“ماكرون سيدمر بلدنا”! غضب من تقرير بشأن الإخوان المسلمين في فرنسا، وهذا هو الهدف الحقيقي لباريس من نشره

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/27 الساعة 18:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/27 الساعة 18:11 بتوقيت غرينتش
تقرير الإخوان المسلمين في فرنسا أثار الجدل/ عربي بوست

مرة أخرى، يجد مسلمو فرنسا أنفسهم أمام فوهة مدفعية الحكومة الفرنسية، تحت ذريعة "حماية قيم الجمهورية ومحاربة الإسلام السياسي"، وذلك عقب التقرير الذي عرضه وزير الداخلية خلال اجتماع لمجلس الدفاع والأمن ترأسه إيمانويل ماكرون، حول "أدوار جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا وتغلغلها في مؤسسات الدولة".

التقرير، الذي أُنجز من قبل مستشارين في الرئاسة الفرنسية بطلب من الحكومة التي يُهيمن عليها اليمين، خلّف جدلاً واسعاً وأثار ردود فعل كثيرة، منها غاضبة، لا سيما وسط أحزاب اليسار الفرنسي، بينما حذرت جمعيات إسلامية فرنسية من استغلال ما ورد في التقرير للتضييق أكثر على الجالية المسلمة في البلاد.

لكن باحثين فرنسيين أكدوا لـ"عربي بوست" أن هناك مجموعة من الأهداف السياسية الانتخابية وراء تقرير "الإخوان المسلمين في فرنسا"، بل كشف البعض عن تهيئة الرأي العام الفرنسي قبل طرح مشروع قانون أمام البرلمان الفرنسي لمواجهة ما سُمي بـ"الاختراق الإسلامي".

ردود فعل متباينة حول تقرير "الإخوان"

زعيم حزب "فرنسا الأبية"، جان-لوك ميلانشون، كان من أوائل الذين هاجموا تقرير "الإخوان المسلمين في فرنسا"، إذ كتب على منصة "إكس": "هذه المرة، الإسلاموفوبيا بلغت مستوى جديداً. مجلس دفاع برئاسة الرئيس يدعم الأطروحات الهذيانية لروتايو ولوبان. هذا يكفي!" مضيفاً أن الرئيس بصدد "تدمير بلدنا".

وأكد ميلانشون، المرشح السابق للرئاسة، أن "مثل هذه الأساليب استُخدمت سابقاً ضد البروتستانت واليهود"، ليخلص إلى أن موقف الحكومة "يؤدي مباشرةً إلى موجة من التحقيقات القمعية ضد الأفراد، ويدمّر وحدة البلاد". وختم بالقول: "أوقفوا هذا!".

رئيس الوزراء السابق، غابرييل أتال، لم يتأخر هو الآخر في الرد على الجدل، قائلاً: "من يزعم أن هذه الإجراءات موجهة ضد الإسلام هم أولئك الذين يخلطون بين الإسلام والإسلاموية. لقد استمعتُ إلى رجال ونساء دين يؤكدون أن ما يُنسب إلى الإسلاموية لا يمت لنصوص الإسلام بصلة".

وزير الداخلية تعرض لانتقادات بعض عرضه تقرير عن الإخوان المسلمين في فرنسا/ رويترز
وزير الداخلية تعرض لانتقادات بعض عرضه تقرير عن الإخوان المسلمين في فرنسا/ رويترز

وفي هذا السياق، اقترح أتال حظر ارتداء الحجاب في الفضاء العام للفتيات القاصرات دون سن الخامسة عشرة. لكن النائب السابق عن حزب "فرنسا الأبية"، فرانسوا روفان، انتقد "الانتهازية السياسية لأتال"، معتبراً أنها "تخدم مصلحة الإسلاميين"، ومع ذلك رأى في التقرير "نقاطاً مثيرة للاهتمام سواء من حيث التنبيهات أو التوصيات".

وفيما دعا رئيس حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، جوردان بارديلا، إلى "حظر جماعة الإخوان المسلمين" و"محاربة جميع أذرعها إدارياً"، ندد "اتحاد مسلمي فرنسا" بما وصفه بـ"اتهامات لا أساس لها"، محذراً من "خلط خطير".

كذلك، أعرب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، وهو الهيئة السابقة لتمثيل المسلمين في فرنسا، عن "قلقه العميق من الانزلاقات والتوظيفات الممكنة للمعطيات التي تم الكشف عنها"، وفق ما جاء في بيان للمجلس.

وشدّد المجلس على أن "مكافحة التطرف المنسوب زوراً إلى الإسلام تُشكّل أولوية قصوى بالنسبة إلينا"، لكنه في الوقت نفسه نبّه إلى أن "غياب تعريفات واضحة للمفاهيم المستخدمة في التقرير يُسهم في خلق لبسٍ ضار"، مشيراً إلى أن "الكثير من المواطنين المسلمين يشعرون اليوم بأنهم في موضع شبهة دائمة".

خلفيات تقرير "الإخوان المسلمين في فرنسا"

منذ أسابيع، بدأ وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، بتسريب معلومات تدريجياً حول تقرير يتهم جماعة الإخوان المسلمين بالتغلغل في فرنسا. في نهاية أبريل/نيسان 2025، خلال زيارة إلى مرسيليا، وصف التقرير المرتقب بأنه "مدمّر" ويوثق "إسلاموية هادئة لكنها غازية" تهدف إلى "فرض الشريعة على المجتمع الفرنسي".

نُشر التقرير في 21 مايو/أيار بنسخة مختصرة ومحجوبة جزئياً من قبل الأجهزة الأمنية، وقد أعدّه سفير متقاعد ومحافظ، ويركز على تحليل تصورات الدولة الفرنسية بشأن جماعة الإخوان المسلمين. بعد استعراض تاريخي وجيوسياسي، يفصّل التقرير شبكات الجماعة في فرنسا: المساجد، الجمعيات، والحياة السياسية المحلية.

أحصى التقرير 139 مسجداً تابعاً لجمعية "مسلمي فرنسا" المرتبطة بالإخوان، أي 5% من إجمالي 2800 مسجد في فرنسا، مقابل حوالي 200 مسجد قبل عشر سنوات، حسب برنار غودار، المسؤول السابق عن ملف الإسلام في وزارة الداخلية.

كما شمل تقرير الإخوان المسلمين في فرنسا، 280 جمعية ناشطة في المجال الخيري والتعليمي والرياضي، يُشتبه في انتمائها للجماعة.

وسائل إعلام فرنسية نقلت عن مصادر مقرّبة من وزير الداخلية السابق، جيرالد دارمانان، تصريحاً يعود إلى مارس/آذار 2024، قال فيه إن الدولة لا تحتاج لهذا التقرير لفهم الوضع، مؤكدة أنهم "يعرفون جيداً ما يحدث". أما ريتايو فاعتبر أن الهدف هو "إحداث صدمة" لإقناع الرأي العام بخطورة الوضع.

رئيس المرصد الفرنسي لمكافحة "الإسلاموفوبيا" ونائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، عبد الله زكري، أوضح لـ"عربي بوست" أن الدوافع وراء التقرير "ذات طابع سياسي في جوهرها". وذكّر في الوقت نفسه بسياق صدوره، فقال: "منذ سنوات عدة، نشهد حملة إعلامية شرسة تقودها بعض الوسائل الإعلامية ضد الإسلام والمسلمين".

وأضاف زكري: "لقد أصبحت الممارسة الدينية اليوم موضع شبهة. ونحن لا ننكر وجود تيار متطرف نحاربه بلا هوادة في مساجدنا، لكنه يظل تياراً محدوداً للغاية. المسلمون، في غالبيتهم الساحقة، لا يطمحون سوى إلى ممارسة شعائرهم الدينية بسلام، في إطار احترام مبادئ الجمهورية".

تقرير الإخوان المسلمين في فرنسا المثير للجدل لا يضيف أي معطيات جديدة، لكنه يكرّس الاتهامات التي وجهتها الحكومات المتعاقبة منذ عهد رئيس الوزراء السابق مانويل فالس (2014)، الذي اتخذ مجموعة من القرارات بحق الجمعيات الإسلامية ومن خلالها المسلمين في فرنسا.

أهداف سياسية وأخرى لها علاقة بإسرائيل وراء التقرير عن الإخوان المسلمين في فرنسا/ عربي بوست
أهداف سياسية وأخرى لها علاقة بإسرائيل وراء التقرير عن الإخوان المسلمين في فرنسا/ عربي بوست

إذ شملت الإجراءات منذ ذلك الحين حل جمعية CCIF، وفسخ عقد ثانوية "ابن رشد" الإسلامية، وطرد الإمام إيكيوسن. كما قُطعت تمويلات جمعيات رياضية وثقافية تعتبر "مخترقة". حتى اللاعب كريم بنزيمة لم يسلم من اتهامات دارمانان بعلاقته بالإخوان.

بيير بيرتلو، الباحث المشارك في معهد الدراسات الإستراتيجية والأمنية (IPSE) ومدير مجلة "الآفاق الاستراتيجية الشرقية" (Orients Stratégiques)، أكد أنه "لا يجزم بأن ما يحدث سيقود إلى تشديد فعلي في محاربة الإسلام السياسي"، مشيراً إلى أن هذا الموضوع طُرح مراراً من قبل ماكرون دون نتائج ملموسة.

وأضاف بيرتلو في تصريح لـ"عربي بوست" قائلاً: "سبق أن تم اعتماد قانون ضد الانفصالية، وقد رُوِّج له على نطاق واسع، لكنه لم يسفر عن نتائج حقيقية. كان هناك الكثير من الإعلانات الإعلامية، لكن التطبيق على الأرض بقي محدوداً".

وأشار المتحدث إلى أن غياب التوافق داخل الحكومة يشكل عائقاً رئيسياً أمام تنفيذ سياسات حازمة، موضحاً أن "الحكومة الحالية ليست متجانسة، والاختلافات بين مكوناتها واضحة، حتى إن الناطقة باسمها، المحسوبة على تيار اليمين، تحدثت مؤخراً عن نهاية قريبة للماكرونية، ما يعكس عمق الانقسام داخل السلطة التنفيذية".

وتابع بيرتلو قائلاً: "لا يوجد توافق في البرلمان أيضاً لتمرير أي إجراءات فعلية في هذا الاتجاه. لذلك، أتعامل مع هذه التصريحات بكثير من التحفظ".

تباين في الموقف وشكوك في توقيته

إذا كان بعض الباحثين قد رفض التعاون مع معدّي تقرير الإخوان المسلمين في فرنسا، مثل فنسان غيسيي ومارغو دازي، كما أعلنا، فإن آخرين مثل الأنثروبولوجية فلورانس بيرجو-بلاكلير، أثنوا على خلاصاته. إذ اعتبرت الباحثة أنه يكشف محاولات بناء "مجتمع موازٍ"، منوّهة بتبني الدولة لأطروحاتها الواردة في كتابها "الفريرية وشبكاتها".

لكن الباحثة بلاكلير واجهت انتقادات شديدة من باحثين مثل هاوس سينيغير، الذي وصف خطابها بأنه "فانتازيا تؤدي إلى هستيريا أخلاقية". كما أن عدداً من الفاعلين في الحقل الإسلامي رأوا أن التقرير استُثمر سياسياً، ورافقته تغطية صحفية مكثفة.

إذ يقول زكري: "من الواضح أن الطموحات السياسية لبعض الشخصيات ليست بمعزل عن توقيت نشر هذا التقرير. فنحن على بُعد أقل من عامين من الانتخابات الرئاسية القادمة، وهناك على الأرجح توظيف سياسي لهذا التقرير، الذي لم يُنشَر حتى الآن بنصه الكامل".

ويضيف المتحدث أن "نشر بعض مقتطفات التقرير يُعدّ أسلوباً يثير الشكوك حول كامل النسيج الجمعوي الإسلامي. ورغم أننا لم نطّلع حينها على النص الكامل للتقرير، سارعت بعض وسائل الإعلام إلى الانخراط في مزايدات خطابية أضرت بمكانة المسلمين في المجتمع".

وحول التوقيت السياسي لهذا التقرير، رأى بيرتلو أن "الموضوع يرتبط أساساً بالحسابات الداخلية"، مشيراً إلى أن "برونو ريتايو، الذي طرح التقرير قبيل انتخابه رئيساً لحزب الجمهوريين، يسعى إلى تعزيز موقعه السياسي، خاصة في ظل تراجع شعبية مارين لوبان ومشكلاتها القضائية، وهو بذلك يحاول التموضع بين أقصى اليمين والتيار الوسطي".

حمّى الإسلاموفوبيا في فرنسا

تقرير الإخوان المسلمين في فرنسا لا يعكس توجهات تيار سياسي داخل الحكومة فقط، لكنه يؤكد اختيارات غالبية أعضائها ممن باتوا يستنسخون خطاب ريتايو. ولعل أبرزهم سلفه جيرالد دارمانان، الذي يشغل اليوم منصب وزير العدل، والذي يتحدث باستمرار عن "تأثير الإخوان في الدولة والإدارات والصحافة".

غابرييل أتال، الطامح للرئاسة، دعا من جانبه إلى حظر الحجاب حتى سن 15، وتشريع قانون ضد "الاختراق الإسلامي". أما رئيس الحكومة، إدوارد فيليب، فهاجم خلال تجمع في مرسيليا، "تصاعد الانفصالية"، رافضاً الاتهامات بالتساهل.

فيما أكد زكري أن الطموحات السياسية لبعض الشخصيات ليست بمعزل عن توقيت نشر التقرير، وأضاف موضحاً: "نحن على بُعد أقل من عامين من الانتخابات الرئاسية القادمة، وهناك على الأرجح توظيف سياسي لهذا التقرير، الذي لم يُنشَر حتى الآن بنصه الكامل!".

من جانبه، شدد بيير بيرتلو على أن "التقرير قد يُغذّي خطابات التعميم"، موضحاً: "في فرنسا لا توجد منظمة إسلامية تعلن رسمياً انتماءها للإخوان المسلمين. قد يكون هناك تقارب فكري أو تعاطف، لكن لا أحد يصرّح بذلك. والخطر هنا هو أن يتم الخلط بين المسلمين المعتدلين أو غير الممارسين وبين التيارات المتطرفة، بما فيها حماس".

المسلمون في فرنسا يعانون من تضييقات عليهم بسبب العلمانية المتشددة/ رويترز
المسلمون في فرنسا يعانون من تضييقات عليهم بسبب العلمانية المتشددة/ رويترز

ذريعة لتحقيق توازن سياسي؟

وسط تنامي مشاعر القلق بين مسلمي فرنسا، وفي خضم هذه الأجواء المشحونة ضدهم، والتي يُغذيها خطاب إعلامي موجّه، سعى بعض المحيطين بالرئيس ماكرون إلى تهدئة الخطاب المعادي للمسلمين عبر الإليزيه، خوفاً من تداعياته.

تفاعلاً مع ذلك، التقط الرئيس الإشارة وقرّر استعادة زمام الملف من وزير الداخلية السابق، جيرالد دارمانان، وكلف مستشاريه بشرح رؤيته حول مفهوم "الانفصالية" الذي طرحه خلال السنوات الأخيرة. فأكدت الرئاسة أن "لا مجال للخلط أو السذاجة".

وتبنّى الإليزيه مصطلحات جديدة مثل "الاختراق الإسلامي"، مميزاً بين الانفصالية، التي تم تعريفها بكونها العيش بمعزل عن قيم الجمهورية، والاختراق بمعنى التغلغل داخل مراكز القرار لفرض الشريعة، وهي الاتهامات التي وجهها التقرير لـ"الإخوان المسلمين في فرنسا".

الباحث بيرتلو أوضح أن موقف ماكرون بشأن خلاصات التقرير الأخير بشأن الإخوان المسلمين في فرنسا "ما يزال غامضاً ومزدوجاً، على الطريقة المعهودة المعروفة بـ'في نفس الوقت'. فقد أبدى تأييده لبعض ما جاء في الوثيقة، لكنه في الوقت ذاته أبدى تحفظات واضحة".

وربط بيرتلو بين هذا الموقف والسياسة الخارجية لفرنسا تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية، قائلاً: "ماكرون يبدو أنه يريد تبني موقف أوروبي أكثر نقداً لإسرائيل، بل وقد تعترف فرنسا بدولة فلسطينية في الشهر المقبل. ومن المتوقع أن ترد إسرائيل باتهام فرنسا بدعم حماس، ولهذا يسعى ماكرون إلى التوازن عبر التشديد على محاربة نفوذ الإخوان المسلمين في فرنسا".

تشريع قانون مواجهة "الاختراق الإسلامي"

وفق مراقبين، فالهدف الآن، حسب الحكومة، هو إشعار الرأي العام بالخطر المزعوم، قبل طرح مشروع قانون في البرلمان قريباً لمواجهة ما سُمّي "الاختراق الإسلامي".

ورغم أن تسليط الضوء على هذه الديناميات المعقدة يُعد مشروعاً، فإنه لا يمكن إخفاء القلق العميق لدى المؤسسات الإسلامية بشأن تداعياته المحتملة على مجموع المسلمين.

يكمن القلق الأساسي، بحسب مختصين، في احتمال أن يُستخدم هذا المستند، رغم محاولاته لإضفاء شيء من التوازن، كأداة لتكريس الصور النمطية والتعميمات المجحفة بحق مكوّن بأكمله من مكونات الوطن.

ومن خلال تركيزه على تيارات معينة وأيديولوجياتها، يرى مراقبون أن تقرير الإخوان المسلمين في فرنسا يعرّض الإسلامَ الفرنسي لخطر اختزاله في بعض التوجهات الإشكالية.

فالإسلام، كغيره من التقاليد الروحية الكبرى، يتسم بتعدديته وتنوع تأويلاته التي يعيشها ملايين المسلمين الفرنسيين. كما أن حصر الاهتمام في رؤية سياسية لأقلية قد يؤدي إلى تقديمها وكأنها تمثل جوهر العقيدة الإسلامية، وهو خطأ فادح وظلم بيّن، بحسب هؤلاء.

يكمن الخطر كذلك في تعميم تحليلات هذا التقرير على مجمل المواطنين المنتمين إلى الدين أو الثقافة الإسلامية. إذ إن كل مشروع يقوده مسلم، وكل موقف يعبّر عنه مسلم، سيصبح عرضة للتفكيك والتأويل ضمن هذا المنظار المشوّه، ويُشتبه فيه ابتداءً بأنه جزء من "مشروع إسلامي" أو أنه يخضع لـ"تأثير خفي".

مناخ موسوم بالشكّ المقلق

يحذر البعض من أن هذه الآليات قد تؤدي إلى نتائج وخيمة على نسيج المجتمع ككل. فالتنميط يُغذي مناخاً من الشك العام، ويعرقل انخراط مسلمي فرنسا في الحياة المدنية أو التفاعل والمشاركة، وهم يدركون أن كل تصرف منهم قد يُفسر كدليل على انتمائهم إلى مشروع "إسلامي"، أو "انفصالي"، أو "متطرف".

وإذا أُسيء فهم هذا النوع من التقارير (الإخوان المسلمون في فرنسا)، أو تم توظيفه سياسياً، فإنه يُخشى أن يرسخ الصور النمطية السلبية التي تُثقل كاهل المسلمين، ويغذي الشكوك وسوء الفهم المتبادل.

يقول زكري: "الضجة الإعلامية التي أُثيرت حول هذا التقرير لا يمكن إلا أن تعمّق الشكوك المجحفة تجاه المواطن المسلم. يجب ألا ننسى أن الأعمال المعادية للإسلام في تزايد مطّرد، والطريقة التي يتناول بها بعض السياسيين والإعلاميين قضية الإسلام تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تأجيج هذا التصاعد".

يضيف المتحدث أن المسلمين يشكلون "جزءاً لا يتجزأ من النسيج الوطني. فهم يساهمون يومياً في ازدهار البلاد من خلال مختلف المهن التي يمارسونها. وقد كان أجدادنا في الصفوف الأمامية خلال الحربين العالميتين. وحتى اليوم، لا يزال شباب فرنسيون من أصول مسلمة ينخرطون في صفوف الجيش الفرنسي".

غير أنه، ومنذ نحو عشرين عاماً، ومع رغبة بعض السياسيين في تحويل الإسلام والمسلمين إلى ورقة انتخابية، لم تتوقف أوضاع المسلمين في فرنسا عن التدهور، مما أدى إلى شعور عام بعدم الارتياح. المسلم يطالب بحقه في "اللامبالاة"، أي أن يُترك وشأنه ليمارس إيمانه بهدوء في إطار الجمهورية.

الباحث المشارك في معهد الدراسات الإستراتيجية والأمنية، بيرتلو، حذر كذلك من أن "هذا النوع من الخطاب، الذي يُعد في غاية التعقيد، يُطرح للأسف بطريقة مبسطة جداً، وقد يؤدي إلى توترات متصاعدة في المجتمع، دون أن يُقدم حلولاً عملية، لأنه لا توجد أدوات قانونية كافية، ولا توجد إرادة سياسية واضحة لتطبيق ذلك بجدية".

على صعيد آخر، اعتبر المحلل أن تقرير الإخوان المسلمين في فرنسا يشكل أيضاً "وسيلة لتحويل الأنظار عن التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد"، قائلاً: "هناك أزمة اقتصادية عميقة، وتراجع واضح للدور الفرنسي على الساحة الدولية، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، وهذا النوع من التقارير يُستخدم كأداة لتجنّب مواجهة القضايا الجوهرية".

تحميل المزيد