- الإنفاق العسكري يفاقم خسائر الاقتصاد الإسرائيلي
- تكاليف الدفاعات الجوية على حساب غذاء الإسرائيليين
- إغلاق سلاسل مراكز التسوق، وفراغ المتاجر من البضائع
- الشركات الصغيرة في طريقها للإفلاس
- صواريخ إيران وانهيار سوق العقارات في إسرائيل
- تخفيض التصنيف الائتماني وتراجع الإيرادات وتقليل الإنتاج
- استهداف مصافي النفط وتوقف الشحن البحري
- إغلاق المجال الجوي والفوضى تعمّ قطاع السياحة
تلقّى الاقتصاد الإسرائيلي ضربات متتالية منذ بدء العدوان على قطاع غزة عقب هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتكبّدت مختلف القطاعات خسائر فادحة كشفتها التقارير الرسمية والإعلامية المتخصصة في إسرائيل، ويتضح أن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي ستتواصل بعد أن قرر قادة الاحتلال بدء الحرب على إيران.
ومع دخول الحرب بين إسرائيل وإيران يومها الخامس، تتزايد المخاوف من تأثيراتها الاقتصادية المرتقبة، سواء على صعيد النفقات العسكرية المتزايدة بشكل عام، واستنزاف مقدّرات الدولة وميزانيتها المُرهقة أصلاً بسبب استمرار الحرب على غزة، أو على صعيد الإثقال على كاهل الإسرائيليين العاديين.
وبدأت تشهد الأسواق الإسرائيلية شحّاً في المواد الغذائية بسبب توقف الاستيراد، وإغلاق شبكة التسوق بسبب المخاطر الأمنية، فضلاً عن اقتراب قطاع الإنشاءات والبناء من الانهيار عقب سلسلة الانهيارات المتتالية للمباني التي استهدفتها الضربات الصاروخية الإيرانية.
فما الذي حدث للاقتصاد الإسرائيلي خلال 5 أيام من الحرب مع إيران؟ ولماذا تبدو السيناريوهات كارثية على اقتصاد تل أبيب في حال دخل الاحتلال في حرب استنزاف مع إيران؟
الإنفاق العسكري يفاقم خسائر الاقتصاد الإسرائيلي
أعلن وزير المالية الإسرائيلي بيتسلئيل سموتريتش أن الحكومة أنفقت 18.8 مليار شيكل (نحو 5 مليارات دولار أمريكي) على المجهود العسكري، منها تسعة مليارات شيكل ذهبت للشركات الصغيرة والمتناهية الصغر كتعويض غير مباشر عن تبعات الحرب، مشيراً إلى أن ميزانية الحرب بحاجة إلى الزيادة والنمو.
لكن الوزير الإسرائيلي كشف أنه عندما تم إقرار ميزانية 2025 "كنا نعلم أننا سنخوض حرباً مع إيران، فخصصنا ميزانية خاصة لمكتب رئيس الوزراء، ولذلك لم نتفاجأ، حيث حصلت المؤسسة العسكرية على الجزء الذي تحتاجه للاستعداد لما نشهده حالياً مع إيران، ولم يكن يعلم بالهجوم المتوقع على إيران سوى عدد قليل جداً من المسؤولين، لكن الجيش تلقى بعض الموارد للاستعداد لها، وهو يحتاج المزيد منها".
وفي الوقت الذي تزعم فيه الأوساط السياسية الإسرائيلية أن إزالة "التهديد" الإيراني من شأنه أن يقلل بشكل كبير من خسائر الاقتصاد الإسرائيلي بفضل زيادة الاستثمارات، والتحسّن الفوري في تصنيف ديونها، فإن محافل اقتصادية حذّرت من الدخول في حرب استنزاف مع إيران، في ظل استمرار العدوان على غزة.
وهو ما سيؤدي إلى زيادة الإنفاق العسكري، وقد يقود الدولة إلى نقطة انهيار خطيرة، وهو ما أكده أدريان بايلوت المحرر الاقتصادي في مجلة "كالكاليست" الاقتصادية، الذي اشترط البدء في إجراء التقييمات والتقديرات الاقتصادية للمواجهة العسكرية الجارية مع الأخذ بعين الاعتبار سيناريو إشكالي ينتظر الإسرائيليين.
ويتمثل التخوّف الإسرائيلي في الاستدراج إلى حرب استنزاف تُتقنها إيران، خاضتها سابقاً مع العراق، ما قد يسفر عن مزيد من التآكل للمناعة الاقتصادية الإسرائيلية، لأنها تتطلب زيادة الإنفاق العسكري على المدى الطويل، وارتفاع علاوة المخاطر، بل وتراكم العجز والديون، بالتزامن مع انخفاض الإيرادات الضريبية للدولة.
مع العلم أن الحكومة استنفدت بالفعل احتياطياتها بالكامل، خاصةً وأن هذه الحرب لم تكن مُدرجة في الميزانية، وإذا قُدّر لها أن تستغرق وقتاً طويلاً مثل حرب "السيوف الحديدية" في غزة، فإن السيناريو سيكون كارثياً على الإسرائيليين، سواء من حيث النمو، أو الاستثمارات، أو الأمور المالية.

تكاليف الدفاعات الجوية على حساب غذاء الإسرائيليين
الخبير الاقتصادي شلومو تيتلباوم أكد أن الحرب مع إيران ستؤثر بشكل كبير على ميزانيتي 2025 و2026، حيث سيرتفع الإنفاق العسكري، والتعويضات المباشرة وغير المباشرة عن الخسائر على الجبهة الداخلية، كما ستتأثر عائدات الضرائب والنمو بشدة، مع العلم أن لغة الأرقام تكشف أن تكلفة عشرات آلاف الجنود يومياً تصل إلى 600 مليون شيكل، وتستمر الدولة بدفع 300 شيكل يومياً لكل جندي احتياط.
في الوقت ذاته، فإن استمرار المواجهة مع إيران سيكون له المزيد من الآثار الاقتصادية التي لن تقتصر على استمرار انخفاض التصنيف الائتماني لإسرائيل فحسب، بل سيُعقّد قدرتها على جمع الديون في الأسواق الدولية، ويؤدي إلى خفض أكبر للإنفاق المدني.
ما يشكّل بالفعل تهديداً حقيقياً على المدى الطويل، خاصةً عندما يكون مستوى الإنفاق المدني في إسرائيل أقل بالفعل من المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنحو 3 إلى 4 نقاط مئوية، ما سيدفع الاقتصاد الإسرائيلي إلى نقطة هشّة وخطيرة، وصولاً إلى سيناريو الانهيار المالي.
الجنرال رام أميناخ المستشار المالي لقائد الجيش السابق، ورئيس قسم الميزانية بوزارة الحرب، كشف أن تكلفة الحرب مع إيران تضاعفت، والميزانية العسكرية ستصل إلى 200 مليار شيكل (نحو 57 مليار دولار) في 2025، وتقدير بأن تكلفتها المباشرة ارتفعت من 5.5 مليار شيكل إلى 9.5 مليار شيكل في الأيام الأخيرة.
ويعتمد الحساب على حقيقة أن كل صاروخ اعتراضي من طراز "حيتس 3" يكلف 10 ملايين شيكل، وأن الجيش تجاوز عتبة الألف قذيفة التي أُطلقت، دون أن تشمل هذه التكاليف الأضرار الهائلة التي لحقت بالممتلكات، ولا الأضرار غير المباشرة الناجمة عن فقدان الإنتاج وإغلاق الاقتصاد، وجميعها تصل تكلفتها الإجمالية إلى 100 مليون شيكل يومياً.
مع العلم أن التكلفة العسكرية تشمل ساعات الطيران والتسليح، حيث تُقدَّر تكلفة كل ساعة طيران للقوات الجوية بـ25 ألف دولار، أما الذخيرة فتصل إلى نصف مليون دولار للوحدة، واليوم تجاوزنا 1000 قطعة ذخيرة، مع أن التكلفة لا تشمل نشاط الجيش في غزة ومناطق أخرى لا ترتبط مباشرة بالحرب مع إيران، هذه مجرد إضافة، كما يقوم الجيش بعمليات شراء لا يمكن تفصيلها، لكن ما يمكن قوله إنها معدّات فريدة تتطلبها الحرب، فضلاً عن نفقات تشغيلية.
إغلاق سلاسل مراكز التسوق، وفراغ المتاجر من البضائع
من التأثيرات الاقتصادية المباشرة لاندلاع المواجهة مع إيران، ما شهدته مراكز التسوق الإسرائيلية من إغلاق فوري بسبب المخاطر الأمنية، حيث أرسل الرؤساء التنفيذيون لشركات توزيع المواد الغذائية التي تضم "كيريون، رمات أفيف مول، وغراند مول في بتاح تكفا، وغراند بي إس، وغيرها"، طلباً عاجلاً لوزير الاقتصاد نير بركات، للسماح للمتاجر بفتح أبوابها رغم قرار الجهات الأمنية.
لأن الجمهور يبحث عن البقاء في مراكز التسوق للتزود بما يحتاجه، لكن المشكلة أنها لا تحوز حماية كافية، وأصبحت المراكز مهجورة، رغم أنها تخدم أكثر من نصف مليون نسمة من الإسرائيليين، وفي ظل الظروف الحالية، سيكون مؤكداً وضع مئات آلاف العمال في إجازة بدون أجر.
وكلما طال أمد الوضع الأمني الحالي، ازداد الضرر الذي يلحق بسبل عيش عشرات آلاف العائلات، ما يعني أيضاً الإضرار بالقدرة على تحمّل تبعات الحرب، التي تُعدّ العمود الفقري للمجتمع الإسرائيلي، مع أن الحديث يدور عن سلاسل المطاعم، وشركات الأغذية، والمخابز، والصيدليات، والسلع الكهربائية، والنتيجة هي انخفاض حاد في الإيرادات.
وكشفت شركة "شيبا" المسؤولة عن نظام الدفع ببطاقات الخصم، عن انخفاض بنسبة 11.9% في الإنفاق العام على بطاقات الائتمان في إسرائيل مع انطلاق العدوان على إيران، بقيمة 1.319 مليار شيكل، قرابة 400 مليون دولار، فيما حصل انخفاض في طلبات الشراء عبر الإنترنت من الخارج بسبب عدم وجود رحلات تجارية لإسرائيل، وإغلاق المجال الجوي، ومعظم مكاتب البريد مغلقة.
أما على صعيد سلاسل البيع بالتجزئة، فقد حصلت زيادة في المبيعات بنحو 50% منذ اندلاع الحرب، لكن طوابير الإسرائيليين لا تزال طويلة، كما تواجه السلاسل صعوبة في تلبية الطلب على المياه في المنازل، ما دفعها للحصول على الإمدادات طوال اليوم، حتى لا يكون هناك نقص، والتأكد من سدّ الفجوات.
وفي بعض الأحيان تم إغلاق بعض المتاجر لأن أقسامها باتت فارغة من البضائع، مع ارتفاع الطلبات من المستهلكين، مع أن المنتج الأكثر صعوبة في الحفاظ على استمراريته هو المياه المعدنية، ويمكن لواحد من الرفوف التي تحتوي على 80 وحدة من ست عبوات من الماء أن ينفد في دقيقة واحدة بسبب ارتفاع حرارة الصيف.
الشركات الصغيرة في طريقها للإفلاس
بدا لافتاً النقص الواضح في سلعة الدجاج ومشتقاته، عقب تقليص أيام الذبح، كما بات صعباً الحصول عليها طازجة في المحلات، وسيستغرق الأمر بضعة أيام أخرى حتى يتمكن الجزارون من تصحيح الوضع، كما أن هناك نقصاً في الحليب لأن البضائع وصلت بكميات قليلة، وما يكون متاحاً في الصباح يتم شراؤه بالفعل، مع أن سبب زيادة الطلب الكبير على المواد الغذائية هو جلوس الإسرائيليين في منازلهم طوال اليوم.
وفيما تراجعت أعداد العمال بسبب خوفهم من الوضع الأمني، فقد ازداد ازدحام الفروع التجارية، فيما ارتفع معدل دوران المنتجات على الرفوف، وظهر تخوف بين المستهلكين من توجه بعض السلاسل التجارية لاستغلال الوضع، ورفع الأسعار.
كشفت المعطيات الاقتصادية أن الحرب الدائرة مع إيران تركت تأثيراتها على إنفاق الإسرائيليين، وانخفاض الإنفاق العام بنسبة 11.9%، فيما زاد الإنفاق على الغذاء بنسبة 55%، وتسجيل ارتفاع بنسبة 13.8% في حجم الإنفاق العام على المعاملات الإلكترونية، ليصل إلى 588.85 مليون شيكل.
تتوافق المحافل الاقتصادية الإسرائيلية على أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تقف بسبب الحرب مع إيران على مفترق طرق حاسم، في ظل ما تواجهه من سلسلة تحديات غير مسبوقة وتغيرات طارئة عليها غير متوقعة، أهمها نقص الموظفين الذين توجهوا للانخراط في جيش الاحتياط، ومشاكل التدفق والائتمان، وانخفاض الطلب، والصعوبات اللوجستية مع الموردين والموزعين.

صواريخ إيران وانهيار سوق العقارات في إسرائيل
أثبتت الصواريخ الإيرانية أن الأبراج السكنية الجديدة في تل أبيب وضواحيها، خاصة "بات يام، ريشون ليتسيون، رحوفوت، بيتاح تكفا، رامات غان، وبني براك"، تعرضت لأضرار كبيرة من جراء الإصابة المباشرة.
ويبقى القلق الأكبر لدى الإسرائيليين هو العيش في مبنى قديم، خاصة ما يُعتبر خطيراً، ومُعرّضاً للانهيار، وبحسب أحدث تقرير لمراقب الدولة، يوجد في إسرائيل خمسة آلاف منها، فيما تشير تقديرات جمعية المقاولين والبنّائين إلى وجود 1.67 مليون شقة غير محمية، من أصل 2.96 مليون شقة، بنسبة 56% من شقق الدولة، يعني أكثر من نصفها.
كشف متتياهو إنغلمان، مراقب عام الدولة، أن الحرب الجارية كشفت عن فجوات خطيرة في حماية المباني السكنية، رغم المراسلات التي بعث بها لرئيس الوزراء وقيادة الجبهة الداخلية ووزير الأمن القومي، لأن الفجوات الكبيرة للغاية تحرم ملايين الإسرائيليين من إجراءات الحماية، بما في ذلك الملاجئ العامة.
وهو ما اعترف به نير شمول، الرئيس التنفيذي لشركة التطوير والتجديد الحضري، الذي كشف أن الصواريخ الإيرانية أظهرت مشاعر قوية من الخوف والصدمة الوجودية على سكان هذه الشقق.
هذا التوصيف اتفق معه ييغال غوفرين، رئيس جمعية مهندسي الإنشاءات المدنية والبنية التحتية، بالقول إن الدولة التي تواجه على مر السنين مشاكل في تقوية المباني، أصبحت الحاجة لحمايتها بعد الهجمات الإيرانية أكثر إلحاحاً، خاصةً المباني الشاهقة، لأن هذه الصواريخ أثبتت أنه حتى الأبراج الجديدة تتعرض لأضرار كبيرة جراء الإصابة المباشرة، فكيف الحال مع المباني القديمة المتداعية المعرّضة للانهيار، لأن آخر تقرير لمراقب الدولة كشف عن وجود خمسة آلاف مبنى مصنفة بأنها خطيرة، وقد تنهار على ساكنيها.
ليئال كيزر، محررة الشؤون الاقتصادية في قناة "كان"، كشفت أن 1500 منزل وشقة في إسرائيل تضررت خلال أربعة أيام فقط من الحرب مع إيران، وكتبت "نحن نتعرض لقصف قاتل، لم نشهد أضراراً من هذا النوع حتى خلال 619 يوماً من القتال في غزة، الأضرار جسيمة جداً، ليس فقط في الأرواح، بل في الممتلكات أيضاً، والتكاليف مرتفعة جداً تبعاً لذلك".
وأوضحت كيزر أن الأضرار التي لحقت فقط خلال يوم السبت 14 يونيو/حزيران، قُدّرت بمئات ملايين الشواقل، ومنذ ذلك الحين، تجاوزت التكاليف عتبة المليار شيكل، وإذا استمر الأمر على هذا النحو، فيُتوقع أن تصل التكاليف إلى عشرة مليارات شيكل من الأضرار، دون احتساب احتمال استهداف منشآت بنية تحتية أو مواقع حيوية حساسة.
أسفرت الهجمات الإيرانية المميتة في الأيام الأخيرة عن دمار غير مسبوق، وآلاف الشقق المتضررة ومئات المباني معرضة لخطر الانهيار، فيما يحذر المقاولون من أزمة متصاعدة، قبل أن يتفاقم وضع الإسرائيليين، حيث تم تقديم عشرة آلاف طلب تعويض، حتى الآن فقط، لسلطة ضريبة الأملاك بسبب الأضرار الناجمة عن سقوط الصواريخ والشظايا، وتوقّع أن يقفز العدد إلى مستوى أعلى بكثير عقب الهجمات والدمار واسع النطاق.
دفع ذلك بهيئة الضرائب الإسرائيلية للاعتراف بأن البلاد أمام مستوى غير عادي من ضعف المباني من حيث النطاق والشدة، مع العلم أن الأضرار لم تقتصر على الشقق والمباني السكنية فحسب، بل طالت البنية التحتية العامة والمباني التعليمية والطرق ومئات المركبات التي احترقت أو تضررت بسبب الحطام والشظايا.
تخفيض التصنيف الائتماني وتراجع الإيرادات وتقليل الإنتاج
"عربي بوست" أجرى مسحاً شاملاً لأبرز التحذيرات الإسرائيلية الصادرة خلال الأيام الأخيرة منذ اندلاع العدوان على إيران، وأظهرت جميعها أنه يشكل تحديات اقتصادية كبيرة لإسرائيل، لأنه كلما استمرت الحرب لفترة أطول، تضرر النمو، وزاد العجز، وانخفض التصنيف الائتماني من قبل وكالات التصنيف الائتماني العالمية "ستاندرد آند بورز، فيتش، وموديز"، مع زيادة عجز الموازنة، والضغوط التضخمية، وانخفاض قدرة الحكومة على التحكم في إنفاقها.
إليكم أبرز ما نشرته وسائل الإعلام ومراكز البحث والجهات الاقتصادية الإسرائيلية حول تأثيرات الحرب السلبية:
- مودي شفرير، كبير الاستراتيجيين في بنك هبوعليم، أكد أن الحكومة ستضطر لتخصيص مبالغ إضافية كبيرة للميزانية العسكرية، فيما سيلحق الضرر بعائدات الضرائب بسبب الضرر اللاحق بالنشاط الاقتصادي، كما سيتواصل العجز في الميزانية الذي بلغ 5% من الناتج المحلي الإجمالي في مايو/أيار، وسط حالة من انعدام اليقين الاقتصادي بسبب الحرب، وسيتأثر ذلك بنتائجها ومدّتها، وستأتي التأثيرات بشكل رئيسي من ضعف الشيكل، وارتفاع أسعار النفط، وزيادة تكلفة الرحلات الجوية إلى الخارج.
- جوناثان كاتس، كبير الاقتصاديين في شركة "ليدر كابيتال ماركتس"، أشار إلى أن استمرار الحرب مع إيران سيؤدي إلى زيادة حادة في الإنفاق العسكري، وإلحاق الضرر بإيرادات الحكومة، وتخفيض فوري للتصنيف الائتماني العالمي، وفي الأسواق المالية الإسرائيلية، تتجلى آثار الحرب في ارتفاع ما يسمى "قسط المخاطرة"، وهو السعر الإضافي الذي يطلبه المستثمرون للاستثمار في إسرائيل مقارنة بالدول الأكثر استقراراً، ويتجلى ذلك في ضعف قيمة الشيكل، وارتفاع أسعار الفائدة على السندات الإسرائيلية، ومن حيث تكاليف المعيشة، ستؤدي الحرب إلى تعميق الضغوط التضخمية، وارتفاعها إلى 2.5%.
- ديفيد شيم طوف، الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار التفاعلية، أوضح أن الحرب مع إيران ستدفع المستثمرين لإعادة تسعير المخاطر بما يتوافق مع التطورات الجيوسياسية والأمنية، وإذا استمرت أسعار الطاقة في الارتفاع بمرور الوقت، فإن هذا قد يضر بالتأكيد بأرباح الشركات وأسعار الوقود، ويجرّ أسواق رأس المال لأسعار فائدة منخفضة، ومعدلات تضخم متزايدة.
- شموليك كاتسفيان، خبير استراتيجيات السوق في بنك "ديسكاونت"، أكد أن الهجوم الاستباقي الإسرائيلي على إيران سيُحدث تقلباتٍ وعدم يقين اقتصادي في المستقبل القريب، لكن نجاحه سيُقلل من هذه الحالة على المدى البعيد، ويزيد من فرص خفض علاوة المخاطرة.
- فيما حذر رونين مناحيم، استراتيجي السوق في بنك مزراحي تيفاوت، من أن استمرار الحروب التي تخوضها إسرائيل من شأنه تقليل الإنتاج، لأن التعبئة الإضافية لقوات الاحتياط ستُقلل من القوى العاملة المتاحة، ربما لفترة ممتدة، كما أن تخزين الجمهور للغذاء والسلع الأساسية سيؤدي إلى زيادة الطلب الزائد، وارتفاع الأسعار بسرعة، وفيما يزداد الإنفاق العسكري على التسليح، فسوف ينخفض الدخل من النشاط الاقتصادي، ما سيفرض ضغوطاً على العجز الذي لا يزال يشكل 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
- فيكتور بيهار، كبير الاقتصاديين في بنك "هبوعليم"، اعترف بأن "الحرب الجارية تمنعنا من خفض أسعار الفائدة، والمخاطر على إسرائيل لا تزال في ازدياد، وبما أنها على وشك توسيع الإنفاق بشكل كبير لإصلاح الأضرار الناجمة عن الصواريخ الإيرانية، فسيكون هناك المزيد من تراكم الديون، وكل هذا من شأنه أن يقلل من ثقة المستثمرين الأجانب، مما قد يُضعف الشيكل، وبالتالي يزيد معدل التضخم بشكل أكبر، وفي ظل نفقات إعادة الإعمار الضخمة التي ستُطلب من الحكومة دفعها، فسوف تُستنزف الميزانية بشكل كبير، وسيكون من الصعب توقع عجز قدره 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مما يجعلنا أمام مزيج من المخاطر، إضافة إلى وضع مالي إشكالي.
استهداف مصافي النفط وتوقف الشحن البحري
أعلنت شركة "بازان" وهي مصفاة للكيماويات في حيفا، ومسؤولة عن جزء من إنتاج البخار والكهرباء، عن توقف منشآتها الإنتاجية نتيجة قصفها بالصواريخ الإيرانية، حيث تم إغلاق جميع مرافقها، مع العلم أنها توفر نصف وقود النقل في إسرائيل خلال الأيام العادية، وهذا الاعتماد زاد خلال أيام الحرب، مع العلم أن هذه المصفاة تُعد الأكبر في إسرائيل، وتنتج 200 ألف برميل نفط يومياً، فيما ذكرت شركة مصافي النفط المحدودة أن خطوط أنابيب وخطوط نقل تابعة لها في حيفا تضررت.
كما تأثرت مصادر إنتاج الغاز بسبب التهديدات الإيرانية، حيث تمتلك إسرائيل ثلاثة حقول لإنتاجه: ليفياثان (11.4 مليار م³) وتمار (10.2 مليار م³) وكاريش (0.3 مليار م³).
ومن المتوقع أن تُعلّق الشركات الإسرائيلية والأجنبية صادراتها منه عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط تحت سطح البحر بسبب المخاطر الأمنية، مما سيكبّد إسرائيل مئات ملايين الدولارات أسبوعياً، ويرفع سعر برميل النفط عالمياً، مما يعني تعريض استثماراتها في الغاز للخطر، وتوجيه ضربة قوية لطموحاتها بأن تصبح مركزاً لتصدير الغاز الطبيعي.
كما وضعت الحرب الجارية مع إيران تساؤلات حول مصير صفقات بمليارات الدولارات في قطاع الطاقة والغاز الإسرائيلي، ويشارك فيها عدد غير قليل من المستثمرين الأجانب.
ما يعني أن يواجه قطاع الطاقة تحديات بشأن التعامل مع انتظام تزويد الغاز والمياه إلى السوق الإسرائيلي أولاً، وصولاً إلى قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز، وهو عنق الزجاجة الذي يمر عبره ثلث تجارة النفط البحرية.
كما وصلت مؤشرات تأثر الاقتصاد الإسرائيلي من الحرب مع إيران إلى قطاع الشحن البحري خشية الاستهداف الصاروخي للموانئ المنتشرة على طول السواحل الفلسطينية المحتلة، خاصة حيفا وأسدود وعسقلان وإيلات، مما سيؤثر على تجارة إسرائيل الخارجية مع دول الشرق في قارة آسيا.
وسينعكس سلباً على كثير من المنتجات، وارتفاع أسعار تأمين النقل البحري، وكلما استمرت الهجمات الصاروخية الإيرانية زاد تكدّس السفن في الموانئ، مما سيكبّدها تكاليف وخيمة عقب إيقاف شركات الشحن العالمية لكافة رحلات سفنها.
إغلاق المجال الجوي والفوضى تعمّ قطاع السياحة
وصلت آثار الحرب الاقتصادية إلى وكالات السفر والسياحة في إسرائيل، خاصة مع بدء عطلات الصيف، واصفين الوضع بالفوضوي، لأن الحكومة لا توفر إجابات فورية عن تساؤلاتهم، عقب توقف تام للحجوزات المسبقة، والجمهور لا يعلم حالياً ما سيحدث، ويعيش حالة من عدم اليقين.
وكشفت شيرلي كوهين أوراكفي، الرئيسة التنفيذية لوكالة "إيشت تورز" للسفر، أن الأزمة تضاعفت مع وجود آلاف الإسرائيليين العالقين في الخارج، أو من يخططون للسفر، فيما تلتزم وزارتا السياحة والنقل الصمت، ولا أجوبة لديهما عن هذه الإشكالية الناشئة، ما كشف عن فجوة كبيرة بين عمل الحكومة في المجالين المدني والعسكري، ولا توجد خطط منظمة، ولا تحضيرات مسبقة، بل الفوضى تعمّ المكان.
وبالنسبة لوكلاء السفر، فلا يوجد عنوان واضح للرد، لا أحد يتحدث إليهم، ولا أحد يدير الوضع، والشعور السائد لديهم أن الأمور لا تسير على ما يرام، عقب إغلاق المجال الجوي، وإلغاء الرحلات الجوية، وإيقاف الحجوزات المسبقة بشكل كامل، والوضع فوضوي للغاية.
عضو الكنيست عوديد فورير، لم يتردد في الاعتراف بالخسائر الاقتصادية المتلاحقة بسبب الحرب مع إيران، محذراً من إغلاق الأجواء، وانسداد الآفاق بسبب أزمة الطيران الناجمة عن الحرب، لأن النتيجة المتوقعة هي انهيار صناعة الطيران، والعواقب ستكون حاضرة في كل مجالات الحياة، والجمهور الإسرائيلي هو الذي سيدفع الثمن.

يأتي ذلك بينما يعيش مطار بن غوريون حالة من العزلة منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ إن شركات الطيران العالمية تتخلى عنه، وأسعار الرحلات منه وإليه ترتفع بشكل كبير، وهذه ليست مجرد أزمة لوجستية؛ بل ضربة واسعة النطاق وعميقة لجميع جوانب الحياة في إسرائيل، مؤشراتها أن الاقتصاد ينزف، والدبلوماسية مشلولة، وحرية الطيران ذات الأهمية البالغة للأعمال التجارية أصبحت في خطر.
مع العلم أن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحرب مع إيران لا تتوقف عند "شلل" مطار بن غوريون، بل إن السياحة الوافدة إليه تجفّ تماماً، ما يؤدي إلى انهيار العديد من الشركات المعتمدة عليها، ويواجه الطلاب والباحثون صعوبات في مغادرة الدولة، ودخولها.
ما يُلحق الضرر بالعلاقات الأكاديمية، ومستقبل البحث في إسرائيل، في عصر يعتمد فيه الاقتصاد العالمي على حرية حركة الأشخاص والبضائع، لكن إسرائيل توقفت عن الحركة، بعد ارتفاع أسعار التذاكر والنفقات لما يزيد عن سبع مرات من قبل الحرب على غزة.
لقد شكّل تزامن اندلاع العدوان على إيران مع اقتراب موسم الصيف السياحي مناسبة سيئة للاقتصاد الإسرائيلي، لأن ذلك يعني مراكمة خسائر القطاع السياحي الذي يواصل انتكاسته منذ بدء الحرب على غزة، مع أن إسرائيل استقبلت قبل الحرب قرابة 3.01 ملايين سائح، ضخّوا 4.85 مليارات دولار في اقتصادها.
ما يعني أن تسفر الحرب الحالية عن تكبّدها لخسائر فادحة مع وقف مئات الرحلات، وإلغاء حجوزات فندقية لعشرات الآلاف، وتعليق عشرات شركات الطيران العالمية لعملها في إسرائيل.
مع العلم أن قطاع السياحة يُشكّل 3% من الاقتصاد الإسرائيلي، ويوظّف 200 ألف إسرائيلي بشكل مباشر، بنسبة 3.6% من إجمالي العمالة، ونتيجة لما تواجهه صناعة الطيران من أزمة واسعة النطاق، فإن هناك احتمالاً لأن تبدأ شركات السياحة بتسريح مئات الموظفين في أعقاب تقليص نطاق عملياتها؛ نتيجة التوقف الكامل لشركات الطيران الأجنبية التي تحلّق نحو إسرائيل.