الولايات المتحدة تؤكد حضورها الاقتصادي في مصر بمواجهة صعود استثماري صيني.. مصادر: التجهيز لمنطقة صناعية أمريكية بمنطقة قناة السويس

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/31 الساعة 16:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/31 الساعة 16:49 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي في لقاء سابق/ رويترز

بعث انعقاد فعاليات المنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي، في وقت تضاعفت فيه استثمارات الصين داخل مصر خلال الأشهر الأخيرة، دلالات على أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لن تترك منافذ يمكن أن تتحرك فيها بكين للتخفيف من حدة الحرب التجارية التي تشنها عليها.

كما أن تعزيز التواجد الصيني في منطقة قناة السويس الاقتصادية يدفع بعوامل قلق في وقت نقلت فيه الإدارة الأميركية ثقلها العسكري إلى منطقة البحر الأحمر لتحقيق أهداف لديها أبعاد اقتصادية تتعلق بوضع مزيد من العراقيل أمام طريق الحرير الصيني.

وكشف مصدر مصري مطلع عن أن موعد المنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي جرى تحديده منذ عدة أشهر، لكن الزخم الذي حظي به يتعلق بمتغيرات آنية في مقدمتها زيادة الاستثمارات الصينية بشكل واضح في مصر.

وأضاف أن العلاقات الراسخة بين رجال الأعمال الأمريكيين الذين يتواجدون في مصر منذ عقود طويلة، بخاصة في مجال البترول، يقودون الآن حركة صعود مماثلة للاستثمارات الأمريكية أسوة بالصينية.

وأوضح المصدر ذاته أن التوتر على المستوى السياسي انعكس سلباً على التعاون الاقتصادي بين مصر والولايات المتحدة، ولم يكن هناك شراكات اقتصادية كبيرة جرى التوقيع عليها منذ بداية هذا العام مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة، وخلال العام الأخير من فترة الرئيس جو بايدن.

وقال إن القاهرة اتجهت على نحو أكبر لجذب الاستثمارات الصينية والأوروبية كبديل لخفوت التعاون مع الولايات المتحدة، غير أن انعقاد المنتدى منح إشارات على أن التوتر السياسي والتراجع الاقتصادي يمران بفتور مؤقت قد ينتهي خلال الأشهر المقبلة.

وتابع المصدر أن الولايات المتحدة تدرك أن إدارة علاقاتها في منطقة الشرق الأوسط لابد أن تمر من خلال مصر، وإن لم يكن ذلك يُرضي أطرافاً أخرى تنافس القاهرة على الزعامة والحضور الإقليمي والدولي (في إشارة لدول الخليج).

وقال إن حجم السوق المصري الكبير وقدرة القاهرة على أن تكون بوابة لإفريقيا تجعل هناك ضرورة لأن يبقى هناك تعاون اقتصادي وسياسي معها وإن تراجع التأثير المصري في بعض الملفات بما في ذلك القضية الفلسطينية.

واشنطن تستهدف المنطقة الاقتصادية لقناة السويس

جاء تنظيم المنتدى المصري الأمريكي بمناسبة زيارة وفد من كبار رجال الأعمال الأمريكيين إلى مصر، برئاسة سوزان كلارك، رئيسة غرفة التجارة الأمريكية، وضم الوفد 78 من كبار التنفيذيين الممثلين لشركات أمريكية.

وتضمنت فعاليات المنتدى تنظيم عدة جلسات مخصصة لاستعراض الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات، بما في ذلك المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مع التركيز على القطاعات الأكثر جذباً لاهتمام الشركات الأمريكية، خاصة في قطاعات الطاقة المتجددة، التصنيع، والتكنولوجيا.

كما تضمن التطرق إلى تطوير التبادل التجاري بين الجانبين المصري والأمريكي، كما تم الإعلان خلال المنتدى عن برنامج جديد لرد الأعباء التصديرية، يتضمن سداد المستحقات بحد أقصى 90 يوماً، مع صرف المساندة التصديرية بشكل كامل.

واستقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، الاثنين، وفد رجال الأعمال الأمريكيين المشاركين في المنتدى الاقتصادي المصري الأمريكي، وأعرب عن استعداد بلاده للتعاون مع مجتمع الأعمال والمستثمرين الأمريكيين في كل المجالات الاقتصادية محل الاهتمام المشترك، مؤكداً تطلع مصر لأن تكون مركزاً صناعياً كبيراً للصناعات الأمريكية، مشدداً على أن الجانب المصري مستعد لتقديم كل التسهيلات اللازمة للمستثمرين الأمريكيين.

وقال مصدر حكومي مصري، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه لـ"عربي بوست" إن زيارة وفد رجال الأعمال الأمريكيين تطرقت إلى مسألة إقامة منطقة صناعية أمريكية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وأن المقترح لاقى قبولاً مصرياً، على أن يتم تحديد موقع تلك المنطقة وحجم الاستثمارات فيها خلال الفترة المقبلة.

وأضاف المصدر ذاته أن مصر منفتحة على التواجد الأمريكي وإحداث توازن مع الاستثمارات الصينية التي تشكل ما يقرب من نصف إجمالي حجم الاستثمارات في هذه المنطقة.

وقال إن مصر طرحت عدداً من الفرص الاستثمارية في المنطقة، خاصة في قطاعات الأدوية والخامات الدوائية ومراكز البيانات والأجهزة الإلكترونية والخدمات والأنشطة اللوجستية الداعمة لسلاسل الإمداد العالمية.

وأضاف أن الشركات الأمريكية ركزت على مسألة الربط بين الموانئ التابعة لهيئة المنطقة الاقتصادية على البحرين الأحمر والمتوسط بما يساعد في وصول المنتجات الأمريكية بسهولة إلى الأسواق العالمية، كما أن الولايات المتحدة تستهدف أن تضع موطأ قدم في المنطقة بعد أن جذبت استثمارات بلغت قيمتها 6 مليارات دولار خلال العامين الماضي والجاري.

ولفت إلى أن القاهرة تبقى أكثر ارتياحاً للمشروعات الصينية التي تبقى بلا شروط كبيرة ولا تنظر إلى الإصلاحات السياسية أو الأوضاع الحقوقية لتوظيفها كورقة ضغط.

كما أن الاستثمارات الصينية تولي اهتماماً بالتكنولوجيا على نحو أكبر، فيما تركز استثمارات الولايات المتحدة بهذا المجال في دول الخليج، لكن في الوقت ذاته، فإن العلاقات الاقتصادية الراسخة معها منذ عقود طويلة تدفع لأهمية استمرارها بشكل متوازن.

وذكر المصدر ذاته أن الولايات المتحدة أمام فرصة لأن يكون لديها حضور اقتصادي في المنطقة الاقتصادية باضعاف الاستثمارات الصينية، وهي بالأساس زهيدة الثمن، إذ إن الإحصائيات تشير لوجود 1800 شركة أمريكية في مصر بإجمالي استثمارات تصل إلى 47 مليار دولار، في حين أن الصين لديها أكثر من 2000 شركة باستثمارات تبلغ 9 مليارات دولار.

مشيراً إلى أن العلاقات السياسية تترك أثرها حالياً، لكن كلما كان هناك حلول إيجابية بشأن تطورات الأوضاع في غزة، كلما حدث تقارب أكبر، كما أن كثيراً من المؤسسات الأمريكية تبدي رغبتها في زيادة الاستثمارات الأمريكية في مصر خشية من الاعتماد بشكل أكبر على الاستثمارات الصينية.

ساحة للتنافس المستقبلي

وقعت الحكومة المصرية العديد من عقود الاستثمارات الصينية، خاصة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، خلال الشهور الماضية، في قطاعات متعددة أبرزها الأقمشة والمنسوجات، ومواد البناء، والبتروكيماويات، وذلك تزامناً مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وعزمه فرض رسوم جمركية على بكين، مما جعل بعض الشركات الصينية تفكر في نقل جزء من خطوط إنتاجها إلى مصر لتجنب هذه الرسوم.

وخلال آخر عامين، جذبت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس 128 مشروعاً بقيمة 6 مليارات دولار، تمثل الاستثمارات الصينية منها 40%، وفق بيان لرئيس المنطقة وليد جمال الدين في سبتمبر الماضي. وشهدت العلاقات التجارية بين القاهرة وبكين نمواً ملحوظاً، حيث ارتفعت قيمة التجارة الثنائية بنسبة 13% لتصل إلى 11.624 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، مقارنة بـ10.283 مليار دولار في نفس الفترة من العام السابق.

وتستقطب المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تحديداً اهتمام الصين على نحو متزايد، وبلغ عدد المشروعات الصينية في المنطقة نحو 10 مشاريع منذ مطلع 2025، باستثمارات 828.5 مليون دولار، بقطاعات الملابس والمنسوجات، سلاسل توريد الأجهزة المنزلية، والخلايا الشمسية، والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، والنشا المعدل والبروتين النباتي، والكلور القلوي.

وقال خبير في الاقتصاد السياسي لـ"عربي بوست" إن الولايات المتحدة انتبهت مؤخراً لخطورة التمدد الاقتصادي الصيني في دول مطلة على ساحل البحر الأحمر، وفي مقدمتها مصر، وتواجه ذلك عبر خطط استراتيجية عديدة، بينها ما يمكن تسميته بـ"عسكرة البحر الأحمر".

وحسب المتحدث، هذا يقوض فعلياً مشروع طريق الحرير، إلى جانب الدخول في منافسة خارج الحدود مع الصين في دول تستفيد منها الصين على مستوى الأسواق المحلية أو توظيف العمالة الزهيدة وقصر المسافات للتصدير إلى الأسواق العالمية، وذلك ما يحققه البحر الأحمر الذي يعد أبرز الممرات البحرية الرابطة بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.

وشدد على أن المنطقة الاقتصادية من المتوقع أن تكون ساحة للتنافس المستقبلي إذا هدأت الأوضاع في البحر الأحمر، لأنها تعد نقطة التقاء استراتيجية بين البحرين الأحمر والمتوسط من خلال قناة السويس، كما أنه يسهل الوصول إلى مضيق باب المندب الذي يعد البوابة الجنوبية للبحر الأحمر ويصل إلى خليج عدن والمحيط الهادئ، في ظل مساعي مصرية لأن تكون نقطة التقاء لسلاسل الإمداد والتمويل، في محاولة لتشجيع عودة الملاحة إلى قناة السويس لسابق عهدها وبما يضمن تعويض ما خسرته من مليارات جراء الصراع الدائر منذ ما يقرب من عامين.

هل الولايات المتحدة مضطرة لمضاعفة استثماراتها في مصر؟

ولفت إلى أن الحضور الأمريكي يرتبط أيضاً بالأهمية الاقتصادية للبحر الأحمر وامتلاكه ثروات طبيعية في مقدمتها النفط والغاز، ولدى الولايات المتحدة رغبة في تأمين تدفق الطاقة عبر هذا الممر الحيوي بما يضيق الخناق على الصين وبما يقود لضمان صعود نموها الصناعي.

مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لم تكن مضطرة لمضاعفة استثماراتها في مصر في الوقت الحالي بعد أن جذبت مليارات الدولارات من دول الخليج لتنشيط اقتصادها وتعزيز التعاون مع دول الخليج، ومع عدم وجود توافق كامل في رؤى الطرفين تجاه التعامل مع جملة من الملفات في المنطقة، لكن ما يزعجها أن الصين عززت وجودها في مناطق خارج نطاقها التقليدي في القارة الآسيوية، مع احتلال البحر الأحمر أهمية كبيرة في السياسة الخارجية الصينية تجاه الشرق الأوسط وأفريقيا.

وأضاف أن المنافسة الأمريكية الصينية لا تقتصر على مصر فقط، بل هناك منافسة مماثلة في كثير من الأسواق الأفريقية، وهو ما دفع الولايات المتحدة للإعلان عن ضخ استثمارات قد تصل خلال العامين المقبلين إلى 18 مليار دولار، وسيكون لمصر نصيب منها، وهو ما تستفيد منه القاهرة التي تبحث عن من يساعدها في سداد ديونها الخارجية بعد أن وصلت لأكثر من 150 مليار دولار، والأمر سوف يرتبط بكفاءة المسؤولين في مصر وقدرتهم على استغلال والاستفادة من هذا الصراع وتقليل حجم التحديات.

ووفقاً لتقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن قيمة التجارة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية ارتفعت بمعدل 84.8% خلال ديسمبر 2024، لتصل قيمتها لنحو 974.7 مليون دولار، مقابل 527.3 مليون دولار خلال نفس الشهر من عام 2023، فيما تستحوذ أمريكا على نحو 7% من إجمالي قيمة التجارة الخارجية لمصر خلال العام الماضي.

فيما تعد الصين أكبر الدول المصدّرة لمصر في 2024، إذ استحوذت على حصة تعادل 19.7% من إجمالي واردات مصر غير النفطية والتي بلغت 78.5 مليار دولار، بحسب بيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات في مصر.

وبحسب مصدر حكومي بوزارة التجارة والصناعة، فإن الوضع الاقتصادي الراهن في مصر يحتاج لمزيد من الاستثمارات الأمريكية ومزيد من التعرف على وجهات نظر رجال الأعمال مع تراجع ضخ استثمارات جديدة خلال الأشهر الماضية، كما أن العلاقة بين البلدين تضمن مزيد من التأمين لمنطقة البحر الأحمر، وسيكون لدى الولايات المتحدة رغبة في أن تحافظ على حالة الأمن لمصالحها التجارية مع دول المنطقة.

وأوضح أن مصر سيكون عليها تحديد الوجهات الاستثمارية والتجارية التي تكون فيها بحاجة للاستثمارات الأمريكية، وأن التركيز منصب بالأساس على تكنولوجيا البنية التحتية والطاقة المتجددة وكذلك الصناعات الغذائية.

تحميل المزيد