، مثل الأسلحة الخفيفة والعبوات الناسفة الموزعة بهدف إيقاف قافلة الجيش عن الحركة، وقذائف "آر بي جي" لاصطياد الآليات، وأكثر من منطقة قتل، وأخيراً توفير ملاذ آمن للمقاومين "الصيادين" كي يتمكنوا من الانسحاب، وتأمين سلاحهم بعد تحقيق الهدف المرجو.

ولعل أخطر ما قيل في توصيف القتال الدائر في غزة ما جاء على لسان أحد الضباط، بقوله إن "مقاتلي حماس يخرجون من فوّهات الأنفاق كأشباح، يهاجمون مؤخرة الجيش، ثم يختفون، هم لا يختبئون، بل ينقضّون في المعارك، وينفذون عمليات انتحارية بكل ما تعني الكلمة".

وقال آخر: "حماس تتصرف مثل انتحاري يريد أن يجرّنا إلى صراع مسلح، وستكون الطرف الذي يحدّد إلى أي مدى تستمر العمليات".

أخطر كمائن الحرب وتوزيعها الجغرافي وخسائر الجيش

أجرى "عربي بوست" عملية رصد لأهم وأخطر كمائن المقاومة التي شهدها العدوان الإسرائيلي على غزة، ويمكن سردها على النحو التالي:

كمائن ديسمبر 2023:

  • كمين بيت لاهيا: استُهدفت قوة من الجيش خرجت من باب أحد المنازل، قبل أن يعاجلها المقاومون بقذيفة مضادة للأفراد، ثم اشتبكوا معها بالأسلحة الخفيفة من مسافة قريبة. وبعد انسحابها، استُهدفت قوة راجلة من خمسة جنود تحصنت بأحد المنازل بقذيفة "ياسين 105" المضادة للتحصينات، وتم الاشتباك معها، مما أدى إلى وقوع أفرادها بين قتيل وجريح.
  • كمين جحر الديك: بثت الكتائب شريط فيديو يظهر اقتحام مقاتليها خيمة للجيش، وظهرت جثة جندي ملقاة على الأرض، قبل أن ينزع أحدهم بندقيته من نوع "إم 16″، ويستولي عليها. كما يُظهر الشريط جانباً من المعركة التي قضى فيها المقاتلون على عشرة جنود، قبل أن يعودوا جميعاً بسلام. نُفذت العملية خلف خطوط التوغّل، رغم أن هذه المنطقة كانت من أولى المحاور التي بدأ فيها الغزو البري، وأقيمت فيها تمركزات عسكرية.
  • كمين الشجاعية: أوهمت الكتائب جيش الاحتلال بخلوّ المنطقة وانسحاب مقاتليها، قبل أن تهاجم فجأة، مستخدمة بنادق مطابقة لأسلحته، مما أوقع إرباكاً بين قواته. اعترف الجيش بمقتل عشرة جنود وضباط، بينهم عقيد وقائد فرقة، واصفاً الكمين بـ"الكارثي"، وأحد أسوأ المعارك التي وقعت منذ بدء الحرب.

العبوات الناسفة والاستدراج إلى الأنفاق وحقول الألغام:

  • كمين جباليا: جهزت الكتائب "منطقة مفخخة" في المخيم لجذب جنود فريق اللواء القتالي 261 باتجاه فتحة نفق. ضمّت المنطقة مكبرات صوت متصلة بدمى أطفال قرب بئر تؤدي لشبكة من الأنفاق، تصدر أصوات بكاء، وأحياناً باللغة العبرية. كما أنشأت مواقع مضادة للدبابات ومراكز مراقبة وساحة متفجرات لاستهداف الجنود.
  • كمين خانيونس: شكّل سقوط خمسة جنود وضباط من الكتيبة 8111 التابعة للواء الخامس شمال شرقي المدينة أحد أقسى الكمائن، مما يعني أن حماس تستغل نقاط ضعف الجيش في المناطق الريفية المفتوحة، وتجعل قواته فريسة سهلة للعبوات الناسفة.

كمائن يناير 2024:

  • كمين المغازي: صُعق الاحتلال بمقتل 21 جندياً، عقب تمركز المقاومين منذ أسابيع في مكان العملية رغم القصف، وأتتهم التعليمات بعدم التعامل مع القوات المتوغلة بانتظار هدف ثمين. وبعد أن ظنّ الجيش أن المنطقة أصبحت آمنة، أدخل قوات الهندسة، فتم رصدها واستهدافها بقذيفة مضادة للأفراد بعد مرورها فوق حقل ألغام.

كمين بيت حانون: حاصر المقاومون 16 من الجنود والضباط داخل منزل تحصّنوا به في البلدة، وسُمع من شريط فيديو بثّته وسائل إعلام إسرائيلية أصوات صراخهم وبكائهم، بعد إمطارهم بوابل من الرصاص، لكنهم اكتفوا بالانبطاح أرضاً والاختباء، ويظهر أحدهم مصاباً، ويصرخ: "لا أحتمل هذا، أنا أموت.. لا أشعر بيدي".

"كمين الأبرار" المزدوج في منطقة الزنة في أبريل 2024: وتقع المنطقة شرق مدينة خانيونس جنوب القطاع، وانتشرت لقطاته بشكل واسع في مواقع التواصل، وهو الأشد قسوة على الاحتلال، وشكّل نقطة الشرارة لانسحابه من المدينة كلها، لعدم قدرته على حسم المعركة العسكرية لصالحه، بل تكبّد الكثير من الخسائر بين صفوفه.

أظهرت المشاهد المقاومين يرسمون خطته على الورق، وتوزيع المهام بينهم، واختيار مناطق التفخيخ للإيقاع بالجنود، ونصب كاميرات مراقبة بين ركام المنازل، وزراعة ألغام وعبوات ناسفة لقتل الجنود بعد هروبهم، حيث سُمِع في اللقطات صراخ المصابين، عقب تفجير منزل مفخخ، بعد هروب قوة الاحتلال إليه، وقتل عدد آخر، واستهداف دبابتين، وتفجيرهما بقذيفتي "ياسين 105″، وتمكنوا من استهداف فصيل مشاة من لواء كوماندوز.

بعد وصول المدرعات، تم استهدافها بقذائف الياسين والعبوات المضادة للمدرعات، وإمطارهم بوابل من الرشاشات وبنادق القنص، مما أدى لإيقاع إصابات دقيقة فيهم، قتلت بعضهم، وأصابت آخرين.

تمثّل الكمين الثاني بمطاردة قوات النجدة من الاحتلال، التي فرّ جنودها من المكان، وتحصّنوا في أحد المنازل المحيطة بالكمين، فتمّ استهدافه بعبوة مضادة للأفراد، وقتل ثلاثة جنود، وتحوّلوا لأشلاء، وإصابة عدد آخر بجراح، دون تحرك الدبابات من مكانها أبداً بعد استهدافها، في إشارة إلى دقة الإصابة، وأثرها.

أتت المرحلة الأخيرة بتطهير مسرح العمليات من أي جنودٍ أحياء عبر مطاردة القوات الناجية، وتصفيتها، بنسف المباني التي تحصنوا بها، والقضاء على الآخرين بالرصاص، وتسبب الكمين بردود فعل واسعة داخل الاحتلال، وصلت ذروتها بصدور قرار بسحب قواته من خانيونس دون تحقيق أهدافه الأساسية.

العُقد القتالية، والظهور في المناطق التي يسيطر عليها الجيش

كمين حي الزيتون في مايو 2024: قتل عدداً من الجنود، عقب رصدهم يتحركون في الحي، قبل أن يُباغِتهم المقاتلون باستهدافهم، وتفجير عبوة بهم، مما دفعهم للهروب، والتحصن في أحد المباني، فاشتبكت مجموعة أخرى معهم، وأطلقت النار عليهم، ووسط محاولة هروبهم من المكان مجدداً، واستقدام دورية نجدة، باغتوهم بقذيفة مباشرة، مما أدى لمقتلهم.

جاء توقيت الكمين لافتاً لأنه أعقب مزاعم الاحتلال عن نجاحه بتفكيك قدرات كتائب القسام في المنطقة، مما دفع أوساطه للتشكيك به، واتهام الناطق العسكري بتقديم معلومات غير صحيحة.

كمين الشابورة في رفح في يونيو 2024: صحيح أن مشاهد هروب الجنود أمام المقاومين باتت مألوفة، لكن هذا الكمين وثّق مشهداً صدم جمهور الاحتلال قبل غيره، عقب مزاعمه مراراً وتكراراً عن تفكيك قدرات المقاومة، التي استخدمت في الكمين ذخائر اغتنمتها منه، وفجّرت بها دبابة بعد رصدها لعدة أيام.

يظهر في المقطع المصور للكمين مقاتلون يحفرون نفقاً من الصفر أسفل إحدى الغرف، ليصلوا إلى الموقع المحدد للكمين، الذي أسفر عن مقتل ضابط وثلاثة جنود، وأصاب سبعة آخرين، خمسة بجراح خطيرة، مما ترك ردود فعله السلبية في الشارع الإسرائيلي، ووصف أحدهم الهجوم بأنه يحكي القصة الإشكالية الكاملة للدولة بشكل عام، والجيش والمؤسسة الأمنية بشكل خاص، ويثبت أنه يجب التحقيق فيه.

كمائن أغسطس 2024

كمين الفراحين شرق خانيونس: تم بتفجير عبوة ناسفة في قوة راجلة، ومقتل وإصابة عناصرها، بعد رصدهم بكاميرات المنطقة، باستخدام عبوة "سجيل"، جرى تصنيعها خلال العدوان من مخلفات الصواريخ غير المنفجرة، وتحتوي على 750 شظية معدنية.

كمين البراء في بيت لاهيا: انتظر المقاومون ثمانية أشهر قدوم القوات لتنفيذه، وتُظهر اللقطات المنشورة تحضيرهم لموقعه في ديسمبر 2023، عبر زرع العبوات الناسفة والألغام، وانتظارهم في العقد القتالية لقدومها للإيقاع بها، فهاجموها بالقذائف الصاروخية، ثم فجروا عبوات ناسفة، قبل أن يستهدفوا القوة القادمة للنجدة للمرة الثالثة.

كمين مدرسة القرارة: أكد الجنود الناجون منه أنه بعد تلقيهم معلومات استخباراتية بوجود هدف ثمين في المكان، واحتمالية احتوائه على فتحات نفق، توجهوا هناك، حيث تعرضوا لنيران القناصة وقذائف "آر بي جي"، وخرج مسلح من النفق، واشتبك مع القوة، ثم جاء انفجار العبوة الناسفة ليكبدها خسائر باهظة في الأرواح.

أكد الكمين أن الجيش يواجه شكلاً جديداً من أشكال حرب العصابات، تسعى حماس من خلالها لتقليص الفجوة معه على صعيد القدرات النيرانية والاستخباراتية، مستغلةً قدراتها في كمائن العبوات الناسفة، وأفضليتها الدفاعية، وخبرتها في التضاريس المفتوحة، واستفادتها من فتحات الأنفاق.

كمين حي تل السلطان برفح في سبتمبر 2024: أسفر تفجير مبنى مفخخ عن مقتل أربعة جنود وإصابة خمسة آخرين، عقب تفخيخ منازل ومبانٍ بأكملها، مما عكس تطور تكتيكات المقاومة لمستوى جديد، باستهداف الجيش الذي يواجه تحديات غير مسبوقة بتحويل أحياء كاملة إلى مناطق مفخخة، ويكشف عن درجة جديدة من تعقيد عملياتها، وزاد مخاوفه بشأن سلامة قواته.

أشارت تقديرات الجيش إلى أنه تم تجهيز آلاف المباني كمصائد لجنوده؛ خصوصاً أن هذا الكمين جاء بعد أسبوع من مزاعمه بتفكيك لواء القسام في رفح، فيما لا تزال خلاياه تعمل في الميدان، بتنفيذ تكتيكات حرب العصابات، وتفخيخ المباني والأنفاق، وإطلاق قذائف "آر بي جي"، واستخدام كاميرات صغيرة مثبتة فيها لرصد دخول القوات، مما يسمح بتفجير العبوات عن بعد فور دخولها.

كمين جباليا في نوفمبر 2024: اعتُبر من أخطر "كمائن الموت"، وأسفر عن مقتل الرائد "إيتمار ليفين فريدمان"، قائد فريق في وحدة "لوتار" الخاصة، حيث نصب الجنود كميناً للمقاومين، لكن المفاجأة كانت وقوع القوة برمتها فيه، حيث دخلت وحدة النخبة للمنطقة لمساندة الفرقة 162، لكن قناصة القسام جهزوا كميناً للقوة المتسللة، وبعد دخولها في مرمى نيرانهم، أجهزوا على الضابط برصاصهم.

مع العلم أن الجيش بات يتبع أسلوب "الكمين على الكمين"، وفي ذات اليوم، وعقب هذا الكمين، قُتل أربعة جنود من لواء "كافير" في بيت لاهيا، بكمين آخر، بعد إطلاق قذيفة مضادة للدروع على منزل تحصنوا بداخله، مما أدى لمقتلهم على الفور.

الكمائن المركَّبة، وعمليات الرصد والتخفّي

كمين جباليا في ديسمبر 2024: نفذت الكتائب كميناً مثيراً ومحكماً ضد الجيش شرق المخيم، استهدف عربتين مُدرعتين بتفجير عبوتين "تلفزيونية وشواظ"، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود، ويظهر في التسجيل عمليات إجلاء واسعة لهم من مسرح الهجوم بمروحيات عسكرية.

كمين بيت حانون في يناير 2025: اعترفت أوساط الجيش أن طاقماً كاملاً من لواء "ناحال" قُضي عليه في هذا الكمين، الذي استهدف منزلاً تحصن فيه جنوده بقذيفة مضادة للتحصينات، أدت إلى انهياره على رؤوسهم، وبلغ عدد القتلى والجرحى 13 من أصل 17 كانوا جميعاً متواجدين فيه ضمن سياسة "تطهير" المباني في المنطقة.

وذكر أحد قادة الفرقة 252 التي دخلت البلدة أن "هناك عدداً لا يمكن تصوره من القتلى فيها، رغم ما تفرضه الرقابة العسكرية من تعتيم صارم على معظم الخسائر".

كمين "كسر السيف" في بيت حانون في أبريل 2025: وهو كمين مركّب نفذته الكتائب في شارع العودة شرق البلدة، وبدأ بإطلاق صاروخ موجه مضاد للدروع استهدف مركبة من نوع "ستورم" تتبع لقائدة سرية في كتيبة 414 التابعة لسلاح جمع المعلومات القتالية، مما أسفر عن إصابة ضابطة ومجندة بجروح خطيرة. كما تعرضت قوة إسناد بقيادة قائد لواء الشمال بفرقة غزة لانفجار عبوة ناسفة فور وصولها إلى موقع الكمين، ما أدى إلى مقتل جندي وإصابة آخر بجروح خطيرة.

أظهر تحقيق الجيش نفقاً جديداً غير مكتشف استخدمه المقاومون لتنفيذ الكمين، وأنشأوا طابقاً سفلياً مخفياً تحت النفق الأصلي، استخدموه في الرصد والتخفي والانطلاق لتنفيذه، والانسحاب لاحقاً، وأظهر قدرات تكتيكية متقدمة، تمكنوا عبرها من خداع وحدات الهندسة والاستخبارات.

كمائن مايو 2025

كمين "أسود المنطار" شرق الشجاعية: اشتبك مقاتلو القسام مع الجيش وآلياته، حيث رصدوا عدداً من الجنود خلال محاولتهم التسلل، فباغتوهم، واشتبكوا معهم من المسافة صفر، وقتلوا اثنين من كتيبة "أليماس" للمستعربين. وأرسل الجيش تعزيزات من موقعي "ناحال عوز" والجبل، فقطع المقاتلون الطريق عليهم، واستهدفوهم بشكل مباشر، وتم قنص أحدهم وهو فوق دبابته.

كمين العطاطرة في بيت لاهيا: نفذ المقاتلون كميناً مركباً استهدف قوة تتحصن داخل أحد المنازل، تم استهدافها بقذيفة "تي بي جي"، وأسفر عن عدد من القتلى والجرحى، كما استُهدفت دبابة "ميركافاه" بقذيفة "ياسين 105″، ودُمر برج جرافة من نوع "دي 9" بواسطة عبوة "صدمية"، وأُوقع طاقمها بين قتيل وجريح، كما تم تدمير آلية حفر عسكرية من نوع "باقر" في منطقة تل الزعتر شرق مخيم جباليا، بعبوة أرضية شديدة الانفجار، أدت إلى مقتل سائقها.

كمائن "حجارة داود": ردّت الكتائب على عملية "عربات غدعون" التي أطلقها الاحتلال بسلسلة كمائن في مناطق عدة، أسفر أحدها في خانيونس عن مقتل جندي وإصابة آخرين، بعد عمل القوات داخل مبنى من أربعة طوابق، وتم تفجير عبوة أدت إلى انهياره، وعملت قوات الإنقاذ لساعات طويلة لانتشال القتيل من بين الأنقاض.

رغم هذه الإجراءات، لم تُكتشف العبوة المُخبّأة، حيث صعد الجندي إلى الطابق الرابع، وهناك تم تفعيلها، وتسببت في انهياره، واحتجاز الجندي تحت الأنقاض. واعترف المتحدث باسم الجيش "آفي ديفرين" أن المسلحين خرجوا من فتحة نفق داخل مبنى مدمَّر، وزرعوا العبوات، وهذا نفق نشط يُستخدم لأغراض مسلحة.

صعوبة تعرّف الجيش على قتلاه من قوة التفجيرات

كمائن يونيو 2025

كمين جباليا: خاض المقاتلون اشتباكات ضارية مع الجيش شرق المخيم من المسافة صفر، في كمين مركب وصعب، استهدف عربة من طراز "هامر" بصاروخ مضاد للدروع، وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة اثنين آخرين، من كتيبة "روتم" التابعة للواء "غفعاتي".

في التفاصيل، رافقت قافلة من مركبات "هامر" سيارة إطفاء دخلت القطاع لإطفاء ناقلة جند من طراز "نمر" اشتعلت فيها النيران بسبب ارتفاع درجة حرارة المحرك، وأثناء عودتها رافقتها القافلة، وخلال سيرها في أحد المحاور، تم تفعيل عبوة ناسفة على مسارها.

وكانت جزءاً من حقل ألغام كبير، شمل عشرين عبوة مزروعة على امتداد الطريق، وقدر الجيش أن المقاومين خططوا لتفجيرها جميعاً في آن واحد، لإيقاع عدد كبير من القتلى خلال استهداف القافلة، لكن عبوة واحدة انفجرت فقط، أسفل المركبة، وعلى متنها جنود "غفعاتي".

كمين بني سهيلا شرق خانيونس: وقع في أول أيام عيد الأضحى، واعترف الجيش بمقتل أربعة جنود، وإصابة ضابط بجروح خطيرة، من وحدتي "ماغلان ويهلوم"، المتخصصتين بكشف الأنفاق، عقب دخولهم مبنى لتفتيشه بعد وصول معلومات بأنه يُستخدم من قبل حماس. وبعد دقائق من دخولهم، انفجرت عبوة ناسفة، أسفرت عن انهيار المبنى على رؤوسهم، ومقتلهم، حيث تواصلت عمليات انتشال القتلى من تحت الأنقاض ست ساعات.

كشفت التحقيقات الأولية أن القوة، قبل دخول المبنى، اتبعت كافة الخطوات اللازمة لضمان عدم وجود عبوات ناسفة فيه، كما هو معتاد، عبر طائرات مسيّرة وكلاب بوليسية، وجرافات وأدوات هندسية، وأسلحة تُسبّب ارتجاجات فيه لتفعيل أي عبوة ناسفة وتفجيرها، لكن كافة الإجراءات فشلت في الكشف عن العبوات.

ولعلّ قوة العبوة التي تم تفجيرها دفعت بوالدة الجندي "توم روتشتاين" الذي قُتل في الكمين، للاعتراف بأن "ابنها وكل طاقمه تبخروا من قوة الانفجار، ولم يُعثر على جثته، لم أحصل عليها، بل تم التعرف عليه من خلال فحص الحمض النووي DNA، لأنه تلقى معظم موجة الانفجار".

كمين الزنّة شرق خانيونس: تكوّن الكمين من عدة مراحل بدءاً بالتخطيط، ثم زرع عبوتين من نوع "شواظ" تم تفجيرهما في ناقلتي جند، تلاها ضرب آلية ثالثة بقذيفة من طراز "ياسين 105″، وقُتل في العملية ضابط وجندي، وأُصيب اثنان آخران. وشهدت العملية مطاردة مقاتل لناقلة جند "نمر"، وحاول فتحها للسيطرة على الجنود بداخلها، وأسرهم أو الإجهاز عليهم، ولم يكن يحمل سوى سلاح فردي.

جاء الكمين من النوع المركّب، باستهداف ناقلتي الجند في توقيت واحد بعبوتي "شواظ" حتى تضمن تدميرهما بشكل تام، ثم انتظار النجدات التي تأتي لنجدة من كان فيهما، ومهاجمتها.

تحميل المزيد