بالصواريخ ثم الجرافات! “عربي بوست” يتتبع كيف تمسح إسرائيل مدينة رفح عمداً.. وحاخام متطرف يتولى مهمة التدمير

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/21 الساعة 12:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/21 الساعة 12:41 بتوقيت غرينتش
يتعمد الاحتلال مسح مدينة رفح جنوب غزة من خلال قصفها بالصواريخ وهدمها بالجرافات - عربي بوست

يرصد "عربي بوست" من خلال صور الأقمار الصناعية، وفيديوهات ينشرها جنود في جيش الإسرائيلي على شبكات التواصل، كيف يمسح الاحتلال، حرفياً، مدينة رفح جنوب غزة، عبر تدميرها بشكل ممنهج على مرحلتين، الأولى قصف أحيائها وبنيتها التحتية بالصواريخ، والثانية تهديم ما تبقى من مبان بالجرافات، فيما يتولى حاخام إسرائيلي متطرف مهمة هدم المدينة.

يظهر تدمير مدينة رفح المجاورة للحدود مع مصر، أن المدينة التي كان يعيش فيها نحو 200 ألف شخص، لم تعد صالحة للسكن البشري، إذ أصبحت أحيائها مسطحة، ومعالمها العمرانية تختفي، فيما قدرت السلطات المحلية في غزة، أن ما لا يقل عن 90 % من الأحياء السكنية في رفح تم تدميرها.

وتعرض سكان مدينة رفح لتهجير ممنهج كحال كثير من الأحياء في قطاع غزة، وتتبع "عربي بوست" أوامر الإخلاء التي أصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي للأحياء في رفح منذ أكتوبر 2023، وحتى يوم 8 أبريل 2025.

أظهرت البيانات أن أوامر الاخلاءات شملت جميع أحيائها، فيما غطى الدمار مساحة لا تقل عن 12 ألف متر مربع في رفح.

ويجري مسح معالم رفح على نحو متسارع لا سيما بعد انهيار وقف إطلاق النار، واستئناف الهجوم على غزة يوم 18 مارس 2025، إذ تظهر صور الأقمار عشرات المباني التي اختفت من على الخريطة، وذلك خلال أيام معدودة فقط.

تُعد المنطقة المحيطة بـ"ممر موراج" الذي ينشأه جيش الاحتلال لفصل مدينة رفح عن بقية مناطق القطاع، أبرز الأماكن التي تعرضت لتدمير إسرائيلي ممنهج خلال الشهرين الفائتين.

وتظهر صور الأقمار الصناعية أن المباني الواقعة على طرفي الممر مُسحت من على الخريطة، كما تضررت مناطق زراعية وأصبحت قاحلة بفعل تدميرها بشكل ممنهج من قبل جيش الاحتلال.

تدمير مدينة رفح
تدمير المناطق السكنية في رفح جنوب قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي – سنتنل – عربي بوست

تظهر أحدث بيانات نشرتها الأمم المتحدة عن حالة المباني في رفح، ويعود تاريخها إلى أبريل/نيسان 2025، كيف أصبحت مباني المدينة مقسمة بين مبانٍ متدمرة بالكامل، ومتضررة بشدة، وأخرى لحقتها أضرار متوسطة.

وحتى أبريل/نيسان 2025، كان نصف عدد المباني التي أحصت الأمم المتحدة تضررَها في رفح، مدمرة بالكامل، وبلغ حينها 69.7 ألف مبنى، فيما بلغ عدد المباني المتضررة بشدة 18.1 ألف مبنى، و51.1 ألف مبنى لحقتها أضرار متوسطة.

لكن هذه الحصيلة أصبحت مختلفة منذ أبريل/نيسان 2025 وحتى تاريخ نشر هذه المادة، إذ ازدادت وتيرة هدم المباني في رفح، من خلال القصف، والهدم، وفي بعض الأحيان نَسف أحياء بأكملها من خلال المتفجرات.

تدمير مدينة رفح
بيانات من الأمم المتحدة تظخر حجم تدمير مدينة رفح وخان يونس من قبل الاحتلال الإسرائيلي خان يونس – الأمم المتحدة – عربي بوست

تدمير مدينة رفح بالجرافات

وتنتشر بين أحياء رفح الجرافات الإسرائيلية التي تتنقل من مربع سكني إلى آخر، وتهدم مبانيها الواحد تلو الآخر، ومن خلال الفيديوهات التي نشرها جنود الاحتلال من رفح، والتي تتبعها "عربي بوست"، لم يكن بادياً وجود أي مصدر تهديد لجيش الاحتلال من تلك المباني المتهالكة، بل جرى تدميرها لأجل التدمير فقط.

على شبكات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المراسلة مثل تلغرام، تنتشر عشرات الفيديوهات التي تظهر جنود الاحتلال وهم يهدمون المباني، وتترافق عمليات الهدم هذه في بعض الأحيان بأهازيج من الجنود.

رصد "عربي بوست" مقطع فيديو نُشر على نحو واسع يوم 7 مايو/ أيار 2025، صورته طائرة من دون طيار، وتظهر جنوداً إسرائيليين وهم يحتفون بهدم المنازل في مدينة رفح. 

حددنا الموقع الذي صورته الطائرة، وهي منطقة حي "الشابورة" في رفح، والتي تُعد من بين أكثر المناطق المكتظة في المدينة، تظهر اللقطات المصورة كيف تغيّرت معالم المنطقة بسبب التدمير الممنهج لأحيائها، حيث تحولت الكتل السكنية إلى أكوام من الدمار فقط، على نحو يجعل من المستحيل العيش فيها."

تدمير مدينة رفح
منطقة حي الشابورة التي ظهرت في الفيديو أعلاه والتي تعرضت لتدمير ممنهج من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي – عربي بوست

تظهر فيديوهات أخرى صورتها عدسات جنود إسرائيليين وانتشر على شبكات التواصل، كيف تتجمع أعداد من الجرافات حول المباني المتضررة جراء القصف، وتبدأ في وقت متزامن بهدمها، وبعض تلك لم تكن متهدمة بشكل كامل جراء القصف، وكان من الممكن أن يعود سكانها إليها، لكن جنود الاحتلال دمروها بشكل كامل.

وتشير شهادات لجنود إسرائيليين تحدثوا لموقع mekomit الإسرائيلي، إلى أنهم كانوا يدمرون يومياً 60 منزلاً، وقالوا إن الجزء الجنوبي الشرقي من رفح أصبح مدمراً بالكامل."

الحاخام.. مدمر المنازل

تجري عملية الهدم الممنهج للأحياء في غزة، بقيادة الحاخام الإسرائيلي المتطرف، أبراهام زربيف، وهو ضابط في لواء "جفعاتي"، ينشر على شبكات التواصل باستمرار مقاطع فيديو له، وهو يشارك في هدم المنازل برفح وغيرها من المناطق داخل القطاع.

يصور الحاخام المتطرف نفسه وهو يقود جرافات D9، ويتفاخر بهدمه للمنازل، ويصور مقطع فيديو لحظة هدم بناء في غزة من خلال جرافة يقودها الحاخام زربيف بنفسه، وفي نهاية المقطع يحتفي الحاخام بنجاح مهمته في تحويل المبنى إلى ركام.

في مقابلة أجراها الحاخام المتطرف بداية العام 2025، أقر فيها بدوره في تدمير ما لا يقل عن 50 مبنى أسبوعيأ في غزة، إذ يشارك في في تدمير منازل ومدارس ومستشفيات ومنشآت إغاثية، ويرى بأن تدمير الأحياء السكنية لسكان غزة، يُعد وسيلة ناجحة لمنعهم من العودة مناطقهم. 

وفي يناير 2025، تقدمت مؤسسة "هند رجب" ومقرها في بروكسل، بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية، ضد الحاخام زربيف، وذلك بسبب دوره في الهدم الممنهج للأحياء في غزة. والمؤسسة هي جزء من حركة "30 مارس"، التي تعمل على محاكمة وملاحقة الجنود الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين. 

تدمير مدينة رفح
الحاخام الإسرائيلي المتطرف أبراهام زربيف داخل جرافة تهدم المنازل في غزة – شبكات التواصل

محاصرة سكان غزة في مناطق القتل

يتزامن استمرار التدمير الممنهج لمدينة رفح وبقية مناطق القطاع مع تطبيق إسرائيل لخطة "عربات جدعون" التي أقرتها إسرائيل بداية مايو/أيار 2025، والتي تهدف إلى احتلال قطاع غزة بالكامل.

في ذات الوقت، ومع اتساع أوامر الإخلاء التي يصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي للسكان في غزة، باتت معظم مناطق القطاع "مناطق إخلاء"، بحسب ما رصده "عربي بوست" من خلال بيانات جيش الاحتلال التي تحدد الأحياء التي يجب إخلاؤها، إضافة إلى رصد بيانات من الأمم المتحدة التي أشارت إلى أن الإخلاء طال نحو 72% من مساحة غزة.

ويعمل الاحتلال على ضم مناطق الإخلاء إلى "المناطق الأمنية" التي تحولت فعلياً إلى "مناطق قتل"، حيث تم استهداف مدنيين وقتلهم لمجرد تواجدهم فيها، وبذلك تقلصت المساحة التي يتواجد فيها سكان غزة داخل القطاع بشكل واسع.

ويتمركز سكان قطاع غزة حالياً في مساحات ضيقة، متوزعة في أجزاء من محافظات شمال غزة، وغزة، والوسطى، وخان يونس، فيما أصبحت محافظة رفح، كما ذكرنا، مناطق إخلاء، عدا عن كونها أصبحت مدمرة بشكل شبه كامل.

تدمير مدينة رفح
أصبحت معظم مساحة غزة مناطق محظورة وإخلاء – عربي بوست

وفيما يحصر الاحتلال سكان غزة في مناطق صغيرة، فإنه دفع بمزيد من الألوية العسكرية الإضافية إلى قطاع غزة، ليلة الثلاثاء/الأربعاء 21 مايو/أيار 2025، وذلك ضمن خطته لتوسيع احتلاله للقطاع وتهجير سكانه.

إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي ذكرت أن "من بين الألوية التي دخلت القتال في مناطق مختلفة من قطاع غزة الليلة الماضية لواء ناحال ولواء غولاني"، وقبل إعلان الإذاعة، ذكر جيش الاحتلال الثلاثاء 20 مايو/أيار 2025، أن "الفرقة العسكرية 162 عادت للحرب في شمال قطاع غزة".

كذلك تعمل قوات من اللواء 401 وجفعاتي – تحت قيادة الفرقة 162 – في شمال قطاع غزة، فيما أشارت بيانات سابقة لجيش الاحتلال إلى وجود الفرقة 252، والفرقة 143، والفرقة 36، والفرقة 162 في غزة، وتضم الفرقة الواحدة أكثر من لواء.

يأتي هذا فيما تنتشر المجاعة بين سكان قطاع غزة، بسبب الحصار الذي يفرضه الاحتلال، وكان من المفترض أن يسمح الاحتلال بدخول شاحنات إغاثة إلى غزة، لكن المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع نفى دخول أي مساعدات فعلياً إلى القطاع.

جيش الاحتلال الإسرائيلي كان قد زعم بأنه سمح بدخول 93 شاحنة تابعة للأمم المتحدة، محمّلة بالطحين، ومواد غذائية للأطفال، ومعدات طبية وأدوية عبر معبر كرم أبو سالم.

لكن مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، أكد في تصريح لوكالة الأناضول أن "إسرائيل لم تسمح بدخول أي مساعدات منذ أكثر من 80 يوماً"، وقال إن "الشاحنات لا تزال داخل المعبر ولم تُسلَّم لأي جهة إنسانية".

وتواصل إسرائيل قتل الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وخلّفت حربها على القطاع 175 ألف شخص بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.

تحميل المزيد