الخشية من تيار معارض جديد.. هكذا يسعى قادة من الإطار التنسيقي إلى منع السوداني من خوض الانتخابات العراقية

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/02 الساعة 09:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/02 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني/الأناضول

مع بقاء ستة أشهر على الانتخابات البرلمانية، يشهد العراق حراكاً سياسياً مكثفاً يتمثل في تشكيل تحالفات جديدة، وانقلابات، وإعادة ترتيب تحالفات قديمة في ظل تحديات سياسية واقتصادية وأمنية معقدة.

ومن المفترض أن تتيح الانتخابات المقبلة، المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول القادم، لأكثر من 29 مليون عراقي التصويت، من إجمالي عدد سكان يصل إلى 46 مليون نسمة، ويزيد عدد المؤهلين للتصويت بمليون شخص مقارنة بالانتخابات البرلمانية السابقة في عام 2021.

عاصفة السوداني

أعلن رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني خوضه الانتخابات البرلمانية المقبلة، متحدياً كل محاولات منعه التي عمل عليها قادة من الإطار التنسيقي الشيعي، التحالف السياسي الداعم لحكومته، وعلى رأسهم نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق وزعيم تحالف ائتلاف القانون.

يقول مصدر سياسي شيعي لـ"عربي بوست"، "كان إعلان السوداني نيته خوض الانتخابات بمثابة عاصفة ضربت قادة الإطار التنسيقي الشيعي الذين اتهموه بخيانة الاتفاق". وبحسب المصدر، فقد كان هناك اتفاق شفهي بين السوداني وقادة الإطار التنسيقي في عام 2024 على ألا يخوض رئيس الوزراء الانتخابات البرلمانية المقبلة.

لكن السوداني قرر عدم الانصياع لمطالب قادة الإطار التنسيقي. يقول مصدر سياسي مقرب من السوداني لـ"عربي بوست"، "السوداني يرى أنه قادر على خوض الانتخابات المقبلة، ولا يوجد ما يمنعه قانونياً، والاتفاق الذي يتحدث عنه قادة الإطار قابل للتغيير والتعديل، كما يفعلون في كثير من الاتفاقيات الأخرى".

ويخشى قادة الإطار التنسيقي الشيعي أن يتمكن السوداني من تأمين عدد كبير من الأصوات في الانتخابات المقبلة، مستغلاً شعبيته النسبية بين قطاعات لا بأس بها من المجتمع العراقي.

وفي هذا الصدد، يقول قيادي من الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست"، "السوداني يرغب في استغلال موارد الدولة لخوض حملته الانتخابية، لأنه يعلم أن هذا هو السبيل الوحيد لنجاحه في الانتخابات المقبلة، يريد أن يستقل عن الإطار الذي دعمه لتولي هذه الحكومة".

وفي محاولة أخيرة لمنع السوداني من الترشح للانتخابات المقبلة، اتفق بعض قادة الإطار التنسيقي، وعلى رأسهم نوري المالكي وهادي العامري، على تعديل قانون الانتخابات، بحيث يمنع التعديل أي موظف حكومي من الترشح للانتخابات قبل استقالته من منصبه بأربعة أشهر قبل موعد إجراء الانتخابات البرلمانية.

وفي هذا السياق، يقول محمد الكاظمي، القيادي في منظمة بدر التي يترأسها هادي العامري، لـ"عربي بوست"، "السوداني شجّع عدداً من الموظفين في الدولة وفي المناصب الحكومية الرفيعة للترشح في الانتخابات، وهذا يضمن له على الأقل 30 مقعداً في البرلمان، ناهيك عن تحالفه مع فالح الفياض، لذلك كان تعديل قانون الانتخابات هو الحل الوحيد أمام قادة الإطار، ولكن إلى الآن لا يوجد إجماع على هذا الأمر".

تحالف سني جديد بالعراق
رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني متحالف مع قيادات التحالف الجديد/ رويترز

وتعارض بعض قوى الإطار التنسيقي، مثل عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، تعديل قانون الانتخابات، وفي الوقت نفسه تسود الانقسامات بين قوى الإطار التنسيقي الشيعي حول مسألة تعديل قانون الانتخابات، التي ستؤدي بطبيعة الحال إلى تأجيل إجراء الانتخابات البرلمانية.

يقول القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست"، "هناك انقسام حاد بين قادة الإطار على مسألة تعديل قانون الانتخابات لمواجهة السوداني، فتأجيل الانتخابات ليس في صالح أحد، كما أن القوى السنية والكردية في البرلمان لا توافق على تعديل القانون".

وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "السوداني الآن يتمتع بدعم 50 نائباً في البرلمان، وهم أيضاً يقفون في وجه تعديل قانون الانتخابات، ما يزيد الأمور صعوبة".

الرد على السوداني

إلى الآن، لم يحسم قادة الإطار التنسيقي الشيعي موقفهم من ترشح رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، واكتفوا بإثارة مسألة تعديل قانون الانتخابات، على الرغم من إعلان الحكومة بشكل رسمي إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد في شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم.

يقول المصدر السياسي المقرب من السوداني لـ"عربي بوست"، "يحاول قادة الإطار عرقلة ترشح السوداني، خاصة بعد تحالفه مع الفياض (رئيس هيئة الحشد الشعبي)، الذي أرادوا الإطاحة به، خلف الكواليس أطلقوا التهديدات باتجاه السوداني، وأشاعوا أنهم جاهزون للرد عليه".

وفيما يتعلق بماهية رد قادة الإطار التنسيقي على ترشح السوداني، يقول مصدر سياسي مقرب من هادي العامري لـ"عربي بوست"، "بصراحة، لا يوجد رد إلى الآن، كلها تهديدات في الهواء، صحيح أن السوداني انقلب على التفاهمات القديمة بينه وبين الإطار، لكن لا يملك قادة الإطار رداً صارماً، سيلجؤون إلى المساومات".

وأشار المتحدث ذاته إلى إمكانية الجلوس والتفاوض مع السوداني من قبل قادة الإطار، فيقول لـ"عربي بوست"، "يفكر قادة الإطار الآن في عقد اتفاقية مع السوداني، فسيعرضون عليه قيادة تحالف انتخابي دون أن يترشح، مقابل أن يتخلوا عن مسألة تعديل قانون الانتخابات، مع إمكانية أن ينظروا في تمديد ولاية ثانية له بعد الانتخابات".

لكن المصادر المقربة من السوداني قالت لـ"عربي بوست"، "إنه ليس من المتوقع أن يوافق السوداني على هذا الاتفاق".

ويجادل قادة الإطار التنسيقي بمحاولة منعهم السوداني من الترشح للانتخابات، بأن الأمر يُعد "استغلالاً لموارد الدولة في الدعاية الانتخابية للسوداني"، على حد تعبيرهم.

ويقول القيادي في الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست"، "بجانب مسألة استغلال موارد الدولة، فما يعقد الأمور أكثر هو تحالف السوداني مع فالح الفياض، الذي استطاع بناء تحالفات سياسية في محافظات ذات أغلبية سنية ومحافظات مختلفة، ما يعني فرصة كبيرة لفوز ساحق للسوداني والفياض، وخلق معارضة مثل التيار الصدري تقف بوجه الإطار التنسيقي، وهذا الأمر مقلق بالنسبة لقادة الإطار".

قوائم منفصلة وتحالفات مؤقتة

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإنه إلى الآن لم يتوصل قادة الإطار التنسيقي الشيعي إلى أمر حاسم في مسألة تعديل قانون الانتخابات من عدمه، بالإضافة إلى تأجيل الانتخابات أو إجرائها في موعدها الذي أعلنته الحكومة.

كما أشارت المصادر إلى أن القرارات الصادرة عن قادة الإطار التنسيقي حتى الآن تشير إلى أن الإطار سيخوض الانتخابات بقوائم منفصلة، على أن يتم عقد التحالفات بعد نتائج الانتخابات.

وبحسب المصادر، ستكون القوائم الشيعية المتنافسة كالآتي: قائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وأخرى بقيادة قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، وقائمة ثالثة ستكون ائتلافاً بين عمار الحكيم وحيدر العبادي، رئيس الوزراء السابق، أما القائمة الرابعة فستضم ائتلافاً بين رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني وفالح الفياض.

ويقول مصدر مقرب من هادي العامري لـ"عربي بوست"، "يفكر العامري في خوض الانتخابات ضمن تحالف السوداني والفياض، ولكنه إلى الآن لم يحسم أمره، فهناك العديد من المشاورات بين قادة منظمة بدر الذين انقسموا حول هذا الأمر".

كما أشار قيادي في الإطار إلى أن فكرة خوض الإطار التنسيقي للانتخابات ضمن قوائم منفردة، ومتفرقة على مختلف أنحاء البلاد، تهدف إلى تحقيق أعلى عدد من الأصوات.

الصدر يعود للحياة السياسية
عودة الصدر للحياة السياسية ستكون تراجعاً منه عن اعتزاله إياها في 8 أغسطس 2023/ رويترز

وقال المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، "يهدف قادة الإطار بفكرة القوائم المنفردة إلى الحصول على أعلى نسب من الأصوات لمواجهة السوداني وتحالفه، وتمكينهم من تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر لتشكيل الحكومة القادمة، لكن هذا لا يعني أن الإطار سيسعى إلى إقصاء أي تحالف شيعي آخر، ولكن الهدف تشكيل حكومة وطنية تضم الجميع".

وكما أشرنا في تقرير سابق، فإن التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر قد أعلن مقاطعته للانتخابات البرلمانية المقبلة، ومن الممكن أن تظهر تحالفات وائتلافات شيعية أخرى في الأشهر القليلة القادمة.

القوى السنية تحاول استعادة تمثيلها البرلماني

على الجانب الآخر، تحاول القوى السنية في العراق استعادة قوتها البرلمانية التي تأثرت على مدى سنوات، تارة بسبب الانقسامات السياسية، وتارة أخرى بسبب الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014، والتي فتحت المجال أمام القوى السياسية الشيعية لمنافسة القوى السنية في المحافظات ذات الأغلبية السنية، ما زاد من سيطرة ونفوذ الأحزاب الشيعية في البرلمانات السابقة.

ومن المحتمل أن يخوض رئيس البرلمان الحالي، محمود المشهداني، الانتخابات المقبلة في تحالف منفرد. وفي هذا الصدد، يقول سياسي سني مقرب من المشهداني لـ"عربي بوست"، "إلى الآن لا يوجد إجماع بين القوى السنية على مسألة التحالفات الانتخابية، خاصة وسط الصراع المستمر بين الحلبوسي وباقي القوى السنية".

ومن المتوقع أن تخوض أربعة أحزاب سنية الانتخابات المقبلة: حزب "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي، تحالف "العزم" بقيادة مثنى السامرائي، حزب "السيادة" بقيادة خميس الخنجر، وتحالف محمود المشهداني، رئيس البرلمان الحالي.

ويقول المصدر السياسي المقرب من المشهداني لـ"عربي بوست"، "من المحتمل أن ينضم إياد علاوي إلى ائتلاف المشهداني". إياد علاوي هو سياسي شيعي علماني، وتولى رئاسة الحكومة المؤقتة في العراق بعد الغزو الأمريكي في الفترة ما بين عامي 2004 و2005.

وأشار المصدر ذاته إلى أن القوى السنية تسعى إلى استعادة تمثيل برلماني قوي في الانتخابات المقبلة، وهذا ما ستعمل عليه خلال الأشهر القادمة.

أما فيما يتعلق بحزب "تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، يقول ليث فرج من حزب "تقدم" لـ"عربي بوست"، "لن يدخل حزب تقدم في أي تحالفات مع الأحزاب السنية الأخرى، ويعتزم الحزب خوض الانتخابات المقبلة بأربعة قوائم انتخابية منفصلة للتنافس بشكل مستقل، وتأمين أكبر عدد من المقاعد في المحافظات ذات الأغلبية السنية".

وأشار فرج إلى إمكانية دخول حزب "تقدم" في تحالف مع ائتلاف دولة القانون بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة، فيقول لـ"عربي بوست"، "في الفترة الأخيرة كانت هناك مناقشات بين الحلبوسي وعدد من قادة الإطار التنسيقي، من بينهم المالكي، حول إمكانية عقد التحالفات بين 'تقدم' والإطار بعد الانتخابات، ولكن هذا الحديث لم يتم الانتهاء منه، ونتائج الانتخابات ستحسم مسألة التحالفات".

وقد أشار مصدر سياسي مقرب من الإطار التنسيقي والمالكي إلى إمكانية رجوع محمد الحلبوسي إلى رئاسة البرلمان المقبل، بعد عقد اتفاقيات مع قادة الإطار التنسيقي.

وجدير بالذكر أن الحلبوسي، الذي تولى رئاسة البرلمان من عام 2018 حتى 2023، قد صدر أمر قضائي بإقالته من منصبه بسبب مزاعم تزوير، بعد أن دخل في تحالف مع التيار الصدري بعد انتخابات عام 2021.

التحالفات الكردية.. لا جديد

على الجانب الكردي، لا تزال التحالفات القديمة كما هي، وتشمل أبرز القوائم الانتخابية الكردية حالياً: الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة الجيل الجديد، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، وجماعة العدالة الكردستانية.

تحميل المزيد