لم يسلم أحد في قطاع غزة من قنابل وصواريخ الاحتلال الإسرائيلي في العدوان المستمر منذ أكثر من 500 يوم، بما في ذلك الأجنة الفلسطينية في أرحام أمهاتهم الذين انضموا إلى أكثر من 16 ألفاً من الأطفال الشهداء من بينهم مائتا رضيع ولدوا واستشهدوا خلال الحرب المستمرة على قطاع غزة.
وخلص تحقيق للأمم المتحدة إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت أعمال إبادة في قطاع غزة عبر التدمير الممنهج لمنشآت الرعاية الصحية الإنجابية، من خلال مهاجمتها وتدميرها بصورة متعمدة لمركز الخصوبة الرئيسي في القطاع، ومنع المساعدات والأدوية اللازمة لضمان سلامة الحمل والإنجاب ورعاية المواليد.
ما يعني أن الحرب على غزة دمرت جزئياً القدرة الإنجابية للفلسطينيين عبر التدمير الممنهج لقطاع الصحة الإنجابية. ليس ذلك فحسب، بل إن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أعلنت عن تشخيص أكثر من أربعة آلاف امرأة حامل ومُرضِع في غزة مصابات بسوء التغذية الحاد.
الرقم الذي أعلنته "الأونروا" قابل للزيادة، لاسيما بعد إغلاق المعابر بداية شهر رمضان، وحدوث نقص عام في الحصة الغذائية التي تتلقاها المرأة الحامل أو المُرضِع، مما ينجم عنه سوء التغذية للمواليد الرُّضَّع، وساهم في تردي أوضاعهم الصحية، بمن فيهم الخُدّج أو حديثو الولادة.
كما اطلع "عربي بوست" على ظاهرة جديدة في المشافي الغزية عنوانها "المواليد الأقزام"، أي أنهم أقصر من متوسط المواليد، بسبب سوء التغذية، فضلاً عن تزايد حالات الإجهاض المبكر، وعدم اكتمال فترة الحمل، سواء بسبب سوء التغذية، أو استنشاق الحوامل للغازات السامة، أو سياسة التجويع التي يواجهنها من قبل الاحتلال.
ارتفاع معدلات التشوهات الخلقية
تسببت الإبادة الجارية في غزة في ارتفاع التشوهات الخلقية لدى المواليد في غزة، خاصة في القلب والقدمين والدماغ والأعضاء التناسلية والأطراف السفلية، اكتشفها الأطباء بعد الولادة، مما زاد من أعداد المصابين بتشوّهات خلقية.
وسجلت إحصائيات الأطباء المئات من إصابات الأطفال حديثي الولادة بتشوّهات واضطرابات خلقية، توفي 20% منهم على الأقل، وأرجعوا هذه الزيادة إلى العديد من العوامل، أهمها:
المواد المتفجرة التي أسقطتها الطائرات والدبابات الإسرائيلية على غزة، وتحمل المواد السامة والإشعاعية والفسفورية، مما أسفر عن زيادة نسبة العيوب الخلقية في المواليد الذين يدخلون حضانة الأطفال الخُدّج.
انتشار العديد من الفيروسات المُعدِية، وغياب النظافة، وسوء التغذية عند الأمهات، ووجود 3500 طفل معرضين للموت بسبب سوء التغذية ونقصها.

النزوح المتكرر لقرابة خمسمائة ألف طفل دون سن العاشرة، ممن هم بحاجة إلى لقاحات، ووفاة العديد من المواليد فور ولادتهم، لأن أحجامهم غير طبيعية، فيما أثقل الإرهاق والخوف والجوع والجفاف كاهل الأمهات، وبدل أن يلدن أطفالهن بين أذرعهن، فإنهن يلدنهم وهن يتنقّلن من نزوح لآخر.
انخفاض معدل النموّ المُقدّر في غزة من 2.7% إلى 1% فقط، وانخفاض مُعدّلات المواليد والإنجاب بصورة كبيرة جداً نتيجة لتوجه الأزواج إلى عدم الإنجاب نظراً للأوضاع السائدة، وخوفاً على صحة الأمهات والأطفال، وانخفاض عدد حالات الزواج الجديدة خلال العدوان إلى مستويات متدنية للغاية.
مواليد بحجم "غير طبيعي"
كشفت حرب غزة عن معاناة كبيرة جداً للحوامل والمواليد الجدد، حيث توجد خمسون ألف امرأة حامل حالياً، وسط نقص كبير في الأدوية التي تحتاجها، إضافة لسوء التغذية، والافتقار للمتابعة الطبية، مما يترك آثاره السلبية على صحة الحامل وجنينها، وقد بِتن معرّضات للخطر بسبب انهيار النظام الصحي وسط الحرب المستعرة.
كما أن معاناة النزوح المتكرر أدت لإجهاض بعضهن، حيث تبدأ معاناتهن في مرحلة ما قبل الولادة وما بعدها، ويواجهن الموت الحقيقي بسبب كثرة التنقل الذي يجبرن عليه بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، إضافة لنقص الغذاء والفيتامينات وغيرها من العناصر الأساسية، ويستغرق وقت الولادة الطبيعية أكثر من العادة.
فيما تشعر الحوامل بالألم خلال العمليات القيصرية، وبعد الولادة لا يحصل الجنين على حليب الأم بسبب نقص الغذاء، مما يدفعها للبدء بمرحلة تأمين الحليب الصناعي، وبذلك لا يحصل المواليد الجدد على عناصر النمو الأساسية، أما الأمهات فإنهن يواجهن مشاكل صحية ما بعد الولادة.
صندوق الأمم المتحدة للسكان كشف في تقرير أصدره أن أطباء غزة ما عادوا يرون مواليد بالحجم الطبيعي المعتاد، لأن أمهاتهن يعانين الجوع والجفاف يومياً، مما يجعلنا أمام كابوس لأكبر أزمة إنسانية لأن المواليد الجدد يصلون المستشفيات في حالات حرجة جداً، وتظهر عليهم علامات الضعف والشحوب بسبب سوء تغذية الأمهات.
استهداف إسرائيلي للأجنّة المجمّدة
بالتزامن مع هذه السياسة الإسرائيلية المتعمّدة في استهداف الحوامل والمواليد والأجنّة في بطون أمهاتهم، فقد شهدت الحرب الجارية ظاهرة جديدة تتمثل في استهداف الأمهات اللواتي تم حملهنّ بواسطة التلقيح الصناعي، حيث تسبّبت بقطع مسيرة علاجهنّ المعقّدة، عقب وقف تدفق الإمدادات الطبية، والقصف الذي دمر آلاف الأجنّة المجمّدة.
إذ إنه في أول أيام الحرب الإسرائيلية المدمّرة على القطاع لوحده كانت نحو خمسين أمّاً غزية في منتصف عملية حقن الهرمون، يقمن بتحضيرات لاستئصال الجنين في "مركز البسمة للإخصاب وأطفال الأنابيب"، وأخريات على بعد أيام فقط من تسلّم أجنّتهنّ.
كما قتلت الغارات الإسرائيلية أربعة آلاف جنين مجمّداً كانوا في عيادات النساء والعقم والولادة بغزة، نصفها يعود لأزواج لم يكونوا قادرين على الخضوع لعلاجات إضافية، مما جعل وضعهنّ خطيراً للغاية، أو بحاجة لمتابعة، خاصة أن حمل كثير منهنّ سيكون صعباً.
مع أن آلافاً منهنّ يتلقين رعاية ما قبل الولادة، ومن يضعن مواليدهنّ يبقين دون مساعدة طبية، مما يعني ارتفاع الوفيات المرتبطة بالأمومة والولادات الحديثة، ولذلك شهدت غزة معدلات الإجهاض بنسبة 300%.
تكشف هذه المعطيات أن مصائر مخيفة تتربّص بالحوامل في غزة، بين الموت والإجهاض والولادة المبكرة، مع استمرار الإبادة التي زادت تهدد حياتهنّ وحياة مواليدهنّ، مع أن المعطيات تتحدث عن وصول عدد حالات الولادة في غزة إلى 180 حالة يومياً.

إذ أن بعضهنّ يضطررن لإرضاع مواليدهنّ بالماء، بسبب سوء التغذية الذي يعانينه، وعدم توفر حليب صناعي في الصيدليات والمشافي، وهناك المئات من الأمهات اللائي يعانين صعوبات جمّة في إرضاع أطفالهنّ، ولذلك لم يكن غريباً ارتفاع نسبة الإجهاض، والولادات المبكرة الخطرة والقيصرية، وتعرّض حديثي الولادة لخطر الوفاة، بسبب سوء التغذية.
مع العلم أنه خلال عام 2023، قبل اندلاع الحرب على غزة، بلغ معدل الإنجاب لدى نساء غزة 3.38 مولوداً لكل امرأة، مما يفسّر عدد المواليد الضخم في القطاع خلال الحرب، لكن نسبة الخصوبة هذه قد تتأثر خلال الأعوام المقبلة، أي أن الخصوبة ليست في أفضل أحوالها، ولم تعد في متوسطها الطبيعي.
كل ذلك يؤكد أن النسل الفلسطيني في خطر حقيقي بسبب حرب الإبادة، وأن هناك خوفاً شديداً على المرأة التي تعد "مُنتِجة جيدة" للأطفال، مما سيُسفر عن تغيّر سلبي في صورة المجتمع الفلسطيني في غزة من نواحٍ عدة، أولها تحوّله إلى مجتمع طفولي وليس شابّاً، وثانيها قلّة عدد النسوة، وثالثها تغير نسبة الخصوبة وعدد المواليد، ورابعها الخلل في القوى العاملة.
القنبلة الديموغرافية وتهديد الاحتلال الإسرائيلي
يصعب الحديث عن هذه الظواهر الجديدة في غزة بفعل حرب الإبادة بمنطق إنساني طبّي بحت، دون العودة لجذورها السياسية والأمنية التي انطلقت منها سلطات الاحتلال، ودأبت من خلالها بصورة لافتة، على التحذير مما تعتبره خطر التهديد الديموغرافي الفلسطيني.
وفقاً للعديد من الخبراء الإسرائيليين، لاسيما البروفيسور أرنون سوفير، الملقب بـ"نبي القنبلة الديموغرافية"، الذي ما لبث أن يحرّض على الفلسطينيين، زاعماً أن "الجنّي الديموغرافي الفلسطيني يخرج من القمقم"، ساخراً منهم بلغة عنصرية بالقول إنه "لا بأس من أن نُبقي حاجتنا من الفلسطينيين لاستخدامهم في جمع القمامة، والعمل في البنية التحتية الرثة، وتوفير الخضار والفواكه لنا، وخدمتنا في المقاهي والمطاعم".
مع أن عدد الفلسطينيين تضاعف نحو عشر مرات منذ النكبة عام 1948، ويقدّر اليوم بأربعة عشر مليوناً، منهم 2.3 مليوناً في قطاع غزة لوحده، على مساحة جغرافية لا تتجاوز 360 كيلومتراً مربعاً، شهدت خلال الحرب الجارية قضمًا خطيرًا لمساحات واسعة منه، مما سيعمل على تحويله لمزيد من الازدحام والاكتظاظ السكاني غير المسبوق على مستوى العالم.
وبالتزامن مع ما تواصله الطائرات والدبابات الإسرائيلية من قصف جوي ومدفعي على مدار الساعة على قطاع غزة، فقد واصلت المحافل اليمينية السياسية والأمنية استغلال هذه الحرب لتوظيفها للتغلّب على التفوق الديموغرافي الفلسطيني، مع أن أحد الحوافز للحرب الدائرة هو التخلّص من فلسطينيي غزة الذين باتوا يتزايدون بصورة مقلقة للاحتلال.
وبات يرقب هذه الزيادة في كل مناسبة، ويعتبرها تهديدًا له على المدى البعيد، مما يستدعي التعامل معها على الفور، تارة بالقتل المنهجي السائد خلال الحرب، وتارة أخرى بالتعامل وفق سياسات ديموغرافية إحصائية مخطط لها سلفاً.
هنا يمكن استحضار ما ذكره ممثل الإدارة المدنية الإسرائيلية أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست؛ من ارتفاع عدد الفلسطينيين منذ اتفاق أوسلو، أي إنهم خلال ثلاثين عامًا تضاعف عددهم ثلاث مرات، وهذه إحصائيات مخيفة؛ على حدّ وصفه.
فيما زعم سوفير أن معدل المواليد الفلسطينيين ستة أطفال لكل امرأة، بينما معدل المواليد اليهود أقل من ثلاثة، وبغض النظر عن مدى وجاهة هذه التحذيرات التي تمارسها الأوساط الإسرائيلية ومؤسساتها البحثية، ومصداقيتها العلمية، لكن دلالتها السياسية أوضح من أن يتم إخفاؤها، بعد أن بات الإسرائيليون يستخدمون التركيبة السكانية سلاحاً ضد الفلسطينيين.
وقال المؤرخ بيني موريس، وهو من أوائل من فضح بالتوثيق وجود خطة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين عام 1948، إنني "لا أعرف كيف سنخرج من هذا المأزق الديموغرافي، فهناك اليوم عدد أكبر من الفلسطينيين مقارنة باليهود بين البحر المتوسط ونهر الأردن، والنتيجة أننا نسير نحو دولة واحدة ذات غالبية فلسطينية، بحيث نحكم بموجبه شعباً محتلاً دون حقوق".
مخاطر "الانقلاب الديموغرافي"
لم تتوقف تحذيرات الاحتلال عند الأكاديميين فحسب، بل وصلت للمحافل العسكرية والأمنية، التي تزعم وجود مخاطر مترتبة على ما تصفها حالة "الانقلاب الديموغرافي" الحاصلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنها قطاع غزة، خشية تقويض المشروع الصهيوني، بزعم أن الفلسطينيين يسعون لتضخيم تواجدهم السكاني بنسبة 50٪، مما يستدعي تقليل عدد المواليد الفلسطينيين، وزيادة معدلات الإجهاض لديهم، وهو ما وجد ترجمته في الحرب الدائرة على غزة، ومعطياتها الإحصائية.
وثيقة أمنية أعدها عدد من كبار الضباط والجنرالات من رابطة "الأمنيين"، ويمثلون تيارات اليمين واليسار، خلصت إلى أن وجود أغلبية فلسطينية عربية بين النهر والبحر، بما فيها غزة، يعتبر خطراً استراتيجياً على الدولة.
هذا الوضع يتطلب، وفق الوثيقة، تغيير التوازن الديمغرافي، وإلا فإن قوى المقاومة المعادية للاحتلال ستسعى لتوظيف هذا التفوق العددي لإنتاج نواة مسلحة، وهو ما تجلّى في الجيش المنظّم الذي حضّرته حماس خلال السنوات العشرين الماضية منذ الانسحاب منها في 2005، ومن خلاله هاجمت دولة الاحتلال في السابع من أكتوبر في أخطر هجوم عرفته الدولة في تاريخها!
بدا لافتاً أن التحريض الإسرائيلي على تزايد أعداد فلسطينيي غزة مع دعوات لإعادة استيطان آلاف اليهود، ويجعل من هذه القضية على جدول أعمال الحكومة، بزعم أن دولة الاحتلال تعاني من قصور ديموغرافي وجغرافي حاد، في استغلال واضح لوصف الرئيس دونالد ترامب لإسرائيل بأنها "دولة صغيرة جغرافياً".
يستذكر الإسرائيليون تصريحات دافيد بن غوريون، أول رئيس حكومة حين قال إنه "يجب جلب اليهود للإقامة هنا، وبأي ثمن، ويجب توفير أغلبية يهودية عددية خلال زمن قصير"، وهكذا تركزت جهود الحكومات المتعاقبة على تحقيق هذا الهدف الصهيوني، رغم سلسلة مخاوف إسرائيلية رصدها "معهد أورشليم للشؤون العامة والدولة"، تؤدي في مجملها لزيادة ما وصفه بـ"النزيف" اليهودي السكاني الحاصل، وهي:
- ازدياد معدلات الولادة عند الفلسطينيين أكبر من نظيرتها عند اليهود.
- يبدأ الشاب اليهودي بالزواج والإنجاب مع سن الـ25، أما الفلسطيني فيبدأها عند سن الـ19.
- تبلغ نسبة الأزواج اليهود الراغبة بالإنجاب على الفور 31%، فيما ترتفع النسبة عند الفلسطينيين بـ42%.
تصاعد المقاومة وازدياد المواليد
أثبتت الحرب الإسرائيلية على غزة أنها تسعى لتحقيق تطلّعات ديموغرافية هدفها تفريغ القطاع من سكانه؛ من خلال قيامه بعمليات التهجير، وتبنى سياسات اقتصادية واجتماعية من شأنها تضييق الخناق على الفلسطينيين، ودفعهم للهجرة القسرية أو الطوعية، وفقاً لما كشفته المخططات الإسرائيلية والأمريكية في الآونة الأخيرة، مع العلم أن قطاع غزة شكّل حالة استثنائية عن باقي الأراضي الفلسطينية، ومن مؤشراته الاستثنائية كثافته السكانية اللافتة، حتى بات أكثر بقعة جغرافية مزدحمة بالسكان حول العالم، في أقل مساحة ممكنة.
ينطلق بعض الإسرائيليين في توصيفهم لتصاعد المقاومة في غزة بصورة خاصة، أن القطاع كان، وما زال، قنبلة موقوتة معرّضة للانفجار في أي وقت، وهو ما حصل بالفعل في السابع من أكتوبر، ومع اكتظاظه بالسكان في مخيمات اللاجئين، وسوء أحواله الاقتصادية، فقد وقع هجوم الطوفان الذي لم يتوقعه أحد من الإسرائيليين.
وبات اليوم بداية مرحلة حاسمة في مسيرة القضية الفلسطينية، لاسيما وأن قطاع غزة، الذي يبلغ عدد سكانه حالياً نحو 2.2 مليون نسمة، بمعدل زيادة طبيعية يقترب من 3% سنوياً، وبالتالي فإن المشكلة الديموغرافية القائمة في غزة، لن تكون إنسانية فحسب من وجهة النظر الإسرائيلية، بل في المقام الأول سياسية وأمنية.
هنا يمكن استعادة تصريح عنصري لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو منذ أكثر من عشرين عاماً، حين كان وزيراً للمالية، بزعمه أنه "إذا ارتفعت نسبة الفلسطينيين فوق المستوى الحالي، فلن تتمكن إسرائيل من الحفاظ على الأغلبية الديموغرافية اليهودية، لأنها دولة صغيرة جداً، ليس لديها عمق، لا جغرافياً ولا ديموغرافياً، ويجب أن نسيطر على حدودنا".

فيما ذكر رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت، أن "أحد الأسباب المحفّزة للوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين، والانفصال عنهم، هو منع وضع يكونون فيه أغلبية تحت سيطرتنا، وإلا فإنهم سيشكلون لنا معضلة تتمثل بإلغاء الدولة اليهودية، لأن ساعة الرمل الديموغرافية تقترب".
البروفيسور سيرغيو ديلا بيرغولا، رئيس قسم اليهودية المعاصرة في الجامعة العبرية، وأحد أكثر الأكاديميين المقرّبين من دوائر اليمين الحاكم، زعم أن "البيانات الديموغرافية باتت سلاحاً في الحرب النفسية التي يشنها الفلسطينيون ضد دولة الاحتلال، بل إنها باتت لا تقل أهمية عن الانتفاضة المدنية الفلسطينية"، مستنداً إلى ورقة بحثية أعدها فريق من الباحثين الديموغرافيين بعنوان "الفجوة المليونية: الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة".
معدلات الإنجاب وزيادة الإخصاب
لم يقتصر التخويف الإسرائيلي من التنامي الديموغرافي الفلسطيني على المسئولين السياسيين، بل إن قادة أجهزة الأمن والمخابرات، ومنهم رئيس الموساد السابق تامير باردو، اعتبروا هذه المسألة "قنبلة موقوتة"، لكننا "ندفن رؤوسنا في الرمال، لأن عدد اليهود بين البحر والنهر، ومنهم في غزة، يكاد يكون مطابقاً لعدد العرب المسلمين، مما يجعلنا نواجه تهديداً وجودياً".
مع أنه منذ الانسحاب الإسرائيلي من غزة قبل عشرين عاماً، فلم تعد غزة تشكل تهديداً ديموغرافياً لإسرائيل، لكن هجوم السابع من أكتوبر، أعاد تهديدها من جديد، مما قد يستدعي التعامل معها سواء بالقوة، أو الإقناع، أو التدخل الخارجي.
ولأن التهديد الديموغرافي الفلسطيني لا يقل خطورة عن غيره من التهديدات بالنسبة لإسرائيل، حسب زعمها، فقد عمدت حكوماتها طوال عقود ماضية، على توفير برامج تحث على إنجاب مزيد من الأطفال، واعتبار الإجهاض تهديداً للاعتبارات الديموغرافية اليهودية، وأسهمت المنظومة الصحية بمساعدة الراغبين في علاج الخصوبة، وتمنح دعماً للإخصاب خارج الجسم بنحو 150 مليون دولار في السنة.
حتى أن معهد "فان لير" لأبحاث العلوم الإنسانية والاجتماعية، اعتبر إسرائيل من الدول الأساسية في مجال علاجات الإخصاب، وعليه تمكن مئات آلاف الأزواج الإسرائيليين من التحول إلى مُنجِبين بواسطة التكنولوجيا المتطورة، فيما تمعن ذات الدولة في إجهاض الأجنّة الفلسطينيين، بداعي التخوف من تفوقهم الديموغرافي.
يستعيد الإسرائيليون التهديد الذي دأب الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على توجيهه لهم بالتفوق الديموغرافي الفلسطيني على الإسرائيلي، واعتباره أن "رحم المرأة الفلسطينية العربية يعتبر السلاح الأقوى للفلسطينيين في مواجهة إسرائيل".
واعتبروا أن الإقدام الإسرائيلي على توقيع اتفاق أوسلو في 1993 والانسحاب من غزة في 2005، للعديد من الأسباب، أهمها المخاوف من أن معدلات الإنجاب الفلسطينية ستجتاح اليهود، لكن الغريب فعلاً أن الدوائر الإسرائيلية الرسمية ما زالت تُدرج في إحصائياتها السكانية عدد فلسطينيي غزة، رغم الانسحاب منها.