بينما كانت المواجهة تشتد بين إسرائيل وإيران قبل إعلان الرئيس الأمريكي عن اتفاق الطرفين على وقف إطلاق النار، كانت "معركة رقمية" على مواقع التواصل الاجتماعي قد نشبت بين نشطاء في الجزائر والمغرب، استُعملت فيها أسلحة البيانات المفبركة والأخبار الزائفة.
إذ انتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي بيانات رسمية مزيفة تحمل شعار المملكة المغربية أو الجمهورية الجزائرية، كان يسعى مروجوها للتأكيد على تورط البلدين في الحرب بين إسرائيل وإيران، إضافة إلى انتشار "أخبار كاذبة" نشرتها مواقع شبه رسمية معروفة بقربها من السلطات في البلدين.
ورغم أن "الحرب الرقمية" بين المغرب والجزائر ليست بالجديدة، إلا أنها تشتد كلما كان هناك حدث إقليمي أو عالمي، وهو ما يستعرضه هذا التقرير الذي يتطرق أيضاً إلى أهم الأخبار أو الوثائق الرسمية المزيفة التي لاقت انتشاراً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران وما صاحبه من تطورات.
مقتل جنود مغاربة في قاعدة عسكرية إسرائيلية
صباح الأحد 22 يونيو/حزيران 2025، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة زعم ناشروها أنها برقية سرية صادرة عن مكتب الاتصال المغربي في تل أبيب، تزعم مقتل ضابطين مغربيين وجرح ثالث إثر قصف صاروخي إيراني استهدف قاعدة "ميرون" العسكرية شمال إسرائيل.
وتزعم الوثيقة، التي كان من أوائل من نشرها موقع "بوابة الجزائر" (Algeria Gate)، أن هذا الوجود العسكري المغربي يأتي في سياق تعاون أمني سري بدأ بعد توقيع اتفاقيات أبراهام سنة 2020، متهمةً المملكة المغربية بالانحياز عسكرياً إلى المصالح الإسرائيلية في المنطقة، وخاصة في الحرب مع إيران.
وحسب الموقع الجزائري، فإن هؤلاء الجنود المغاربة شاركوا في عمليات مشتركة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً في إطار أنشطة استخباراتية مرتبطة بوحدة 8200، وهي الوحدة الإسرائيلية المتخصصة في الحرب السيبرانية في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
فيما قالت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية إن القوات الإيرانية استهدفت، الثلاثاء 18 يونيو/حزيران 2025، قاعدة "ميرون" الجوية شمالي إسرائيل بعدة صواريخ، بينما لم يصدر أي تعليق رسمي من تل أبيب أو المغرب بشأن وجود أو مقتل ضباط مغاربة في القاعدة الجوية.
🚨بالوثيقة.. لفيف مغربي في الجيش الإسرائيلي
— بوابة الجزائر – Algeria Gate (@algatedz) June 22, 2025
🚨مقتل إثنين من ضباط الجيش المغربي وإصابة ثالث بجروح خطيرة إثر قصف إيراني إستهدف قاعدة " ميرون " العسكرية شمال إسرائيل.
إليكم التفاصيل والحقائق الصادمة ! #إيران 🇮🇷 #المغرب 🇲🇦 #إسرائيل https://t.co/IHiAzyLI0o
وبالتدقيق في الوثيقة الدبلوماسية، التي لم يصدر أي تعليق رسمي مغربي بشأنها، يمكن رصد مجموعة من العناصر التي تؤكد أن الرسالة الصادرة عن مكتب الاتصال المغربي بتل أبيب "مزيفة"، وفق ما أكده مصدر دبلوماسي لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه.
إذ يتضمن المستند ختماً يحمل عبارة "SECRE" موضوعاً تحت النص المكتوب، وهو أمر غير ممكن تقنياً في المستندات الرسمية، إذ عادة ما تُطبع الأختام التصنيفية يدوياً بعد تحرير الوثيقة لضمان وضوحها ومصداقيتها.
كما أن طبيعة الخط المستخدم في كتابة هذه البرقية الدبلوماسية المزيفة، وفق ما ذكره المصدر الدبلوماسي، "لا تنسجم مع الأعراف المعتمدة في المراسلات الدبلوماسية المغربية، التي تخضع لتنسيقات محددة، لا سيما فيما يخص الترويسة والختم والتوقيع".
لكن رغم أن الوثيقة مزيفة، فإن ذلك لم يمنع من انتشارها بشكل واسع؛ حيث رصد "عربي بوست" أنه تم إعادة تغريد خبر الوثيقة على موقع "بوابة الجزائر" أكثر من ألف مرة، بالإضافة إلى عشرات آلاف التعليقات والإعجابات على منصة "إكس".
وعلى موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تم تداول الوثيقة في أكثر من 50 صفحة ومجموعة رسمية وشبه رسمية خلال 48 ساعة، من بينها صفحات شبه حكومية، وخاصة أو معروفة بقربها من السلطات في الجزائر ودول مغاربية أخرى، كما تبنت الوثيقة أيضاً صفحات عربية أخرى.
مقتل ضباط جزائريين في قصف إسرائيلي
قبل يومين من البرقية الدبلوماسية المغربية "المزورة"، انتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إخبارية مغربية تقارير تزعم مقتل عسكريين في إيران عقب قصف إسرائيلي، وهي تقارير تم تعزيزها برسالة يُعتقد أنها "مزورة"، منسوبة إلى سفارة الجزائر في العاصمة الإيرانية طهران.
الوثيقة، التي زعم ناشروها أنها مسربة من سفارة الجزائر في طهران، "تؤكد مقتل ضابطين جزائريين في منشأة عسكرية للحرس الثوري الإيراني خلال قصف إسرائيلي"، واستعرضت الوثيقة أسماء 4 ضباط جزائريين قالت إنهم "ضباط سامون قتلوا في قصف إسرائيلي على منشأة تابعة للحرس الثوري في محافظة كرمان جنوب شرق إيران".
موقع "هسبريس" المغربي الواسع الانتشار تطرّق بدوره إلى التقارير التي تحدثت عن مقتل 4 ضباط جزائريين، وكتب الموقع المعروف بقربه من السلطات المغربية: "تفتح هذه الواقعة باب التساؤل عن حدود التعاون العسكري بين الجزائر وطهران، لا سيما في ظل غياب أي إعلان رسمي عن وجود عسكري جزائري في إيران".
وبتحليل بسيط للوثيقة المزورة المنسوبة إلى سفارة الجزائر في طهران، نجد أنها صيغت بطريقة تبدو رسمية من حيث التنسيق، لكنها تحتوي على أخطاء تكشف زيفها، مثل وجود ختم إلكتروني غير معترف به، وتواريخ خالية من السياق، إضافة إلى نمط كتابة غير متوافق مع الوثائق الدبلوماسية الرسمية الجزائرية.
كما أنه، بالبحث في الصفحات التي نشرت ادعاءات مقتل ضباط جزائريين في إيران، تبيّن أنها تنشر محتوى داعماً لروايات الاحتلال الإسرائيلي وتروّج لأطروحاته، وأنها غالباً ما تنخرط في حملات تضليل واسعة باستخدام تقنيات الترويج الرقمي التي تعتمد على "التريند" والكلمات المفتاحية.
وحسب أستاذ الإعلام والاتصال الجزائري، حكيم بوغرارة، فإن الحديث عن ضبط ضباط جزائريين في إيران هو "حرب دعائية لبعض العواصم الشيطانية، لها أبعاد تحريضية ضد الجزائر، ويظهر أن المخزن والصهاينة والإمارات وراء هذه الأكاذيب للانتقام من الجزائر ومحاولة جر واشنطن لاستعدائها".
أخبار كاذبة وحملات مضللة بين الجزائر والمغرب
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وبعد اندلاع الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وحتى بعد إعلان وقف إطلاق النار في 24 يونيو/حزيران 2024، لم تهدأ "الحرب الرقمية" بين الجزائر والمغرب، وسط تبادل للاتهامات بالتورط، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في الحرب بين تل أبيب وطهران.
إذ ادعت حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي أن نحو أربعة آلاف جندي مغربي تم إرسالهم إلى قطاع غزة للقتال إلى جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي تقارير ثبت زيفها، ولم تكن سوى أخبار مضللة كان هدفها الإساءة إلى المغرب.
بل إن بعض المنشورات تحدثت عن مقتل جندي مغربي في نفق في قطاع غزة، خلال شهر مايو/أيار 2024، فيما ادعت حسابات أخرى أن الجندي كان يحمل الجنسية الجزائرية، وقامت صفحات، وحتى مواقع إخبارية، بنشر صورة للجندي القتيل.
لكن وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية نشرت الصورة من زاوية أخرى، وذكرت أنها لـ"أفراد من القوات المسلحة الملكية المغربية يشاركون في النسخة العشرين من مناورة الأسد الإفريقي العسكرية، في طانطان، جنوبي المغرب، يوم الجمعة 31 مايو 2024″.
وخلال شهر أغسطس/آب 2024، انتشرت وثيقة مزيفة منسوبة إلى وزارة الدفاع الوطني الجزائرية، ادعت وقوع دورية عسكرية جزائرية ضحية كمين مسلح نصبته قوات مجهولة الهوية في منطقة تقع على الحدود الجزائرية – المالية، ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود بعد سرقة أغراضهم وإضرام النار في سيارتهم.
ووفق البرقية المزيفة الموجهة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فقد "تعرض عناصر الدورية للاعتداء الجنسي واللفظي، وتم سلبهم مسدساً ورشاشين وهواتفهم من طرف مجموعة مسلحة مجهولة العدد والهوية، التي نصبت كميناً محكماً"، وثبت فيما بعد أن الوثيقة نفسها مزيفة.

كيف يواجه الجزائر والمغرب "الحرب الرقمية"؟
في مواجهة الحملات المضللة والأخبار الزائفة، غالباً ما يلتزم الجزائر والمغرب الصمت على المستوى الرسمي، فيما تُوكل مهمة الرد على تلك التقارير المزيفة إلى مواقع إخبارية معروفة بقربها من السلطات في البلدين، إضافة إلى صفحات وحسابات معروفة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وغالباً ما يتهم البلدان الطرف الآخر، بشكل غير رسمي، بشن حرب رقمية إعلامية عليه بهدف الإساءة، وهو ما تصاعد بشكل كبير خلال السنوات الخمس الأخيرة، في ظل توتر العلاقات بين البلدين، خاصة بعد إعلان التطبيع بين المغرب وإسرائيل.
وحسب أستاذ الإعلام والاتصال الجزائري، حكيم بوغرارة، فإن الاتهامات الموجهة إلى الجزائر تدخل في سياق تحالفات غير معلنة لقوى شرّ تقلقها مواقف الجزائر في مختلف الملفات والأزمات.
وأوضح بوغرارة، في تصريح لصحيفة "الخبر"، أن الجزائر "تعرف خلفيات القضايا وأسباب اندلاع الأزمات، وترفض الابتزاز والاختراقات والتدخلات الأجنبية لمصالح ضيقة، خصوصاً ما تعلق بجوارها أو امتدادها الإفريقي والعربي والمتوسطي، من خلال نظرتها الاستشرافية لتطورات القضايا والملفات".
بينما حذّر وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، من تصاعد حملات إعلامية رقمية ممنهجة تستهدف المس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية، وتغذيها جهات معادية من خلال تضليل الرأي العام عبر وسائل الإعلام الأجنبية وشبكات التواصل الاجتماعي.
وأوضح الوزير، خلال جلسة بالبرلمان، الإثنين 23 يونيو/حزيران 2025، أن وزارته بادرت إلى إحداث قسم خاص بالرصد والتحليل الإخباري، يعمل على تتبع مصادر الأخبار الزائفة والرد عليها بطريقة مدروسة، وذلك في إطار استراتيجية وطنية شاملة تقوم على رصد حملات التضليل والتفاعل معها وفق معايير احترافية دقيقة.
وأضاف الوزير أن الحكومة المغربية تتجه نحو إرساء منظومة يقظة ورصد إعلامي متكاملة، تقوم على تطوير أدوات التواصل العمومي، وتحديث المنصات الرقمية الرسمية، وفي مقدمتها البوابة الوطنية، التي تُعد مرجعاً للمعلومات الرسمية والمؤسساتية.
أخب