المغاربيون أكبر ضحاياه وتشديد شروط الجنسية أحدث قراراته.. هكذا ضيّق وزير الداخلية الفرنسي على المهاجرين خلال 8 أشهر

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/07 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/07 الساعة 11:21 بتوقيت غرينتش
ريتايو جعل من المهاجرين ملفه الرئيسي منذ تعيينه وزيراً للداخلية قبل 8 أشهر/ عربي بوست

صباح يوم الإثنين 5 مايو/أيار 2025 اختار وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، التوجّه إلى مدينة كريتاي (Créteil) التي تبعد عن وسط العاصمة الفرنسية باريس بنحو 11 كيلومتراً، للإعلان عن تفاصيل تعميم جديد أرسله إلى جميع المحافظين، يفرض شروطاً جديدة وأكثر تشديداً على الراغبين في الحصول على الجنسية الفرنسية.

هذا التعميم "الأكثر تقييداً" الذي أصدره برونو ريتايو، يدخل في إطار السياسة التي تبنّاها الوزير "اليميني" في موضوع الهجرة منذ تعيينه وزيراً للداخلية في شهر سبتمبر/أيلول 2024، وهي سياسة توصف بالمتشددة وتستهدف بالدرجة الأولى المهاجرين في وضعية غير قانونية المنحدرين من دول المغرب العربي.

خلال الأشهر الثمانية التي قضاها على رأس وزارة الداخلية، أعلن ريتايو عن مجموعة من القرارات التي تستهدف المهاجرين، ومن خلال هذا التقرير سنتطرّق إلى تفاصيل هذه القرارات وكيف قام بتطبيقها على أرض الواقع، إلى جانب تأثيرها مستقبلاً على عشرات آلاف المهاجرين العرب المقيمين بطريقة غير شرعية في فرنسا.

تشديد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية

آخر القرارات المتشددة التي أصدرها وزير الداخلية الفرنسي هو التعميم الإداري الجديد الذي يُعقّد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية، ووزّعه على رؤساء محافظات البلاد الذين لهم صلاحية منح الجنسية للأجانب المقيمين في البلاد بشكل قانوني منذ 5 سنوات، إلى جانب شروط أخرى ينصّ عليها القانون الفرنسي.

ولم يكن اختيار الوزير لمدينة كريتاي، عاصمة إقليم فال-دو-مارن (Val-de-Marne)، للإعلان عن الشروط الجديدة اعتباطياً، إذ إنها تُعدّ من بين المحافظات الأكثر نشاطاً في معالجة طلبات التجنيس في منطقة إيل-دو-فرانس، وتضم المدينة منصة مخصصة لدراسة طلبات الحصول على الجنسية الفرنسية.

وفق ما ذكرته تقارير إعلامية فرنسية، فإن هذا التعميم الإداري الذي أصدره وزير الداخلية الفرنسي، مكوّن من خمس صفحات، ويهدف إلى توجيه المحافظين في الأقاليم الفرنسية نحو تطبيق أكثر صرامة في دراسة طلبات الحصول على الجنسية الفرنسية، وجاءت الشروط كما يلي:

تعزيز متطلبات اللغة الفرنسية: رفع مستوى الكفاءة اللغوية المطلوب إلى المستوى B2، مع التركيز على المهارات الشفوية والكتابية.

اختبار مدني إلزامي: بدءاً من 1 يناير/كانون الثاني 2026، سيتم فرض اختبار لتقييم معرفة المتقدّمين بتاريخ فرنسا ومؤسساتها وقيمها الأساسية.

الاستقلال المالي: يجب على المتقدّمين إثبات قدرتهم على إعالة أنفسهم مالياً دون الاعتماد على المساعدات الاجتماعية، مع تقديم دليل على دخل ثابت ومستقر خلال السنوات الخمس الماضية.

الاندماج المهني: ضرورة وجود سجل مهني يُظهر اندماج المتقدّم في سوق العمل الفرنسي، مع التركيز على الاستقرار الوظيفي.

السجل القانوني النظيف: سيتم رفض طلبات التجنيس من الأفراد الذين لديهم سجل قانوني غير نظيف، بما في ذلك من دخلوا فرنسا بشكل غير قانوني أو صدر بحقهم أوامر ترحيل لم تُنفذ.

وصرّح الوزير الفرنسي: "أن تصبح فرنسياً يجب أن يكون شيئاً يستحق"، مؤكداً أن الجنسية لا تُمنح فقط بناءً على الإقامة أو النسب، بل على أساس "الانتماء الحقيقي إلى الأمة الفرنسية".

وشدّد ريتايو خلال إعلانه تفاصيل التعميم الخاص بالشروط الجديدة للحصول على الجنسية الفرنسية، على ضرورة رفض طلبات التجنيس من الأجانب الذين كانوا في وضع غير قانوني في فرنسا سابقاً، مؤكداً أن "الاحترام لقوانيننا هو الشرط الأول".

وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو/ رويترز
وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو/ رويترز

ما المقصود بـ"سجل قانوني غير نظيف"؟

"سجل قانوني غير نظيف" هو وجود سوابق قضائية أو مخالفات قانونية أو إقامة غير منتظمة تؤثر في أهلية الشخص للحصول على الجنسية الفرنسية. ويشمل ذلك:

الدخول أو الإقامة غير القانونية: أي شخص دخل فرنسا بطريقة غير شرعية (مثلاً عبر التهريب أو دون تأشيرة) أو أقام لفترة داخل التراب الفرنسي بدون تصريح إقامة صالح، يمكن أن يُرفض طلبه تلقائياً حتى لو استقرت وضعيته لاحقاً.

حتى في حالة حصوله لاحقاً على بطاقة إقامة، يبقى تاريخه القانوني عنصراً سلبياً عند تقييم الطلب.

الأشخاص الذين صدر بحقهم أمر طرد أو ترحيل (OQTF): إذا كان مقدّم الطلب قد تلقّى أمراً بالطرد من التراب الفرنسي (حتى وإن لم يُنفذ)، فإن الإدارة ستعتبره شخصاً "غير جدير" بالجنسية، ويُرفض طلبه غالباً بشكل تلقائي.

السوابق القضائية أو الجنائية، ويشمل ذلك: إدانات سابقة بالسجن (حتى مع وقف التنفيذ)، والمخالفات المرتبطة بالعنف، السرقة، الاحتيال، التهديدات أو المخدرات، وحتى غرامات مالية قضائية أو أحكام بسيطة قد تؤدي إلى الرفض إذا اعتبرتها السلطات مؤشراً على "عدم الالتزام بالقيم الجمهورية".

"التعميم الإداري"، وفق القانون الفرنسي، ليس بقانون أو تشريع، بل هو عبارة عن توجيهات يصدرها وزير الداخلية ويوجّهها إلى المحافظين، فيبقى في كامل تقديرهم وتقدير الموظفين المعنيين بدراسة طلبات التجنيس، التعامل مع الملفات بناءً عليها أم لا.

وتجدر الإشارة إلى أن البيانات الرسمية التي أصدرتها وزارة الداخلية الفرنسية، وثقت منح الجنسية الفرنسية لحوالي 66745 شخصاً خلال سنة 2024، أي بزيادة بلغت 8.3% مقارنة بعام 2023، وبعد تطبيق هذه التوجيهات الجديدة التي أصدرها ريتايو، من المتوقع أن ينخفض الرقم خلال عام 2025.

وحسب الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية، فقد تصدّر المغاربة عدد الحاصلين على الجنسية الفرنسية خلال عام 2024، وبلغ عددهم 11302 مُجنّس، يليهم الأفغان بـ10456 مُجنّساً، ثم التونسيون بـ9391، والجزائريون بـ6709 مُجنّساً.

تقييد تسوية أوضاع المهاجرين في فرنسا

تشديد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية بعد التعميم الذي أرسله ريتايو للمحافظين، هو آخر إجراءات وزير الداخلية اليميني الذي جعل من مسألة الهجرة ملفه الرئيسي خلال الثمانية أشهر التي تولى فيها المسؤولية.

إذ إنه في يناير/كانون الثاني 2025، أرسل وزير الداخلية الفرنسي تعميماً إدارياً إلى جميع المحافظين، ألغى بموجبه "تعميم فالس" السابق الذي يعود إلى عام 2012، ودعا ريتايو إلى تشديد المعايير المتعلقة بتسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين الذين لا يعملون في المهن التي تعاني من نقص في اليد العاملة.

ومن أبرز ما ورد في النص الجديد، المكوّن من ثلاث صفحات، تأكيده على أن "مسار التسوية الاستثنائية للإقامة ليس هو المسار الطبيعي للهجرة والحصول على الإقامة"، مشدداً على أن هذه الآلية "يجب أن تظل استثناءً"، وفق ما جاء في التعميم الذي أصدره وزير الداخلية الفرنسي اليميني.

ولم يوضح التعميم الجديد أي توجيهات تتعلق بشروط التسوية بالنسبة للمهاجرين غير النظاميين الذين يعملون في مجالات تعاني من نقص في اليد العاملة، إذ يمكن لهؤلاء المهاجرين طلب تسوية أوضاعهم بشرط الإقامة لمدة ثلاث سنوات في فرنسا، بالإضافة إلى 12 شهراً من العمل في مهنة مدرجة ضمن قائمة المهن التي تحددها الحكومة.

ويمكن تلخيص التعميم الجديد الصادر عن وزير الداخلية الفرنسي الخاص بتسوية أوضاع المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني في فرنسا في النقاط التالية:

  • تقييد التسويات لتشمل فقط العمال في المهن التي تعاني من نقص
  • اشتراط إقامة لا تقل عن سبع سنوات وإتقان اللغة الفرنسية

وواجهت الحكومة الفرنسية انتقادات حادة بسبب فرض اختبارات لغة صعبة على الأجانب الراغبين في الحصول على الإقامة أو الجنسية، لدرجة أن بعض المواطنين الفرنسيين أنفسهم فشلوا في اجتيازها.

ووفقاً لتقرير نشرته مجلة "ذا غارديان"، قد تؤدي هذه المتطلبات المشددة إلى رفض طلبات إقامة نحو 60 ألف شخص في فرنسا.

  • إصدار أوامر مغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF) تلقائياً في حالة الرفض
ماكرون ووزير الداخلية الفرنسي/ رويترز
ماكرون ووزير الداخلية الفرنسي/ رويترز

تعزيز عمليات ترحيل المهاجرين "غير الشرعيين"

في شهر أبريل/نيسان 2025، أطلق ريتايو خطة "OQTF"، وهي اختصار لـ"Obligation de Quitter le Territoire Français"، أي "أمر بمغادرة التراب الفرنسي"، وهي استراتيجية حكومية جديدة تهدف إلى تعزيز تنفيذ أوامر مغادرة الأراضي الفرنسية بحق المهاجرين غير النظاميين.

وتهدف خطة وزير الداخلية الفرنسي إلى رفع عدد الترحيلات الفعلية من المهاجرين غير النظاميين الذين صدرت بحقهم أوامر مغادرة، والحد من "الإفلات من التنفيذ"، حيث أظهرت الإحصائيات أن أقل من 10% من قرارات مغادرة التراب الفرنسي تُنفّذ فعلياً.

وإضافة إلى استعادة هيبة الدولة، عبر التأكيد على أن من لا يملك حق الإقامة لن يبقى على التراب الفرنسي، وربط التسويات (régularisations) بالاندماج المهني بدلاً من الروابط الأسرية أو المدة.

وكشف التقرير الأخير حول الهجرة في فرنسا، والذي صدر في 4 فبراير/شباط 2025، عن ارتفاع نسبة المهاجرين غير الشرعيين الذين رُحّلوا من فرنسا في العام 2024 إلى 26.7%، ليصل عددهم إلى حوالي 21601 شخص. كما انخفض أيضاً عدد المهاجرين الذين تمت تسوية أوضاعهم الإدارية بـ10%، ليصلوا إلى 31250 مقيماً.

وفي تقرير وزارة الداخلية الفرنسية بشأن المهاجرين غير الشرعيين المُرحّلين من فرنسا في 2024، احتل الجزائريون المرتبة الأولى بحوالي 3000 شخص مُبعَد، أي بارتفاع نسبته 17% مقارنة مع 2023، فيما تم إبعاد 1658 مهاجراً مغربياً مقيماً في فرنسا بشكل غير شرعي.

ووفق الأرقام الجديدة، فقد عرفت طلبات اللجوء السياسي انخفاضاً ملحوظاً بلغ 5% مقارنة بسنة 2023، وبلغ عدد طالبي اللجوء السياسي في فرنسا في العام 2024 حوالي 157947 مقارنة بـ167056 في العام 2023.

مواقف وزير الداخلية الفرنسي

وفقًا لمراقبين، فإن نهج الحكومة الحالية يستمد أفكاره من اليمين المتطرف، ويخضع للضغوط السياسية التي يمارسها هذا التيار. ويُعزز هذا التوجّهَ سعيُ الحكومة إلى كسب تأييد الناخبين المناهضين للهجرة، تحضيرًا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، في سياق انتخابي متوتر تسعى فيه إلى منافسة اليمين المتطرف من خلال تبني سياسة هجرة أكثر تشددًا.

وترى العديد من الجمعيات المدافعة عن حقوق المهاجرين واللاجئين أن هذه الإجراءات تعكس رغبة مهووسة في التعامل مع مسألة الهجرة بوصفها تهديدًا مزعومًا للمجتمع الفرنسي، وتسعى إلى قمع الأجانب واستغلال المخاوف، على حساب الحقوق الأساسية، والواقع الفعلي لحركة الهجرة، واحترام سيادة القانون، والمبادئ الدستورية التي تقوم عليها الجمهورية.

وتُعدّ القرارات التي صدرت عن وزير الداخلية الفرنسي أكبر دليل على التوجه اليميني المتشدد، وهي تعكس أيضًا المواقف الأيديولوجية المتصلبة لريتايو، خصوصًا تجاه المهاجرين القادمين من الدول العربية، وعلى رأسها دول المغرب العربي: الجزائر، والمغرب، وتونس.

وقد أعرب ريتايو عن رفضه لفكرة المجتمع متعدد الثقافات، معتبرًا إياها مصدرًا للصراعات والتوترات الاجتماعية. ويرى أن التعددية الثقافية تؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى مجموعات متجاورة تفتقر إلى قواسم مشتركة، مما يزيد من احتمالية نشوب صدامات عنيفة.

وفي أكتوبر 2024، وخلال اجتماع مع المحافظين، صرّح وزير الداخلية الفرنسي بأن "المجتمع المتعدد الثقافات هو مجتمع متعدد الصراعات". وفي مقابلة مع صحيفة Le Journal du Dimanche، أشار إلى أن المجتمعات التي تعتمد النموذج الأنجلوساكسوني في التعددية الثقافية معرّضة لـ"صدمات عنيفة".

كما انتقد ما وصفه بـ"عقدة الذنب الأوروبية" تجاه الحقبة الاستعمارية، معتبرًا أنها تُعيق عملية الاندماج وتُغذي الشعور بالانفصال لدى بعض المهاجرين.

ويدعو ريتايو إلى نموذج اندماج قائم على "الانصهار" في الثقافة الفرنسية، حيث يجب على المهاجرين تبني القيم الجمهورية الفرنسية، والتخلي عن الهويات الثقافية الأصلية التي قد تتعارض مع هذه القيم. ويرى أن هذا النموذج هو السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة المجتمع الفرنسي وتماسكه.

المسلمون في فرنسا يعانون من تضييقات عليهم بسبب العلمانية المتشددة/ رويترز
المسلمون في فرنسا يعانون من تضييقات عليهم بسبب العلمانية المتشددة/ رويترز

ارتفاع ملحوظ في عدد الأعمال المعادية للمسلمين

تزامنًا مع القرارات المتشددة التي أصدرها وزير الداخلية الفرنسي، شهدت البلاد ارتفاعًا ملحوظًا في الأعمال المعادية للمسلمين، حيث تم تسجيل 79 حالة في الربع الأول من العام الجاري فقط، أي بزيادة قدرها 72% على أساس سنوي، وفقًا لأرقام وزارة الداخلية.

ومن أبرز هذه الوقائع، تعرّض شابة تبلغ من العمر 26 عامًا، يوم الإثنين الماضي، لاعتداء في مدينة بواسي شمالي باريس، حيث نُزع حجابها ورُشّت بالماء. وقبل ذلك، وقعت جريمة قتل الشاب المالي أبو بكر سيسيه داخل مسجد في بلدة "لا غران كومب" جنوب شرق فرنسا، ما أثار موجة واسعة من الغضب والاستنكار.

ووفق إحصاءات سابقة أعلنتها وزارة الداخلية الفرنسية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، سُجّلت في فرنسا خلال عام 2024 نحو 173 حادثة معادية للمسلمين. وأوضحت الوزارة أن نسبة هذه الاعتداءات انخفضت بـ29% مقارنةً بعام 2023.

إلا أن منظمة "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا" شككت في الأرقام الرسمية، كما أورد "المركز الفرنسي للتسامح والسلام" – الذي يتلقى العديد من البلاغات ويدعم ضحايا الإسلاموفوبيا – بيانات تُظهر أرقامًا أعلى خلال الفترة ذاتها.

بل إن تقريرًا للجنة برلمانية فرنسية حول الإسلاموفوبيا، صدر في مارس/آذار 2025، أكد أن الأرقام الرسمية لا تعكس الواقع الحقيقي، بسبب ضعف التبليغ، وانعدام الثقة في الشرطة، وغياب التأطير الكافي لرصد هذه الظواهر.

وفي المجمل، تم الإبلاغ عن 1037 حادثة معادية للمسلمين في عام 2024، أي بزيادة قدرها 25% مقارنةً بعام 2023، بحسب ما سجّلته منظمة "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا" في بيان صدر في فبراير/شباط 2025 ردًا على بيانات وزارة الداخلية الفرنسية.

تحميل المزيد