كشفت مصادر إيرانية متطابقة أن هناك ثلاث ملفات رئيسية ستكون على طاولة المفاوضات الإيرانية الأمريكية التي ستجرى بشكل غير مباشر في سلطنة عمان خلال أيام.
أوضحت المصادر أن الملفات الثلاثة هي الملف النووي والملف الإقليمي "علاقة إيران بمحور المقاومة"، وكذلك ملف الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، مشددة على أن إيران لديها رؤية واضحة للتعامل مع هذه الملفات الثلاث في جولات المفاوضات.
ترامب يعلن بدء التفاوض
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال يوم الاثنين 7 أبريل/نيسان 2025 إن الولايات المتحدة ستجري مفاوضات "مباشرة" مع إيران يوم السبت المقبل في محاولة أخيرة للسيطرة على البرنامج النووي للبلاد، موضحاً أن طهران ستكون "في خطر كبير" إذا فشلت في التوصل إلى اتفاق.

وإذا جرت محادثات مباشرة، فستكون أول مفاوضات رسمية وجهاً لوجه بين البلدين منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي المبرم في عهد أوباما قبل سبع سنوات.
لكن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي صرح بأن مفاوضات "غير مباشرة" ستبدأ يوم السبت المقبل في سلطنة عمان بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة.
وكتب عراقجي على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" فجر اليوم الثلاثاء: "ستلتقي إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان يوم السبت لإجراء مفاوضات غير مباشرة على مستوى كبار المسؤولين". وتابع: "هذه فرصة واختبار أيضاً. الكرة الآن في ملعب أمريكا".
ملفات التفاوض
بخصوص الملفات التي سيتم تناولها في المفاوضات قال حسن أحمديان الأكاديمي الإيراني في جامعة طهران، والقريب من دوائر صنع القرار بالحكومة الإيرانية، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، إن المفاوضات التي يريد الأمريكا طرحها تدور حول ثلاثة ملفات رئيسية، لكن إيران أوضحت في ردها الذي أرسلته إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنها لن تدخل في أي مفاوضات سوى تلك المتعلقة بالملف النووي.
أضاف أحمديان أن باقي الملفات هي الملف الإقليمي، وهو الخاص بعلاقتها بمحور المقاومة والأطراف المسلحة في المنطقة. وقد "أكدت إيران أنها غير مستعدة للتفاوض بشأن قضايا المنطقة أو حلفائها، لكنها أبدت استعدادها للمساهمة في استقرار الإقليم"، على حد تعبير الرجل المطلع على كواليس صنع القرار في طهران/ موضحاً أنه "مع ذلك، فإن موقف طهران التفاوضي "يقتصر فقط على الملف النووي.
أما الملف الثالث في التفاوض فهو ملف الصواريخ والطائرات المسيرة، وهما خارج نطاق النقاش من وجهة نظر طهران بشكل نهائي، على حد قول المصدر ذاته.
في حين قال باقر صالحي الباحث الإيراني في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والمقرب من الحرس الثوري الإيراني: "تنقسم الملفات التي لا ترغب إيران بالتفاوض حولها إلى ثلاثة محاور رئيسية: القضية الصاروخية وكذلك القوة الدفاعية بشكل كامل، بالإضافة إلى محور المقاومة الذي أكد المرشد الأعلى علي خامنئي أنه لا يشكل جزءًا من أجندة إيران التفاوضية مع الغرب، على الرغم من دعم إيران له".

أما فيما يخص الملف الدفاعي الإيراني، فإن تركيز الولايات المتحدة ينصب على تكنولوجيا الطائرات المسيّرة والصواريخ. مضيفاً: "إيران تود فصل هذه القوى عن نفسها حتى تفاوض على أريحية أكبر، أما بالنسبة للموضوع الذي تريد إيران مناقشته فهو الحظر الاقتصادي والطاقة النووية، وهو ملف يرتبط بالمسار النووي".
المطالب الأمريكية
بخصوص المطالب الأمريكية قال باقر صالحي: "فيما يتعلق بالمطالب الأمريكية، يبدو أن الرئيس ترامب يسعى إلى تطبيق 'الحد الأقصى من الحد الأقصى'، أي أنه يريد تحقيق أقصى ما يمكن في كل ملف، والحصول على كل ما يصب في مصلحة بلاده".
حيث تتمثل مطالبه الرئيسية في تقليص البرنامج النووي الإيراني، والحد من القدرات الصاروخية الإيرانية، بالإضافة إلى الحصول على ضمانات تكبح دعم إيران لمحور المقاومة، أو تُغيّر سياستها في تسليحه ودعمه.
أضاف: "خلف الكواليس، تسعى الولايات المتحدة إلى فصل إيران عن محورها الشرقي، وخصوصًا عن روسيا والصين، في محاولة لاستقطابها سياسيًا. هذه الرؤية تُضفي على المفاوضات طابعًا براغماتيًا، وقد تدفع واشنطن إلى تقديم تنازلات من أجل إضعاف نفوذ بكين وموسكو في المنطقة".
في حين قال باقر صالحي إن أمريكا تستهدف الملف النووي كورقة أولى للتفاوض مع الجانب الإيراني بالإضافة إلى ملف النفوذ الإيراني في المنطقة، فضلاً عن ملف الصواريخ الباليستية.
في السياق ذاته، قال الأكاديمي الإيراني حسن أحمديان، القريب من دوائر صنع القرار في طهران، بخصوص المطالب التي تطرحها أمريكا على طاولة المفاوضات، إن "الولايات المتحدة تركز بشكل رئيسي على وقف التقدم النووي الإيراني، بعيدًا عن أولويات إسرائيل أو أوروبا".
أضاف: "القضية الأساسية بالنسبة لواشنطن هي منع الانتشار النووي، ومحاولة إعادة فرض القيود التي نص عليها اتفاق 2015، ولكن هذه المرة عبر صيغ جديدة ترضي ترامب، الذي يسعى لإبرام اتفاق نووي جديد مع إيران".
وإلى جانب هذا الملف الرئيسي، هناك قضايا أخرى تشغل إسرائيل وأوروبا، مثل العلاقات الإيرانية الروسية، خاصة أن علاقة أوروبا بإيران تمر بأزمة نتيجة تلك العلاقة. أما إسرائيل، فهي تُركز على ما تسميه "محور المقاومة"، وهو موضوع تهتم به واشنطن أيضًا وإن كان بدرجة أقل.

أما بشأن التطور النووي الإيراني، فقد نجحت طهران في تحقيق جميع مقومات التصنيع النووي، وتملك القدرة على إنتاج قنبلة نووية خلال شهر واحد فقط.
في هذا السياق، تأتي تصريحات علي لاريجاني مستشار خامنئي وكمال خرازي مستشار خامنئي كذلك بشأن إمكانية التصنيع النووي كأوراق ضغط موجهة إلى الغرب، مفادها أن استمرار الضغوط قد يدفع إيران نحو اتخاذ قرار بتصنيع القنبلة فعلًا.
كان علي لاريجاني مستشار المرشد قد قال في تصريحات له إنه في حال استهداف إيران من جانب أمريكا أو إسرائيل فسوف تلجأ إيران إلى تصنيع القنبلة النووية.
في حين أكد "كمال خرازي"، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، على أن سلوك الإدارة الأمريكية تجاه المفاوضات مع إيران هو عبارة عن حرب نفسية، وسياسة إملاء "إما الحرب أو التفاوض"، وذلك من خلال الرسائل المتضاربة التي يرسلها المسؤولون الأمريكيون.
أضاف خرازي أن مواقف ترامب الأخيرة، والتصريحات الغامضة لبعض المسؤولين الأمريكيين حول رسالته، والتداول الواسع لها في وسائل الإعلام الغربية والإقليمية، تهدف إلى الترويج لنوع من التفاؤل الوهمي، وإثارة الخلافات داخل إيران.
وأوضح أن استراتيجية أمريكا هي الدعوة إلى التفاوض في ظل تشديد العقوبات الاقتصادية والتهديدات العسكرية، بهدف الضغط على إيران للرضوخ إلى مفاوضات غير محددة المعالم، ولا تستند إلى التجارب السابقة. وأكد أن نتيجة هذه الاستراتيجية هي فرض إرادة طرف على الآخر في ظل أجواء التهديد والإملاءات.
موقف إسرائيل
أما بخصوص إسرائيل، فإن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض ولقاءه مع ترامب تعكس مخاوف إسرائيل من احتمال التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران، ومن ضياع الفرصة (استهداف إيران بقوة) التي تم تفويتها في السنوات الماضية وذلك وفق رأي باقر صالحي لـ"عربي بوست".
أضاف: "تسعى إسرائيل إلى إقناع الولايات المتحدة بأن إيران في أضعف حالاتها، وبالتالي فإن الوقت مناسب لتوجيه ضربة، وليس لعقد اتفاق معها. وهي، بشكل عام، ترفض أي اتفاق مع إيران وتخشى من أن يؤدي إلى عودة دور طهران الإقليمي، وقد سعت إسرائيل بعد اتفاق 2015، من خلال اللوبي الصهيوني في أمريكا لعرقلة الاتفاق النووي وهو ما تم بانسحاب ترامب".
أشار إلى أنه من المرجح أن تعاود إسرائيل الضغط هذه المرة أيضًا، بهدف تقييد أي اتفاق نووي محتمل، خصوصًا فيما يتعلق بملفات محور المقاومة، والطائرات المسيّرة، والقدرات الصاروخية.

حيث تنظر إسرائيل بعين القلق إلى أي اتفاق محتمل بين إيران وأمريكا، لا سيما إذا لم يتضمن تفكيكًا حقيقيًا للبنية التحتية النووية الإيرانية. ومن المحتمل حسبما يرى باقر صالحي أن: "تكثف أنشطتها الدبلوماسية والأمنية بهدف تعديل أو إيقاف الاتفاق وتعزز تنسيقها الأمني مع دول الخليج وتصعّد عملياتها الاستخباراتية، وربما العسكرية، ضد المصالح الإيرانية في المنطقة وتتعامل مع أي اتفاق لا يلبي متطلباتها الأمنية كتهديد مباشر لأمنها القومي".
كما ستسعى إسرائيل إلى الضغط على إيران من أجل قيام طهران بتنفيذ "الوعد الصادق 3″، للضغط على واشنطن بغية الانسحاب من الاتفاق أو تعطيله بالكامل.
فيما يُحاول ترامب، إلى حد ما، حلّ مشكلة من صنع يديه. فقد أدى الاتفاق النووي لعام 2015 إلى شحن إيران 97% من اليورانيوم المُخصب إلى خارج البلاد، تاركًا كميات صغيرة داخلها، بالإضافة إلى المعدات اللازمة لإنتاج الوقود النووي.
وصرح الرئيس باراك أوباما وكبار مساعديه آنذاك بأن الاتفاق هو أفضل ما يمكنهم استخراجه. لكنه ترك لإيران المعدات والمعرفة اللازمة لإعادة البناء بعد انسحاب السيد ترامب من الاتفاق، واليوم لديها ما يكفي من الوقود لإنتاج ما يزيد عن ستة أسلحة نووية في وقت قصير نسبيًا.
من جانبه قال الأكاديمي حسن أحمديان: "تعرف إسرائيل حالة من القلق تجاه أي تقارب أو تفاهم محتمل بين إيران والولايات المتحدة، لما قد يعنيه ذلك من تخفيف حدة الصراع بين الطرفين، وهو ما ترى إسرائيل أنه يضر بمصالحها".
أضاف أحمديان: "لذلك، تسعى جاهدة إلى تعقيد الأمور وعرقلة الوصول إلى أي اتفاق، حيث تدفع باتجاه اعتماد نموذج نزع السلاح الليبي كحل يُفرض على إيران، وهو ما ترفضه طهران بشكل قاطع".
كما قال أحمديان: "تحاول إسرائيل التأثير على الرؤية الأمريكية للمفاوضات من خلال فرض رؤيتها الخاصة، وهو ما يُعتبر محاولة لتعطيل أي مسار تفاهمي محتمل".
نتائج المفاوضات
أما بخصوص الاتفاق نفسه، فقد قال حسن أحمديان لـ"عربي بوست": "لا يزال الوقت مبكرًا للحكم على نتائجه، إذ ما زلنا في بدايات الجولة الحالية من المحادثات. ومع ذلك، يبدو أن هناك توجهًا لدى الطرفين للابتعاد عن التصعيد والسعي نحو نوع من التفاهم".

أضاف: "السؤال المطروح هو: هل يمكن أن نصل إلى اتفاق مشابه لذلك الذي تم التوصل إليه في 2015؟ الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بنتائج المفاوضات، وما إذا كانت اللقاءات بين القيادات ستُعقد مستقبلاً".
أوضح كذلك أحمديان: "الإيرانيون بدورهم قدموا تصورًا مرحليًا للمفاوضات، يتطلب تنفيذ كل مرحلة قبل الانتقال إلى التي تليها، واشترطوا على الولايات المتحدة إثبات التزامها قبل التقدم".
أضاف: "في حال الالتزام، قد تمهد مراحل لاحقة الطريق للقاءات بين القيادات، لكن في الوقت الحالي يبدو هذا السيناريو مستبعدًا بشدة، لا سيما في ظل انعدام الثقة تجاه ترامب".
في حين قال باقر صالحي: "من الواضح أن نسخة 2015 من الاتفاق لن تتكرر، لا من حيث النتائج ولا من حيث الإجراءات. فالاتفاق السابق كان يغلب عليه الطابع الدبلوماسي، أما الآن، فالبراغماتية تبدو السمة الغالبة على مسار المفاوضات الحالية بين إيران والولايات المتحدة".
ويرى ترامب أن هذه المفاوضات تشكل فرصة ثمينة له، بعكس المفاوضات السابقة التي اعتبرها عبئًا بسبب التكاليف الاقتصادية. الآن، يرى فيها وسيلة لتحقيق مكاسب اقتصادية لبلاده.
كما قال باقر صالحي: "من المحتمل أن يُبرم اتفاق بين إيران وأمريكا، رغم وجود عقبات مثل التيار الأصولي في إيران واللوبي الإسرائيلي، وهما طرفان غير حريصين على إنجاز أي تفاهم".
أضاف: "ومع ذلك، أعتقد أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق مبدئي يُمهد الطريق لمفاوضات أوسع، ويوفر مناخًا إيجابيًا لإنجاز اتفاق شامل في نهاية المطاف".
السيناريو العسكري
في حين أثير في الأيام الماضية أن أمريكا ماضية إلى استهداف إيران عسكريًا لإجبارها على التفاوض وهي في موقف ضعيف، لكن مصدر إيراني مقرّب من وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، قال في تسجيلات خاصة لـ"عربي بوست"، أن ما يُثار حول نية الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، شنّ هجوم عسكري مباشر على إيران هو أمر غير دقيق وبعيد عن الواقع.
قال كذلك إن: "الإدارة الأمريكية لم تكن تُدرج الصدام العسكري المباشر مع طهران ضمن أجندتها، وذلك استنادًا إلى رسائل مؤكدة وصلت إلى القيادة الإيرانية".
أضاف المصدر أن حتى الضربة التي تم توجيهها للحوثيين جاءت كردّ فعل أمريكي على استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر ولم تكن ضمن استراتيجية هجومية مستمرة.

مشدداً على أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران لم تكن ترتكز على تدخل عسكري مباشر، منذ الأيام الأولى للثورة الإيرانية، بل على تحركات غير مباشرة تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي، مثل تحفيز خصوم إقليميين أو حتى نشطاء ليبراليين في الداخل.
أما فيما يتعلق بحاملات الطائرات الأمريكية والوضع في البحر الأحمر، فقد بيّن المصدر أن هذه التحركات تتصل بشكل أساسي بجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن وليس المقصود بها إيران.
وفي السياق ذاته، أشار إلى أن الضغوط الأمريكية على الصين لوقف شراء النفط الإيراني تأتي ضمن سياسة أمريكية أشمل تهدف إلى خنق الاقتصاد الإيراني عبر تقليص صادراته النفطية، من خلال التأثير على شركائه التجاريين الرئيسيين مثل بكين. وهو مسار سياسي وليس عسكريًا كما يتخيل البعض، مشيرًا في النهاية إلى أن إيران وأمريكا ربما ينجحون في إبرام اتفاق يخص المشروع النووي قريبًا.