من زيادة تقطيع أوصال غزة إلى ممر جديد يقسمها.. عربي بوست يرصد بالأقمار الصناعية والخرائط ما تفعله إسرائيل منذ استئناف الحرب

عربي بوست
تم النشر: 2025/04/16 الساعة 09:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/04/16 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
الاحتلال الإسرائيلي يزيد من عزلة مناطق غزة وتقسيم أجزائها منذ استئناف الحرب - عربي بوست

منذ انتهاك إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وعودة العمليات العسكرية والقصف يوم 18 مارس/آذار 2025، يعيد الاحتلال رسم مشهد الجغرافيا العسكرية داخل القطاع، من خلال استراتيجية تقوم على ثلاث ركائز رئيسية، تزيد من عزل مناطق غزة عن بعضها، وتفاقم معاناة السكان وتعزز الهيمنة الإسرائيلية، في مسعى للضغط على فصائل المقاومة.

تتركز تحركات إسرائيل منذ انهيار وقف إطلاق النار وحتى تاريخ اليوم 16 أبريل/نيسان 2025، على:

تكثيف أوامر إخلاء الأحياء، لا سيما في شمال وجنوب قطاع غزة، ومحاصرة رفح.

توسيع مساحة "المنطقة الأمنية" المحظورة، وبالتالي توسيع مساحة المناطق الخاضعة للسيطرة النارية من قبل جيش الاحتلال، وتقليص المساحات التي يتواجد فيها سكان القطاع.

تكريس تقسيم القطاع من خلال السيطرة على ممرات تفصل أجزاء غزة عن بعضها، ووجود خطة لإقامة ممر في الجنوب، مما سيؤدي إلى جعل القطاع أكثر عزلة.

يرصد "عربي بوست" في هذا التقرير تفاصيل الركائز الرئيسية الثلاث التي يعمل الاحتلال على تنفيذها منذ انهيار وقف إطلاق النار، ويرصد بصور الأقمار الصناعية عملية إنشاء ممر جديد، ويظهر ما الذي فعله الاحتلال في غزة منذ انهيار وقف إطلاق النار وحتى تاريخ اليوم 16 أبريل/نيسان 2025.

عشرات أوامر الإخلاء والتركيز على الجنوب

رصد "عربي بوست" من خلال بيانات جيش الاحتلال، وأخرى للأمم المتحدة، إصدار الاحتلال 133 أمر إخلاء لسكان القطاع منذ 18 مارس/آذار وحتى 16 أبريل/نيسان 2025، وتغطي هذه الأوامر وحدها نحو 40% من مساحة قطاع غزة.

تأثر 80 حياً في مناطق مختلفة من القطاع بأوامر الإخلاء، والتي بلغت ذروتها يوم 31 مارس/آذار 2025، ووصل عددها إلى 22 أمراً، يليه يوم 18 مارس/آذار 2025، 19 أمراً، وتغطي…

تُظهر البيانات أن نصف الأحياء المتأثرة بأوامر الإخلاء، منذ انهيار وقف إطلاق النار، موجودة في خان يونس (21 حياً)، ورفح (جنوب القطاع – 17 حياً)، التي شملت أوامر الإخلاء فيها نحو 97% منها.

يتزامن هذا التركيز في إخلاء الأحياء في محافظتي خان يونس ورفح، مع وجود خطة للاحتلال لإقامة "ممر موراج" الذي من شأنه فصل هاتين المحافظتين عن بعضهما، وفصل رفح عن بقية مناطق القطاع، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في الفقرات التالية.

ويشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوشا)، إلى أن إجمالي المساحة التي استولى عليها الاحتلال أو أصدر أوامر بإخلائها من السكان، بلغ 65 % من قطاع غزة، فيما بلغ عدد النازحين منذ انهيار وقف إطلاق النار 400 ألف شخص.

ممر موراج
الأحياء التي طالتها أوامر الإخلاء في غزة أصدرها جيش الاحتلال منذ 18 مارس 2025 وحتى 16 أبريل 2025 – عربي بوست

توسيع مساحة المنطقة الأمنية

بالتوازي مع أوامر الإخلاء المكثفة التي أصدرها جيش الاحتلال منذ 18 مارس/آذار 2025، تمضي إسرائيل في تنفيذ خطتها المعلنة من قبل وزير الدفاع يسرائيل كاتس مطلع أبريل/نيسان 2025، والتي تهدف إلى توسيع عملياتها داخل القطاع، بغرض الاستيلاء على مناطق واسعة، تمهيداً لضمها إلى "المناطق الأمنية" التي تفرضها إسرائيل.

ويمنع الاحتلال سكان غزة من دخول المناطق الأمنية التي تحولت فعلياً إلى "مناطق قتل"، حيث تم استهداف مدنيين وقتلهم لمجرد تواجدهم فيها، وتهدف إسرائيل من ذلك إلى جعل هذه المناطق خالية إلا من مقاتلي فصائل المقاومة.

ومنذ خرق إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار، وسع الاحتلال من مساحة المناطق الأمنية، والتي باتت تصل في بعض المناطق إلى عمق 3 كيلومترات داخل القطاع، بعدما كانت تصل إلى نحو نصف هذه المسافة.

في قلب هذه التطورات، تتصدر رفح المشهد، إذ باتت المحافظة محاصرة بشكل كامل بعد صدور أوامر لإخلاء معظم مناطقها، مما عزلها فعلياً عن باقي أجزاء القطاع، وتشير الخطط الإسرائيلية المعلنة إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد استعدادات لتنفيذ مزيد من التوغل داخل المحافظة.

تُشكل رفح خمس أراضي غزة، وتزداد أهميتها الاستراتيجية لقربها من الأراضي المصرية، ويقع في جنوبها ممر فيلادلفيا المجاور للحدود المصرية، حيث تنتشر قوات إسرائيلية.

ووفقاً لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن الجيش الإسرائيلي يعتزم من خلال السيطرة على "محور موراج"، أن يضم منطقة رفح إلى المنطقة الأمنية التي تمنع إسرائيل الفلسطينيين في غزة من الاقتراب الاقتراب منها أو الدخول إليها.

وشهدت المناطق الحدودية لقطاع غزة مع إسرائيل، عمليات تدمير ممنهجة للمنازل والبنية التحتية من قبل جنود الاحتلال، لجعل هذه المناطق غير قابلة للسكن بشكل كامل، وفقاً لما وثقته شهادات جنود إسرائيل ومنظمات حقوقية

ممر موراج غزة
وسعّت إسرائيل من حدود المنطقة الأمنية، ومساحة المناطق التي أصبحت محظورة أو طالها الإخلاء – عربي بوست

تكريس تقسيم غزة عبر ممر موراج

تسعى إسرائيل من خلال الإجراءات التي نفذتها عقب انهيار وقف إطلاق النار إلى فرض واقع جديد يتكرس فيه تقسيم قطاع غزة وعزله عبر جعل مناطقه الجغرافية منفصلة عن بعضها، ومراقبتها نارياً من قبل جيش الاحتلال.

في هذا السياق، كانت أولى خطوات الاحتلال بعد استئناف الهجوم على غزة، إعادة السيطرة على محور نتساريم الذي يقسم القطاع إلى قسمين، شمالي وجنوبي، وذلك في يوم 19 مارس/آذار 2025، ويمتد المحور من مياه المتوسط غرباً إلى السياج الحدودي شرقاً.

إلى جانب ذلك، تبرز خطة إسرائيلية أخرى لتعميق تقطيع أوصال غزة، وهي إقامة ممر في جنوب القطاع، يُطلق عليه "ممر موراج"، نسبة إلى اسم مستوطنة إسرائيلية سابقة كانت قائمة داخل غزة اسمها "موراج"، ويمتد الممر غرباً من البحر المتوسط، ويعبر بشارع صلاح الدين، وصولاً إلى الحدود الفاصلة بين غزة والاحتلال، عند معبر صوفا.

تهدف إسرائيل من هذا الممر إلى فصل محافظة رفح عن خان يونس وبقية محافظات القطاع، ويبلغ طول الممر نحو 12 كيلومتراً، وسيؤدي إنشاء هذا الممر إلى اقتطاع مساحة مما تزعم إسرائيل أنها "منطقة آمنة" في خان يونس.

كذلك ستؤدي إقامة "ممر موراج" إلى حرمان سكان غزة من أهم المناطق الزراعية في القطاع، إذ تتميز الأراضي التي يمر عبرها الممر بأن لديها تربة خصبة، إضافة إلى مياه جوفية تساعد في أعمال الزراعة.

تهدف إسرائيل من ممر موراج، عزل محافظة رفح عن بقية مناطق قطاع غزة – عربي بوست

"عربي بوست" رصد من خلال صور الأقمار الصناعية، المراحل الأولى من عمليات جيش الاحتلال لإنشاء "ممر موراج"، حيث تظهر الصور بدء عمليات تجريف الأراضي بالقرب من معبر صوفا، باتجاه البحر.

تُظهر صور الأقمار الملتقطة يوم 14 أبريل/نيسان 2025، أن أعمال التجريف اقتربت من شارع صلاح الدين، وتوضح الصور نفسها أن الاحتلال يقضي على المساحات الخضراء المتواجدة على جانبي الممر.

كذلك تظهر صور الأقمار، وجود عمليات تدمير ممنهجة من قبل جيش الاحتلال للأبنية والبنى التحتية، في مناطق عدة متواجدة في المنطقة التي سيتم فيها إنشاء "ممر موراج"، أبرزها المنطقة الواقعة في شمال رفح، والتي اختفت فيها العديد من الأبنية إثر تدميرها.

ممر موراج
تظهر صور الأقمار الصناعية بدء عملية إنشاء ممر موراج لفصل رفح عن بقية مناطق القطاع – عربي بوست

تأتي الإجراءات الإسرائيلية الحالية في غزة ضمن سياق التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أكد "إن إسرائيل تخطط للحفاظ على السيطرة الأمنية على غزة بعد الحرب"، وتنفيذ اقتراح الرئيس دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين في القطاع، و"إعادة توطينهم" في أماكن أخرى.

وتواصل إسرائيل تصعيد ضغوطها على سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، من خلال تشديد الحصار الإنساني عليهم، وفي 2025، أوقف الاحتلال إمدادات الغذاء والدواء والمساعدات إلى القطاع، وهي إجراءات وصفتها منظمات حقوقية بأنها جريمة حرب

مساع للتوصل إلى اتفاق جديد

سياسياً، تتواصل جهود دبلوماسية في محاولة لإبرام اتفاق جديد يؤدي إلى وقف لإطلاق النار، وفي هذا السياق، قالت حركة "حماس" الإثنين، 14 أبريل/نيسان 2025، إنها تدرس مقترحاً تسلمته من الوسطاء بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة، مشيرةً إلى أنها ستقدّم ردها في أقرب وقت.

تطالب الحركة "بانسحاب كامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة، والتوصل إلى صفقة تبادل حقيقية، وبدء مسار جاد لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال، ورفع الحصار".

وذكرت وسائل إعلام مصرية الإثنين 14 أبريل/نيسان 2025، أن القاهرة سلمت "حماس" مقترحاً إسرائيلياً ينص على وقف مؤقت لإطلاق النار في قطاع غزة، وبدء مفاوضات تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار.

وفي يناير/كانون الثاني 2025، تمكنت القاهرة بمشاركة قطر وأمريكا من التوصل لاتفاق بين إسرائيل وحركة حماس ينص على وقف إطلاق النار في غزة وفق عدة مراحل، قبل أن تنتهكه تل أبيب وتعلن من طرف واحد استئناف الحرب في 18 مارس/آذار 2025.

وخلفت الحرب على غزة منذ بدايتها في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى اليوم 15 أبريل/نيسان 2025، نحو 167 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

تحميل المزيد